ترافيس سكوت و«الشيطانية»: كيف صار الشيطان بطلًا؟
امتلأت محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي بكلمات عن مغنيّ الراب الأمريكي ترافيس سكوت، خصوصًا بعدما أعلن عن عزمه إقامة حفل له في منطقة الأهرامات بمصر، الحفل جاء بمناسبة إطلاقه ألبومًا غنائيًا جديدًا، لكن لم تكن تلك الكلمات التي يبحث عنها الناس متعلقة بالألبوم الغنائي، بل طقوسًا قالوا إن سكوت يمارسها في حفلاته.
المطالبات بإلغاء الحفل أدت بنقابة الموسيقيين المصريين إلى إلغاء ترخيصها بإقامة الحفل، لكن يظل باب الجدل مفتوحًا حول الطقوس المزعومة لدى سكوت، خصوصًا أنه صاحب قائمة من الاتهامات القانونية بسبب سلوكياته التي تتنافى مع معطيات السلامة في حفلاته، آخرها كان في مهرجان آستروورلد، نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2021، حيث تسبب الرجل في مقتل 10 أفراد، بسبب تحريضه للجمهور بالتدافع على المسرح وعدم الانصياع لقواعد التنظيم.
جاك بيرمون، المعروف بترافس سكوت، صعد في عالم غناء الراب بدايةً من عام 2012، ووقع في العام التالي عقد أول مشروع كامل له، ثم في عام 2014 وصل سكوت للعالمية بأغانيه، وترشح لـ 8 جوائز جرامي، وفاز بجائزة البيلبورد الموسيقية، لكن كل ذلك تلاشى من أذهان الجماهير، ولم يبق إلا سكوت المرفوع ضده قرابة 200 دعوى تعويض من أهالي ضحايا مهرجان أسترورلد.
السبب الأبرز الذي تداوله الناشطون أن سكوت له علاقة بعبادة الشيطان والماسونية العالمية، وأنه يردد عبارات في حفلاته تدفع الجمهور للإتيان بأفعال خطيرة قد تودي بحياتهم.
إن الحديث عن سكوت فرصة للتعرف أكثر على مفهوم «الشيطانية» (Satanism) أو كما تعرف عربيًا، «عبادة الشيطان»، ما هي الشيطانية بالضبط؟
أول كنيسة شيطانية
عبادة الشيطان تبدأ بتأدية طقوس اللاتعميد، حيث يرفض المنتمي لتلك الطائفة رمزيًا الطقوس الدينيّة التي مارسها أهله لتعميده صغيرًا، وفي أحد أشهر احتفالاتهم، المُعترف بها في بوسطن بالولايات المتحدة، يبدؤون الحفل وأيديهم مقيّدة، ثم يمزقون القيود إشارة للتحرر من الدين.
تعترف بهم الولايات المتحدة بالشيطانية كدين له كهنة في مختلف الدول الأوروبية، بينما يصر أتباعه أنهم لا يعبدون الشيطان فعليًا، لكن يستخدمون الشيطان كرمز للتشكيك في السلطة والأديان عامة، ويمزقون الإنجيل، ويرتدون الصليب المقلوب، ويطالبون أحيانًا بشكل ساخر بوضع تماثيل للشيطان في الميادين الأمريكية، وبجوار تماثيل الرموز المسيحية، باعتبار أن الدستور يكفل حق معاملة كافة الأديان بشكل متساو، بخاصة أن أعضاء المعبد الشيطاني الأمريكي قد زاد من 10 آلاف عضو في 2019، إلى 700 ألف عضو عام 2023.
عبدة الشيطان لهم مبادئهم، ويبيعون رسومًا كرتونية تشرح مذهبهم، ويؤلفون كتبًا للأطفال، وأغنيات كذلك، ويعتمدون في إقامة فعالياتهم على التبرعات التي تأتيهم من الفنانين والسياسيين الذين يعتنقون مذهبهم، أو يستخدمونه كورقة سياسية، بجانب التبرعات يعتاشون على بيع الكتب وألعاب الأطفال على أشكال مختلفة ترمز لعبادتهم.
لكن الواقع يقول إنها ليست عبادة مرهفة كما يقول أتباع المؤتمر، فالجنس الحر، والمخدرات، وتشويه الحيوانات، والانتحار الجماعي، والقتل، والتضحية بالأطفال، كلها سلوكيات يقوم بها عبدة الشيطان للفت انتباهه كي يساعدهم، فهم يعتقدون أن الشيطان حقيقةً، هو أقوى كائن على الأرض، وأنه في الألفية الجديدة سيكون العالم كله خاضعًا لحكومة واحدة ويدين بدين عالمي واحد.
لكن ليس المطلوب هو التفصيل فيها لذاتها، بل لربطها بترافيس سكوت، ومعرفة ما يثير الشبهات حوله، وهل هو حقًا منهم أم لا، بعيدًا بالطبع عن أنه قد تجاهل حادثة موت العشرات في حفله، ولم يطلب من الجمهور الإفساح لسيارات الإسعاف التي اضطرت للمرور عبر الحشود لتصل إلى المصابين الذي جاوزوا الـ 300 بينهم أطفال لم يجاوزوا العاشرة من العمر، ما أثار التكنهات أن تلك كانت قرابين بشرية بسبب كثرة الرموز الشيطانية في الحفل.
