انقلاب فاجنر الذي لم يكتمل: هل خسر بريجوجين المعركة؟
«سنعود إلى قواعدنا لتجنب إراقة الدماء».. الجملة الأخيرة لرئيس مجموعة فاجنر المسلحة يفجيني بريجوجين، التي أنهى بها 24 ساعة عصيبة مرت على روسيا بالكامل إثر تمرده ودعوته للعصيان المسلح، ليتحول من خانة الصديق المقُرب إلى العدو اللدود للسلطات الروسية وقيادات وزارة الدفاع بعدما تفجر الخلاف بشكل لا عودة فيه إلى الوراء.
وكانت الرئاسة البيلاروسية قد أعلنت عن موافقة قائد فاجنر على «اتفاق يضمن سلامة مقاتلي فاجنر مطروح للنقاش». وقالت إن رئيسها لوكاشينكو تحدث إلى رئيس فاجنر وإنه يتصرف بناء على اتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد أن أعلن مقاتلو المجموعة تقدمهم لمسافة 200 كيلومتر باتجاه موسكو خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية والسيطرة على روستوف.
ومنذ أشهر، برزت الخلافات بين طاقم القيادات العسكرية والأمنية الروسية، فبعد الأداء المخيب للقوات الروسية في أوكرانيا منذ الغزو، أزاح الرئيس الروسي رئيس أركانه فاليري جيراسيموف من قيادة القوات في أوكرانيا ليسلمها إلى الجنرال سيرجي سوروفيكين، في خطوة لقت استحسان بريجوجين قائد مجموعة فاجنر، لكن بوتين سرعان ما أعاد جيراسيموف بعد أشهر قليلة لتستعر الخلافات من جديد بين بريجوجين من جهة، ووزير الدفاع الروسي سيرجي تشويجو وقائد أركان الجيش جيراسيموف من جهة أخرى.
الشرارة تندلع
يقول الدكتور آصف ملحم، مدير مركز جي سي إم للدراسات في موسكو، إن اللحظة الحاسمة في الخلاف بين بريجوجين ووزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو جاء بعد قيام أوكرانيا بالهجوم المعاكس، وعدم الاعتماد على فاجنر في المعارك، فبدا كأن ذلك هو الخطوة الأولى نحو التخلص من المجموعة، وقد تأكد ذلك بإصدار وزير الدفاع أمراً بضرورة توقيع مقاتلي فاجنر عقوداً مع وزارة الدفاع حتى الأول من يوليو، ودعم الرئيس بوتين لهذا الأمر.
لذلك كان أمام بريجوجين خياران، إما الخضوع لأوامر وزير الدفاع، و هذا يعني أنه سيخسر كثيراً من التمويل، وسيُجبَر على التخلي عن طموحاته، ويضطر للعمل وفقاً لإرادة وزارة الدفاع، أو اللجوء للعصيان والتمرد، وقد اختار بريجوجين الحل الثاني، على خلفية الانتصارات الكبيرة التي حققتها مجموعة فاجنر ارتفعت أسهمها بشكل كبير، ليس فقط في روسيا، بل في كل العالم، وكان واضحاً أن عملية الترويج لفاجنر مقصودة في الأوساط الروسية.
لماذا الخلاف؟
يوضح أوليج أرتيوفسك، الباحث في الشأن الدولي بمؤسسة «فولسك» العسكرية، عدة نقاط حول الخلاف الذي وصل إلى طريق مسدود على الرغم من الإعلان عن بداية التوصل لتسوية بحسب تعبيره، والذي من المؤكد أنه سيؤثر على سير المعارك في أوكرانيا ومصالح موسكو في الخارج بالأخص في القارة الإفريقية ومناطق عمليات «فاجنر» خارج الحدود الروسية.
ويؤكد أرتيوفسك، خلال تصريحاته لموقع «إضاءات»، أن المحرك الأساسي لمحاولة العصيان المسلح والخيانة كانت طموح بريجوجين القاتل الذي ساعده فيه نظام الكرملين بإسناد مهام استراتيجية وحيوية له، ما أعطى لقائد المجموعة دافعاً نحو مزيد من اكتساب الغنائم، ونيل المناصب، بل والسيطرة أيضاً على خطط وزارة الدفاع.
ويُضيف الباحث في الشأن الدولي بمؤسسة «فولسك» العسكرية الروسية، أن النظام الروسي لن يسمح بأن يمر هذا التجاوز الذي وصل حد الخيانة من دون حساب أو عقاب، متوقعاً على الرغم من إعلان بيلاروسيا التوصل لاتفاق وتراجع بريجوجين، أن تتم محاسبته وسجنه لأن ما حدث كان من الممكن أن يهدد أمن روسيا بالكامل وينجح في ما فشل فيه الغرب خلال الأشهر الماضية من الحرب.
ويُشير أرتيوفسك إلى أن الخلاف ليس وليد أيام أو أسابيع، بل منذ دخول فاجنر رسميًا في المعادلة الميدانية للمعارك وإثبات نجاحات بالفعل في باخموت، بخلاف عمل المجموعة في الداخل الروسي على بناء شبكة إعلامية تروج لتلك النجاحات، وهذا أيضاً أسهم في خطوة بريجوجين غير المحسوبة، ما أدى إلى اشتعال موقف هو شعور فاجنر بمكيدة من جانب وزارة الدفاع عبر عقود التعاون التي رفضت «فاجنر» التوقيع عليها.
