حلم النووي يبدأ من واشنطن.. حملة اللوبي الإماراتي لنيل الموافقة الأمريكية
هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» الذي أنجزه فريق ساسة بوست لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010 و2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يُلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكل الوثائق متاحة للتصفح على الإنترنت.
في أغسطس (آب) 2020، أعلنت الإمارات بدء تشغيل محطة البَرَاكَة النووية، بأربعة مفاعلات نووية «سلميّة»، تقع على ساحل الخليج العربي شرقيّ الإمارات العربية، بالقرب من دولة قطر.
منذ تعيين يوسف العتيبة سفيرًا للولايات المتحدة عام 2008، كانت الأولويات بالنسبة للعتيبة واضحة: أولًا إتمام صفقة البرنامج النووي السلمي للإمارات، وثانيًا الترويج للسياسات الصارمة التي فرضتها الإمارات على الصادرات، خاصةً المنقولة إلى إيران، ويأتي هذا الجهد بعد اتهامات من واشنطن وجهت لبعض الكيانات في الإمارات المتعاونة مع إيران في صفقات سلاح، وأنشطة لصواريخ باليستية ونووية.
في هذا التقرير سنتعرف على البرنامج النووي الإماراتي، وما أنجزه اللوبي لترويج هذا البرنامج، وأهم الشركات والأشخاص الذين لعبوا دورًا في هذا الملف.
أحلامٌ نووية كُبرى في الإمارات
في 2006، ووسط مخاطر كابوس المشروع النووي الإيراني الذي حلّ على دول الخليج بداية الألفية الجديدة، أصدر مجلس التعاون الخليجي دراسة جدوى لتطوير برنامج نووي يهدف لحماية الأمن القومي لدول الخليج، ويوازن المعادلة مع إيران. استغلت الإمارات هذا التحرك وبدأت التخطيط لمشروعها النووي، وإثر ذلك بدأت بتشغيل لوبياتها في واشنطن لإنجاز الاتفاقية في أقرب وقت ممكن.
انضمت الإمارات لوكالة الطاقة الذرية عام 1976، وكانت من الموقعين على معاهدة الحد من الانتشار النووي لعام 1995، وفي 9 أكتوبر (تشرين الأول) 2003، انضمت أيضًا لاتفاقية تُعطي الحق الكامل للوكالة الذرية للتأكد والتحكم بمعايير السلامة في جميع المرافق النووية في أراضيها. ولم يكن بأي حال من الأحوال من الممكن للإمارات أن تسعى بمشروع برنامج نووي غير سلمي.
ولتنجز الإمارات اتفاقية نووية تحتاج لرضى واشنطن الكامل، فالولايات المتحدة لا تعتمد على النفط الإماراتي. ومنذ عام 2001، كان الرادار الأمريكي يرصد ويراقب الإمارات على أنّها نقطة محتملة لنقل الصادرات العسكرية إلى إيران، وتحدثت أمريكا عن بعض الكيانات التي تتخذ الإمارات نقطة لشراء الأسلحة الإيرانية وأنشطة متعلقة بالصواريخ الباليستية والنووية.
وفي عام 2007 طلبت أمريكا من الإمارات تحسين سياسات ضبط الصادرات (Export Control)، واتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه هذه الكيانات، وهذا ما فعلته بالضبط ليكون من قرابين الاتفاقية النووية. وبدأت مساعي الإمارات لامتلاك برنامجها النووي في وضعٍ عالمي مرتبك، شهد انخفاضًا وانحسارًا في سوق الطاقة النووية، لتسعى الإمارات المعتمدة اقتصاديًا على النفط لامتلاك برنامج نووي «سِلمي».
وحينها كان للإمارات تواصل مع شخصيات في إدارة جورج بوش الابن، أحدهم ديفيد سكوت، الذي عمل مديرًا لشؤون شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، والذي سيلعب دورًا في تحقيق مشروع الإمارات كما سيوضح هذا التقرير.