الرموز الشيطانية في حفلة سكوت
من أبرز رموز الشيطانية بجانب الصليب المقلوب، النجمة الخماسية المقلوبة، وهي رسم للزاوية التي تُظهر قرون لوسيفر، الشيطان، كما يستخدمون الرمز الكيميائي للكبريت، باعتباره العنصر المتوافق مع روح الإنسان، كذلك يمثل الهرم رمز عودة مجد سليمان، معبد سليمان، وبالطبع الرمز الأشهر وهو العين الكبرى، أو العين الشاملة، ويعتقدون أنها عين الشيطان التي تتيح له رؤية كل شيء.
فأي شيء من هذه الرموز كان حاضرًا في حفلات ومسيرة ترافس سكوت، ففي غلاف ألبوم ترافيس سكوت يظهر مخلوق غريب يبدو أنه شيطان، وعلى الألبوم جملتان، الأولى، من يعرف ما يكمن تحت السطح، والثانية، عندما تصل إلى النهاية، فإنها مجرد البداية، كذلك فإن صورة أبواب الدخول التي كانت مصممة على هيئة وجه سكوت نفسه، تبدو مقتبسة من لوحة المسيح في لامبو، التي رسمها هيرونيموس بوش، والتي تعتبر تجسيدًا لأبواب الجحيم.
وفي الملصق الدعائي لحفلة آستروورلد يظهر العديد من الرموز، مثل عين الشيطان الشاملة على كف يد، تلك العيون تبدو كعيون أبادون، ملاك الهاوية، وهو أحد رموز الشيطانية الذي طُرد من السماء، ويعتقدون أن يحكم المستوى الأول من الجحيم.
بجوار كلمات مثل النار والرياح والأرض، التي تمثل تكوين الشيطان والثلاثي الذي يمنح الشيطان قدرات خارقة لأنه يتحكم فيهم، كما بدا المسرح وكأنه وجه مظلم تحيط به النيران، وظهرت هيئة طائر ينهض من بين النيران، هذا الطائر هو العنقاء، والتي يعتقدون أنها تمنح سلطات جديدة لمن يقترف إثمًا يقرّبه من الشيطان، كما احتوى ديكور المسرح على صليب مقلوب، يحيط بجبل ضخم، تبرز منه عين كبيرة يقف سكوت في وسطها.
القميص الذي ارتداه سكوت نفسه عليه صورة لأشخاص باهتين يدخلون من باب فتتضح ألوانهم أكثر، وتصبح لهم قرون بشكل أقرب للشيطان، وتنامى الاعتقاد أن هذه الصورة تمثل الأشخاص الذين جرى تقديمهم ضحايا للشيطان.
الشيطان يصبح بطلًا
إلغاء حفل سكوت، لا يقضي على فكرة الرجل، أو أفكار الشيطانية، فشخصية الشيطان طرأ عليها من التطور الأدبي مثل كل القصص الدينية والأساطير، في أيام عصر التنوير، حيث الفردانية والعقل، بدأ الشيطان يأخذ حيزًا هامشيًا، ولم تعد تهتم الكنيسة بالحديث عنه، فانتقل الشيطان من اللاهوت إلى الفلكلور الشعبي.
حتى أتت اللحظة التي تغيّرت فيها نظرة الكثيرين للشيطان، حين ظهرت قصيدة الفردوس المفقود لجون ميلتون، حينها نُظر للشيطان باعتباره بطلًا، من الواجب القول إن ميلتون لم يقصد ذلك، لكنه عنى تصوير الشيطان باعتباره ضحية كبريائه الذي دفعه للتمرد على الإله، فدخلت تفسيرات تقول إن الشيطان إذًا بطل، تمرّد أجل، لكن تمرد ضد طغيان الإله بفرضه الإنسان على الأرض.
لهذا نجد ميلتون في نظرة الشيطانيين شيطانيًا، على الرغم من أن الرجل كان على المذهب التطهيري، على إثر تلك القصيدة، وما تلاها من تفسيرات، أصبح الشيطان بطل العديد من الملاحم الشعرية والرومانسية، أصبح الشيطان مناضلًا للحرية، وعلى الرغم من أن العديد من هؤلاء تحدثوا عن الشيطان بشغف كبير، حتى وصف ميخائيل بانكويين الشيطان بأنه المتمرد الأبدي، وأول مفكر حر، وأول محرر للعوالم، فإنه لم يقم أي واحد منهم بطقوس شيطانية.
ثم بعد ذلك دخل الشيطان في أغاني فرق الروك، وأغاني الميتال، واليوم يدخل في أغاني الراب، فالفكرة إذًا لم تُفنّد كفكرة ستستمر في الانتشار حتى لو من وراء الستار، ومن تحت أقدام المعترضين عليها، لا يرونها حقًا، فيظنون أنهم انتصروا عليها، لكنها ستفاجئهم يومًا وقد صارت وحشًا يأكل كل من عاداها يومًا.