الموصل: عامان على حكم داعش بين التحرير والتأخير
يكثر الحديث اليوم عن إمكانية البدء بعمليات حقيقية لتحرير الموصل هذه السنة ، ويتباكى الكثير من السياسيين على حجم الخسائر المتوقعة في المدنيين والبنية التحتية لمدينة الموصل فيما لو بدأ التحرير هذه السنة وللوقوف على حقيقة الموضوع علينا مناقشة سلبيات وإيجابيات بدء العمليات هذه السنة وماذا يعني تأجيل العمليات العسكرية وتحرير المدينة لسنة أو سنتين أو أكثر.
يبدو أن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هل تأجيل عمليات التحرير لمدينة الموصل سيخفف من المخاوف الحقيقية المصاحبة لعملية التحرير وبالتالي تقليل الخسائر بين المدنيين و المحافظة على البنى التحتية للمدينة؟
والجواب القطعي بأن تأخير العمليات لن يكون نتيجته تقليل الضحايا بين المدنيين، أو الحفاظ على البنى التحتية الناتجة من العمليات العسكرية فقد عوَّدنا تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» أن لايترك مدينة إلا وقد علاها الخراب والدمار وتكاد أن تكون بلا سكان و«بيجي» و«تكريت» أمثلة صارخة على ذلك وهي أمثلة واضحة أن التحالف الدولي والقوات العراقية بمختلف مسمياتها اعتمدت سياسة الأرض المحروقة وسيلة لتحرير المدن.
الرابح الأكبر من تأخير تحرير الموصل
ولو ناقشنا العوامل المؤثرة في موازنة الأرباح والخسائر وجدنا أن داعش وما يعنيه كأيقونة للتطرف والإرهاب هو الرابح الأكبر إذ تشكل عملية طرده من الموصل الضربة القاضية إعلاميًا في حقه، وهو يعلم جيدا أن رئته التي يعيش عليها هي الإعلام، فبالإعلام يستقطب الانتحاريين والمتطوعين وبالإعلام يستمد العون المادي من تبرعات وهبات وغير ذلك، ولتسقط بتحرير الموصل خلافته التي أعلنها من جامعها «ألنوري الكبير» ويسقط شعاره «باقية وتتمدد» الذي انطلق مع سقوط الموصل بيديه.
كما سيعمل داعش حال بقائه لفترة أطول في المدينة بالمضي في مشروعه، وهو إنشاء جيل جديد يقوم بعملية غسل أدمغتهم يوميًا وليكونوا مشاريع وبذور للإرهاب أينما حلُّوا كما سيعمد التنظيم بقطع كل وسائل الاتصال بين سكان الموصل والعالم الخارجي والذي لم يبق منه إلا شبكة الإنترنت حيث قام مؤخرًا بتشديد الرقابة عليها وممارسة المزيد من الضغوط على مستخدميها مما حدا بالكثير من عوائل الموصل إلى إلغاء اشتراكاتها بالإنترنت خوفًا من عقوبات وملاحقات داعش!
الخاسر الأكبر من تأخير التحرير
هُم وبشكل قطعي -لا لبس فيه- أهل الموصل وحدهم الخاسرون، سواءً من كان منهم داخلها من مرتهنين لدى داعش أو خارجها في الشتات. فالموصل تفقد يوميا من رجالها ونسائها وسكين داعش لازالت تعمل فيهم قتلا بل يتفنن التنظيم بأساليب القتل والتنكيل
ومن أخطر ما يهدد النسيج الاجتماعي للمدينة، ما يفعله تنظيم الدولة بإجبار بعض سكان المدينة لتنفيذ أحكامه الظالمة بحق سكان آخرين مما سيزرع الضغينة والبغضاء بين الأهالي.
أما إذا نظرنا للتعليم الأساسي والعالي فالأغلبية العظمى من طلاب وطالبات الموصل في المدارس والجامعات قد تركوا مقاعد الدراسة منذ دخول داعش المدينة في حزيران 2014 وبالتالي إن تأخير التحرير سيؤخر النظام التعليمي للمدينة التي كانت في يوم ما تعتبر بنك العقول والكفاءات في العراق.
وفي ذات الوقت يعاني النازحون في الشتات العراقي من سوء الخدمات التعليمية واكتظاظ المدارس، إذ يُحشر الطلاب حشرًا في الصفوف التي يزيد عدد الطلاب فيها على 70 طالبًا في الصف الواحد، وضعف العملية التربوية. أما النازحون في الشتات الخارجي فمعاناتهم في معادلة الشهادات وارتفاع أجور التعليم واختلاف النمط التعليمي.
ولا يخفى أن ترك الدراسة للأطفال في المرحلة الابتدائية مؤشر لزيادة نسبة الأمية في المجتمع الموصلي، وللنازحون من أهل الموصل في العراق وخارجه حكايات من الألم والحسرة تراها واضحة في عيونهم المتعبة وأنفاسهم فهم بين البحث عن لقمة العيش ليطعموا من يعولون من صغار وكبار، وبين متابعة إخبار الأهل والأحبة في الموصل ممن لم يتمكن أغلبهم من الخروج من الموصل لضيق اليد وخوف الهوان وفضلَّوا الموت في دورهم جوعا على ذل المنافي والمخيمات وانتظار صدقات الآخرين (التي غالبا إن جاءت … جاءت متأخرة ) وآذانهم وأعصابهم مشدودة إلى كل خبر يشمُّون منه ريح العودة فالتعب والإعياء يمتلكهم وسياسيو المناصب والمصالح يضربون بهم يمنة ويسرة وهم ينتظرون المجهول.
نظرة في السياسة الخارجية وسياسيو الداخل
إن المتتبع لإرهاصات السياسة الخارجية تجاه العراق عامةً والموصل خاصةً للمرشحين الأكثر حظًا للفوز في الانتخابات الأمريكية القادمة في نوفمبر 2016م هو استمرار العمليات الجوية على الموصل وبالتالي الاستمرار في هدم البنى التحتية وتدمير المدينة التي فقدت الكثير من بنيتها التحتية بقصف التحالف أو بتفجير ممنهج من قبل تنظيم الدولة.
أما سياسيو الداخل فسيكون همهم وشاغلهم الاستحقاق الانتخابي الجديد في 2017 وبالتالي سيكون من مصلحتهم تأخير التحرير لمدينة الموصل وعدم عودة الاستقرار فيها حيث يحمِّل أهل الموصل عامة (نازحوها ومن بقى فيها) من يحكم الموصل أثناء احتلال داعش وما بعده مسؤولية سلسلة الفشل بدءا من الحفاظ على المدينة مرورًا بتأخير صرف الرواتب وسرقتها وعدم صرفها للموظفين في الموصل والنازحين خارج العراق وصولا إلى سرقة تخصيصات النازحين وصرف قسم كبير منها كأجور أغلبها وهمية على موظفي الإغاثة الذين جُلهم من أقرباء أصحاب النفوذ.
وبالتالي يتوقع الجهاز التشريعي والتنفيذي للمدينة صعوبات جمَّة لإمكانية إعادة انتخابهم من قبل سكان الموصل بعد التحرير وبالتالي تأخير التحرير سيقود حتما لتمديد بقائهم في السلطة ولو على حساب دماء من انتخبهم.
وفق معطيات الحال لوضع المدينة الداخلي والخارجي فإن قرار تأخير تحرير المدينة لن يخدم المدينة بعد عامين كاملين من دخول الموصل تحت حكم داعش، التي ما يزال سكينها يوغل في دماء أبناء المدنية وسط صمت عراقي وعربي ودولي.