الفياجرا النسائية: بين الحقيقة الطبية ومبالغات الإعلام
ضجة بارزة شهدتها المواقع الإخبارية، ومواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة، بعد إعلان إحدى الشركات المصرية عن عقد مؤتمر صحفي للإعلان عن إنتاجها أول منشط جنسي نسائي يزيد الرغبة الجنسية لدى السيدات، سيغزو الصيدليات قريبًا.
لسبب غير معلوم حتى لحظة كتابة هذه السطور، تمَّ تأجيل المؤتمر إلى أجل غير مسمى، ومع ذلك لم يتوقف الكلام عن الفياجرا النسائية كما شاعت تسميتها في عناوين الصحف والبرامج الإخبارية.
المفترض أن العقار الجديد سينزل إلى الأسواق تحت اسم «فليبانورين»، وهو مشتق من اسم المادة الفعالة وهي فليبانسرين، والتي حصلت على موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية منذ سنوات للتداول لعلاج بعض حالات ضعف الرغبة الجنسية للسيدات. وسعره – كما تذكر بعض التسريبات – مرتفع نسبيًا بالنسبة للسوق المصري، حيث يبلغ 200 جنيه مصري للشريط المحتوى على 10 حبات. أي أن سعر الحبة 20 جنيهًا. لكن هل يستحق العقار الجديد كل هذا الضجيج، وتلك التكلفة؟
فياجرا للمخ!
أحد الشعارات التسويقية على الموقع الرسمي لعقار addyi، العلامة التجارية الأصلية للفليبانسيرين
الفياجرا هو علامة تجارية لواحد من أشهر الأدوية في العصر الحديث، مادته الفعالة هي السيلدينافيل، والذي ينتجه عملاق صناعة الدواء العالمي شركة فايزر. كما هو معلوم، فإنه يستخدم لعلاج مشكلة جنسية شائعة لدى الرجال، وهي ضعف انتصاب العضو الذكري، حيث يعمل كموسع للأوعية الدموية في القضيب، فتستوعب قدرًا أكبر من الدم، فيتعزَّز الانتصاب.
واستخدام كلمة الفياجرا النسائية مع الدواء الذي سنتحدث عنه اليوم، هو لاشك خدعة تسويقية واضحة، تتمسَّح في النجاح الهائل للفياجرا الرجالية، مضافًا إلى ذلك أيضًا لعبة الألوان، حيث اختير لحبات الدواء الجديد اللون الوردي، في مقابل اللون الأزرق الشهير للفياجرا.
قد لا يعرف الكثيرون أن هناك اختلافات جذرية بين العقاريْن في طريقة العمل. الفياجرا الأصلية كما ذكرنا، لا علاقة لها بزيادة الرغبة الجنسية لدى الرجال، إنما تهدف لتحسين الأداء الجنسي، عن طريق علاج مشاكل ضعف الانتصاب، وعلى مدار سنين، حظيت بنجاح كبيرٍ في علاج حالاتٍ عديدة من ضعف الانتصاب، وهذا ما حفظ لها مبيعاتٍ هائلة بالمليارات، خاصة وهي عقار آمن في أكثرية الحالات، رغم وجود آثار جانبية عديدة، ومُجرَّب على نطاقٍ واسع.
أما الدواء النسوي الجديد، فعلى عكس الفياجرا، لا علاقة له بالأداء الجنسي لدى المرأة، وإنما هدفه علاج مشكلة البرود الجنسي الذي تعاني منه بعض السيدات، ويسبب مشكلاتٍ زوجية جسيمة، قد تنتهي في بعض الحالات بالانفصال. وبالتالي فمنطقة عمل كلا العقاريْن مختلفة تمامًا.
تعمل المادة الفعالة في الحبة الوردية، الفليبانسيرين، على إعادة التوازن داخل المخ بين النواقل الكيميائية الرئيسية، والتي تتحكم في عملية الاستثارة الجنسية، وهي الدوبامين، والنور-أدرينالين، والسيروتونين. يعمل العقار على زيادة نسبة الدوبامين، والنور-أدرينالين ببعض مناطق المخ، حيث إنهما مسؤولان عن حدوث الاستثارة الجنسية، في حين يقلل السيروتونين، والذي يسبب بعض التثبيط الجنسي عندما يزيد على الحد في بعض السيدات.
هل يصلح الفليبانسيرين لجميع السيدات؟
الجواب قطعًا لا. حيث يصلح فقط بأمر الطبيب لبعض الحالات المختارة التي تعاني فيها بعض السيدات من حالة مزمنة تسمى اضطراب ضعف الرغبة الجنسية، حيث تعاني المرأة على مدار أسابيع وشهور من فقدان الشغف لإقامة علاقة جنسية مع شريكها، مما يسبب ضغطًا نفسيًا كبيرًا عليها.
