ما لم تقرأه عن فوائد ألعاب الفيديو
قبل قراءة هذا التقرير ربما يكون لديك اعتقاد راسخ بأن الألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو لها تأثيرات سلبية كبيرة على الصحة النفسية والعقلية والسلوكيات الاجتماعية، وربما تحتفظ بدراسات وأبحاث تشير إلى الربط بين ممارسة ألعاب العنف والقتل وممارسات العنف والقتل في المدارس والمجتمعات، وقد تكون قرأت سابقًا عن إدمان الألعاب الإلكترونية، لكنك قد لا تدري أن هناك فوائد عديدة للألعاب تتناقض تمامًا مع النظرة السائدة لها، فالألعاب مفيدة أكثر مما تتوقع، ونحن هنا لا نتحدث عن وجه آخر مفيد للألعاب في إطار أن لكل شيء وجهين: ضار ونافع، إنما الأمر أكبر من ذلك، وربما تدفعك قراءة التقرير التالي إلى تغيير نظرتك واعتقادك.
فوائد متنوعة
تضمنت المجلة الأمريكية للألعاب (عدد خريف 2014)مقالات توضح الآثار الإيجابية لألعاب الفيديو على العمليات الذهنية الأساسية، ومنه أن القدرات التي تتطلبها هذه الألعاب تُطابق ما يعده علماء النفس اللبنات الأساسية للذكاء.
كما أن الألعاب تعمل على تحسين الإبصار وحساسية التباين البصرية، وزيادة القدرة على التمييز بين الاختلافات الدقيقة في درجات الألوان، لذا فهي علاج ناجح للحول، والعين الكسولة، كما تعمل على تحسين الانتباه واليقظة، وتتبع الأجسام المتحركة المتطابقة مع غيرها، والتغلب على عسر القراءة، وتقليل الاستجابة للمشتتات والمنبهات غير المستهدفة، وزيادة القدرة على تحديد الموقع وتفاصيل المكان، إلى جانب أنها تحسّن الإدراك والذاكرة، وطرق الحل السريع والفعّال للمشكلات واتخاذ القرارات، والقدرة على الانخراط في مهام متعددة في وقت واحد، وزيادة المرونة العقلية والتفاعلية، وتقليل التدهور العقلي المصاحب للشيخوخة.
كل ذلك فضلًا عن فوائد أخرى كثيرة، ومنها: أن الشباب الذين يلعبون ألعاب الفيديو باستمرار يتمتعون بمعدلات ذكاء أعلى، وأداء أفضل في الاختبارات الإدراكية والعقلية، كما أظهرت التجارب تحسنًا في القدرات المعرفية لغير اللاعبين عندما يمارسون الألعاب، وتحسّن هذه القدرات قد يؤدي إلى درجات أكاديمية أعلى، وصعوبات عقلية أقل، وتحفيز لجوانب التفكير الإبداعي.
وقد وجد الباحثون أن مستخدمي ألعاب الفيديو يستمرون لفترة أطول في محاولة حل الألغاز الصعبة على عكس غيرهم؛ انطلاقًا من أنهم يستخدمون إستراتيجيات متنوعة من أجل تحقيق الفوز في اللعبة.
كما تشير الأبحاث إلى أن الألعاب توفر ممارسات للتعامل مع الخوف والغضب في سياق اللعب الآمن، فيتعلم الأطفال من تجربة هذه المشاعر كيفية تنظيم خوفهم وغضبهم في الواقع.
كذلك كشفت الأبحاث عن وجود علاقة إيجابية بين ألعاب الفيديو والكفاءة الاجتماعية، في ظل أن العديد من الألعاب الأكثر شعبية اليوم هي ذات طابع اجتماعي، حيث يتفاعل اللاعبون عبر الإنترنت مع لاعبين آخرين، ويستمتع الأصدقاء معًا باللعب، ومناقشة ألعابهم.
اقتصاد بالملايين
أحدثت ألعاب الفيديو رواجًا في الأبحاث والدراسات النفسية والمجتمعية، وشملت أمورًا نفسية وعقلية ومجتمعية ربما لم تكن لتُطرق لولا ارتباطها بالألعاب.
واقتصاديًا تعد ألعاب الفيديو محركًا قويًا للنمو الاقتصادي؛ حيث توفر فرص عمل لمئات الآلاف، في ظل أن إنتاج الألعاب يُكلِّف الملايين ويُربِح الملايين أيضًا، ولذلك صارت ألعاب الفيديو ذات تأثير اقتصادي ضخم.
