تركيا وإيران: آفاق الصدام وصراع الهيمنة الإقليمية
زيارات علنية وسرية بين إيران وتركيا تعيد رسم خريطة الصراع في سوريا. طهران تجذب أردوغان لمحورها. تركيا تتهم إيران وحزب الله بخرق اتفاق وقف إطلاق النار. طهران تنذر أنقرة وموسكو، وتعلن: «لا خروج لحزب الله من الساحة السورية».
كانت هذه إذن مجموعة من العناوين التي قرأناها في إطار متابعتنا لما يجري بالساحة السورية، والتي برغم كونها تنصبّ بالأساس على أبرز التطورات الراهنة بالأزمة، لكنها تحمل في طياتها عددًا من المؤشرات، التي تُظهر أبرز معالم الصراع والتنافس التركي الإيراني الكامن، للهيمنة وبسط النفوذ على الشرق الأوسط.
وفي إطار تجاوز الحضور الإقليمي لهاتين القوتين لحدودهما السياسية، وقدرتهما على التأثير بمجريات الأحداث بالمنطقة، فقد كان من الضروري قراءة سريعة لأبرز ملامح هذا الصراع وتداعياته.
تركيا وإيران بين الإمبراطورية الفارسية والمجد العثماني
أنتج التجاور الجغرافي بين البلدين فضاءً للتنافس والصراع بينهما لفرض النفوذ، فبينما تسعى إيران لاستعادة إمبراطوريتها الفارسية، نجد تركيا اليوم برئاسة رجب طيب أردوغان تحاول أيضا استعادة المجد العثماني ومجالها الحيوي، كما يختلط هذا بشعورها بأن أمنها القومي الداخلي أيضًا يرتبط بنفوذها الخارجي.
في إطار هذه المساعي بدأ كلا البلدين في تكوين العديد من التحالفات الدولية والإقليمية، التي ساعدت أيضًا في توسيع هوة الخلافات بينهما، حيث تحالفت إيران مع النظام السوري والقوى الحاكمة في بغداد، كما تورطت في العديد من الأزمات وعلى رأسها الأزمة اليمنية. بينما اتجهت تركيا إلى توثيق علاقاتها بدول مجلس التعاون الخليجي وخاصة المملكة العربية السعودية، كما أعلنت تطبيع العلاقات مع إسرائيل وروسيا، ومع هذا كانت كل من العراق وسوريا أبرز المحطات الشاهدة على تصاعد هذا الصراع بينهما.
العراق: تلعفر والموصل أبرز المحطات
ظهر التنافس في العراق بشكل واضح مع تحريك تركيا لقواتها العسكرية في ديسمبر/كانون الأول 2015، ودخولها إلى بعشيقة في محافظة نينوى – شمال شرق الموصل – دون إذن أو علم الحكومة العراقية، بحجة دعم وتدريب قوات البشمركة في إقليم كردستان العراق، لمواجهة تنظيم الدولة.
ويمكن إرجاع هذا التدخل في أحد أسبابه الرئيسية إلى محاولة تركيا وقف تمدد النفوذ الإيراني بالعراق، وهو ما ظهر عبر التنافس بينهما في عدد من المحطات الرئيسة، وعلى رأسها تلعفر والموصل.
توضح هذه التصريحات كيف دخلت تلعفر في دائرة الصراعات بين الطرفين، فكلّ طرف يرفض أن يكون الطرف الآخر ضمن عمليّات تحريرها من قبضة التنظيم، إذ لاتريد أنقره أن تكون المدينة التي تبعد مسافة 60 كم عن حدودها تحت النفوذ الإيرانيّ عبر ميليشات الحشد الشعبي، متخوفة من أن يتحالف الحشد مع حزب العمّال الكردستانيّ لشن هجمات عليها – يقاتل عناصر الحزب ضدّ الجيش التركيّ – كما تتخوف من تسهيل الحشد إيصال السلاح إلى الحزب.
ومن هنا ارتبط الصراع في تلعفر كما ترى أنقره بضرورة وقف التمدد الإيراني حفاظًا على أمنها القومي، ومن جانب آخر يشكل هذا التدخل أيضًا تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الإيراني ومصالحها في المنطقة، خاصةً أنه يحد من مشروعها التوسعي، ونظرًا أيضًا لما تحتله تلعفر من أهمية ديموغرافية وإستراتيجية بالنسبة لطهران، حسبما أعلن الحشد، هذا وقد جاء دخوله ردًا على الوجود التركي في بعشيقة.
أما عن ساحة الصراع الثانية بالعراق، فقد كانت معركة استعادة الموصل من تنظيم الدولة، والتي تصر تركيا على المشاركة بها عبر تدريبها لمقاتلين من العرب السنة تعرف باسم «الحشد الوطني»، وهو الأمر الذي يقابل برفض وتصعيد من جانب طهران والحكومة العراقية وصل إلى حد اعتبار الوجود العسكري التركي بمثابة قوة احتلال.
اقرأ أيضًا:معركة الموصل: لعبة إيران الكبرى في الشرق الأوسط
وفي هذا الإطار وجهت إيران على لسان بهرام قاسمي، المتحدث باسم خارجيتها، تحذيرًا إلى تركيا من المشاركة في تحرير المدينة، فيما تمسكت أنقره بحقها في المشاركة في المعركة، مؤكدة أنها طرف في التحالف الدولي ضد التنظيم وأنها إحدى الدول المتضررة من هجماته.
