هل تسهم العقوبات الأمريكية على روسيا في التحول عن نظام «سويفت»؟
إعداد: أ.د. محمد إبراهيم مقداد [1] وأ. محمد عبد الهادي نصار [2]
بدأ الإنسان منذ العصور البدائية بابتكار تقنيات وآليات للدفع من أجل تصريف منتجاته وتلبية احتياجاته، وتطورت مع تطور الزمن، بداية من فكرة المقايضة، ثم استخدام النقود في التجارة الخارجية، تلى ذلك إنشاء المصارف.
وقد تطورت المصارف بشكل متسارع في القرن التاسع عشر تزامناً مع تطور التلغراف Telegraph الذي أتاح ظهور أسواق مالية جديدة على الصعيد العالمي، فقد سمح التلغراف بربط لندن مع نيويورك، كما سمح بالمعاملات بين المصارف الإنجليزية والأمريكية. وفي القرن الـعشرين واصلت الأسواق المالية نموها، وكذلك المصارف التي بدأت تؤثر على جميع سكان العالم.
ولعل النمو الكبير في حجم المعاملات في الستينيات والسبعينيات قد فاق قدرات التجهيز والمعالجة في المؤسسات المالية، لذلك ظهر جيل جديد من الوسائل للتواصل مثل الهاتف والتلكس Telex وصولاً إلى نظام سويفت Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunication (SWIFT)، الذي ظهر في سنة 1973 من خلال 239 بنكاً موزعة على 15 بلداً اجتمعت وقررت إنشاء آلية جديدة للمعاملات المالية تكون آمنة وآلية.
أولاً: انطلاق سويفت
تمكنت سويفت من إطلاق شبكتها التي تحمل الاسم نفسه سنة 1977 بعد أن ارتفع عدد أعضائها إلى 518 مصرفاً تجارياً تنتمي إلى 22 بلداً، وكان ألبير Albert أمير بلجيكا هو من أرسل أول رسالة عبر هذه الشبكة.
عرفت الشبكة العديد من التطورات التقنية على مدار السنوات، وتمكنت من التحول إلى اعتماد تكنولوجيا بروتوكول الإنترنت Internet Protocol (IP) ولغة أكس أم أل XML في البرمجة سنة 2001، وتعميم استخدام المنظومة الجديدة سويفت نت SWIFTNet مع حلول سنة 2004، مما اعتُبر تطوراً نوعياً سمح بالتواصل الآني بين الحواسيب، وإنشاء خدمات جديدة موجهة إلى زبائن جدد مثل صناديق التحوط، وصناديق التقاعد، وسماسرة أسواق المال، إضافة إلى المؤسسات غير المالية.
يستخدم نظام سويفت رموزاً معيارية لتمييز المصارف والبنوك، ويتيح للمؤسسات المالية إرسال واستلام المدفوعات والتحويلات المالية بطريقة آمنة وفعالة، ويستخدم سويفت أيضاً لتبادل المعلومات الأخرى المتعلقة بالتحويلات المالية، حيث يتضمن هذا النظام أيضاً عديدًا من الخدمات والمنتجات الأخرى مثل رسائل التحقق من الهوية (KYC)، ورسائل التحقق من صحة الحسابات، ورسائل التوصية بالتحويل، والتي تسهم في تبسيط وتسريع العمليات المالية بين المؤسسات المالية، وتعمل على تقليل التكاليف وزيادة الأمان.
يعد نظام سويفت لتبادل المعلومات المالية بين المصارف والمؤسسات المالية من أكبر وأشهر الشبكات المالية العالمية، حيث يربط بين 11 ألف بنك ومؤسسة مالية في 200 دولة حول العالم، كما سجل خلال سنة 2022 ما معدله 44.8 مليون رسالة «معلومات مالية» (FIN) يومياً، ويعد المعيار الرئيسي للتواصل المالي الدولي في جميع أنحاء العالم.
وتفيد بيانات موقع ستاتيستا statista بأن الدولار سيطر على أوامر الدفع العالمية في شهر أبريل/ نيسان 2023 بنسبة 59.74% من مجموع الأوامر المالية التي تمت عبر سويفت حول العالم، واحتل اليورو المرتبة الثانية بنسبة 11.46%، واحتل المرتبة الثالثة الين الياباني بنسبة 5.85%، والمرتبة الرابعة الجنيه الإسترليني بنسبة 5.65%، والمرتبة الخامسة الجنيه الكندي بنسبة 3.11%، والمرتبة السادسة الفرنك السويسري بنسبة 2.5%، وفي المرتبة السابعة احتل اليوان الصيني بنسبة 1.94%، وباقي العملات في العالم حازت على 9.75%.
