تراجم خاصة لشخصيات مسلسل أرطغرل
نظرا لحدوث قطيعة بين التاريخ العثماني واللغة العربية، ولأننا، وللأسف، لا نعرف أسرار التاريخ العثماني إلا من خلال مصادر ثالثة غربية الطابع، وهذا ما يوقعنا في كثير من الأوهام والأغلاط، لاحظت في الفترة الأخيرة أن عددًا من الشخصيات خرجت على اليوتيوب وبدأت في تفنيد مسلسل أرطغرل استنادًا إلى شذرات مما تحتويه مكتبتنا العربية من ترجمات، وإلى ما كتبته في مقال سابق، فقد قررت القيام بعمل ترجمة لشخصيات المسلسل للتعريف بهم، وهذه الترجمة هي للمصلحة العامة.
1. أرطغرل بن سليمان شاه
هو البطل الرئيسي للمسلسل، واختلف المؤرخون حول والده، فهناك فيه رأيان؛ الأول يقول أن والده هو سليمان شاه (رواية المسلسل)، وهذا قول المؤرخ أحمد جودت باشا ومنجم باشي في جامع الدول، وهناك رأي آخر يقول أن والد أرطغرل هو جونجودو (كوندوز ألب)، وقد أظهره المسلسل كأخيه الأكبر، وهذا الرأي أقوى لأنه تم العثور على مسكوكة ذهبية ترجع لزمن عثمان بن أرطغرل يوجد فيها عثمان بن أرطغرل بن كوندوز، وهذا قول المؤرخ التركي محمد توفيق باشا، وترجيح أحمد آق كندوز.
لا يعرف بالضبط تاريخ مولد أرطغرل، لكن يعرف أنه توفي عام 1200، وقد قام ومعه 400 فارس فقط مع أسرهم باختراق الأناضول بعد تفرق قبيلة سليمان شاه بعد غرقه ودفنه في حصن جعبر على شاطئ الفرات، فأخذ سنغورتكين وكوندوز ألب (جونجودو) معهم الجزء الأكبر من القبيلة إلى موطنهم الأصلي في آسيا الوسطى، وأخذ أرطغرل مجموعة صغيرة تبلغ 400 فارس وانفصل بهم، وسار بهم حتى منطقة باسين أوا، وهي منطقة تحت سيطرة السلطان علاء الدين كيقباذ سلطان قونية، وأرسل ولده ساوجي في وفد إلى السلطان ليطلبوا منه أن يعين لهم مكانًا يقيمون فيه، فاختار لهم مكانًا قرب أنقرة، وطلب منهم أن يحرسوا هذا الثغر من العدو البيزنطي، واستمر في كاراجطاغ يقاتل البيزنطين 50 سنة تحت ظل الدولة السلجوقية حتى انهارت وضعفت سيطرتها، وتوفي مجاهدًا عام 1200م الموافق 680هـ.
و كان لأرطغرل ثلاثة أبناء؛ عثمان بيه الغازي، وهو الذي تنسب له الدولة العثمانية، وكوندوز بيه، وساوجي بيه. و كان لأرطغرل علاقة طيبة مع ابن عربي، ومع مولانا جلال الدين الرومي الذي بشره بدولة تكون في عقبه.
2. سعد الدين كوبيك
وهو من أشهر وزراء سلاجقة الروم وأعظمهم، ساهم في توسع دولة سلاجقة الروم لتستولي على ديار بكر والرها وماردين من قبضة الأيوبيين في بلاد الشام والجزيرة، وقد وصل مستوى نفوذه لدرجة تصل في كثير من المرات إلى مستوى نفوذ سلطان قونية نفسه حتى شاع بين الناس أنه ابن غير شرعي للسلطان علاء الدين كيقباذ السلجوقي.
وقد سعى عند السلطان علاء الدين ليغير علمه من السواد رمز العباسيين إلى اللون الأزرق النيلي؛ وذلك لأن العباسيين في بغداد أظهروا تعاطفًا مع الأيوبيين في بلاد الشام على حساب سلاجقة الروم. وعندما توفي السلطان علاء الدين، سارع هو وأشراف قونية إلى مبايعة ابنه غياث الدين الذي لم يكن وليًا للعهد، ولم يوصِ له والده، ومنعوا ابن السلطان عز الدين من خلافة والده لأن أمه كانت أيوبية، وهي ابنة الملك العادل الأيوبي، وقام كوبيك بكل خبث بقتلها هي ووالدها عز الدين خنقًا بوتر القوس بعد أن حبسهم في قلعة (أنقورية).
