بعد إعلان رحيل اللوتشو: ورطة خليفة لويس إنريكي
متى كانت آخر مرة شاهدت فريقًا يباغت برشلونة بأكثر من ضعف محاولات وتسديدات البلوجرانا على المرمى؟ أو ثلاثة لاعبين لا يمتلكون إمكانيات ورؤية «إنيستا وبوسكيتس» أو حتى سعر «أندريه جوميش» تمكنوا من إحراز هذا القدر من التفوق الفني على وسط الملعب؟ بل إن «ميسي وسواريز» نفسيهما وفرا عليك عناء البحث لتتأكد أنه مر وقت طويل قبل أن يتمكن أحد من إبطال فاعلية الثنائي لهذه الدرجة كما فعل «كيميمبيه» رفقة «ماركينيوس».
أسطورة التدريب الإيطالية «أريجو ساكي» يذهب بعيدًا بتفسير أسباب السقوط المدوي أمام باريس، فيما توجه الغالبية أصابع الاتهام لـ«لويس إنريكي» فإن الإيطالي ينظر بأعين الخبير معلنًا أن برشلونة فقدت أهم ما يميزها: أسلوب اللعب!
البلوجرانا تحوّل أخيرًا لفريق يتجاوز الفرق الصغرى بغزارة تهديفية لكن الأمر لا يبدو بتلك السلاسة أمام الخصوم الأقوى؛ برشلونة لم تعد برشلونة، هكذا يقول «ساكي».
عشر سنوات بالتمام منذ تعرض الكتلان للإقصاء من دور الـ16 بالتشامبيونزليج، هنا فقط بدأت السردية الأكثر رومانسية بتاريخهم، مدرب الرديف الذي يغمره الهوس يتولى قيادة الفريق الأول للانطلاق بـ«رحلة ممتعة»؛ وتتحول مهمته من الإنقاذ إلى الاستحواذ. لكن «جوارديولا» هذه المرة يبدو أكثر انشغالًا من سابقتها، على الأقل لم تدخل الصحافة الإنجليزية على الخط في 2007.
إدارة النادي لم تعلن موقف «إنريكي» عقب مواجهة حديقة الأمراء، ربما لأن الأمر لم يحتج لإعلان، برشلونة لن تجدد عقد لوتشو الذي أكد رحيله هذا الصيف عقب مباراة «خيخون»، لكن الأمر الذي لا يحمل نفس القدر من الوضوح هو هُوية البديل الأقدر!
هناك 4 اسماء أساسية طرحتها الصحافة كبدلاء محتملين لـ«إنريكي»، وهم: «رونالد كومان» مدرب إيفرتون، «إيزيبيو ساكرستان” مدرب سوسيداد، «سامباولي» مدرب إشبيلية، «فاليفاردي» مدرب بلباو؛ من يكون الأقرب؟ وأسماء أخرى لم تحمل نفس ذلك الزخم الإخباري كـ«بوشتينيو» الذي يمتلك كل شيء يؤهله لقيادة برشلونة سوى أنه قائد ومدرب سابق لـ«إسبانيول» العدو اللدود لبرشلونة، وبذلك تنعدم فرصه سريعًا.
جاره بلندن «أرسين فينجر» الذي عادت أسهمه من جديد بالظهور بعد أن كان قريبًا من كتالونيا بقمة مجده عام 2006، لكن الصحفي المتخصص بالكرة الإسبانية «جويلم بلاج» غرّد على «تويتر» نافيًا أي ارتباط بينه وبين برشلونة، يمكنك الوثوق بـ«جويلم» صاحب العلاقات المتميزة بالبلوجرانا.
لكن عمومًا الترشيحات تبقى مفتوحة طوال الوقت، وقد نجد اسم «إينزو» مساعد إنريكي يتردد خلال الشهور القادمة.
أكثر من مجرد خسارة
مباراة باريس تمنحنا العديد من الملاحظات، فالأداء غير مرضٍ، وسط الملعب يعاني من أزمة مركبة بصناعة اللعب والارتداد الدفاعي ومساحات شاسعة عند فقد الكرة، أضاف له «جوميش» بعدًا دراميًا عما يقارب 50 مليونا كلبن مسكوب، الأمر يزداد سوءًا بمركز الظهير الأيمن، الثلاثي الهجومي سيئ كما أن أمر ندرة مساندتهم الدفاعية يشير لاستنزافهم بدنيًا.
