عدي التميمي: لم يحرر فلسطين لكنه حرك مئات البنادق
لم يعتد الفلسطينيون أبدًا نسيان أبطالهم. صورهم تزين جدران المدن وأزقة المخيمات. لكنهم يومًا، سيذكرون بتبجيل خاص، قافلة من الشهداء الشبان، الذين حملوا البندقية دون إشراف فصائلي، ليعيدوا توجيه البوصلة إلى القدس … أحدهم عدي التميمي.
عملية حاجز شعفاط
كان يفترض أن يحتفل عدي التميمي بعيد ميلاده الثالث والعشرين في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، لكن الشاب – الذي لا يملك أي صلات تنظيمية أو سجل اعتقال سابق – اختار احتفالًا مبكرًا ومختلفًا: مساء الثامن أكتوبر/ تشرين الأول 2022، نزل من سيارة أجرة، استقلها مع أربعة شبان، قائلًا إنه يريد الذهاب إلى مستوطنة موديعين. وبمجرد الاقتراب من حاجز مخيم شعفاط، نزل بكل هدوء، ليخرج مسدسه، موجهًا ثماني رصاصات إلى جنود الاحتلال من مسافة صفر، فيقتل مجندة ويصيب آخرين بجروح، أحدهما وصفت حالته بالخطيرة، في عملية لم تتجاوز الثواني الخمس.
لقطة باتت تتكرر في الشهور الأخيرة. لكن ما زاد أيقونية المشهد أن عدي لم يكن مستعدًّا للخروج من العملية حيًّا بالأساس؛ إذ انسحب ماشيًا على قدميه، سالمًا، باتجاه مخيم شعفاط القريب، ليزيد ألم المنظومة الأمنية الإسرائيلية، التي بدت هشاشتها مغرية لعشرات الشبان الفلسطينيين بمحاولة تكرار التجربة مستقبلًا، لتبرر العملية بأن عدي استغل نقطة ضعف تشغيلية؛ إذ جرى أثناء تغيير المناوبة على الحاجز.
10 أيام من المطاردة
في الأيام العشرة التالية انتقلت الملحمة إلى أهل عدي وجيرانه في مخيم شعفاط؛ التقارير الأمنية الإسرائيلية أفادت أن المنفذ – الذي كان لا يزال مجهولًا حينها – يختبئ في المخيم، لتبدأ قوات الاحتلال عملية المطاردة بحصار المخيم، وإغلاق جميع الطرق المؤدية إليه، وإيقاف حركة المرور الذي يفصله عن باقي أنحاء القدس المحتلة.
ومع اشتداد الحصار حاول الفلسطينيون التصدي للعدوان من جهة، وتأمين البطل الهارب من الأخرى؛ فاندلعت الاشتباكات في القدس الشرقية والضفة الغربية، ومعها محاولة تعقيد مهمة سلطات الاحتلال في كشف هوية المنفذ بإحراق كاميرات المراقبة. لكن معلومة أولى وصلت لجهات التحقيق الإسرائيلية بكون المنفذ المجهول حليق الرأس، فحلق شباب المخيم رءوسهم. لكن هوية عدي التميمي انكشفت، فحاول الأهالي تضليل المخابرات الإسرائيلية بتكثيف ذكر الاسم عبر الرسائل والمكالمات الهاتفية، قبل أن يعتقل الاحتلال والدا المنفذ وشقيقه ومالك المركبة التي أوصلته إلى الحادث، والشبان الثلاثة الذين كانوا معه في نفس السيارة.
العملية الثانية
أدرك عدي التميمي أن الحصار اشتد، وأن قوات الاحتلال اقتربت على الأغلب من الوصول إلى مخبئه، فقرر الخروج إليهم، بنفس السلاح الذي نفذ به عملية حاجز شعفاط، لكن بالقرب من مستوطنة معاليه أدوميم بالضفة الغربية هذه المرة.
استمر التميمي في إطلاق النار على جنود الاحتلال عند الحاجز لنحو 30 ثانية. أصابته رصاصة طرحته أرضًا، لكنه استمر في إطلاق الرصاص حتى فقد وعيه، قبل أن يُزَف خبر استشهاده في مكان الحادث.
تقول تقارير إسرائيلية إنه كان مستعدًّا بالمزيد؛ إذ كان يحمل قنبلة يدوية لم يسعفه الوقت لاستخدامها في المزيد من إيلام العدو. لكن مسئولين أمنيين يعتقدون أن البندقية التي استخدمها هي نفسها التي استُخدمت في الهجوم على شعفاط قبل عشرة أيام.
فرد في مواجهة جهاز أمن بأكمله
عقب انتهاء مطاردة التميمي هنأ رئيس وزراء الاحتلال يائير لابيد جميع أفراد الأمن المعنيين، متعهدًا بالوصول لكل فلسطيني يؤذي المستوطنين والجنود. لكن أسئلة صعبة كانت بانتظاره؛ بعدما انتقدت دوائر إسرائيلية سلوك أجهزة أمن الاحتلال؛ بعدما وصف المحللون الأمنيون: “حشد جهاز الأمن الإسرائيلي بأكمله طوال 10 أيام في محاولة لاعتقال فلسطيني أطلق النار على الجنود وهرب، ليعود مجددًا بمشهد آخر وعملية أخرى، بينما يفترض أن قوات الأمن في حالة تأهب قصوى، فيما تواصل إغلاقها العسكري لمخيم شعفاط”.
هذا في حد ذاته فشل، بوصف الإعلام الإسرائيلي، الذي ركز على فشل “مختلف فروع جهاز الأمن الإسرائيلي” في القبض على عدي التميمي لمدة أسبوع ونصف، على الرغم من المطاردة المكثفة، لتضيف: “وكأن هذا لم يكن كافيًا، فقد تمكن التميمي من شق طريقه من شعفاط إلى معاليه أدوميم، على بعد ستة أميال تقريبًا، لينفذ هجوم إطلاق نار آخر. كيف تهرَّب من تلك المطاردة؟ أين اختبأ 11 يومًا؟ من الذين ساعدوه وربما قادوه إلى موقع الهجوم الثاني؟ من أعطاه القنبلة التي قيل إنه كان يحملها، وربما كان يخطط لإلقائها داخل معاليه أدوميم؟ هذه فقط بعض الأسئلة التي يجب طرحها أولًا وقبل كل شيء من قبل المؤسسة الأمنية، التي سيتعين عليها التعامل مع الحادث التالي من هذا القبيل. وكما نعلم جميعًا، ستتحق هذه الحادثة للأسف، وربما عاجلًا وليس آجلًا.
لن أحرر فلسطين.. لكنني سأحرك مئات البنادق
قبيل استشهاده ترك عدي التميمي وصيته الأخيرة: “عمليتي في حاجز شعفاط كانت نقطة في بحر النضال الهامر، أعلم أني سأستشهد عاجلًا أم آجلًا، وأعلم أني لم أحرر فلسطين بالعملية. ولكن نفذتها وأنا أضع هدفًا أمامي، أن تحرك العملية مئات من الشباب ليحملوا البندقية بعدي”.
بعد استشهاده باركت الفصائل العملية. لكن مجموعة «عرين الأسود» دعت مواطني الضفة للخروج «لتأدية التحية». ولهذا معناه؛ إذ تعهدت بأن يرى مصارع الرجال التي يحسن مقاتلوها صناعتها، ويعدون لحصار العدو.