وتنبع أهمية الألعاب من تقنيات المحاكاة التي تقدمها، والتي استخدمتها الجيوش لعمل محاكيات تدريب للجنود الجدد، وكذلك صُنّاع السيارات الذين يستخدمون تقنيات المحاكاة لاختبار التصميمات الجديدة للسيارات قبل تصنيعها، وتُستخدم أيضًا في التدريب على تحسين مهارات الطيارين وقائدي الطائرات بدون طيار، وتستعمل متاجر لبيع الملابس تقنية محاكاة تُسمى (Cloth Cap)؛ لصنع تجسيدات للشخص لقياس الملابس؛ ليرى كيف تبدو عليه واقعيًا، معتمدين على أن الرؤية الافتراضية والمحاكاة تحفزان على الشراء، كما أن الجراحين الشباب يساعدهم الشغف بالألعاب على تحسين أدائهم في الجراحات المحاكية.
كل ذلك يفتح الباب في مجالات مختلفة للاعتماد على التقنية نفسها. والأكثر إثارة هو ما طرحته خبيرة تطوير الأعمال «katy tynan»، حيث دعت إلى عمل محاكاة اجتماع من خلال الفضاء الافتراضي: قاعة مؤتمرات ثلاثية الأبعاد؛ بالمقاعد والطاولة والسبورة والقهوة، بحيث ترى تجسدات زملائك تجلس بجوارك، ويأتي الصوت عبر بث مباشر، وقد علّقت على ذلك بقولها:
الألعاب وقاية وعلاج
تكون مهارات التركيز في أعلى قدرة لها أثناء ممارسة لعبة فيديو، وهو ما قد يفيد الأطفال الذين يعانون من «اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه»؛ حيث تتناسب سرعة اللعب والفوز الفوري بها مع طبيعتهم، كما أن المعالجين يستخدمون تكنولوجيا تشبه لعبة الفيديو؛ لزيادة تركيز هؤلاء الأطفال، وتمكينهم من ممارسة المهارات المعرفية، كما صُممت ألعاب فيديو خصيصًا لعلاج مرض كسل العين.
و توفر الألعاب راحة من الإجهاد، وتساعد على التخلص من التوتر، وتفريغ طاقة العدوانية، وهناك ألعاب طبية تجعل الأطفال أكثر وعيًا بالقضايا الصحية، وتزيد كفاءتهم عند التعامل مع الأمراض.
كما أن ممارسة ألعاب الفيديو تساعد الأفراد على التغلب على الخوف من الطيران، من خلال عمليات المحاكاة، مما قد يفتح نافذة لأشكال جديدة من علاجات الرهاب، فضلًا عن أن بعض أجهزة الألعاب تتطلب التحرك للتحكم في اللعبة، وهو ما قد يفتح نافذة جديدة لعلاج السمنة.
ولأن درجة الانتباه اللازمة للألعاب يمكن أن تصرف الانتباه عن الإحساس بالألم، لذا فهي توفر إلهاءً معرفيًا للأطفال أثناء علاج السرطان وأمراض أخرى، وذكرت الدراسات أن المرضى الذين يصرف انتباههم يحتاجون إلى مسكنات أقل. كذلك تستخدم كشكل من أشكال العلاج المهني لزيادة قوة اليد، والعلاج الطبيعي لإصابات الذراع والنخاع الشوكي؛ فهي تركز الانتباه بعيدًا عن آلام الجلسات العلاجية، ولا تعتمد على حركات مؤلمة للأطراف، كما استُخدمت الألعاب لتطوير المهارات الاجتماعية والمكانية للمصابين بصعوبات التعلم ومشكلات النمو.
وقد وجدت دراسة -باستخدام لعبة فيديو مصممة خصيصًا– أنه يمكن تحسين الأداء المعرفي عند كبار السن، وإزالة بعض آثار الشيخوخة، و وجدت دراسة أن الألعاب –خاصة الإستراتيجية- تُحسّن وظائف المخ بين كبار السن، وقد توفر حماية ضد الشيخوخة وألزهايمر.
الألعاب مستقبل التعليم
بعدما استحوذت مايكروسوفت على شركة Minecraft للألعاب،أعلنت عام 2016، عن إصدار نسخة Minecraft تعليمية؛ لتشير إلى أن الألعاب قد تصبح مستقبل التعلم، في ظل أن الأبحاث تُظهر أن ألعاب الفيديو تُحسِّن القدرات الذهنية الأساسية، وتساعد الأطفال على تطوير مهارات تنفيذية واجتماعية ومعرفية.
