تاريخ القانون عند اﻷتراك: من الشريعة إلى التنظيمات
تفتقر المكتبة العربية للتآليف المختصة بالمجال القانوني التركي عمومًا، والعثماني على وجه الخصوص، بل حتى تنعدم إن صح التعبير أو تعد على أصابع اليد الواحدة. يأتي كتاب الأكاديمي والحقوقي التركي محمد عاكف آيدن M. Akif Aydın في طبعته الرابعة عشرة، في فبراير/ شباط عام 2017، ليؤرّخ تشكل القانون في الدولة التركية حتى عهد التنظيمات العثمانية، تحت عنوان «تاريخ القانون عند الأتراك – Türk Hukuk Tarihi»، مع العلم أن طبعته اﻷولى كانت عام 1995 عن دار نشر «بيتا Beta» في إسطنبول.
وقد جاء المؤلف، العضو التدريسي في (جامعة إسطنبول مديبول)، بكتابه ضمن جزأين، و18 فصلًا، ونحو 430 صفحة – صافي الكتاب – من القطع المتوسط، وزهاء 360 مرجعًا أصيلًا وفرعيًا.
ألقى المؤلف في الجزء اﻷول المقتضب الممهد ضمن فصلين نظرة عامة على الدول التركية قبل اعتناق الأتراك اﻹسلام (الهون والكوك تورك واﻷويغور) وطبيعة القانون التركي قبل اﻹسلام، وشكل اﻹدارة في هذه الدول، وطبائع الحقوق القانونية، وبيئة اﻷحكام المدنية فيها.
يبدأ تفصيل كتابه اﻷكاديمي اﻷساسي في جزئه الثاني بالحديث عن القانون التركي بعد اﻹسلام ضمن 16 فصلًا، يأتي الفصل اﻷول بالحديث عن اﻹسلام واﻷتراك وتأسيس الدولتين السلجوقية والعثمانية، وفي الثاني عن القانون الشرعي وتشكله عمومًا منذ عهد الرسول محمد، عليه الصلاة والسلام، مرورًا بالخلفاء اﻷربع والمذاهب اﻷربع وفترات الاجتهاد والتقليد.
ثم يبين الفصل الثالث ماهية القوانين العثمانية بالحديث عن البنية الكلية للقانون العثماني والمحاكم والدواوين، ولا يغفل المذهب الرسمي للدولة طبعًا، وكيفية استصدار الفتوى، وكذلك الوصول لمصادر وسجلات تلك الفتاوى. وفي الفصل الرابع يحدد وظيفة الدولة وآلية عملها تمهيدًا للحديث عن تشكل الفتوى فيها؛ كيف دُوِّن القانون في التاريخين اﻹسلامي والتركي، والتمثيل عليه بوثيقة المدينة والقانون اﻷساسي، وكذا بنية الدولة في اﻹسلام وتأثير المذاهب السنية والشيعية في القضاء. ثم يتحدث عن التطبيقات العملية في العهد العثماني، ودور وآلية اختيار السلطان ومنصب الصدارة الأعظم (رئاسة الوزراء Başbakanlık).
في الفصل الخامس يوجز الحديث عن عهد الذمة وغير المسلمين. وفي السادس عن قانون الجزاء والعقوبات من الحد والقصاص والتعزيرات وأوصافها وشروطها وطبائع الأذى الملحق بكل الموجودات، ويمثل بحد السرقة وقطع الطريق والزنا ويحدد شروطها ووصف وقوعها. وكذلك الردة وكيفية وقوعها وحرية المعتقد في اﻹسلام. ويختم الفصل بتطبيقات من العهد العثماني من الحدود والقصاص والتعزير والديات، ويبين القاعدة اﻷساسية في نزول الجرم من مرتبة ﻷخرى نتيجة فقدانه شروط الجرم اﻷعلى منه.
من الفصل السابع وإلى الخامس عشر يتحدث على الترتيب عن القوانين الشخصية والاسترقاق (أسرى الحرب وحقوق متعلقة بهم مثل الديون والميراث والكفارات)، ثم اﻷوقاف والحقوق اﻷسرية والميراث الشرعي والعرفي والممتلكات فالأراضي والديون ثم الشراكة.
وفي فصله اﻷخير، السادس عشر، يتحدث عن الحقوق في الفترة التالية للتنظيمات العثمانية في أربعة أقسام: يحدد اﻷول منها عن عهد التنظيمات وطبيعة القانون التركي آنذاك، ثم عن دواعٍ اقتصادية واجتماعية للقوننة في هذا العهد، ثم التغييرات في المجال العدلي بالإشارة إلى اﻷحكام العدلية والتجارة والمحاكم النظامية وديوان اﻷحكام العدلية ومحاكم التمييز العثمانية، ثم يعرف مجلس شورى الدولة وتطويرات البنية الحقوقية، مع بيان المحاكم الشرعية ومجلسها التنظيمي. ثم يختم الفصل بعملية القوننة بوصف القوانين المحلية وتلك الغربية المنشأ، ففي اﻷولى يتحدث عن قوانين الجزاء (1840 و1851) واﻷراضي، ومراسيم قانون اﻷسرة ومجلس اﻷحكام العدلية.
وفي غربية المنشأ يتحدث عن قانون التجارة لعام 1850 وقانون الجزاء لعام 1858 ونظام أصول محاكمة التجارة لعام 1861 وقانون التجارة البحرية لعام 1863 [العهد العزيزي] وقانون أصول محاكمات الجزائية لعام 1879 [العهد الحميدي] وقانون أصول المحاكمات الحقوقية لعام 1879.
طبعًا لا يغفل المؤلف استحضار المعلومات اﻷرشيفية من مصادرها المعروفة، كأرشيف رئاسة الوزراء ودفتر مهمات مصر وأرشيف قصر ييلدز وقصر (سرايا توب قابى) وعلي أميري وتصنيف الخط الهمايوني ﻷرشيف رئاسة الوزراء، ودفاتر المجموعات غير المسلمة وأرشيف السجلات الشرعية ﻹسطنبول.
للمؤلف كتب أخرى مهمة هي: «العدالة والحقوق في العهد العثماني»، «حقوق اﻷسرة عند العثمانيين»، «بحوث حول القانون اﻹسلامي والعثماني»، غير إسهاماته الكبيرة في التحرير واﻹشراف على الموسوعة اﻹسلامية التي تربو على 40 مجلدًا. مع العلم أنه لا شيء منها قد ترجم إلى العربية حتى الآن.