من كان يظن أن اهتمام الجماهير بكرة القدم، قد يصل إلى ذروته عندما لا يتعلق الأمر بمشاهدة المباريات؟ في عام 2018، ووفقًا لمحرك البحث «جوجل»، ظهر مقطع «انتقالات أرسنال» «Arsenal Transfers» عدد 4.4 مليون مرة، ثم مقطع «انتقالات مانشستر يونايتد» «Manchester United Transfers» عدد 3.6 مليون مرة.

لم يتوقف محرك «جوجل» عن إبهارنا فيما يخص أخبار انتقالات البريميرليج، عندما أخبرنا أن أكثر محاولات البحث أتت من كينيا، وأوغندا، وجنوب السودان! مجهودات شاقة، عدد مهول من الاتصالات والمفاوضات على مدار 12 أسبوعًا في الانتقالات الصيفية، وبدرجة أقل في الانتقالات الشتوية – يبدو كافيًا وبشدة لجذب الأنظار.

لكن ماذا لو علمت أن أفضل أداة لإدارة الانتقالات هي تطبيق «الواتس آب»؟ نعم، هو نفس التطبيق الذي تستخدمه وأصدقاؤك للاتفاق على اللقاءات، حيث يفضله الإداريون واللاعبون والوكلاء بسبب «علامة صح الزرقاء» التي تؤكد قراءة الرسالة. وسواء اقتنعت أم لا، فهذا ما يحدث بالفعل، وعليك تخيل سيناريوهاته، خاصةً إن كنت مشجعًا لبرشلونة.

إدارة سوق الانتقالات عبر تطبيق «واتس آب»
إدارة سوق الانتقالات عبر تطبيق «واتس آب»
/ youtube

مشهد تخيلي في كتالونيا

لماذا برشلونة تحديدًا؟ لأنه يفوز، ولا يمر بأزمة على مستوى النتائج كحال مانشستر يونايتد وأرسنال مثلاً، بجانب وضعه المالي الجيد، ومع ذلك تشعر أن الإدارة تتصرف بعشوائية غريبة في سوق الانتقالات، حتى صار جمهور الفريق كارهًا للسوق. وإن أضفت هذه العشوائية إلى «الواتس آب»، فبإمكانك تخيل بعض مما يحدث.

إيريك أبيدال (المدير الرياضي): هل عرضنا على إيفرتون 81 مليون باوند من أجل ريتشارلسون؟
أوسكار جارو (المدير التنفيذي): ؟
جوردي كاردونير (نائب الرئيس): ؟
جوسيب بارتوميو (الرئيس) بعد رؤية الرسالة بساعة: لا تقلق، فقد رفضوا.
أبيدال: ألم تخبروني أننا لا نملك 50 مليون باوند من أجل رودريجو فالنسيا؟ فكيف حصلنا على 81؟
بارتوميو: لا تقلق إيريك، الشتاء مازال طويلاً.
حوار تخيلي على الواتس آب بين إدارة برشلونة، في نهاية شهر يناير/ كانون الثاني 2020

طبعًا أنت تتساءل لماذا لم يدلِ المدير الفني بدلوه في هذه المحادثة؟ والإجابة ببساطة أنهم يتراسلون في مجموعة المحادثة الثانية والتي لا تضم المدرب، لأنهم لا يعتدون برأيه منذ مدة ليست بالقصيرة، فوضعوه بمجموعة أخرى بنفس الاسم، حفاظًا على الشكليات.

يمكنك الشك قدر ما تشاء في مقدار ملامسة هذا الحوار التخيلي للحقيقة، لكن بشكل أو بآخر، فإن نتائجه لن تكون أسوأ مما تحققه الإدارة على أرض الواقع. حيث لا يتوقف الأمر على دخول برشلونة سوق الانتقالات الشتوية للسنة الثانية على التوالي باحثًا عن صفقة طوارئ، ولكن يمتد لعدد من الأخطاء ظهرت منذ بدء حقبة الرئيس «جوزيب بارتوميو» في 2014.

الصفقة التي انتهى إليها برشلونة بعد شتاء 2020، مهاجم نادي ليجانيس «مارتن برايثوايت»

هل تذكر آخر سوق ناجحة؟

وكعربون محبة، شهدت بداية حقبته، شراء الثلاثي: لويس سواريز، وإيفان راكيتيتش، وحارس المرمى الألماني تير شتيجن. وحقق الفريق بنهاية الموسم آخر ألقابه في دوري أبطال أوروبا رفقة المدرب لويس إنريكي. بعد ذلك توالت الصفقات بلا هدف.

