التعذيب والقتل خلف الأسوار: روايات من داخل سجن برج العرب
يقع سجن برج العرب -معتقل سياسي وسجن جنائي- في منطقة صحراوية غرب مدينة الإسكندرية، ويعد من أشد السجون حراسةً وتأمينًا، ويتبع إداريًا لمصلحة السجون التابعة لوزارة الداخلية، ويقدر عدد المسجونين المحتجزين حاليًا هناك على ذمة قضايا سياسية أكثر من خمسة آلاف مسجون موزعين على 6 عنابر، كل عنبر يحتوي على ثماني عشرة زنزانة تتوزع على جناحين يضم كل جناح منهما تسع غرف وفنائين أحدهما أمامي والآخر خلفي.
ودائمًا ما يحفل السجن بأحداث كثيرة نظرًا لزيادة أعداد المسجونين به، واشتهاره بسوء سمعته نتيجة كثرة الانتهاكات داخله، لكن خلال الأيام السابقة ربما كانت هي الأسوء لمن هم داخل الأسوار ولذويهم خارجها.
منع الأهالي من زيارة ذويهم
يوم الإثنين الماضي 14 نوفمبر/ تشرين الثاني، ذهب أهالي المسجونين من أجل زيارة العادية لأبنائهم سواء محكوم عليهم أو ما زالوا قيد الحبس الاحتياطي، ليفاجأوا بدخول كل زيارات المسجونين الجنائيين ومنع الزيارة عن المسجونين على ذمة قضايا سياسية، مع انتشار أخبار من داخل السجن عن وجود حملة من التضييق الأمني ونية إدارة السجن ترحيل عدد كبير من السجناء إلى سجون متفرقة.
مما أحدث نوعًا من الغضب لدى الأهالي وقاموا بالتجمع أمام البوابة الرئيسية بالسجن ليعبروا عن رفضهم للإجراءات التعسفية التي تقوم بها إدارة السجن. وبعد عدة مناوشات لفظية بين إدارة السجن بقيادة المأمور وعدد من الضباط وبين الأهالي، قامت قوة من عساكر الأمن المركزي من قوة تأمين السجن بمحاصرتهم وتم السماح بدخول جزء من الأهالي لزيارة أبنائهم. كانت الزيارة تقسم على دفعتين كل دفعة تحتوي على ما يقارب العشرين كشفًا للزيارة، وفي هذا اليوم لم يتم إدخال سوى ثلاثة كشوف فقط من الدفعة الأولى وتم منع باقي الأسر من الزيارة.
حتى مساء هذا اليوم لم تكن هناك أي اخبار من داخل السجن عن الوضع الذي يمر به المسجونون داخله، ولكن بعد خروج الأسر التي سمح لها بالزيارة بدأت بنشر ما حدث وهو ما أخبرهم به ذووهم داخل السجن، حيث بدأ الأمر يوم الأحد بهتافات من عنبر المحكوم عليهم بالإعدام منددين بالمعاملة السيئة التي يتعرضون لها من إدارة السجن وتهديدهم من قبل بعض الضباط بتنفيذ الحكم عليهم بين الحين والآخر.
وتعالت الهتافات فقامت قوة من أمن السجن على رأسهم ضابط من إدارة السجن يدعى عمرو عمر، بحسب ما نشرت رابطة أسر المعتقلين بسجون الإسكندرية وبالتواصل مع أحدهم لتأكيد المعلومات، قام الضابط المدعو بالتعدي على المحكوم عليهم بالإعدام بالضرب؛ مما أدى لإصابة أحدهم بجرح عميق في الرأس ونقله إلى مستشفى السجن ليتم الاعتداء عليه مجددًا هناك.
كما خرجت الهتافات من عنبر الإعدام للاستغاثة ببقية العنابر؛ مما أدى إلى حالة نفير جماعي للمعتقلين داخل السجن في جميع عنابره، خاصة وأن نفس الضابط عمرو عمر قام بالاعتداء سابقًا على المعتقلين فلم تكن تلك المرة الأولى، كما أنه تسبب في وفاة المسجون الجنائي عباس أحمد عباس محمود طه (30 عامًا) منذ أربعة أيام بعد تعرضه للتعذيب المُبرح.
