أعلنت حركة حماس في لبنان تأسيس «طلائع طوفان الأقصى» في الرابع من كانون الأول/ديسمبر، داعية الفلسطينيين المقيمين هناك إلى الانضمام إلى طلائع المقاومين، والمشاركة «في صناعة مستقبل شعبهم، في تحرير القدس والمسجد الأقصى المبارك»، انطلاقًا من أهمية «دور الشعب الفلسطيني في جميع أماكن وجوده في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة والمشروعة».

أثار البيان تساؤلات أكثر مما حوى معلومات وإجابات؛ لأنه تحدث عن «مشاركة الرجال والشباب في مشروع مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم العلمية والفنية»، وأدى الاقتصار على مخاطبة الرجال دون النساء إلى الإيحاء بارتباط هذه الحركة الجديدة بمهمات عسكرية، مما عزز التوقعات باحتمال شن الحركة هجومًا على إسرائيل انطلاقًا من لبنان.

وأوحى الحديث عن الطاقات العلمية والفنية بأن الهدف قد يتعلق بتطوير أسلحة، وهو مجال برعت فيه حماس وتهتم به بشدة أكثر من سائر حركات المقاومة الفلسطينية الأخرى.

لبنان كساحة مواجهة مقبلة

تزامن تأسيس الحركة الجديدة مع إعلان رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي المعروف بـ«الشاباك»، رونين بار، عن نية الاحتلال ملاحقة قادة حماس في قطر وتركيا ولبنان، حتى لو استغرق الأمر سنوات.

وقال بار في تسجيل أذاعته هيئة البث العامة الإسرائيلية، الأحد، «حدد لنا مجلس الوزراء هدفًا.. وهو القضاء على حماس، هذه ميونخ الخاصة بنا، سنفعل ذلك في كل مكان، في غزة، في الضفة الغربية، في لبنان، في تركيا، في قطر، (ربما) يستغرق الأمر بضع سنوات لكننا مصممون على تنفيذه».

وقصد رئيس الشاباك بكلمة «ميونخ» الإشارة إلى رد فعل إسرائيل على مقتل أعضاء فريقها الأولمبي عام 1972 على يد ما عُرف بمنظمة «أيلول الأسود» الفلسطينية في مدينة ميونخ الألمانية، فشن الإسرائيليون حملة اغتيالات ضد قادة المقاومة المسئولين عن العملية حتى أعلنت تصفيتهم جميعًا بعد سنوات.

وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية نقلت عن مسؤولين إسرائيليين، أن مخابرات الاحتلال تخطط لاغتيال قادة حماس في جميع أنحاء العالم بخاصة في لبنان وقطر وتركيا.

لكن طاهر النونو المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحماس، قال إن تلك التهديدات لا تخيف قادة الحركة إلا أنها تمثل «انتهاكًا صارخًا لسيادة الدول الشقيقة التي ذكرها قادة العدو».

وصرح إفرايم هاليفي، المدير السابق للموساد الإسرائيلي، بأن هذه الاغتيالات «لن تقضي على التهديد»، وأن الخطة «رغبة انتقام وليست لتحقيق هدف استراتيجي».

توتر في لبنان

أدى الإعلان عن ولادة طلائع طوفان الأقصى إلى إخافة القوى السياسية اللبنانية من عسكرة الوجود الفلسطيني، وتلقت مبادرة حماس إدانات من كل الطوائف، وبالطبع كان في طليعة المعارضين رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، الحليف الماروني لحزب الله، الذي قال: «نعتبر أن أي عمل مسلح انطلاقًا من الأراضي اللبنانية هو اعتداء على السيادة الوطنية، نذكّر بما اتفق عليه اللبنانيون منذ الـ90 في الطائف بوجوب سحب السلاح من الفلسطينيين .. لبنان صاحب حق يقوى «بمقاومته الوطنية» لإسرائيل دفاعًا عن نفسه، ويضعف بإقامة حماس لاند في الجنوب من جديد للهجوم على إسرائيل من أراضيه».

وعلق على كلامه أفيخاي ادرعي، المتحدث بلسان جيش الاحتلال، في تغريدة له قائلُا: «اتأخرت كتير يا جبران.. ..موقف «رجولي» قلّ مثيله في دولة لبنان الحالي في ظل دولة إيران لاند».

وأضاف ساخرًا: «حماس لاند ما هي إلا امتداد وانبثاق إلى ما سميته «مقاومة وطنية».. أي مقاومة وأي وطنية؟ ولمعلوماتك نص اتفاق الطائف في مادته الثانية على بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية وعلى حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية، أتحداك أن تطالب بذلك .. حزب الله وحماس وجهان لعملة واحدة».

