يبدو مشهد موت الأخ الأصغر في فيلم أساطير الخريف مناسبًا للغاية للحديث عن ليلة سقوط الأرسنال أمام ليفربول بخمسة أهداف مقابل هدف، حيث قرر المخرج الأمريكي إدوارد زويك أن يجعل من هذا المشهد توصيفًا مثاليًّا لصعوبة أن تفيق من الأمل الزائف على الواقع المرير.

يظهر الأخ الأصغر صمويل كجندي مشارك في الحرب العالمية على غير رضا من الأب الكولونيل المتقاعد، والذي يقرر أن يرسل معه أخاه الأكبر بغرض حمايته، ويتعرض صمويل لقصف مفاجئ بقنابل غاز أفقده بصره ليصبح هدفًا سهلًا لرصاص العدو. يصرخ صمويل بأقصى قدرته مناديًا باسم أخيه لينقذه.

يطيل صمويل من صراخه حتى يسمعه أخوه أخيرًا ويدرك صعوبة موقفه، فيرد عليه ليطمئنه ويندفع لإنقاذه. يبتسم صمويل أخيرًا وهو يشعر بأمان تام لسماع صوت أخيه ومنقذه، وفي هذه اللحظة تحديدًا يخترق وابل من الرصاص صدر صمويل. لقد تعلق صمويل بأمل النجاة، إلا أن الواقع كان يحتم أن تكون لحظة الحقيقة مؤلمة للغاية.

لقد صرخت جماهير أرسنال كثيرًا، أفقدها فينجر الرؤية منذ مواسم، وأجابها إيمري أخيرًا فاطمأنت، بل حلمت بالنجاة والعودة للمنافسة، إلا أن الواقع كان مريرًا، وكانت رصاصات كلوب الخمسة التي اخترقت جسد أرسنال المكشوف مؤلمة للغاية. فهل يتحمل إيمري النصيب الأكبر من هذا المشهد؟ دعنا نحاول سويًا تحليل المشهد منذ بداية الموسم وحتى الآن.


لماذا اطمأنت جماهير أرسنال لنداء إيمري؟

بدأ إيمري موسمه الأول مع الأرسنال بتركة ثقيلة خلفها فينجر الذي بقي فوق مقعده أكثر من اللازم. دعمت الإدارة قدوم المدرب الجديد ببعض الصفقات، حيث انتدب أرسنال ثنائي الوسط لوكاس توريرا وجندوزي، ثم في الدفاع اليوناني سوكراتس والظهير ليشتستاينر صاحب الـ 34 عامًا والحارس الألماني لينو.

بدأ الارسنال بهزيمتين أمام السيتي ثم تشيلسي على الترتيب، لكي تبدأ مخاوف الجماهير بتحول أرسنال لفريق عادي وليس ضمن الكبار بعد رحيل فينجر. لكن مع الوقت بدأ أرسنال في التحسن واستطاع أن يتجنب الهزيمة لأربع عشرة مباراة متتالية في الدوري الإنجليزي لتبدأ جماهير أرسنال في الاطمئنان لمشروع إيمري.

استطاع إيمري أن يحسن من أداء الأرسنال بشكل تصاعدي لكن هذا التحسن بقي مرهونًا بتألق بعض اللاعبين من عدمه. حيث ظهر توريرا بشكل مفاجئ للجميع، بل وصل الأمر لتصنيفه كأكثر الصفقات نجاحًا في الدوري الإنجليزي هذا الموسم. الفرنسي الصغير جندوزي أيضًا ضخ الكثير من الحيوية في وسط ملعب الأرسنال.

أوباميانج استطاع أن يترجم الكثير من الفرص التي لاحت له ليتربع على عرش هدافي الدوري الإنجليزي ضمن منافسة ثلاثية مع صلاح وكين. بدأ بيليرين يستعيد بعضًا من مستواه القديم ويتقدم بشكل ملحوظ نحو صناعة الفرص. تحسن الأداء الفردي لبعض لاعبي الدفاع، والذين كان أهمهم روب هولدينج الذي باغتته الإصابة بالرباط الصليبي بعد أن تحسن أداؤه بشكل ملحوظ للغاية.

لكن هل يضمن لك التألق الفردي لبعض عناصر الفريق الفرصة في المنافسة في دوري بحجم الدوري الإنجليزي؟ بل إن السؤال الأكثر دقة: هل يملك إيمري مشروعًا ما لأرسنال في المستقبل؟


إيمري الذي لم يحسم أمره، وتساعده النتائج

لعب أرسنال تحت قيادة إيمري بخمس تشكيلات مختلفة حتى الآن هذا الموسم، 4-2-3-1 و 4-3-3 و 3-4-2-1 و 3-4-1-2 و 4-4-2 أيضًا. لإيمري سمات واضحة في كل هذه التشكيلات، يعتمد إيمري على محاولة الحصول على الكرة عن طريق الضغط المستمر، كما يفضل الاختراق من قبل الأطراف، حيث تلعب الأجنحة دورًا مهمًا ويتطلب الأمر مساندة الظهيرين أيضًا، ويتحرك المهاجمون أحيانًا نحو الأطراف لخلق مساحات أكثر للعب وتدوير الكرة.