وقد أفضت المناقشات بين أنقرة وقيادة التحالف الدولي إلى مشاركة الطيران التركي في المعركة، لكنها مشاركة محدودة، إضافة إلى مشاركة متطوعي كل من «الحشد العشائري، والحشد الوطني» الذين دربتهم القوات التركية.
سوريا: ماذا عن حلب ودرع الفرات؟
ظهر التنافس بين تركيا وإيران في سوريا مؤخرًا عبر عدد من المحطات أبرزها التدخل العسكري التركي من خلال عملية درع الفرات، وكذلك التطورات الأخيرة الخاصة بالتسوية السياسية للأزمة عقب سقوط حلب بيد النظام.
حيث جاء التدخل العسكري للقوات التركية بسوريا ردًا جزئيًا على توسع إيران في مجال تأثيرها التاريخي، وكذلك لإيقاف محاولات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، المرتبط بـ«حزب العمال الكردستاني»، للتوسع في المزيد من الأراضي، ومن هنا دعمت تركيا الثوار السوريين، واستطاعوا طرد تنظيم الدولة من جرابلس والراعي ودابق قرب الحدود التركية خلال شهرين، فيما تستمر الاستعدادات والترتيبات لتحرير مدينة الباب.
اقرأ أيضًا:درع الفرات: قراءة شاملة من جرابلس إلى الباب.
وقد أشارت بعض التحليلات إلى أن إيران أعطت الضوء الأخضر للحشد الشعبي بالسماح لعناصر تنظيم الدولة للهرب من العراق إلى سوريا في محاولة لعرقلة تقدم درع الفرات، كما لمح الرئيس التركي أردوغان إلى وجود تواطؤ أمريكي وإيراني غير مباشر، في السماح لتنظيم الدولة بتعزيز صفوفه في الباب، عبر خفض وتيرة المعارك ضده في الموصل ما سمح له بإرسال تلك التعزيزات، وهو الأمر الذي يظهر المحاولات المتعددة لطهران لوقف أي تقدم لأنقره بسوريا.
هذا وقد وصل التنافس بين البلدين إلى معركة حلب، فبينما كانت تركيا تهدف في البداية إلى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد والمدعوم من طهران في محاولة لإضعاف النفوذ الإيراني بسوريا، لكنها أدركت ضرورة تغيير إستراتيجتها بعد نحو ست سنوات من الأزمة، ومن ثم اتجهت للتقارب مع روسيا، كما استطاعت تكوين تحالف ثلاثي بينها وبين طهران وموسكو، أصبح القائد لتطورات الأزمة.
اقرأ أيضًا:ما الذي يحدث في حلب؟ 5 أسئلة تشرح لك
وعلى الرغم مما ظهر بهذا التحالف من التقارب بين كل من أنقره وطهران فإنه سريعًا ما أدركت طهران أن الهدف منه هو تحويلها من فاعل رئيسي يمسك بمجريات الأحداث إلى مجرد متفرج ومراقب عقب التوافق بين روسيا وأنقرة واتفاقهما على إجراء تسوية سياسية بالأزمة بديلًا عن المسار العسكري، وعليه سعت إلى إفشال هذا التوافق بعرقلة عملية التفاوض لإجلاء المدنيين والمسلحين من خلال قيام ميلشياتها بخروقات لوقف إطلاق النار.
اقرأ أيضًا:هل يصمد وقف إطلاق النار في سوريا؟
الأمر الذي أدى إلى توالي الانتقادات من جانب كل طرف للآخر على خلفية رفض تركيا لأنشطة حزب الله اللبناني بسوريا،وإعلان طهران بشكل صريح أنه لن يخرج منها، حسبما أعلن علي أكبر ولايتي، المستشار الأول للمرشد الإيراني علي خامنئي.
هل من فائز؟
ختامًا؛ يمكن القول إن مستقبل هذا التنافس بينهما لا يميل إلى تغلب طرف على آخر في المدى المنظور، فالمعادلة بينهما صفرية، وعلى الرغم من اتجاه معظم التحليلات للقول بأن إيران ستكون خاضعة للاتفاق الروسي التركي بسبب قصور قواتها ميدانيًا في دفاعها عن نظام الأسد وإقرارها ضمنيًا بأن التدخل العسكري الروسي فقط هو ما حسم المعركة في حلب، فإن تركيا لن تستطيع في نهاية المطاف سحب كل النفوذ الإيراني من سوريا، إن استطاعت إضعافه فعلًا.
اقرأ أيضًا:وقف إطلاق النار في سوريا: لماذا بدأ الروس جني الثمار مبكرًا؟
لا يمكن الجزم بأن روسيا ستنحاز أو ستستمر في توافقها مع تركيا على حساب إيران، نظرًا لتسارع طبيعة الأحداث بسوريا وتغير الموقف الروسي تبعًا لمقتضيات مصلحتها وتطورات الأوضاع، فخلال المعارك العسكرية كانت طهران هي الحليف الأول لموسكو، ولكن مع بدء المعركة السياسية أضحت أنقرة هي الحليف الأول، فماذا سيكون موقفها مستقبلًا؟
يبقى التساؤل: إلى أين ستنتهي مفاوضات أستانة؟ كيف سيكون الموقف الإيراني منها؟ وماذا ستفعل كي تنهي الأزمة بما يتماشى مع مصلحتها؟