ويعد نظام سويفت نظاماً لتبادل المعلومات المالية وليس نظاماً لتنفيذ المدفوعات المالية نفسها، حيث يعد مجرد وسيلة لتحويل المعلومات المالية بين المصارف والمؤسسات المالية المشاركة. ومن أهداف نظام سويفت ألا يكون النظام المالي العالمي تحت سيطرة أو احتكار كيان معين، ويشترط كجزء أساسي من قواعده عدم الانحياز إلى أي من الدول الأعضاء.
غير أن الهيمنة الأمريكية والأوروبية على نظام سويفت ساعد في تمكينها من فرض العقوبات الدولية على الكثير من الدول التي تخالف سياساتها، حيث لوح الغرب بعزل روسيا عن هذا النظام في سنة 2014 في خضم حرب شبه جزيرة القرم، التي نجحت الدولة الروسية في ضمها، )إضافة إلى حظر إيران بالفعل سابقاً في سنة 2012 من هذا النظام وحتى 2016 بعد التوقيع على الاتفاق الدولي بشأن البرنامج النووي لإيران، مما كبدها خسائر مالية طائلة بلغت ما يصل إلى 30% من تجارتها الخارجية، واستعادت حظرها مرة أخرى في سنة 2019 في أعقاب إعلان الولايات المتحدة إعادة فرض عقوبات على طهران بعد قرار واشنطن الانسحاب بشكل أحادي من الاتفاق الدولي بشأن البرنامج النووي لطهران. وفي مارس/ آذار 2017 فُصلت كوريا الشمالية، وفي سنة 2019 فُصلت فنزويلا، مما يؤكد هشاشة عدم انحياز نظام سويفت وحقيقة استخدامه في العقوبات المالية ضدّ الدول المناوئة.
في شهر فبراير/ شباط 2021، وفي أعقاب الغزو الذي شنته روسيا على أوكرانيا، اتخذت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية مجموعة من الإجراءات العقابية تجاه روسيا ومنها طرد مجموعة مختارة من البنوك الروسية من سويفت، بما في ذلك سبير بنك، أكبر بنك في روسيا، بهدف عزل الكرملين عن الاقتصاد العالمي، واستنزاف الموارد المالية التي تساعد روسيا في الغزو العسكري لأوكرانيا.
تناقش هذه الورقة أثر استخدام الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لنظام سويفت في العقوبات الدولية في اتجاه التخلي التدريجي عن نظام سويفت والتحول إلى أنظمة أخرى.
ثانياً: ما أثر استخدام سويفت في العقوبات الدولية على روسيا؟
بحسب الجمعية الوطنية روس سويفت، تُعد روسيا ثاني أكبر بلد ضمن سويفت من حيث عدد المستخدمين بعد الولايات المتحدة، مع نحو 300 مؤسسة مالية، ووفق الجمعية يشكل هؤلاء الأعضاء أكثر من نصف المؤسسات المالية في البلاد.
تحتل روسيا المرتبة السادسة عالمياً في رسائل الدفعات في سويفت، ويتراوح متوسط الدفعات السنوية لها بين 600 و800 مليار دولار، وهو رقم مرتفع بالنظر إلى أن الناتج الإجمالي لروسيا بلغ 1.5 تريليون دولار سنة 2020، وتستخدم روسيا هذا النظام عند تصديرها لمنتجات الطاقة التي تشكل 40% من ميزانيتها الحكومية.
بوجود العقوبات الدولية على روسيا، سوف يستعصي على البنك المركزي الروسي استخدام احتياطاته الأجنبية التي يزيد حجمها على 630 مليار دولار، وسيفقد قدرته على تسييل أصوله، وتعويض أي عقوبات مستقبلية، مما يعني زيادة احتمالية هبوط قيمة الروبل الروسي وزيادة التضخم.
