عودة الصقور: ما ملامح إدارة ترامب 2025
خرج دونالد ترامب من البيت الأبيض منذ 4 سنوات بعاصفةٍ سياسية، وأحداث شغب طالت مبنى الكابيتول في سابقة تاريخية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. وبعد مرور 4 سنوات ساخنة عاشها العالم مع خليفته الديموقراطي جون بايدين، يعود ترامب مرة أخرى لكرسي السلطة. عودة مفاجئة بهزيمة مدوية للديموقراطيين، وانتصار ساحق لترامب. لم يضيع ترامب الوقت في تناول كأس النصر، أو التشفي في نظرائه الديموقراطيين، وبدأ من الأسبوع الأول في إعلان الأسماء التي سترافقه في السنوات الأربع التالية.
ليُشكل بتلك الأسماء ملامح واضحة لكيف ستكون طريقته في الحكم في ولايته الجديدة. لا يُتوقع أن تختلف كثيرًا عن فترته الرئاسية السابقة، لكن المصلحة ستكون هى العامل الأكبر هذه المرة، مع قلة النزوع للدخول في مواجهات خارجية، والنظر نحو الداخل الأمريكي، ومحاولة إحداث حالة سريعة من الرفاه. هذه الرفاهية التي ييد ترامب أن يُشعر بها الناخب الأمريكي ستكون عبر الصفقات ثم الصفقات، صفقة لوقف الحرب، وصفقة لتدافع أميركا عن حلفائها، وصفقة لوقف الاستنزاف المالي لبلاده في الجبهات العديدة التي فتحتها إدارة بايدن.
يمكن قراءة تلك السيناريوهات من خلال عدد من الأسماء التي أعلنها ترامب حاليًا لتكون شريكته في الحكم.
لاتيني يكره إيران وفنزويلا
فمن أبرز المناصب التي تُحدد جانبًا مهمًا من السياسة الأمريكية هو منصب وزير الخارجية. وقد اختار ترامب لهذا المنصب ماركو روبيو، ليكون روبيو، 55 عامًا، بذلك أول لاتيني يتولى منصب وزير الخارجية الأمريكية.
ولد روبيو في ميامي من والدين مهاجرين كوبيين. ودرس العلوم السياسية في جامعة فلوريدا وتخرج منها عام 1993. وعام 2010 انتخب عضوًا في مجلس الشيوخ بدعم من حزب الشاي الذي يضم جمهوريين متطرفين عادوا واندمجوا مع الحزب الجمهوري عقب انتخاب باراك أوباما رئيسًا.
روبيو المتشدد تجاه إيران وفنزويلا، والمتحمس بقوة لتنفيذ العقوبات النفطية، كان في الأصل عدوًا لترامب. وتنافسا عام 2026 على نيل ترشيح الحزب الجمهوري لسباق الرئاسة. في تلك المنافسة وصف روبيو ترامب بأنه محتال، وأكثر شخص مبتذل يمكن أن يطمح لرئاسة الولايات المتحدة.
لكن يبدو أن ترامب تجاوز عن تلك الإساءة من أجل إعادة تنفيذ الخطة التي وضعها في ولايته الرئاسية السابقة، العقوبات والمزيد من العقوبات على نفط إيران. تلك العقوبات التي صارت أكثر مرونة في عهد بايدن، وتحايل عليها الإيرانيون عبر الصين، التي صارت أكبر مشتري للنفط الإيراني. فتصاعد بذلك التهديد الإيراني للولايات المتحدة، وازداد معه النفوذ الصيني، وهما الهاجسان اللذان يؤرقان ترامب دائمًا.
مراقبة الدعم المقدم لأوكرانيا
واتساقًا مع موقفه الشخصي من حرب روسيا وأكرانيا قرر ترامب تعيين تولسي جابرد لرئاسة الإدارة الوطنية للاستخبارات الأمريكية. تولسي جندية سابقة، كما كانت منتميةً للحزب الديموقراطي لكنها انشقت عنه وصارت جمهوريةً. كانت تولسي قد غردت عقب الاجتياح الروسي لأوكرانيا عام 2022، بأن هذه الحرب كان من الممكن تفاديها لو أن إدارة بايدن والناتو تفهمّوا المخاوف المشروعة لروسيا من انضمام أوكرانيا للناتو.
في هذا السياق أيضًا عين ترامب عضو مجلس النواب مايك والتز ليكون مستشاره للأمن القومي. مايكل والتز، وهو جندي سابق في الجيش الأميركي يعمل الآن كعضو في الكونغرس عن ولاية فلوريدا، عزز سمعته كمدافع بارز عن موقف أكثر صرامة تجاه الصين داخل مجلس النواب.
ولعب دورًا رائدًا في رعاية التشريعات التي تهدف إلى الحد من اعتماد الولايات المتحدة على المعادن المستمدة من الصين. ويدعو لفرض مزيد من الرقابة على أموال دافعي الضرائب الأميركيين المخصصة لدعم جهود الدفاع في كييف.
وزير دفاع يكره المرأة والملونين
وازداد عدد الصقور في إدارة ترامب بإعلانه تعيين بيت هيجسيث وزيرًا للدفاع. الرجل ضابط سابق في الحرس الوطني الأمريكي، ويعمل حاليًا كمقدم برامج في قناة فوكس نيوز. هذا التعيين تحديدًا أثار عددًا من المخاوف خشية أن يكون هيجسيث، والذي يفتقد الخبرة الكافية لإدارة البنتاجون، مجرد وزير اسميًا فقط، بينما تصبح مقاليد الوزارة الفعلية في يد ترامب شخصيًا.