وصرح النائب المستقل، مارك ضو، بأن «لبنان دولة وليس ساحة، ولا يحق لحماس استباحة لبنان»، مهددًا بأنه إن لم تتراجع الحركة عن قرارها هذا سيتم اعتباره «عملًا عدائيًا ضد اللبنانيين»، على حد قوله.

واعتبر رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، في بيان له أن بيان حماس «غير مقبول لا شكلًا ولا مضمونًا، وهو يمسّ بالسيادة اللبنانيّة، كما يحاول من جديد الإساءة إلى العلاقة بين اللبنانيين والفلسطينيين»، مضيفًا: «من الثابت أنّ حماس وسواها من المنظمات تخضع في لبنان لحزب الله وقراره، ومن سابع المستحيلات أن تقوم بأي تحرّكاتٍ عسكريّة من دون علم الحزب وموافقته، لا بل إن الحزب هو مَن يطلب منها إطلاق الصواريخ لاعتباراته العسكريّة، ناهيك عن أنه لا إمكانية أن تصدر حماس بيانًا في هذا الاتجاه، لولا التوقيع الفعلي لحزب الله عليه».

وعقد مجلس المطارنة الموارنة اجتماعًا، الأربعاء، برئاسة الراعي وأصدروا بيانًا شجبوا فيه فتح جبهات جديدة في جنوب لبنان للمقاومة الفلسطينيّة، وذكّروا بأنّ قرار الحرب والسلم يجب أن يكون في يد الدولة اللبنانيّة وحدها، معربين عن خشيتهم من أن الشغور الرئاسي قد يؤدي إلى مزيد من الاستفراد بقرار الحرب، وشلّ الجيش.

وقرر البطريرك الماروني بشارة الراعي زيارة جنوب لبنان، الخميس، بصحبة وفد من مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك.

ولم يكن موقف القيادات السنية بعيدًا عن ذلك؛ فرئيس الوزراء الأسبق، فؤاد السنيورة، قال: «أي تفكير بعودة الإخوة الفلسطينيين إلى العمل المسلح انطلاقًا من لبنان هو مسألة غير مقبولة»، مؤكدًا مساندة شعب لبنان للشعب الفلسطيني، واعتبر النائب، أشرف ريفي، قرار حماس خطأ جسيمًا «يعيد ذاكرة لا يجب أن تُستعاد، وهو يضر بالقضية الفلسطينية لمصلحة محور الممانعة الذي يتاجر بها».

في إشارة إلى نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان بزعامة القائد الراحل، ياسر عرفات، فيما عُرف بـ«جمهورية الفكهاني» في السبعينيات ومطلع الثمانينيات، وحينها بلغ النشاط العسكري الفلسطيني المقاوم ضد إسرائيل ذروته انطلاقًا من جنوب لبنان، مما تسبب في الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1978 ثم غزو عام 1982، في خضم الحرب الأهلية (1975-1991) التي كان من أسبابها رفض القوى الانعزالية المارونية للوجود الفلسطيني.

ووفقًا لاتفاقية القاهرة التي وقّع عليها لبنان عام 1969، تم شرعنة حمل المقيمين الفلسطينيين للسلاح بغرض المقاومة، وتم إلغاء الاتفاق عام 1987.

واتُّهمت حماس بعد تأسيسها لطلائع طوفان الأقصى بأنها تخطط للسيطرة على المخيمات الفلسطينية، وهو اتهام تردد بقوة الصيف الماضي خلال أحداث مخيم عين الحلوة للاجئين.

وتأخذ القضية أبعادًا أكبر بعد تيقن الجميع من إصرار تل أبيب على تهجير الفلسطينيين من أرضهم، ومن باب أولى غلق باب العودة على الفلسطينيين في الخارج، أي تجهيز لبنان لتكون وطنًا بديلاً دائمًا وليس مؤقتًا للفلسطينيين الذين يبلغ عددهم نحو 400 ألف لاجئ أو أكثر يتوزعون على عديد من المخيمات في أنحاء لبنان.