وقد استحوذت روسيا على نحو 1.5% من المعاملات اليومية على نظام سويفت في سنة 2021، وتفيد تقديرات بأن حجم التعاملات المالية المرتبطة بروسيا عبر سويفت يصل إلى مئات مليارات الدولارات سنوياً، ولا يزال بإمكان البنوك الروسية تسوية المدفوعات عبر الحدود باستخدام طرق أخرى للتواصل، بما في ذلك البرقيات المشفرة وحتى البريد الإلكتروني، لكن هذه الأساليب مكلفة وغير فعالة في ظلّ وجود نظام أكثر سهولة ويسراً.
قد لا يكون التهديد بالانفصال عن سويفت خطيراً بالنسبة لموسكو، كما كان في الماضي، فقد طورت العديد من الدول، بما في ذلك روسيا، أنظمة الرسائل المالية الخاصة بها، والتي على الرغم من كونها أقل تطوراً من سويفت، فإنها قد تسمح للشركات المالية الروسية بالحفاظ على الاتصالات مع العالم واستمرار قدرتها على تحويل المدفوعات الدولية.
ويرى دميتري ميدفيديف، الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، بأن التحويلات النقدية من روسيا إلى خارجها عبر نظم بديلة لسويفت «ستكون صعبة، لكنها لن تكون كارثة».
ويتفق حديث ميدفيديف مع تصريحات لبعض الخبراء بشأن عقوبات روسيا، على أن المسئولين الغربيين يبالغون في تقدير الآثار المحتملة لفصل روسيا عن نظام سويفت، وقد قالت ماريا سنغوفايا، الباحثة الزائرة في جامعة جورج واشنطن، والمؤلفة المشاركة لتقرير المجلس الأطلسي حول العقوبات الأمريكية على روسيا، إن «قطع روسيا عن نظام السويفت لن يكون مؤلماً لروسيا كما يتصور المسئولون الغربيون».
يقول ريتشارد هاس، يعمل في مجال رسم السياسات الخارجية لأمريكا من أيام ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر، في كتابه الشهير «العسل والخل» الذي تشاركه فيه ميغان أوسوليفان، أستاذة الشئون الدولية في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، «إن العقوبات تسفر بصورة شبه دائمة عن صعوبات اقتصادية، لكن تأثيرها لا يكفي غالباً، أو يعجز عن فرض التغيير السياسي المطلوب في البلد المستهدف». وإضافة لذلك قد تكون العقوبات مكلفة بالنسبة إلى الأبرياء «الذين ليس لهم علاقة في العقوبات ولا هم مستهدفين منها»، خصوصاً أكثر الناس فقراً في البلد المستهدف، ودوائر الأعمال والمصالح التجارية.
تثير العقوبات عادة نتائج غير مقصودة، مثل تقوية النظم المعادية. وفي ضوء هذه النتائج هناك تسليم متزايد بأن الاعتماد فقط على الأدوات الجزائية مثل العقوبات نادراً ما يمثل استراتيجية فعالة للسياسة الخارجية، وقد كان تزايد الوعي بهذه الآثار وراء الدعوى لاستكشاف استراتيجيات للسياسة الخارجية، تتسم بأن الفوارق الدقيقة بينها أكثر، وأنها وإن تضمنت عنصراً محتملاً للعقوبات فإنها لا تعتمد عليه كلية في تحقيق أهداف الولايات المتحدة.
كما يوجد شبه إجماع لدى الخبراء في مجال الاقتصاد على أن روسيا ليست وحدها من «سيتألم» من بترها من نظام سويفت، بل البلدان التي تتعامل تجارياً معها وشاركت في حرب العقوبات عليها ستتألم أيضاً، إذ تعد مشترياً كبيراً للبضائع الأوروبية، ومورداً رئيسياً للاتحاد الأوروبي للنفط الخام والغاز الطبيعي والوقود الأحفوري الصلب، ومن المؤكد أن الأسواق الأوروبية ستواجه صعوبة كبيرة في العثور على موردين بدائل.
وبناء على ما تقدم، يبدو أن واشنطن ستخطئ التقدير بجدوى هذا السلاح لتطويع موسكو. فروسيا ليست نظاماً ضعيفاً أو عديم البدائل، لترضخ وتسلم لمشيئة واشنطن كما تفعل بعض الأنظمة الشرقية في العادة. فقوة موسكو وثرواتها وقدراتها وإمكاناتها ستخولها التغلب على العقوبات المالية، وليس من المستبعد أن تنقلب على أمريكا وأوروبا أيضاً، وربما ستكون بداية للتخلص من الهيمنة المالية الأمريكية مستقبلاً في ظلّ بحث النظام الروسي عن بدائل بالتعاون مع مجموعة البريكس BRICS أو غيرها من الدول التي تضررت من العقوبات الأمريكية والأوروبية.
