يمكن القول إن عام 2019 كان عامًا مميزًا على المستوى الرياضي أكثر من سابقه، لأنه شهد إسقاط أباطرة وإحياء آخرين. أسطورة الجولف، الأمريكي «تايجر وودز» الذي ظل 11 عامًا كاملة دون تحقيق أية ألقاب، أحيى مسيرته من جديد بفوزه بلقب «ماسترز أوجوستا»، لتكون بطولته رقم 15 في بطولات الجراند سلام.

وفي دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين، أهدى فريق «تورنتو رابتورز» كندا أول ألقابها في الـ «NBA» بعد تغلبه على «جولدن ستيت واريورز». وكان الأخير مهيمنًا على اللعبة بوصوله للنهائي لخمس سنوات متتالية، إلا أن تورنتو بقيادة «كاواي لينارد» حرمهم من تحقيق اللقب الرابع.

وعلى مستوى كرة القدم، كان دوري أبطال أوروبا يعيش حالة مشابهة للـ «NBA»، بفوز ريال مدريد باللقب لـ 3 مواسم متتالية، لكن ليفربول بقيادة يورجن كلوب أنهى هذه السيطرة، والطريف أنه استخدم طريقة مشابهة، سنلفت نظرك إليها، بجانب تعديلات أخرى حدثت في هذا العام.

ثورة الخط الجانبي

استمر دوري أبطال أوروبا للموسم الرابع على التوالي خاضعًا لجملة لاعب الأهلي والزمالك السابق «رضا عبد العال» «باك يمين طاير، باك ليفت طاير»؛ حيث جعل زيدان ثم كلوب من جانبي الملعب محطتهما الأولى لصناعة اللعب.

لنركز على ليفربول، الذي لطالما طالبته جماهيره بتحسين جودة خط وسطه في صناعة الفرص، لكنه استمر بنفس تشكيلته. ليستخدم الجناحين محمد صلاح وساديو ماني في حجز رباعي دفاعي الخصم، وتجهيز الفراغات للقادمين من الخلف «ألكسندر أرنولد» و«أندي روبيرتسون». فيما يتكفل خط الوسط في تأمين المساحات خلف الظهيرين، وكانت النتيجة صناعة الأول لـ 12 هدفًا في البريميرليج 2018/2019، والثاني 11 هدفًا.

المميز في ظهيري ليفربول أنهما مختلفان تمامًا في الأسلوب، على اليسار يظهر «روبيرتسون» أسرع وأخف في الحركة بإجادته التدرج بالكرة بين قدميه «dribble»، وعلى اليمين يظهر «أرنولد» بتمريراته القطرية فائقة الدقة وإجادته لإرسال العرضيات من مسافة أبعد.

التغريدة التالية توضح خريطة للتمريرات القطرية التي مررها الثنائي فيما بينهم، وهو أمر غير شائع بين الأظهرة. وفقًا لإحصائيات «Opta» حتى بداية شهر نوفمبر 2019، كان «أرنولد» الأكثر إرسالاً للتمريرات الطويلة «Cross field pass» وحل «روبيرتسون» رابعًا، وبالطبع كانا في المركز الأول كالثنائي الأكثر تبادلاً لهذه التمريرات فيما بينهم. منح كل هذا ليفربول مزيدًا من الحلول، ومع ثبات الثنائي على مستواه العالي، انطلق ليفربول من الخط الجانبي دون رجعة.

ثورة الخط الجانبي (2)

يمكن أن نسمي ما سبق هي ثورة الخط الجانبي على مستوى الأغنياء، والتي حدث مثلها أيضًا على مستوى الفقراء. حيث قدم لنا فريقا شيفيلد يونايتد الإنجليزي مع المدرب كريس وايلدر، وأتلانتا الإيطالي مع المدرب جيان بيرو جاسبيريني، ما يسمى بـ «Overlapping centre backs» لاستغلال الخط الجانبي أيضًا.

يفضل كلا الفريقين طريقة (3-5-2) أو (3-4-2-1) أو (3-4-3) بثلاثي قلوب دفاع في الخط الخلفي، وفي كثير من الأحيان خاصةً أمام الدفاعات المتأخرة يأتي الحل في تقدم أحد قلوب الدفاع من خلف الظهير لإرسال الكرة العرضية. الـ «overlap» هو تحرك اللاعب من وراء زميله المستحوذ أي من الخارج؛ أما الـ «underlap» فيكون التحرك من الداخل.

بالطبع، هنالك فارق كبير بين أسلوب أتلانتا وشيفيلد، باعتماد الأخير بشكل مباشر على العرضيات، لذلك ستلاحظ الأمر أسهل هناك. مع تقدم قلب الدفاع لعمل الـ«overlap» يتولى لاعب الوسط من نفس الجهة تغطية مكانه، وفي نفس الوقت يضطر الفريق للضغط سريعًا على خصمه أو ارتكاب مخالفة لتعطيل الهجمة المرتدة. في بداية الموسم، كان فريق شيفيلد يرتكب المخالفات بمعدل 17.5 للمباراة، ثم انخفض المعدل لـ 11.6.

لا يتوقف الأمر على عمل الـ «overlap» في الأمتار الأخيرة من الملعب لإرسال العرضية، بل إنه يمكن الفريق من عمل زيادة عددية في أحد جانبي الملعب، إما تمكنه من النجاح في الاختراق أو تمكنه من تجميع اللعب في هذا الجانب ومن ثم نقل الهجمة إلى الجانب الآخر حيث يتمركز جناح الفريق «wing back»، وبالطبع يمكن تكرار نفس الحركة عن طريق قلب الدفاع المتواجد بنفس الجانب.