لكن مباراة واحدة مهما كانت غير كافية لأن ترسم الصورة كاملة وتكشف أسباب انهيار الموسم، المشكلة تتخطى الخسارة الثقيلة، بل تمتد للأساس الذي بنى عليه «إنريكي» خطواته، للمقامرة الغريبة التي لم يصدق أنه يخسرها إلا بمؤتمر المباراة.
المقامرة، باختصار، تمثلت بمبدأ: كل شيء يمكن إصلاحه بمحاولة تبديل مراكز اللاعبين وتكليفهم بأدوار زائدة على حساب الابتكار، إهمال غريب للتفاصيل تراكم مع المباريات فسحب بساط اللعب الجماعي لمساحة أكبر للعب الفردي؛ يمكنك إعادة مشاهدة ضربات «ليو» أمام بلباو كما فياريال لتتأكد.
الصورة النهائية بدون التفاصيل المهملة جاءت صادمة حتى لمحرر موقع « fourfourtwo » «ثور هوجستاد»، الإحصائيات تقول إن كثيرًا من تمريرات لاعبي خط الظهر تتخطى ثلاثي دائرة الملعب متجهة مباشرة للثلث الهجومي ليتحول «ميسي ونيمار» لصناع لعب بدلًا من «إنيستا وراكيتيتش»، أكثر من مجرد لعب عمودي، لقد كانت مشكلة بوسط الملعب!
بجانب تلك المشكلة الفنية، تظهر أزمة بأكاديمية «لامسيا» تتمثل بالاستغناء عن لاعبين بقدرات «كيتا بالدي»، يجعل الإدارة في ورطة اختيار البديل القادر على الإنجاز بالوقت الأقل، تريد مزيدًا من التعقيد؟ «كرويف» المستشار الفني التاريخي للبارسا لم يعد موجودًا.
إدراك الإدارة والمدرب من عدمه لتلك المتغيرات سيكون الفاعل الرئيس للحكم على التجربة الجديدة، بمعنى أدق الأمر يتعلق بأولوية الحفاظ على بيئة أسلوب عمل برشلونة قبل مجرد اختيار ظهير مكان «روبيرتو»!
حسبة بِرما
لم تخل أي من تصريحاته من الإطراء على النادي واللاعبين، حتى لوتشو أرسل له «بيب» دعمًا عبر تصريحات مؤخرًا، لكن ذلك الثناء لم يكن مضمون الرسالة، «جوارديولا» أكد أنه لن يعود لتدريب البلوجرانا، مهمته انتهت هناك وطائرته لن تغادر لكتالونيا إلا لزيارات سريعة، لا يحتاج الآخرون لطائرة، ثلاثة منهم على الأقل.
«سامباولي» هو المرشح المثالي، لأنه ببساطة يحقق المعادلة كاملة، كرة جماعية أجمل ما تكون، قدرة على فهم خريطة البطولات كما فعل في «تشيلي» والآن «إشبيلية»، إعادة اكتشاف النجوم، فكما ساعد «فيدال وسانيشز»، فإنه يكرر الأمر اليوم مع «نزونزي وسمير نصري»، أضف لذلك كله كونه تلميذًا لـ«بيلسا».
إذن ما العائق أمام تولي «سامباولي» لزمام الأمور ؟ استعداد «سامباولي» الدخول بتجربة بذلك الحجم، ترويض كل هؤلاء النجوم، التفاهم مع الإدارة، المنافسة علي كل الألقاب، وربما أولوية انتظار العمل مع «ميسي» لكن بالمونديال!
«سامباولي» هو المدرب النموذجي جماهيريًا، لكنه أبدًا لن يكون للإدارة، لأنه يفضل عدم العبث بمساحته الفنية، ترى ماذا يظن بشأن التعاقدات والاستغناءات الأخيرة؟
الأرجنتيني لن يكون مدربًا قريبًا لبرشلونة إلا تلبية لطلب «ليو»، وهو ما أكده أمس الصحفي «إيدواردو إيندا» عن ميول البرغوث لمواطنه!