لقد حذّر المراقبون بالفعل من «العواقب غير المقصودة» لاستخدام أمريكا لسلاح سويفت في العقوبات الدولية منذ سنوات عديدة، خصوصاً فيما يتعلق بتطوير أنظمة بديلة مثل نظام المدفوعات الروسي سبفس System for Transfer of Financial Messages (SPFS).
وقد بدأ يتطور العمل في الأنظمة البديلة بعد الأزمة الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا، كما أن فصل روسيا عن نظام سويفت سيسمح للحكومات الصينية بتعلم كيفية التعامل مع هذا النوع من التحدي على الصعيد الدولي. علاوة على ذلك، قد يؤدي ذلك إلى فقدان الردع الأمريكي تجاه روسيا والصين، إذا لم يكن لفصل سويفت التأثيرات التي تريدها حكومة الولايات المتحدة. وبالتالي قد يؤدي تآكل المؤسسات مثل سويفت أيضاً إلى الإضرار بالنظام المالي الأمريكي، حيث ستفقد أمريكا قوتها في الداخل لأن القضية الأساسية هنا هي أهمية وجود نظام مالي عالمي قائم على الدولار لتمويل العجز الكبير في الحساب الجاري للولايات المتحدة.
ثالثاً: هل يمكن أن تستغنى روسيا فعلاً عن نظام سويفت؟
هناك بعض النظم البديلة لنظام سويفت التي تستخدم لتبادل المعلومات المالية بين المصارف والمؤسسات المالية. وفيما يلي بعض النظم البديلة المعروفة:
- نظام سبفس SPFS: هو نظام روسي للمراسلات المالية، تمّ تطويره بواسطة البنك المركزي الروسي كبديل محلي لنظام سويفت العالمي.
- نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود سيبس Cross-Border Interbank Payment System (CIPS): وهو نظام صيني للمدفوعات.
- نظام المراسلة المالية المهيكل Structured Financial Messaging System (SFMS): هو نظام مراسلة هندي آمن، تمّ تطويره ليكون بمثابة منصة للتطبيقات داخل البنوك والتطبيقات بين البنوك.
- الريبل Ripple: هو نظام مبتكر يستخدم تقنية البلوك تشين أو سلسلة الكتل Block Chain لتبادل المعلومات المالية وتنفيذ التحويلات الفورية. يهدف الريبل إلى تسهيل التحويلات العابرة للحدود بطرق أكثر فعالية وتكلفة أقل من نظام سويفت التقليدي.
- بيتكوين Bitcoin: على الرغم من أن البيتكوين هو عملة رقمية وليس نظاماً مصرفياً، فإنه يوفر وسيلة لتحويل القيمة المالية بين الأطراف بشكل مباشر وفوري دون الحاجة إلى وسيط مركزي مثل سويفت، حيث يعتمد البيتكوين على تقنية البلوك تشين ويوفر مستوى عالٍ من الأمان والشفافية.
- ستيلر Stellar: يعد ستيلر شبكة مفتوحة المصدر، تهدف إلى تسهيل التحويلات المالية العابرة للحدود بين العملات المختلفة، ويوفر ستيلر أدوات للمصارف والأفراد للتبادل المباشر والتحويلات الفورية وبتكلفة منخفضة.
- كوردا Corda: يعد كوردا منصة تقنية البلوكشين المصممة خصيصاً للاستخدام في قطاع الخدمات المالية، وتسمح كوردا بتسجيل وتنفيذ المعاملات المالية بين الأطراف دون الحاجة إلى طرف وسيط مركزي مثل سويفت.
1. نظام المدفوعات الروسي سبفس:
نظام سبفس هو نظام روسي للمراسلات المالية، تمّ تطويره بواسطة البنك المركزي الروسي كبديل محلي لنظام سويفت العالمي. يهدف نظام سبفس إلى تسهيل التحويلات المالية وتبادل المعلومات المالية بين البنوك والمؤسسات المالية في روسيا، ويوفر النظام قنوات آمنة وموثوقة للتحويلات الداخلية والدولية بالروبل الروسي والعملات الأجنبية.