هذه الحالة المرضية يتم تشخيصها بالاستبعاد، بالتأكد من عدم وجود أمراض عضوية أو نفسية تسبب فقدان الرغبة الجنسية مثل بعض اضطرابات الغدد، أو الاكتئاب … الخ. إذ لابد في تلك الحالات من علاج السبب الأصلى، لكي يتم علاج ضعف الرغبة الجنسية.
جدير بالذكر أن الدواء الجديد ليس له فاعلية في علاج ضعف الرغبة الناشئ من اضطراب علاقة الزوجيْن ببعضهما، أو الناتج عن تعاطي بعض العقاقير المثبطة للرغبة الجنسية. ولا يُنصَح باستخدامه للرجال، أو للسيدات بعد بلوغ سن اليأس.
كيف يستخدم العقار الجديد؟
لا ينبغي تعاطي هذا العقار إلا بتوصيةٍ من الطبيب المختص. الجرعة المعتادة هي قرص واحد تركيز 100 مجم يوميًا، بالفم، قبل النوم وهذا الوقت مثالي لتجنب بعض الآثار الجانبية التي قد تظهر بتعاطي الدواء نهارًا، مثل الدوخة، وهبوط ضغط الدم.
وخلال حوالي شهرين – 8 أسابيع – إذا لم تظهر نتائج ملموسة، يتم التوقف عن تناوله. والتأثير الكامل للدواء لن يحدث بتناول قرص واحد، إنما يحتاج إلى الانتظام لعدة أيام. لكن في حالة نسيان إحدى الجرعات، يتم تناول الجرعة التالية في الموعد المعتاد في اليوم التالي، ولا يتم أخذ جرعة مضاعفة.
ما الآثار الجانبية للعقار، وما أهم التعليمات المتعلقة بالاستخدام الآمن له؟
أشهر الآثار الجانبية هي الدوخة، والشعور بالإرهاق، والغثيان، وهبوط ضغط الدم. تتفاقم هذه الأعراض في حالة تعاطي الكحوليات، وكذلك إذا تم تعاطي العقار أثناء النهار، ولذا ينصح بتناوله قبل النوم.
هناك بعض الآثار الجانبية الأقل في احتمال حدوثها، مثل اضطرابات النوم والأرق، وبعض الآلام بالبطن، أو حدوث إمساك مزمن. في حالاتٍ شديدة الندرة قد تحدث آثار جانبية خطيرة، مثل هبوط بالدورة الدموية، أو دوخة شديدة قد تصل لإغماء قصير، أو حساسية شديدة للعقار قد تسبب ضيقًا شديدًا بالتنفس، وطفحًا جلديًا منتشرًا، وشعورًا بالغثيان.
وللتغلب على الآثار الجانبية للعقار، يُنصح بشدة بعدم تعاطي الكحوليات نهائيًا أثناء فترة تعاطيه، وكذلك الماريجوانا – الحشيش – كذلك ينصح بتجنبه لمرضى الكبد المزمن، ويُنصَح كذلك بعدم تناول عقاقير طبية معه إلا بعد الرجوع للطبيب، حيث يحدث بعض التفاعلات غير المحببة بينه، وبين بعض أدوية علاج فيروس الكبد سي، وأدوية الإيدز، وبعض المضادات الحيوية مثل السيبروفلوكساسين، والأزيثرومايسين .. الخ، وبعض مضادات الفطريات، وكذلك بعض المهدئات.
كذلك لا يُحبَّذ قيادة السيارة، أو القيام بأي عمل يستدعي مجهودًا ذهنيًا كبيرًا، خلال 6 ساعات من تناول العقار، وينصَح أيضًا بتجنب تناول عصير الجريب فروت، لأنه يزيد النشاط الكيميائي للعقار، مما قد يسبب حدوث الآثار الجانبية. في حالة حدوث الدوخة وهبوط الضغط، يجب الرقاد، ورفع الساقيْن لأعلى، وشرب كمية جيدة من السوائل.
هل يمكن تعاطي العقار أثناء الحمل والرضاعة؟
يفضل عدم تعاطي العقار أثناء الحمل والرضاعة، إذ لا يوجد دراسات قاطعة بالآثار القريبة والبعيدة المدى لاستخدامه أثناء الحمل. ورغم غياب أدلة حاسمة تؤكد نزول العقار إلى لبن الأم، فما زال الأولى تجنبه أثناء الرضاعة أيضًا، لخطورة وصول ولو كمياتٍ ضئيلة منه إلى الطفل.
الخلاصة
العقار الجديد مفيد بالفعل لبعض حالات ضعف الرغبة لدى السيدات، لكن الدعاية الإعلامية المكثفة، وما صاحبها من ضجة، وكذلك موجات السخرية المبالغة على مواقع التواصل الاجتماعي قد أحاطته بهالة غير مبررة من الاهتمام الكثيف.
وهناك اختلاف كبير بين طريقة عمله، وطريقة عمل الفياجرا المستخدمة لعلاج ضعف الانتصاب للرجال، وبالتالي فاسم (الفياجرا النسائية) يحمل قدرًا لا بأس به من التضليل التسويقي.