على الرادار يظهر «إيزيبيو»، بالطبع لم تكن لتدقق بصورة أحد مساعدي «ريكارد» في حضور «رونالدينهو»، ولم تكن لتتابع الرديف في 2011، لعلك التفت للمرة الأولى عندما حقق «ريال سوسيداد» نسبة استحواذ أعلى من برشلونة بمباراة نوفمبر، بل إنه أمطر مرماهم بـ17 تسديدة؛ هنا فقط أضحى بديلًا محتملًا.
«إيزيبيو» أقيل من الرديف لسوء النتائج، ليتألق مع الفريق الباسكي ويمنحه المركز الخامس، أربعة مراكز أفضل من الموسم الماضي، وسبعة مراكز من قبل الماضي. ربما يكون هو المرشح الأقرب لـ«بارتوميو»، فالرجل يسهل ترويضه وسيكون المفتاح لإعادة ترتيب «لمامسيا»، لكن هل سيكون مقنعًا بشكل كافٍ لكتيبة البلوجرانا؟ أشك.
الأكيد أن برشلونة 2017 لا تملك سعة تجريب مدرب بدون خبرات بالدرجة الأولى ناهيك عن المنافسات الأوروبية؛ المقاربة مع مسيرة «جوارديولا» ليست بمحلها، فـ«بيب» اكتسب شرعيته بفوزه بـ6 بطولات بموسمه الأول، هل يمكن لـ«إيزيبيو» تكرار الأمر؟ بالطبع لا؛ مقامرة جديدة إذن.
كذلك لم تكن هذه المرة هي المرة الأولى التي يطرح فيها اسم «فاليفاردي»، إذ كان من المرشحين قبل ثلاث سنوات لكن كفّة لوتشو هي التي رجحت، عاد مرة أخرى اسمه لدائرة الضوء بفضل الأداء الشرس لـ«بلباو» خصوصًا أمام الكتلان.
«فاليفاردي» مدرب ناجح بتصعيد الشباب، يحسن التعامل مع الميركاتو، له خبرة أوروبية لا بأس بها، لكن العقبة تأتي من أسلوب لعبه الذي يتميز به عن الآخرين بميوله للتحفظ واللعب العمودي بدلًا من الاستحواذ الدائم، لكن ذلك لم يمنعه من دخول السباق بل يمتلك تفوقًا نسبيًا لدى الإدارة.
أما «كومان» فيتميز على أقرانه برصيد تاريخي كقائد سابق للفريق، وتلميذ مباشر لـ«كرويف» وإبن مخلص للكرة الشاملة، وأكثرهم خبرة بين الدوريات أوربا، حتي بالتغطية الصحفية وبداخل إدارة النادي يبقى اسم الهولندي له حضوره الخاص.
«كومان» متفهم هُوية البارسا لأبعد درجة، حيث كان جزءا من جيل 92 وسبق أن عمل مساعدًا للمدرب، جائع للعمل بكتالونيا حتى أن زميله «دي بور» يقول بأن الأمر بمثابة حلم شخصي لـ«كومان». لهؤلاء الذين لا يجدون حلًا أنسب من إحكام قبضة المدرب على الفريق وربما ترحيبه برحيل أحد النجوم اللامعة فإن «كومان» هو الشخصية الأقوى!
بعيدًا عن تصريح «جوليم»، فبالنظر لـ«أرسنال» لن تجد لاعبًا متمردًا على حالة قلة الطموح التي يرعاها «فينجر» عبر المواسم إلا لاعب برشلونة السابق «سانشيز»، البلوجرانا أصلًا أحوج ما تكون لمدرب قادر على إعادة صياغة الأهداف للاعبين فازوا بأقيم البطولات.
بذلك نكون استعرضنا بشكل عام أهم خصائص وعيوب المرشحين، يبدو أن «خورخي سامباولي» يأتي كأفضل خيار، يتبعه في الأفضلية «كومان» ثم يتشارك «فاليفاردي» و«إيزيبيو» بالنهاية، أحدهما يتميز بالخبرة والثاني بأسلوب اللعب المتطابق مع برشلونة، الذي طرأ على المعادلة هو تصريح «إيزيبيو» برغبته في الاستمرار مع سوسيداد، لكن هل الأفضلية هي المعيار الأول بتقييمات إدارة «بارتوميو»؟
من زاوية الملعب
البدء بلامسيا يسهل فهم الأمور، فباستثناء «ليو» تبدو الأكاديمية فاقدة لسطوتها على الفريق، الأداء السيئ الذي يتقاسمه «روبيرتو» من جانب و«بوسكتيس وإنيستا وبيكيه» من جانب آخر يطرح التساؤل عن أسباب عدم تصعيد لاعبين جدد، الطبيعي أن برشلونة ستسعى للإجابة عبر المدرب القادم!