يعد سبفس جزءاً من جهود روسيا لتقليل اعتمادها على سويفت وتعزيز الاستقلالية المالية تخوفاً من العقوبات الاقتصادية بعد فرضها على العديد من الدول كإيران، وقد تمّ تطويره بعد فرض عقوبات اقتصادية على روسيا من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في سنة 2014، والتي أثرت على قدرة البنوك الروسية على الوصول إلى النظام المصرفي العالمي.
مع ذلك، يجب أن نلاحظ أن سبفس ليس بديلاً مباشراً وكاملاً لنظام سويفت، حيث لا يوفر تواصلاً مباشراً مع البنوك الأجنبية المستخدمة لنظام سويفت، وإن كان سبفس يتيح للبنوك الروسية تسوية المدفوعات المحلية وتبادل المعلومات المالية بشكل فعال داخل البلاد.
وقد تمّ تنفيذ أول معاملة على شبكة سبفس التي تشمل مؤسسة غير مصرفية في ديسمبر/ كانون الأول 2017. وفي منتصف فبراير/ شباط 2023 وصل عدد المصارف التي انضمت إلى الشبكة 463 مصرفاً منها 106 مصارف أجنبية في 23 دولة، وتسعى روسيا لضم حلفائها لهذا النظام. ووفقاً للبنك المركزي الروسي، يتم حالياً 20% من التحويلات المحلية من خلال سبفس، لكن حجم الرسائل محدود والعمليات محدودة بساعات أيام الأسبوع.
2. نظام سيبس الصيني:
أطلق البنك المركزي الصيني نظام سيبس سنة 2015 كجزء من جهوده لزيادة استخدام اليوان في المعاملات العالمية، مما يقلل من اعتماد البلاد على الدولار الأمريكي.
ووفقاً لآخر الأرقام المنشورة على موقع سيبس حتى يونيو/ حزيران 2023 أصبح النظام يغطي 111 دولة حول العالم، حيث بلغ عدد المشاركين 1,452 مشاركاً منهم 89 كمشاركين مباشرين، و1,363 كمشاركين غير مباشرين. وكما هو موضح في الشكل التالي يتوزع المشاركون غير المباشرون وفقاً لما يلي: 1,015 مشاركاً من آسيا (بما في ذلك 563 مشاركاً في الصين)، و230 من أوروبا، و49 من إفريقيا، و30 من أمريكا الشمالية، و22 من أوقيانوسيا، و17 من أمريكا الجنوبية. ووفقاً للموقع فإن العمل الفعلي للنظام يغطي أكثر من 4,200 مؤسسة مصرفية في 182 دولة ومنطقة حول العالم.
وبحسب أرقام البنك المركزي الصيني، فقد ارتفعت مدفوعات التبادلات التجارية على نظام سيبس إلى 97 تريليون يوان (14 تريليون دولار) سنة 2022، بمعدل ارتفاع سنوي نسبته 21%.
الخلاصة
في ظلّ سيطرة سويفت، لا يزال الدولار يحتل المرتبة الأولى على صعيد أوامر الدفع العالمية وفق بيانات شهر أبريل/ نيسان 2023، وذلك بنسبة 59.74% من مجموع الأوامر المالية التي تمت عبر سويفت حول العالم، كما يحتل اليورو المرتبة الثانية بنسبة 11.46%، وبالتالي فإن سيطرة الدولار وهيمنته عالمياً تجعل الأمر صعباً أمام التحول نحو نظم بديلة عن سويفت. كما لا يوجد احتمال واقعي بأن بكين وموسكو ستُنشئان نظاماً مشتركاً حيويّاً يمكن روسيا والصين من الاستغناء عن نظام سويفت.
وعلى الرغم من أن مئات المصارف الروسية قد تبنّت نظام سبفس، إلا أن عدداً قليلاً فقط من المصارف الدولية قامت بذلك، والعديد منها لا يستخدم هذا النظام بشكل فعال. وتشمل تفسيرات هذه الندرة في التبني مخاوف بشأن عدم كفاءة النظام، وساعات العمل المحدودة، وانخفاض أعداد المشاركين، ناهيك عن التأثير السياسي والاقتصادي الذي قد تمارسه موسكو على المصارف الأجنبية التي تنضم إلى مستخدمي النظام البديل.