مئات من البلاغات بلا جدوى
وهناك المئات من البلاغات المقدمة ضده أمام المحامي العام بالإسكندرية والنائب العام، وتليغرافات استغاثة لوزارة الداخلية وقطاع حقوق الإنسان بالوزارة ولكن دون تحقيق جدي بالأمر، فمصير هذه البلاغات جميعًا ينتهي بالحفظ كما أوضحت والدة أحد المعتقلين داخل السجن، والتي تقدمت حتى الآن بثلاثة شكاوى ضد نفس الضابط باعتدائه غير المبرر لأكثر من مرة على نجلها المحبوس احتياطيًا داخل السجن على ذمة قضية سياسية ولكن دون حتى تحقيق.
كان من بين من حضروا ذلك اليوم هي الطالبة مي القهوجي، شقيقة المعتقل لؤي القهوجي المعتقل منذ 2 ديسمبر 2013 على ذمة اتهامات سياسية. تروي مي بأنها ظلت لأكثر من 7 ساعات متواجدة أمام السجن مع أسرتها لزيارة شقيقها لؤي، والتي لا تتسنى لهم إلا كل خمسة عشر يومًا، لو كانت للأسف الأخبار التي انتهى بها اليوم من منع الزيارة ونية إدارة السجن تغريب عدد كبير من المساجين؛ أي ترحيل المسجون لسجن بعيد عن محل إقامته كعقاب له، وهذا لم يرد كعقاب في لائحة تنظيم السجون.
كما نقلت أسر المسجونين الذين استطاعوا الزيارة أن حجم الانتهاكات في اتساع لتشمل جميع المسجونين سياسيًا. عاشت أسرة لؤي ليلة من الحزن والقلق وقلة الحيلة أمام ما يحدث لهم، ليأتي اليوم التالي بخبر ترحيله إلى سجن جمصة شديد الحراسة والذي يبعد كثيرًا عن محل إقامتهم، كما أنهم ممنوعون من زيارته لمدة خمسة عشر يومًا بعد دخوله السجن الجديد.
أتى اليوم التالي، الثلاثاء، بخبر تغريب أكثر من 148 سجينًا سياسيًا بين سجن جمصة وسجن المنيا العمومي، مع منع مرة أخرى من الزيارة لكثير من أسر المعتقلين، والتي تأتي كل زيارة رسمية من أماكن متفرقة من الشمال والجنوب، والتي من الممكن أن تمضي يومًا كاملاً في طريقها إلى برج العرب لزيارة أبنائهم ليعودوا خائبين بخسائر مادية ونفسية كبيرة فوق احتمال سجن ذويهم.
استمرت الاعتداءات في نفس اليوم؛ مما دفع عددًا من الأمهات للذهاب إلى نيابة غرب الإسكندرية الكلية لتقديم بلاغ رسمي ضد غدارة السجن واختصام الضابط عمرو عمر بصفته وشخصه بتهمة تعذيب أبنائهم ومخالفة لائحة السجون، ومن المفترض بناءً على ما أخبر به المحامي الحقوقي محمد حافظ فقد استمعت النيابة لشكاوى الأمهات وأمرت بالتفتيش على السجن من قبل النيابة للمعاينة.
انتهى يوم الثلاثاء بألم جديد لذوي المعتقلين داخل السجن، فمن تم ترحيلهم تعاني أسرهم من القلق الشديد عليهم فهم ممنوعون من زيارتهم لأكثر من خمسة عشر يومًا، وقد جردوا من احتياجاتهم وملابسهم سوى ما يرتدون، ولا يعلم ذووهم ما قد يواجههم هناك؛ مما سيكلفهم تكاليف أكثر خلال الزيارات القادمة، كما أن الرحلة ستطول إلى السجن الجديد الذي انتقل له، ومن بقي منهم خلف الأسوار عادت أسرهم خائبة لليوم التالي دون التمكن من زيارتهم ليقضوا رحلة جديدة من المحاولة المستميتة مرة أخرى في يوم آخر؛ ليحصلوا على أبسط حق لهم وهو زيارة أبنائهم.