كما يشكك البعض أن الإدارة الحالية تسعى لصفقات تسويقية دون النظر لحالة الفريق، فالتعاقد مع «توران، جوميش، ألكاثير، فيدال، فيرمايلن» دون استفادة فنية تذكر يبدو غريبًا بالوقت الذي يسمح به برحيل «خليلوفيتش، الحدادي، ألكنتارا، بارترا» أصحاب مراكز يعاني منها الفريق، صحيح أن صفقات أخرى أحرزت نجاحًا بالغًا كـ«سواريز، نيمار، شتيجن»، لكن فلسفة الصفقات فقط لم تعالج المشكلة الأهم: وسط الملعب.
وسط الملعب هو الثلث الذي طالما تميزت به برشلونة ولامسيا بآن واحد، لكن الأمور تبدلت ليصبح المركز نقطة ضعف تمنح الخصوم مساحات شاسعة خلف «إنيستا وجوميش»، يفقد المركز الكرة بسبب سوء التجانس وبجرأة الخصوم على تنفيذ الضغط العالي، يعجز عن الحلول المبتكرة لدرجة أنه أصبح معتادا أن تبدأ وتنتهي الهجمة على الأطراف، صحيح أن أغلب لاعبي وسط الملعب مرهقين، لكن ماذا فعل «إنريكي»؟ مزيد من الإرهاق!
لا يعرف «لوتشو» سياسة التدوير السليمة للمركز بين الأساسيين والبدلاء، لا يغادر «بوسكيتس وإنيستا» إلا للإصابة أو لشدّة التعب، «راكيتيتش» تائه بعد موسم 2015 بسبب الخيارات الفنية الخاطئة بين المشاركة والغياب، أما «رافينيا» فخرج من أي حسابات لإنريكي بعد إصابة «روما» ولم يعد إلا بمركز لا يعرفه كطرف هجومي، وأخيرًا «دينيس سواريز» لم يكن أسعد حظًا حتى بعد تألقه وجد نفسه جليس الدكّة لا يستعين به إلا بعد شكوى «إنيستا» من الاستنزاف البدني.
لا يفكر أحد عند ذكر اسم «روبيرتو» بسوى تعديد مساوئه، كثير منها حقيقي بالطبع، لكن لا أحد يذكر أن «إنريكي» اغتال لاعبه بعد أن أحيا مسيرته، «سيرجي» لاعب وسط الارتكاز السريع وجد نفسه فجأة يحمل إرث «ألفيش» الثقيل، حتى مع كل الإشارات التي أرسلها أغلب خصوم البارسا سابقًا أبقاه لوتشو فريسة سهلة الاختراق رافضًا الدفع بـ«فيدال» أو تصعيد شاب آخر حتى أصبح من السهل توقع تسجيل الخصوم من الجانب الأيمن!
لم يجد «إنريكي» حلًا لتفادي هذا السقوط إلا باللجوء لـ3/4/3، غالبًا سيمنح «إنيستا» أو «راكي» مركز صانع اللعب مع دخول «دينيس» و«ماسكيرانو» للتشكيل، لكن هل سيستمر أسلوب اللعب الجديد مع المدرب القادم؟
أفضل شيء يمكن لـ«إنريكي» أن يقوم به خلال الـ3 أشهر القادمة هو استعادة الثقة، أن يترك خلفه فريقًا راضيًا عن الأداء الجماعي، أن يعرف لاعبين كـ«أومتيتي، رافينيا، دينيس، سيرجي، فيدال» أن مستقبل التشكيل لهم، ويعمل بقوة على تطوير أداء كل الصفقات السابقة، لا أن ينجرف برعونة مستنزفًا الآخرين لأن الأمور لن تمر بذلك إلا بإصابة لـ«ميسي» أو «نيمار»!
بزاوية الملعب، يبدو أن «سامباولي» يحلق وحيدًا كأفضل بديل قادر على إحداث تحوّل إيجابي سريع جدًا، لكن الصحافة تؤكد أن «فاليفاردي» الأقرب للإدارة، الأكيد أن التجربة الجديدة ستكون مثيرة جدًا!