كيف سيتعامل بوتين مع فاجنر؟
يرى الدكتور آصف ملحم، خلال تصريحاته لموقع «إضاءات»، أن الترويج الإعلامي الكبير لفاجنر لم يكن وراءه الرئيس الروسي نفسه، بل إحدى الزعامات الكبيرة في الكرملين، لأن بريجوجين ليس شخصاً ساذجاً حتى يقوم بالتمرد من دون أن يكون له دعم سياسي من جهة ما في القيادة السياسية الروسية.
وجود قامة سياسية كبيرة في الكرملين داعمة لفاجنر من دون علم بوتين يعني أن هناك خللاً حقيقياً في القيادة الروسية.
تؤكد الأنباء أن تدخل الرئيس البيلاروسي أوقف التمرد، والقافلة التي كانت متجهة نحو موسكو تراجعت من التقدم على بعد 200 كيلومتر من موسكو، كما أن مقاتلي فاجنر بدؤوا حزم أمتعتهم للخروج من مدينة روستوف.
بريجوجين في تعليقه حول عملية التفاوض مع الرئيس البيلاروسي لم يقل شيئاً حول إمكانية إقالة خصميه، وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، ولكن قال فقط إنه سينهي التمرد مقابل ضمانات أمنية لجميع المقاتلين، وسيعود مقاتلو فاجنر إلى مقراتهم في الخطوط الخلفية في الجبهة.
لذلك نحن أمام عدة احتمالات أمام قبول بريجوجين بنتيجة هذه المفاوضات: إما استسلام بريجوجين بسبب غياب الدعم له سواء من قبل الجيش الروسي أو الشارع الروسي، أو صفقة ما جرت بين القيادة الروسية وفاجنر لم تنكشف تفاصيلها بعد.
أما بالنسبة للعملية العسكرية الروسية الخاصة، فيرى ملحم أن الرئيس الروسي قد يلجأ إلى تجميد الصراع هناك، وذلك للعمل على تحصين الجبهة الداخلية؛ فبوتين يدرك جيداً أن بريجوجين ما كان ليقدم على هذه الخطوة لو لم يكن هناك خلل في القيادة العسكرية أو السياسية أو الأمنية.
هل للغرب دور؟
في الإجابة، استبعد ألكسندر هوفمان، المستشار الروسي في الاتصالات والسياسات الاستراتيجية، أن يكون للغرب دور في إشعال الموقف، بل دور الغرب هو تغذية الأزمة فقط ومحاولة الاستثمار فيها من خلال الضغط الأوكراني بالهجوم المضاد في المحاور الشرقية وعلى الحدود الروسية.
وأوضح ألكسندر هوفمان، خلال تصريحاته لموقع «إضاءات»، أن تراجع فاجنر لا يعني تسوية بل يعني سد الطريق أمام الغرب وأمريكا ومنعهما من الاستثمار في الأزمة، وعدم فتح الباب أمام تناول إشاعات حول وجود انقسامات أو ما شابه ذلك في صفوف القيادات العسكرية، فالجميع يعلم أن الصراع الحالي برمته بين وزارة الدفاع من جانب، وقائد مجموعة فاجنر من جانب آخر.
وعلى وقع اشتعال الأحداث، أعلن البيت الأبيض أنّ الرئيس جو بايدن بحث هاتفياً مع قادة كلّ من فرنسا وألمانيا وبريطانيا في تطوّرات الأزمة في روسيا؛ وقالت الرئاسة الأمريكية في بيان، إنّ بايدن والقادة الأوروبيين ناقشوا «الوضع في روسيا»، وأكدوا دعمهم الراسخ لأوكرانيا.
عصيان أم خدعة
في سياق الأحداث، يرى ماتيوشين فيكتور، المختص في حل النزعات الدولية بجامعة تافريسكي الأوكرانية، أن الخلاف الحالي سواء تم رأب صدعه من عدمه، يصب في مصلحة العمليات العسكرية لأوكرانيا وفي هجومها المضاد، مستبعداً أن يكون ما حدث خدعة من جانب روسيا لأن الصدام بين الفريقين كان واضحاً في ميادين القتال بالفعل.
ويؤكد ماتيوشين فيكتور، خلال تصريحاته لموقع «إضاءات»، أن صراع الأجنحة العسكرية في روسيا واضح للعلن خلال الأشهر الماضية، وكيفية محاولة «فاجنر» وتطلعها لخوض دور أكبر أو الإطاحة بقيادات روسيا العسكرية وهذا ما فشلت فيه، مؤكداً أن خروج تلك القوات من معادلة القتال الحالي في الشرق والجنوب صعب للغاية، ولكن قائد المجموعة سيتم الإطاحة به.
وصباح السبت، أعلن قائد قوات فاجنر، التمرد المسلح، مشيراً إلى أن موسكو سيكون لها رئيس جديد، وفي أعقاب ذلك، بدأ الجيش عملية عسكرية للتصدي لتلك المجموعات التي وصف قائدها بالخائن، والطاعن في الظهر، بحسب تعليق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.