وخلال عام 2008 إلى 2009، أي أواخر العهدة الثانية للرئيس جورج بوش الابن، ناقشت الإدارة وثيقة تفاهم مع الحكومة الإماراتية على اتفاقية تعاون نووي سلمي بموجب قسم «123» من قانون الطاقة الذرية لعام 1954، الذي يشترط عدم استخدام القدرات النووية لاحتياجات غير سلمية. وفي العام نفسه، وقعت الحكومة الأمريكية وثيقة تفاهم مشابهة مع كلٍ من البحرين، والأردن، والسعودية في مايو (أيار) 2008.
وقد تضمنت الاتفاقية الموقعة بين الطرفين عدة بنود منها: تطوير البرنامج النووي الإماراتي بطريقة تدعم بناء نماذج سلمية مشابهة، لتعزيز جهود منع انتشار النووي. وعندما جاء الرئيس أوباما كانت له رؤية مشابهة، فقد أراد لهذا البرنامج أن يقدم «نموذجًا» مختلفًا للبرامج النووية في العالم، مقابل النموذج الإيراني، الذي كان يجهّز لبدء التفاوض مع إيران عليه.
وأكمل الإماراتيون طريق التفاوض لإتمام الاتفاقية، وحوّل أوباما نص الاتفاقية للكونجرس للتصديق عليها، ولكن لم تمر دون نقاش. إذ قدمت النائبة الجمهورية إيلانا روس مشروع قانون يمنع إتمام الاتفاقية إلا في حال تسليم البيت الأبيض الاعتماد بأنّ الإمارات اتخذت الإجراءات اللازمة لضبط صادراتها وتقييد إرسال بعض البضائع إلى إيران.
بالإضافة إلى هذا القانون، قدّم النائب الديمقراطي إيد ماركي، أحد أشد المنادين بوقف المشاريع النووية عالميًا، مشروع قانون لمنع إتمام الاتفاقية من الأساس، وتحدث ماركي آنذاك عن تخوفه من سباق التسلح والسعي وراء النووي في الشرق الأوسط. أما النائب الديمقراطي هووارد بيرمان، والذي كان حينها رئيسًا للجنة الخارجية بمجلس النواب، فهو من مؤيدي البرنامج النووي الإماراتي في الكونجرس.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2009، وقّعت الإمارات اتفاقية «123» مع الولايات المتحدة، الاتفاقية التي تنص على تعاون بين الطرفين في بناء برنامج نووي سلمي للإمارات في حال تعهد الإمارات بعدم استخدام قدراتها النووية في غايات غير سلمية. وكان العتيبة هو من تسلم زمام الأمور آنذاك لإنجاز الاتفاقية، بمساعدة ذراعه اليمنى هاجر العوض.
اختارت الإمارات نوع المفاعل النووي «إي بي آر-1400 – APR-1400» الخاص بشركة «كوريا للطاقة الكهربائية (كيبكو)»، بناءً على تصميم نظام الشركة الأمريكية «ويستن هاوس 80+»، ووقعت صفقة بقيمة 20 مليار و400 مليون دولار مقابل أربعة مفاعلات نووية.
وأسست الإمارات الهيئة الاتحادية للرقابة النووية ومؤسسة الإمارات للطاقة النووية، وتخدم المؤسستان المشروع النووي بشكل رئيسي. وقدّرت الإمارات بناءً على حاجتها للطاقة الكهربائية أن محطة البراكة، التي لم يُشغل منها حتى الآن إلا المفاعل الأول من أصل أربعة، ستفي بربع احتياج الإمارات للطاقة.
اللوبي الإماراتي يتابع الملف في واشنطن
بعد إنجاز الصفقة، بدأ اللوبي الإماراتي في واشنطن بالعمل على الترويج للاتفاقية المشتركة، والتأكد من وصول جميع التقنيات اللازمة ليخرج المشروع إلى النور مثلما كان مخططاً له. وفي عام 2012، نسقت شركة الضغط «أكين جامب – Akin Gump» اجتماعًا مع النائب بيرمان، زعيم الأقلية في لجنة الشؤون الخارجية آنذاك، لنقاش إمكانية شراء تقنية من شركة «ويستنج هاوس» الأمريكية للمفاعل النووي السلمي.
