من جديد يتلقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضربة قاصمة، لم تكن هذه المرة من فضائحه الجنسية وشبهاته مع روسيا، لكنها جاءت من قلب النظام السياسي الأمريكي، وتحديدًا مجلس النواب، حيث فاز الديمقراطيون في انتخابات التجديد النصفي الخاصة بالكونجرس الأمريكي الذي كان يسيطر عليه الحزب الجمهوري.على غير العادة، كان الاهتمام كبيرًا بتلك الانتخابات، نظرًا لحجم التعثر الذي يواجهه ترامب من جهة، وإصراره على استكمال العمل بنفس التوجهات من جهة أخرى، فقد سمحت له الأغلبية الجمهورية في مجلسي الكونجرس؛ النواب والشيوخ، بتمرير أجندته التشريعية كاملة.ليس ذلك فحسب، بل تعيين شخصيات مختلف عليها في حقائب سيادية، ناهيك عن كثرة التغييرات التي حدثت في فريقه الرئاسي ولم يشهدها رئيسٌ أمريكيٌ قبله. شواهد وأحداث دفعت كثيرين للتحرك والدعوة لحماية الديمقراطية الأمريكية.

استفتاء على شرعية الرئيس

الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب».

جرت الانتخابات على 33 مقعدًا من أصل مائة مقعد في مجلس الشيوخ، و435 مقعدًا في مجلس النواب، بالإضافة إلى الاقتراع على حكام 36 ولاية. تمكن الديمقراطيون من السيطرة على مجلس النواب بعد ثمانية أعوام من فقدان الأغلبية، بينما استمرت سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ.شهدت الساحة الأمريكية قبل الانتخابات حالة تناطح سياسي حاد بين الديمقراطيين والجمهوريين لحسم نتيجة هذا الاقتراع الذي كان في أهم أبعاده كونه استفتاء على شرعية الرئيس ترامب، وعلى إمكانية استمراره في الحكم. لذلك قاد بذاته حملات الترويج الخاصة بالجمهوريين، بنفس خطابه العنصري ضد المهاجرين الذين وصفهم بالمجرمين القادمين من أمريكا الوسطى، بينما تصدر الرئيس السابق باراك أوباما حملات الديمقراطيين، والتي جاءت بنتائج إيجابية.سيطر على المشهد الداخلي قضايا الصحة والتعليم والمهاجرين، لاسيما أن فوز الجمهوريين في هذه الانتخابات، كان سيعني مزيدًا من الشرعية لتوجهات ترامب الخاصة بالتجارة والهجرة والقضايا الاجتماعية، كرغبته في إلغاء قانون الرعاية الصحية الشامل الذي أصدره أوباما من قبل، فضلًا عن رفضه الإعانات التي تقدم للفقراء.والمحصلة أن هذه الانتخابات كانت أول اختبار جدي يواجهه الحزب الجمهوري بعد فوز ترامب، مثلت تقييمًا حقيقيًا لتجربة الحزب الشعبوية في عيون الرأي العام الأمريكي، بعد مرور عامين فقط على فوز ترامب المفاجئ، وهو مؤشر أيضًا لما يمكن أن تكون عليه انتخابات الرئاسة بعد عامين.ومع ذلك، اطمأن الرئيس الأمريكي من بقائه في منصبه حتى نهاية فترته على الأقل، بعد فوز الجمهوريين بمجلس الشيوخ، حيث فقدت قضية عزله الواقع، وأصبحت فكرة غير قابلة للتطبيق، وهو ما يفهم من تصريح ترامب نفسه الذي وصف نتائج الانتخابات بأنها نجاح هائل، يبدو أنه كان يتوقع أسوأ من ذلك!