إذا أردت أن تعرف السبب وراء عدم براعة أي فريق بسوق الانتقالات، فتش عن المدير الرياضي. ذلك المنصب الذي يزداد تأثيرًا ونفوذًا يومًا بعد يوم. لدينا على سبيل المثال، «مايكل إدواردز» وراء مشروع ليفربول، و«جوزيبي ماروتا» في يوفنتوس ثم انتر ميلانو، و«تيكسيكي بيجرستين» مع برشلونة-جوارديولا ثم مانشستر سيتي، وغيرهم وغيرهم.

فالمدير الرياضي هو المسئول عن دمج وجهة النظر الفنية للمدرب، مع سياسة الإدارة المالية، للحصول على الصفقات المناسبة. وعليه، كانت آخر سوق انتقالات ناجحة لبرشلونة في 2014، مرتبطة بالمدير الرياضي «أندوني زوبيزاريتا»، الذي أقيل في مطلع العام التالي، كأول إجراءات الرئيس «بارتوميو» الإصلاحية.

وكنتيجة لذلك، تم إنفاق ما يزيد عن البليون يورو على عدد من اللاعبين، نصفهم لم يعد موجودًا بالنادي من الأساس. سنذكرك ببعض الأسماء منهم: أليكس فيدال، أردا توران، أندريه جوميش، باكو ألكاسير، مالكوم، دينيس سواريز، ياري مينا، لوكاس دين، ولا تنسَ الثنائي الأغرب باولينيو وكيفين برينس بواتينج.

تضخم غير محسوب

ورغم هذا الكم من العشوائية، إلا أن تشكيلة برشلونة -بعيدًا عن الإصابات الحالية- ما زالت ضمن الفئة الأولى على مستوى الجودة، ورغم ذلك ما زالت الجماهير تشعر بوجود شيء خاطئ، والسبب في ذلك بكل بساطة هو عدم تنوع هذه الجودة.

على سبيل المثال، ضم برشلونة كوتينيو ثم جريزمان، مع العلم أن نقطة قوة الثنائي تكمن في اللعب بالمركز 10، أسفل المهاجم، لكن بما أن هذه المنطقة محجوزة لميسي، اضطر الثنائي لتجربة حظهما في مركز آخر، وبالتالي حصل الفريق على الجودة، لكن في غير موضعها.

مثال آخر شاهده الجمهور في أولى مباريات المدرب «كيكي سيتين» ضد فالنسيا. حين عانى الفريق من تشابه جودة ثلاثي الوسط (أرثور، بوسكيتس، دي يونج)، وكذلك ثلاثي الخط الأمامي، فكان أغلبهم يفضل طلب الكرة بين قدميه، ونادرًا ما يباغتون الخصم بتحركات، لطلب الكرة في المساحة. وبإمكانك ملاحظة ذلك في التغريدة التالية.

وإذا انتقلنا من الشق الفني إلى الشق المالي، فسنجد أن تكدس اللاعبين بهذه الطريقة، استدرج الفريق نحو تضخم آخر غير محسوب في سلم الرواتب. ففي تقرير لشبكة «CNN» في بداية موسم 2018/2019، تم إعلان برشلونة كأكثر فريق في العالم دفعًا للرواتب بمتوسط 10 مليون باوند للاعب، كأول فريق كرة قدم يصل إلى هذه المرتبة.

في عام 2017، كان المتوسط 6.6 مليون باوند، ثم ارتفع إلى 10، لينتهي الارتفاع ببلوغ مجموع ما يدفعه برشلونة من رواتب في موسم 2019/2020، 671 مليون باوند، بزيادة 38 مليون باوند عن الموسم السابق. وبما أننا الآن نعيش تحت مظلة قانون اللعب المالي النظيف، فإن هذا التضخم سيمثل عائقًا ضخمًا أمام تدعيم الصفوف مستقبلاً.

لكن من حسن الحظ، فإن هذه المشاكل الفنية والمالية، تصادف وجودها مع وجود ليونيل ميسي الخارق، وتخبط ريال مدريد المحلي بشكل مبالغ فيه، فحافظ برشلونة على هيمنته المحلية غير المسبوقة. أما فيما يخص المستقبل، فإن تخطيط «بارتوميو» لن يفيد. وحتى إشعار آخر، سيظل برشلونة يعامل سوق الانتقالات وكأنه سيرك، كلما زادت الفوضى، زادت التسلية، لكن هذا السيرك لا يمتع جمهوره أبدًا.