حركة غير مسلحة

في بيان توضيحي، قالت حماس، إن هدف تأسيس الحركة منع الشباب من الانجذاب إلى الظواهر المجتمعية الخطيرة والانحراف لمشاريع معادية ومضرّة، وربطهم بالقضية الفلسطينية والعمل من أجلها والدفاع عنها، مبينة أن البرنامج «لا يرتبط بتوجهات استراتيجية لها علاقة بالرجوع إلى الوراء نحو التجربة الفلسطينية السابقة، كما يمكن أن يتوهم البعض»، مؤكدة «احترام سيادة لبنان، والالتزام بقوانينه، والحرص على أمنه واستقراره، وعدم التدخل بشؤونهم الداخلية»، وأن المقصود ليس عملًا عسكريًا.

وقال عضو المكتب السياسي لحماس، رأفت مرة، إن المجموعة «إطار شعبي تعبوي يهدف إلى حشد طاقات الكفاءات الفلسطينية الشابة، لخدمة القضية الفلسطينية»، مشددًا على كونها «إطارًا شعبيًا تعبويًا وليست تشكيلًا عسكريًا أو ذات طابع حربي».

وأشار ممثل حركة حماس في لبنان احمد عبد الهادي، إلى أنّ «البيان أثار جدلًا واسعًا غير مقصود، وتمّ تفسيره على نحو خطأ»، وتؤكّد أنّ هدف تشكيل الحركة «تنظيم الشباب في إطار سياسي اجتماعي معيّن، والسعي إلى تثقيفهم سياسيًا ودينيًا وقيميًا وأخلاقيًا»، مُشدّدًا على أنه «لا دور عسكريًا إطلاقًا لهذه المجموعات»، متحدثًا عن «الإقدام اللافت للانتساب إلى صفوف حركة حماس في لبنان منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، ولهذا السبب كان ثمّة ضرورة لتنظيم المنتسبين في الإطار المذكور سلفًا، والاستفادة من الطاقات العلمية والفنية لمقاومة إسرائيل في هذه المجالات، على اعتبار أن المقاومة لا تقتصر على القتال».

وتلقى رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، لعدم اتخاذ موقف ضد مبادرة حماس، فأصدر تصريحًا أعلن فيه رفضه نهائيًا للخطوة، مشيرًا في الوقت عينه إلى أن المعنيين عادوا وأوضحوا مقصدهم، بما يعني قبوله بتطمينات حماس.

وكشفت تقارير إعلامية عن أن مخابرات الجيش اللبناني تواصلت مع قيادة الحركة للاستيضاح حول دوافع الخطوة، وتبيّن أنه لا نية لديها لإضفاء أي طابع عسكري أو أمني على هذه المجموعة.

وفسر البعض تطمينات حماس على أنها تراجع وليس توضيحًا، وأيًا ما يكن فقد أكدت الحركة للجميع عدم تطلعها لعسكرة المخيمات الفلسطينية، وأن ما تتطلع إليه هو تعبئة الفلسطينيين ثقافيًا وليس عسكريًا.

جبهة الجنوب

منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول تتبادل إسرائيل وحزب الله القصف بشكل يومي عبر الحدود باستخدام الصواريخ والمدفعية والطائرات المسيرة، وتجاوزت حصيلة قتلى الحزب 100 قتيل رغم محدودية نطاق العمليات.

وتشارك حركتا حماس والجهاد الإسلامي في غرفة عمليات مشتركة مع حزب الله، وشهد الجنوب اللبناني هجمات نفذتها مجموعة «كتائب القسام–لبنان»، الجناح العسكري للفرع اللبناني لحماس.

ويتضامن معظم اللبنانيين مع حماس في مقاومتها للعدوان الإسرائيلي على غزة، رغم التحفظ على تعاونها مع حزب الله، ولا علاقة للجيش اللبناني بالاشتباكات اليومية في الجنوب.

وفي الخامس من ديسمبر/كانون الأول أعلن الجيش اللبناني في بيان مقتضب عن وقوع أول حالة وفاة في صفوفه جراء قصف إسرائيل، فأعلن جيش الاحتلال عن أسفه مبينًا أن «القوات المسلحة اللبنانية لم تكن هدفًا للهجوم».

ومن المتوقع في ظل بقاء المعطيات الحالية أن تستمر حركة حماس في مشاركة محدودة في العمليات العسكرية في الجنوب اللبناني بالتنسيق مع حزب الله الذي يريد الحفاظ على قواعد اشتباك تتضمن بقاء المواجهات بنمطها الحالي وعدم تطورها أو اتساع نطاقها، لكن تبقى طلائع طوفان الأقصى محاولة من حماس لتوسيع نطاق عضويتها ورفد صفوفها بكفاءات جديدة لن تكون بعيدة عن العمل المقاوم لكنها تراعي حساسيات لبنان وهشاشة وضعه.