ومن الملاحظ أن الدور الذي تلعبه النظم البديلة عن سويفت وخصوصاً نظام المدفوعات الروسية والصينية ما زال محدوداً ولكنه متنامياً مع الزمن، وستزداد قوة التحالف في حالة انضمام دول البريكس الأخرى؛ ما سيعجل إضعاف الدولار الأمريكي، ويزيد من احتمالية التخلي عن الاعتماد على عملة دولة واحدة فقط، والتوجه نحو تبني سلة من العملات القوية وتعزيز قيمة عملاتها المحلية.
ومع ذلك فإنه يمكن القول إن نظام سبفس الروسي وسيبس الصيني مجتمعين سيكون لهما أثر كبير على تفعيل نظام دولي جديد يعد أساساً للتحول عن نظام سويفت العالمي المحكوم أوروبياً وأمريكياً. فنظام سبفس الروسي يشتمل في مجموعته على 423 مصرفاً في 23 دولة، ونظام سيبس الصيني يشتمل في مجموعته على 1,452 مصرفاً أو مؤسسة مالية في 185 دولة، مما يجعلهما مجتمعين مؤهلين لإصدار نظام جديد للمدفوعات المالية، وخصوصاً إذا تمّ تشجيع مجموعة البريكس لاعتماد عملة البريكس الموحدة لجميع هذه الدول.
ويمكننا القول؛ إن قوة التحالف الروسي-الصيني في مواجهة العقوبات الغربية، سيزيد قوة ونفوذ الصين في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، وسيسهم في تغيير موازين القوى العالمية؛ حيث ستتحول الدول وشركاتها ومنتجو الصناعات الأخرى إلى تسويات معاملاتها الخارجية من خلال العملات المحلية عبر نظم المدفوعات البديلة عن سويفت، كما يسهم في ظهور تحالفات جديدة ستؤثر على خريطة الاقتصاد العالمي، وتؤثر بالتبعية على اقتصاد العديد من الدول الاقتصادية الكبرى؛ حيث يتبنى الاتجاه الروسي–الصيني، الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وكذلك دول منظمة شنجهاي للتعاون للتنسيق فيما بينها لبدء التخلي المنظم والتدريجي عن استخدام الدولار كعملة تبادل رسمية، والاعتماد على العملات الوطنية في معاملاتها وتكوين احتياطاتها المالية، واستخدام النظم البديلة عن سويفت، مما سيسهم مع الزمن إلى تراجع أمريكا عن استخدام سويفت كسلاح عقوبات ضدّ الدول.
التوصيات
يخرج البحث بمجموعة من التوصيات التي تسهم في شرعة إيجاد بديل للتحول عن نظام سويفت، وتقليل قدرة أوروبا والولايات المتحدة على فرض العقوبات الاقتصادية على المخالفين سياسياً.
- تضافر جهود الدول المتضررة من العقوبات الأمريكية بالعمل على اعتماد نظام موحد فيما بينها كبديل عن نظام سويفت، ونقترح الدمج بين عدد من نظم الدول المختلفة وخصوصاً الصين وروسيا.
- تعزيز التكتلات الاقتصادية الموازية أو المناوئة للتكتلات الغربية مثل تكتل البريكس أو الدول التركية أو غيرها.
- التعزيز التدريجي للتخلي عن استخدام الدولار كوسيلة للمدفوعات الدولية، ولعل اعتماد مجموعة البريكس لعملاتها المحلية كوسيلة للمدفوعات الدولية فيما بينها تمثل نقطة أساس في التحول، خصوصاً بعد توسيع مجموعة البريكس ودخول دول فاعلة أعلنت عن اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة.
- الجرأة في اتخاذ قرارات إصدار العملة الموحدة والعمل في نظام بديل عن سويفت فيما بين الدول المتخوفة من تهديدات الغرب أو المهددة من العقوبات فعلاً.
- أ. د. محمد إبراهيم مقداد: أستاذ دكتور في الاقتصاد، حصل على الدكتوراه من جامعة برادفورد ببريطانيا سنة 1999. مدرس في عدد من الجامعات الفلسطينية، كما يشغل منصب نقيب الاقتصاديين الفلسطينيين، ومستشار لوزارة الاقتصاد الوطني.
- أ. محمد عبد الهادي نصار: باحث دكتوراه في الاقتصاد في جامعة بورصة أولوداغ بتركيا. يعمل حالياً مديراً لدائرة الدراسات والإحصاءات بوزارة التنمية الاجتماعية، وكاتباً ومحللاً اقتصادياً مستقلاً في عدد من المواقع الإلكترونية.