لكن على الجهة الأخرى، لن يتمكن ترامب من تمرير أجندته التشريعية، حيث سيسعى الديمقراطيون لتغيير أجندة مجلس النواب، ويبدو أن الولايات المتحدة ستدخل مرحلة جمود تشريعي في العامين المقبلين، نظرًا لكون الدستور الأمريكي يمنح رئيس الجمهورية حق الفيتو على القوانين المقترحة من الكونجرس، فضلًا عن استمرارية سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، لذلك حاولت نانسي بيلوسي زعيمة الديمقراطيين بمجلس النواب الأمريكي تهدئة الوضع، بقولها:أثبتت النتائج ضعف التأثير الذي أضحى يحققه الخطاب الشعبوي العنصري لترامب، الذي تعمد استمرار مهاجمة الديمقراطيين، وسب المهاجرين، دون أن يقدم طرحًا فعالًا لأزمات الاقتصاد الأمريكي، بل أكد عزمه تخفيض الضرائب عن الشركات الرأسمالية ورجال الأعمال الكبار.


ظاهرة جديدة

شهدت انتخابات التجديد النصفي حدثًا وصفه البعض بالظاهرة، دفع كاتبًا أمريكيًا لكتابة مقال في نيويورك تايمز، تحت عنوان «المسلمون قادمون». حيث توجه قرابة مائة سياسي مسلم لتقديم أوراق ترشيحهم لخوض انتخابات التجديد النصفي هذا العام، مقابل نحو 10 فقط في عام 2016. وجاءتإلهان عمر الأمريكية من أصول صومالية ورشيدة طليب العاملة فى مجال الحقل الاجتماعى في مقدمة المسلمين الفائزين بمقاعدين، لتصبحا أول مسلمتين تدخلان الكونجرس بعد فوزهما في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي. ولهذا التطور مجموعة من الرسائل التي يمكن قراءتها، وهي أن تغريدات ترامب المتكررة ضد المسلمين بصفة خاصة والمهاجرين بصفة عامة، كانت أحد الأسباب الرئيسية التي دفعتهم لدخول المعترك السياسي لدعم الديمقراطيين ضد توجهات الرئيس الأمريكي، وهو ما يعني تكاتفًا قويًا متنوعًا ومصالح مختلفة لإضعاف الخطاب الشعبوي الحالي.خاصة رهانهم كان مؤداه أن نجاح الديمقراطيين، سيكون السبيل لإعادة فتح ملفات الرئيس، لاسيما تلك الخاصة بالتدخل الروسي، وإضعاف أجندته التشريعية. وكان نجاح الجمهوريين سيعني أن العامين الأخيرين من فترة ترامب الأولى سيكونان أكثر سلاسة، مما يمنحه القدرة على الاستمرار في تمويل جدار الفاصل مع المكسيك، واجتياز المزيد من التخفيضات الضريبية.


قضية خاشقجي في المقدمة

إن الديمقراطيين سيستغلون فوزهم بأغلبية أعضاء المجلس لتنفيذ جدول أعمال يحظى بتأييد الحزبين لدولة عانت بما يكفي من الانقسامات.

حصلت قضية خاشقجي على زخم جديد ودفعة قوية بفوز الديمقراطيين، وكان الجمهوريون يحاولون الدفاع عن موقف ابن سلمان، وعدم توريطه ومن ثم إدانته، لحاجتهم إليه في تمرير ملف صفقة القرن، إلا أن الإطاحة بالجمهوريين وإحلال الديمقراطيين ستعني احتمالات أكبر لإدانة ابن سلمان، أو على الأقل مزيدًا من الاستنزاف لنفوذه وما كان يتوقع من تأثيراتهحينها ربما تدخل المنطقة مرحلة جديدة، تجميد أو على الأقل تهدئة مسار صفقة القرن الساعية لتصفية القضية الفلسطينية، جنبًا إلى جنب مع تبريد الوضع مع الجمهورية الإيرانية، وهو ما سيؤثر على نتائج الأزمة السورية، وحصيلة كل ذلك ستكون غالبًا في صالح المحور التركي – القطري – الإيراني في مواجهة المحور الاماراتي – السعودي – المصري، لاسيما مع توقع بضغط الديمقراطيين على قوات التحالف في اليمن.وفي الجملة، ستلقي نتائج الانتخابات بتأثيراتها على شكل السياسة الأمريكية محليًا وعالميًا، فقد غُلت يد ترامب داخليًا بالسيطرة الديمقراطية، وخارجيًا بتغيير محتمل في توجهاته العالمية، وبالتالي إضعاف المحور السعودي الإماراتي.