يقول أحد أساتذة التعليم إن لعب لعبة فيديو يشبه العمل في المختبر، حيث يجب أن يُغيِّر اللاعب الفرضيات، ويُجرّب ليصل إلى هدفه، كما تُنمي بعض الألعاب مهارات استخدام الخرائط والذاكرة، والمخاطرة والاستجابة للتحديات والتعامل مع الإحباطات، ومهارات الإدارة واتخاذ القرارات وإدارة الموارد المحدودة، أو محاكاة لعصور الإمبراطوريات والحضارات، وقيادة المركبات والطائرات، كما تزيد من الثقة بالنفس واحترام الذات، حيث يبدأ اللاعب بمستوى مبتدئ ثم يرتقي بزيادة الثقة والمهارات، وهو ما يمكن نقله إلى واقع الحياة.
وتفيد ألعاب الفيديو في تطوير المهارات المعرفية والجسدية، كما تزيد من مستوى ذكاء الأطفال، وتعلّمهم مهارات التفكير التي يحتاجونها في المستقبل، وذلك من خلال التفاعل مع اللعبة، والاهتمام بالتغلب على صعوباتها، لذا فالألعاب تعد أداة تعليمية جاذبة وفعّالة، يتفاعل معها الطفل أكثر من تفاعله مع قصة تعليمية بالمدرسة، وهو ما قد يجعلها تساعد على تحسين الدافع لدى الأطفال الذين يعانون من صعوبات في التعلم، كما تستخدم لمعالجة الأطفال الذين يعانون من انعدام الثقة بالنفس؛ لأنها تحفز على المضي قدمًا دائمًا من أجل تحقيق الانتصار.
هذا إلى جانب العديد من المهارات المعرفية، مثل معالجة المعلومات بسرعة، والتفكير في عدة أشياء في وقت واحد، وتنمية مهارات التركيز والمفردات اللغوية، ومهارات الحساب؛ فاللاعب يقرأ تعليمات اللعبة، ويفهم قصتها ليتقدم في مراحلها، كما تزيد الاهتمام بالتفاصيل والذاكرة من أجل الفوز، فضلًا عن بعض المهارات الذهنية التي تُعزّزها، مثل التخطيط وإدارة اللوجستيات والموارد المحدودة، وتحديد أفضل استخدام لها، كما تُشجِّع على العمل بشكل تعاوني لتحقيق الأهداف، والاستماع إلى أفكار الآخرين، ويمكن أن تكون نشاطًا جيدًا للترابط.
طبقة اجتماعية جديدة
في حين أن ألعاب الفيديو تؤثر على العلاقة الزوجية، لكن بالنسبة لأولئك الأزواج الذين يلعبون معًا فقد لا يكون هذا أمرًا سيئًا؛ فقد أظهرت دراسة أن استخدام الأزواج لألعاب الفيديو معًا يعود عليهم وعلى العلاقة بينهما بالنفع؛ فقد تؤدي إلى زيادة الرضا الزوجي في الحياة الواقعية، طالما كان كلاهما سعيدًا بمشاركتهما المتبادلة، وطالما لم يتحول الأمر إلى إدمان أو روتين يومي يثير غضب أحد الزوجين.
ومن المفارقات أن تاريخ الألعاب لم يتعلق بالصناعة بقدر ما تعلق بالمجتمع، وهذا ما ظهر في انتشار ثقافة الألعاب، ورواج التجارب المشتركة، التي أصبحت قوية بشكل بارز من خلال التفاعل في هذه العوالم، في ظل أن الألعاب الناجحة لها مجتمعات ومنتديات ومؤتمرات ومدونات وقنوات يوتيوب، تضم آلاف المتحمسين والمطورين.
وعلى عكس عوالم السينما والموسيقى فإن في عالم الألعاب لا يوجد فرق بين مشاهير وجماهير؛ فاللاعب قد يقترح شيئًا يجذب انتباه المطورين فيضيفونه إلى تحديثات اللعبة، وقد يصبح مطورًا، وكل ذلك أدى إلى إنشاء طبقة مجتمعية ذات صفات خاصة بها، وهي ما يمكن أن نسميها طبقة اللاعبين، تلك الطبقة الاجتماعية التي يتساوى فيها الجميع، ويغمرهم الشغف والمرح بالقدر نفسه، بعيدًا عن مساوئ الحانات والنوادي الليلية، انطلاقًا من كون الألعاب أصبحت مكانًا، وذريعة للتجمع.
مثل هذه الأمور يجب أن تُغيِّر النظرة السائدة لألعاب الفيديو، وفي الوقت نفسه تؤكد أن هناك حاجة ملحّة إلى مزيد من البحث لإظهار الفوائد الإيجابية العديدة؛ لمواجهة النتائج السلبية.
وتجدر الإشارة إلى أنه لم تكن هناك متابعة طويلة الأجل للآثار الإيجابية أو السلبية على حد سواء، كما غفل باحثو الجانبين عن الاستفادة من النتائج المناقضة لنتائجهم، وهو ما يدعو إلى المزيد من البحث؛ لاستغلال فوائد الألعاب.