فصل جديد من سوء المعاملة
مساء يوم الثلاثاء دعت رابطة أسر المعتقلين بسجون الإسكندرية أسر المعتقلين للتوجه إلى السجن صباح يوم الأربعاء، والاحتشاد للضغط على إدارة السجن للسماح لهم بالزيارة والاطمئنان على ذويهم والتوقف عن تغريبهم إلى سجون بعيدة. تجمع الأهالي صباح الأربعاء أمام بوابة السجن ليجدوا قوات الأمن تحاصرهم وتمنعهم من الدخول مرة أخرى مع استمرار التهديدات والتضييق ضدهم من قبل إدارة السجن.
وتم السماح لبعض الأسر بالزيارة لمدة لا تجاوز الخمس دقائق، والتي ربما زادت القلق لديهم فقد أخبروهم بأن جميع العنابر السياسية يمارس ضدهم عمليات تضييق مستمرة ومنع من التمريض، كما تم ترحيل مجموعة أخرى اليوم لم يتم التعرف على أسمائهم بعد إلى سجون أخرى في تطبيق من إدارة السجن لتهديداتهم ضد المعتقلين وذويهم، وذلك بدون الاستناد على أي نص قانوني يسمح بتشديد إجراءات لهذا الحد.
زوجة أحد المعتقلين داخل السجن -فضلت عدم ذكر اسمها للحفاظ على زوجها- وممن لم يتم ترحيلهم حتى الآن، قالت بإنها تحدثت مع أحد أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان فكان رده بأن يحضروا إلى مقر المجلس لعمل تحقيق بخصوص الواقعة، وهذا لا تتمكن أسر المعتقلين من فعله أو الاجتماع عليه.
كما ذكرت بأن الوضع في نهاية يوم الأربعاء ازداد سوءًا، فقد خرج المعتقلون إلى الزيارة حفاة وأخبروا ذويهم بأنهم قد جردوا من كل أمتعتهم في هجمة جديدة وممنوعون من حقوقهم، كما وردت أخبار عن إصابة العديد منهم بحالات اختناق إثر إطلاق قنابل الغاز وكانت من بين طلباتهم مراهم وأدوية للحروق.
الداخلية تنفي والأهالي قلقة
انتهي يوم الأربعاء بقلق أشد بعد خروج مجموعة من سيارات الترحيلات أمام الأسر المحتشدة للزيارة أمام السجن بداخلها مجموعة أخرى من المعتقلين المغربين، لا يظهر منهم سوى رؤوسهم من داخل السيارات الكبيرة ذات النوافد الضيقة والمؤطرة بسلك، ربما أحيانًا لا يسمح بالرؤية، مع ورود أخبار عن إطلاق قوات الأمن لقنابل الغاز داخل عنابر السجن للسيطرة على غضب النزلاء من سوء المعاملة، مع أخذ مجموعة منهم إلى زنازين التأديب الفردية خاصة في عنابر (21.22.23.24).
من جانبها نفت وزارة الداخلية أن يكون قد تم أي اعتداء داخل سجن برج العرب، وفي لقاء صحفي لأحد القيادات الأمنية بالوزارة ذكر بأن ما ينشر عن السجن ما هي إلا إشاعات مغرضة من مروجيها وأن الوضع مستقر داخل السجن ولا يوجد أي انتهاك للائحة تنظيم السجون، وحتى الآن لم يخرج أي تصريح رسمي آخر من وزارة الداخلية تجاه ما يجري داخل السجن.
لا يعلم ذوو المعتقلين ما قد يواجه أبناءهم خلال الأيام القادمة سواء من بقوا خلف أسوار برج العرب أو من انتقلوا خلف أسوار جديدة، الخوف والقلق هما المشاعر التي يمكن رؤيتها في كلام أو أعين ذوي المعتقلين الذين يحاولون باستماتة حتى اللحظة اتخاذ أي إجراء قد يوقف الانتهاكات التي ترتكب بحق أبنائهم، ويريدون فقط رؤية ذويهم للاطمئنان عليهم.