ليس هذا السبب وحده هو ما يُقلق الداخل الأمريكي من تعيين الرجل. هناك أسباب عدة منها مثلًا معارضته لتجنيد النساء في الجيش الأمريكي، ووجودهن تحديدًا في الأدوار القتالية أو المتعلقة بالمواجهات الميدانية. لأن ذلك، في رأيه، يجعل الجيش الأمريكي أقل فعاليةً، وقد يكون له تأثير سلبي على كافة المعايير داخل الجيش الأمريكي.
يقول في كتابه، «الحرب على المحاربين» إنه يجب إيقاف ذلك، وأن الجيش الأمريكي ليس بحاجة للنساء في الأدوار القتالية. ولم يجعل وجودهن الجيش أكثر فعالية، ولا أكثر فتكًا، وأصبح القتال نفسه أكثر تعقيدًا. وأكد أن التاريخ يظهر أن الرجال في المناصب العسكرية عادةً ما يكونون أكثر تأهيلًا. وأضاف كذلك أنه لا ينبغي للجيش أن يشجع إدراج النساء في المناصب التي تتطلب بطبيعتها قوة بدنية غير عادية، مثل المقاتلين في الوحدات الخاصة كوحدة أسود البحر، والقوات الخاصة للجيش الأمريكي عمومًا.
وقال أنه من المستحيل إنكار وجود اختلافات فسيولوجية بين الرجل والمرأة . وأشار أيضًا إلى التوتر الذي قد ينشأ في الوحدات المختلطة جنسيًا. كما يعارض البرامج العسكرية التي تحاول دمج العديد من الأطياف البشرية داخل الجيش، مثل الحرص على وجود المُلونين، كما وصفهم ويقصد ذوي البشرة السمراء. يرى هيجيسث أن التركيز يجب أن يكون على معيار الكفاءة فحسب، وألا يتدخل أي عنصر آخر في اختيار الجندي، أو عند إسناد المهام.
إسرائيل هى الأساس
هؤلاء الصقور يمتازون بولاءهم المطلق لترامب، واستعدادهم لتنفيذ أجندته، بل فعل ما هو أبعد مما يريد ترامب. وبالتأكيد فأن أكبر نقطة يشتركون فيها جميعًا هى التأييد المطلق والشرس لإسرائيل. يتجلى ذلك بصورة أوضح في حالة إليز ستيفانيك، التي اختارها ترامب لتكون مندوبة بلاده لدى الأمم المتحدة.
ستيفانيك من أشرس من دافعوا عن ترامب في المحاولات الأولى لتنحيته من منصبه عام 2019. كما رفضت المصادقة على نتائج انتخابات عام 2020 التي فاز بها جو بايدن. ولا تترد إليز في تكرار التهمة التي يصف بها بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأمم المتحدة بأنها معادية للسامية. كما غرّدت أكثر من مرة منتقدةً دعم إدارة بايدن للسلطة الفلسطينية، واصفةً السلطة الفلسطينية بأنها تدعم وتكافئ الإرهابيين. وغرّدت أيضًا فرحًا بفوز ترامب أن هذا الدعم للسلطة الفلسطينية سيصل إلى نهايته.
وفيما يتعلق بإسرائيل فقد اختار ترامب حاكم أركسناس السابق، مايك هاكابي، ليكون سفير بلاده لدى إسرائيل. وهو منصب له أهميته الخاصة التي تميّزه عن رمزية اختيار السفراء في العرف الدبلوماسي العام. هاكابي هو أول شخص غير يهودي يتولى هذا المنصب منذ أكثر من 13 عامًا.
وفي بيان ترشيحه قال ترامب أن هاكابي يحب إسرائيل، ويحب شعب إسرائيل. وأضاف أن شعب إسرائيل يحبه أيضًا. هذا الحب يمكن تفسيره، رغم عدم يهودية الرجل، بما نقلته القناة 12 الإسرائيلية في وصف هاكابي أنه حليف كبير لإسرائيل ومعارض لحل الدولتين. ونقلت عنه كذلك تصريحات قالها عام 2015 مبررًا مطالب إسرائيل بضم الضفة الغربية قائلًا أن إسرائيل لها الحق في ضم الضفة الغربية أكثر مما لدى الولايات الحق في ضم مانهاتن.
ويقود هاكابي، 69 عامًا، منذ سنوات زيارات مدفوعة لإسرائيل، ويعلن عن تلك الزيارات التي تصبح أحيانًا زيارات جماعية تحت قيادته. كما صرح هاكابي عام 2017 قائلًا أنه لا يوجد شيء اسمه الضفة الغربية، إنها يهودا والسامرة. وأضاف أنه لا يوجد شيء اسمه مستوطنات، إنها مجتمعات، إنها أحياء، إنها مدن، لا يوجد شيء اسمه احتلال، على حد تعبيره.
تلك التعيينات تنقل صورة عن شكل الإدارة الأمريكية في السنوات المقبلة، لكن في الوقت ذاته لا يمكن تجاهل طبيعة شخصية دونالد ترامب. وأن الرجل غير متوقع بنسبة كبيرة للغاية، ولا يسير في نسق واحد، أو طبقًا لأيدلوجية خارجية واحدة، لذا لن يكون مفاجئًا أن يطيح الرجل بهذه الأسماء في أيامه الأولى، أو في مرحلة لاحقة. أو حتى أن يحتفظ بهم في مناصبهم، ويفرض عليه وجهة نظره للأحداث، فلا يقيم ترامب أهمية كبيرة لفكرة دولة المؤسسات أو فصل السلطات أو حتى الاعتماد على رأي المتخصصين، كل ذلك محتمل، لكن الأكيد أن فترة ترامب المقبلة ستكون مليئة بالمفاجآت.