وأثناء رحلات اللجنة اليهودية الأمريكية إلى الإمارات، حرصَت الشركة على تنسيق زيارة للوفد لمؤسسة الإمارات للطاقة النووية لإطلاعهم على أحدث المستجدات في المشروع، والتقى الوفد عدة مرات مع ديفيد سكوت. وديفيد سكوت كما سبق ذكره، عملَ مديرًا لشؤون شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، وترأس مؤسسة الإمارات للطاقة النووية ولكنه الآن عضو في مجلس إدارتها فحسب.
وعمل سكوت أيضًا في وزارة الخارجية الأمريكية، والبنتاجون، وبعض شركات النفط. وفي عام 2006، عمل رئيسًا للشؤون الاقتصادية في جهاز الشؤون التنفيذية في إمارة أبو ظبي، ومستشارًا لرئيس الجهاز، ودرَّس في مركز الدراسات العربية في الجامعة الأمريكية في القاهرة.
طاقة نووية أم مشروع أمني؟
وفي أبريل (نيسان) 2016، استأجرت شركة «أوت لوك إينيرجي إنفيسمنت – Outlook Energy Investment» المملوكة لإمارة أبو ظبي شركة «إنفيسمنت دبلوماسي – Investment Diplomacy» التي يملكها ديفيد سكوت، مقابل خدمات «تحليلية واستشارية» مع جهات حكومية أمريكية بشأن الشراكة الأمنية بين الإمارات وأمريكا، في توصيف مثير للاهتمام لعلاقة الإمارات بمسؤول كبير في مشاريعها النووية.
وقد استمر العقد ثمانية شهور دون الإفصاح عن أي أنشطة قدمتها الشركة، مع مدفوعات بلغت 150 ألف دولار.
وجدير بالذكر أنّ لنفس شركة أوت لوك، المملوكة لإمارة أبو ظبي، عقد مع «مجموعة كامستول – Camstoll Group» منذ عام 2012، وكبار المسؤولين فيها بالكامل ممَّن عملوا سابقًا بوزارة الخزانة الأمريكية، تحديدًا في قسم العقوبات الاقتصادية، وعدا عن الاستشارات للإمارات، تواصلت الشركة مع صحافيين يمينين ليكتبوا مقالات هجومية تستهدف حركات المقاومة الفلسطينية، والإخوان المسلمين، وقطر.
وبلغت المدفوعات للشركة منذ عام 2012 أكثر من 41 مليون دولار، من أصل 132 مليون و716 ألف دولار أنفقها اللوبي الإماراتي في واشنطن بين عامي 2010-2020، وهو مبلغ ضخم بمعدّلات سوق اللوبيات وغير مألوف.
ونسقت شركة «ذا أمريكان ديفيند إنترناشونال – The American Defense International» المستأجرة من قبل شركة هاجر العوض وشركائها، اجتماعًا لوفد من الكونجرس زار الإمارات بين 5-8 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، مع مؤسسة الإمارات للطاقة النووية.
وبعد الانتهاء من إنشاء محطة براكة، روَّجت شركة أكين جامب تقرير يوسف العتيبة عن المشروع، وقد روج الرسالة جوفري فيرهوف، مستشار سياسي يعمل في أكين جامب، وأرسلها للنائبة السابقة إلانا، وهي التي كان لها اعتراضات على المشروع النووي عام 2009.
وكما ذكرنا سابقًا، لم يعمل حتى الآن إلا المفاعل الأول من أصل أربعة في هذا المشروع النووي الكبير الذي تأخر تشغيله عدة مرات عن المواعيد المخطط لها، والتي إذا شغلت جميعها فستغطي ربع احتياج الإمارات للطاقة.
هذا التقرير جزءٌ من مشروع «الحج إلى واشنطن»، لقراءة المزيد عن «لوبيات» الشرق الأوسط اضغط هنا.