تكتيك ضربات المرمى

بالطبع لا يمكن أن تلهينا عملية إحياء أطراف الملعب عن التعديلات التي حدثت على قوانين كرة القدم، والتي دخلت حيز التنفيذ في 1 مايو 2019، وكان أهمها التالي:

1. أثناء الضربات الحرة، غير مسموح بوقوف لاعبي الفريق المهاجم في حائط الصد.
2. في ضربات الجزاء، يجب أن تكون أحد قدمي الحارس – على الأقل – على خط المرمى أثناء محاولة التصدي.
3. خروج اللاعب المُستبدَل من أقرب خط.
4. منح أعضاء الجهاز الفني كروتًا صفراء وحمراء أسوةً باللاعبين.
5. إلغاء الهدف في حالة أي لمسة يد على اللاعب المهاجم سواء عن عمد أم لا.
6. مسموح بتمرير ضربة المرمى داخل منطقة الجزاء، وعليه بات مسموحًا للمدافعين باستلام التمريرة داخل منطقة الـ 18.

التعديل الأخير كان الأكثر تأثيرًا على أسلوب اللعب، خاصةً للفرق التي تفضل البناء من الخلف، حيث يعطي القانون أفضلية للفريق المستحوذ على حساب الفريق الضاغط. ستسأل نفسك بالطبع: أين هي هذه الأفضلية؟ وكيف؟

قبل التعديل، كانت منطقة الـ 18 محرمة على مدافعي الفريق حامل الكرة وعليه كان الفريق الضاغط يدافع في منطقة أقل؛ الثلث الأخير منقوصًا من منطقة الجزاء. لكن مع التعديل، بات مسموحًا لمدافعي الخصم بالدخول لمنطقة الجزاء، وبالتالي أصبح الفريق الضاغط يدافع في منطقة أكبر.

التغريدة التالية بها أحد الأشكال التي يتمركز بها لاعبو مانشستر سيتي أثناء ضربة المرمى، ومع القانون الجديد بات عاملا الوقت والمساحة في صالحهم. وإذا حاول الفريق الضاغط المخاطرة بالضغط بعدد أكبر في هذه المنطقة، فإنه سيعرض نفسه لتمريرات إيديرسون الطويلة (لا يوجد تسلل من ضربة المرمى) أو على الأقل ستتباعد خطوطه وتظهر الفراغات بينها.

https://twitter.com/flyingwingback/status/1158028126766731264

شكوك حكم الفيديو المساعد

لا يمكن أن نمر على حصاد العام بدون الحدث الأكثر إثارة للجدل في كرة القدم: تقنية الحكم الفيديو المساعد VAR. لم تُطبَق التقنية كما تمنى الكثيرون، لأن في النهاية المسئول عن تطبيقها هم بشر أيضًا. لكن بعيدًا عن الحالات الواضحة من الشد والجذب والعرقلة التي يتغاضى عنها مشرفو الـ VAR عمدًا، فإن التقنية ليست بالجودة التي يظنها البعض.

تشككت صحيفة الدايلي ميل البريطانية في تقرير لها في كفاءة التقنية بتحديد حالات التسلل، وكان الشاهد على كلامها حالة تسلل تم احتسابها على لاعب مانشستر سيتي رحيم ستيرلنج في مباراة فريقه ضد ويستهام يونايتد بالأسابيع الأولى من موسم 2019/2020. أثبت الفيديو تسلل ستيرلنج بمسافة تقدر بـ 2.4 سنتيمتر أي أقل من واحد إنش. لبيان صحة الأمر، قاموا بحساب سرعة اللاعب، والتي بلغت 23.4 كيلومتر في الساعة، وقارنوا السرعة بتردد الكاميرا، البالغ 50 كادر – صورة – للثانية الواحدة (frame per second). وبعد المقارنة، سنجد أن ستيرلنج يتحرك 13 سنتيمترًا في 0.02 ثانية بين كل كادر والتالي.

ثم وصلوا للخطوة الأخيرة، بعرض الكادر الذي أظهر رحيم متسللاً، والكادر السابق مباشرةً. وأظهر الأخير لاب مانشستر سيتي غير متسلل بمسافة 10.6 سنتيمتر. يأتي الجدل من عدم القدرة على تحديد لحظة خروج الكرة (أول نقطة التقاء بين قدم اللاعب الممرر والكرة) بدقة قاطعة، وعليه تصبح الحسابات التالية غير دقيقة. ولزيادة الطين بلة، أقرت الصحيفة بوجود هامش خطأ في مثل هذه الحالات يصل إلى 13 سنتيمترًا، ومعرض للزيادة كلما زادت سرعة اللاعب المستقبِل للتمريرة.

ما يحدث الآن، وتحديدًا في جولة البوكسينج داي وما تلاها نفر الجميع من التقنية، وأعادنا للتشكيك بقانون التسلل ذاته. فما الأفضلية التي يحصل عليها اللاعب إذا كان متسللاً بسن الحذاء؟ هذا جدال آخر، يحتمل الكثير من الآراء، لكن مما لا شك فيه أن مبدأ تطبيق العدالة مقبول لدى الجميع، أما طريقة التطبيق فهي أمر آخر، والإنجليز حصلوا على جائزة الأسوأ فيه.