وفي عهد السلطان غياث الدين كيخسرو بن علاء الدين، تزايد نفوذ كوبيك حتى وصل إلى مستوى قتل خيرة وزراء بلاد الروم مثل السيد تاج الدين بروانة وكمال الدين كامير؛ فالأول قتله كوبيك بتدبير مؤامرة اتهامه بالزنا ثم إقامة الحد عليه، والثاني قتله كوبيك خنقًا في قلعة أوجه. وعندما وصل إلى مسامع السلطان غياث ما يفعله كوبيك في غرمائه السياسيين، دعاه إلى مجلس أنس ثم قتله وعلق جثته، وكان ثقيل الجسم فما لبث أن انقطع الحبل ووقعت جثته على أحد المارّة فقتلته، فقال السلطان غياث الدين: «ما زال جسد الخبيث يقتل الناس حتى بعد أن ذهبت روحه إلى الجحيم».
و رغم جرائم سعد الدين كوبيك السياسية وطابعه المؤامراتي والدموي؛ إلا أن من المشهود له إقامة العدل بين الناس والقصاص لهم حتى من نفسه، وكان الناس يعجبون كيف يتناقض سلوكه إلى هذا الحد؛ ولكن الكمال لله وحده.
3. محيي الدين بن عربي الحاتمي
وهو الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر. ولد عام 558هـ في مورسية بالأندلس، وتوفي في 638هـ في مدينة دمشق، ودفن في قاسيون. وهو من أعظم مشايخ التصوف العرفاني في التراث الإسلامي، وهو محل جدل مستمر في التراث بين مادح له و قادح، وما أراه فيه أنه كان رمزًا للتسامح الديني؛ وأنه سبق زمنه، لذلك لم يحتمله مشايخ عصره.
ومن الأخطاء التي يقع فيها من يقرأ سيرة ابن عربي على يد المصادر العربية، إنكار رحلة الشيخ إلى بلاد الروم. وقد كنت في مقال سابق توهمت ذلك؛ إلا أنني أعود و أستدرك: نعم، لقد كان للإمام الأكبر رحلات إلى قونية؛ بل إنه من الثابت أن ابن عربي تزوج امرأة من أهل قونية، وهي والدة صدر الدين القونوي، وقام بتربية ولدها.
واللقاء بين أرطغرل وابن عربي ثابت في المصادر العثمانية التي تقول أن ابن عربي كان عند السلطان علاء الدين السلجوقي، لكنه لاحظ منه انحرافًا عن طريقه في التصوف إلى مذهب القلندرية؛ فقال له: «يا علاء الدين إن كنت وجدت أبًا (أي مرشدًا صوفيًا)، فقدت وجدت أنا ابنًا (أي تابعا مريدًا)، وأخذ عثمان بن أرطغرل.
ولابن عربي رسالة تسمى الأنوار النعمانية، يبشر فيها بقيام الدولة العثمانية قبل قيامها بـ 60 سنة، وهي التي تولى شرحها ونشرها ربيبة صدر الدين القونوي.
4. نويان المغولي
هو قائد مغولي اسمه الحقيقي جرماغون نويان كان يقود طليعة مغولية تتألف من 700 إلى ألف مقاتل، كانت مقدمة للجيش المغولي في بلاد الروم (الأناضول). وقد قام ملك الكرج (جورجيا) بفتح ممر لهذه الطليعة لتعبر عبر حدوده حتى تصل إلى بلاد الروم انتقامًا من فتوحات السلاجقة في بلاده، وفعلا و صلت تلك الفرقة وقامت بالتوغل في ديار الروم حتى مدينة سيواس، وحاربها الوزير كمال كامير وزير السلطان علاء الدين مما دفعها للهروب والعودة لأدراجها. ولكنهم توجهوا إلى مدينة أخلاط، وفي طريقهم للعودة، وجدوا جيشًا يتبع للدولة الخوارزمية، فأعملوا فيهم السيف رغم أنهم كانوا 10 آلاف مقاتل، فأبادوهم حتى أنه مرت عجوز بمصارع الخوارزميين فقالت: «والله لو أن المغول قاموا برمي قبعاتهم في وسط الخوارزمية لقتلوهم».
وعندما سمع الخليفة العباسي بقدرة سلاجقة الروم على التصدي للمغول، أرسل للسلطان علاء الدين يطلب النصرة والمدد، وأرسل له هذا الطلب مع حفيد الإمام ابن الجوزي، ووافق السلطان، ولكن خيانة أمراء البلاد التي تفصل بين بلاد الروم وبغداد منعته من إرسال المدد لأن سكان تلك البلاد لم يكونوا يثقون بسلاجقة الروم؛ بل إن الأيوبيين حركوا جيشًا لمحاولة احتلال بلاد الروم، ولكن تصدى لهم السلاجقة وهزموهم، ولم يقم السلاجقة بمحاولة التقدم لبلاد الشام لأن الفرنجة انتهزوا فرصة قتال المسلمين مع بعضهم وحاولوا التقدم لأخذ مناطق من سيطرة الأيوبيين، فقبل السلطان السلجوقي اعتذار الأيوبيين و انتهت الأزمة بزواج سياسي بين بنت الملك العادل والسلطان علاء الدين.
طبعًا هذه التراجم حقيقية، تختلف جذريَا عن روايات المسلسل الأسطورية. وإذا شاء الله، نكمل ترجمة السلطان علاء الدين في مقال منفصل.