لكن تبقى الأزمة في تحديد اللاعبين القادرين على تنفيذ فلسفة إيمري. لم يحسم إيمري إلى الآن ثنائية خط الوسط هل ثنائية «تشاكا-توريرا » هي الأفضل أم أن «توريرا-جندوزي» أكثر إجادة؟ هل يبدأ بأوباميانج كجناح أيسر ويبقى لاكازيت كمهاجم رئيسي أم أنه من الأفضل أن يبقى أوبا كمهاجم ويلعب أيوبي كجناح ويبقى لاكازيت كورقة تعديل على مقاعد البدلاء؟ هل يتم الاعتماد بشكل رئيسي على رامسي الذي يرفض تجديد عقده حتى الآن أم يضغط أكثر على أوزيل ليشارك بشكل فعال في الضغط والاستلام من خلف؟

أما عن الدفاع فتلك هي أزمة إيمري الكبرى، حيث تحسن مستوى بعض المدافعين بشكل بسيط، إلا أنه فشل تمامًا في خلق منظومة دفاعية جيدة، ولذا وبعودة كوسينلي بدا الأمر كارثيًّا، فكوسينلي عاد بأخطائه، سوكراتيس مدافع متوسط، وموستافي يبدو كثيرًا من الأحيان ساذجًا للغاية. لا يوجد أمام إيمري سوي اللجوء لخلق منظومة دفاعية لا الاعتماد على قدرات مدافعيه الشخصية، والتي تظهر متواضعة للغاية.

أوراق إيمري مبعثرة للغاية، وهو يرتبها في كل مباراة ترتيبًا مختلفًا، وبمجرد أن تنتهي المباراة حتى يبعثرها مرة أخرى ويعيد ترتيبها في المباراة التالية، ربما كانت النتائج هي ما ساعدت إيمري على أن يجرب أكثر وأكثر، ولكن هل ستستمر تلك التجارب للأبد؟


الهزيمة القاسية تبدو واقعية للغاية

استطاع أرسنال أن ينجو أكثر من مرة من الهزيمة ضمن مباريات الدوري الإنجليزي، لكن جرس الإنذار ذلك لم يلفت انتباه إيمري أنه آن أوان الحسم وتقييم الأداء بشكل فعلي للاعبي الأرسنال، وأخذ قرارات حاسمة لاستراتيجية الفريق في المستقبل. نصف موسم ليس بالوقت القليل مع فريق يمتلك عناصر فردية جيدة قد استطاعت بالفعل تطويرها.لكن ما نراه الآن أن إيمري يصب كل تركيزه حول تطوير لاعبيه بشكل فردي، وطالما ارتضيت أن يبقى مصيرك مرهونًا بتألق لاعب أو أكثر فلتستعد لليلة يفقد فيها هؤلاء اللاعبون بريقهم، وتأتي لحظة الحقيقة.قدم خط دفاع أرسنال ما يسمى بالـمهزلة في مباراة ليفربول، أخطاء ساذجة وبدائية منحت مهاجم الريدز روبيرتو فيرمينيو ثلاثة أهداف؛ لتمنحه استفاقة يبحث عنها منذ بداية الموسم. لوكاس تورييرا قدم أسوأ مبارياته أمام ليفربول من حيث التمرير وافتكاك الكرة، ثم كانت الحقيقة التي يرفض إيمري رؤيتها للآن، عناصر مثل أيوبي وليشنستاير وتشاكا لن تسعفك أبدًا.سقط روب هولدنج للإصابة وتبعه بيليرين ثم أوزيل ومختاريان، فبقي الفريق مرهونًا بمستوى البدلاء، من المنطقي أن يتأثر أي فريق بإصابات لاعبيه الأساسيين، لكن لا يمكن أن يبدو الفريق بتلك السذاجة إلا إذا كان يفتقد منظومة الأداء التي يؤدي من خلالها أي لاعب طبقًا لمستواه!يتحمل إيمري جزءًا من المشهد، لقد أجاب جماهير الأرسنال وأعاد لهم الأمل، لكنه بقي مترددًا كثيرًا وهو يري رصاص الأعداء موجهًا نحو فريقه، حتى لو نجا هذا الفريق أكثر من مرة وحقق سلسلة من مباريات اللا هزيمة، لكنه كان يجب عليه أن يدرك أن لحظة الحقيقة ستكون مؤلمة، مما قد يفقده ثقة تلك الجماهير .