أفضل 15 فيلمًا في السينما العالمية في 2022
أيام قليلة وينقضي هذا العام، وكما اعتدنا في مثل هذا الوقت نعود للنظر مجددًا ومراجعة أفضل الإنتاجات السينمائية المعروضة خلاله. هذه قائمة بأفضل أفلام عام 2022.
أفضل الأفلام الأجنبية في 2022 – اختيار «إضاءات»:
- The Banshees of Inisherin
- Close
- Decision to Leave
- The Fabelmans
- Tár
- Aftersun
- Armageddon Time
- Nostalgia
- Pearl
- Bardo, False Chronicle of a Handful of Truths
- Guillermo del Toro’s Pinocchio
- R.M.N
- Alcarràs
- EO
- The Northman
1. The Banshees of Inisherin
اللحظة السينمائية الأجمل هذا العام، تأتينا بتوقيع مارتن ماكدونا صاحب (Three Billboards Outside Ebbing, Missouri) و(In Bruges). تدور أحداث الفيلم على جزيرة أيرلندية متخيلة تدعى اينشرين زمن الحرب الأهلية مطلع عشرينيات القرن الماضي. الحرب على البر الرئيسي بينما تعيش الجزيرة سباتها الهادئ كفردوس صغير لكن حربًا هنا على وشك أن تندلع لا تقل عبثية وجنونا عن الحرب الدائرة على الضفة الأخرى. في البداية كان كولم وبادرك لا ينفصلان ثم يقرر كولم مع بداية الفيلم قطع علاقة الصداقة بينهما على نحو قاطع وعنيف. «لم أعد أحبك بعد الآن» هكذا يبرر غرابة مسلكه. يحاول بادرك استعادة صداقته بكولم الذي يرفض بإصرار ثم تشتعل تلك الحرب الصغيرة بينهما. كوميديا سوداء تنتهي بذروة عنيفة وصادمة. على حدث بسيط وعبثي يبني ماكدونا عالمه ويدفعه نحو الحافة الحرجة ويتركه هناك يتأرجح بين الهزل والمأساة، وبين الخفة والجروتسك قبل أن يسقط في النهاية في قبضة المأساة. الفيلم يحمل طابع الغرابة المحبب لماكدوناه، يبدو الفيلم كرقصة للموت على لحن مرح. واحد من أكثر النصوص السينمائية أصالة هذا العام مع أداءات هائلة من كولين فاريل وبريندن جليسون.
2. Close
أهم ما يميز لوكاس دونت في فيلمه الثاني الحائز على الجائزة الكبرى في مهرجان كان الماضي هي تلك الحساسية التي يتعامل بها مع مادته السينمائية، كأنها يحمل بحذر ورقة شيء شديد الهشاشة ويمكنه أن ينكسر في أي لحظة. مثل فيلمه الأول Girl هناك تيمات الجندر والهوية الجنسية، لكن فيلمه هنا أكثر حساسية وتعاطفًا. يسرد حكاية بسيطة عن طفلين في مطلع المراهقة هما ليو وريمي. ليو وريمى لا ينفصلان بينهما حميمية وقربًا مجرد من أي رغبة أشبه بنعيم غفل. وجهاهما الملائكيان وهما يمرحان ببراءة على خلفية حقول الورد أقرب ما يكون للجنة. لكن مع بداية الدراسة يبدأ موسم السقوط خارج جنة الطفولة والبراءة. مع بداية البلوغ يبدأ التشوش ويضرب البعد كقدر، حين يلقى زميل لهما تعليقًا يخص علاقتهما المربكة للآخر. رد فعل ليو تأتي عنيفة. يقصي ليو عنه شيئًا فشيئًا ودون أي تبرير. عليه أن يتعامل الآن حسب أكواد هويته الجنسية. يصوغ دونت هنا الخروج من الطفولة كما لو كان خروجًا من الجنة، كتراجيديا من خلق الآخر. قصة عن الصداقة والفقد تجتاحك مثل عاصفة من المشاعر. كل شيء جميل ومتناغم في هذا الفيلم مع أداءات استثنائية من الطفلين.
3. Decision to Leave
هذا فيلم مختلف عن بقية فيلموجرافيا بارك تشان ووك، إنه بلا شك أقل أفلامه عنفًا وأكثرهم رومانتيكية، ليس فقط لأنه قصة حب غير تقليدية أو لتخلي مخرجه فيه عن إفراطه المعتاد في تصوير ما هو عنيف ودموي لكن هذا الفيلم يضم عددًا غير قليل من الإيماءات الرومانسية المبتكرة التي لم نشاهد مثلها مؤخرًا، حتى لدى أكثر المخرجين رومانتيكية.
تبدأ الحكاية بجثة رجل أسفل قمة جبلية شاهقة في مدينة بوسان. يبدو الأمر مجرد حادث في البداية لكن كل ما تفعله زوجته الصينية (سونج سو راي) يثير شكوك محقق الشرطة (هاي جون). إنها لا تبدو حزينة كما يليق بأرملة، تخلع خاتم زواجها سريعًا وتعود لعملها بأسرع ما يكون. تصير المشتبه الأول للشرطة، يبقيها المحقق تحت عينيه وقيد المراقبة في محاولة لإيجاد دليل إدانة ضدها وبينما يراقبها يصير منجذباً لها، يتحول الانجذاب إلى فضول، ويتحول بدوره إلى نوع من الاستحواذ.
أفلام بارك دائمًا عصية على التصنيف. تظهر براعته هنا وبأسلوبية واضحة في مزجه دراما التحقيق والغموض بحكاية الحب، كيف تتحول المراقبة إلى طقس حميمي ويتحول إلى تحقيق بوليس إلى ما يشبه مواعدة غرامية. إلا أن نسيج الفيلم يحتوي أيضًا على عناصر من أنواع سينمائية (Genres) أخرى كالنوار والكوميديا. يتلاعب بارك خلال هذا المزيج بتقاليد كل نوع وتوقعاتنا منها.
يمنحنا هنا قصة حب تراجيدية في فيلم أقرب لروح النوار بالنهاية المظلمة لغرامياته وبالعواطف الغارقة دائمًا في ظلال/ ضباب الشك. عمل أصيل مع لمسات أسلوبية مبتكرة كعادة بارك. أفلام بارك دائمًا عن السلوك البشري في غموضه والتباسه وعن مشاعر في حالات قصوى، وهو هنا يقدم هنا استقصاء سينمائيًا بأسلوبية فاتنة لحكاية حب غريبة مشغولة بنفس تراجيدي.
4. The Fabelmans
طالما كانت حياته الخاصة مصدرًا للإلهام في سينماه. استطاع ستيفن سبيلبرج أن يمرر دائمًا شيئًا من طفولته وسنوات التكوين عبر أفلامه. في (The Fabelmans) يضع سبيلبرج أخيرًا توقيعه على أكثر أفلامه ذاتية. يستعيد سبيلبرج طفولته وصباه بعين أكثر تسامحًا وأقل غضبًا. نتابع خلال الفيلم الذي كتبه سبيلبرج رفقة توني كوشنر شريكه الإبداعي في السنوات الأخيرة سامي فابلمان/ الأنا السينمائية لسبيلبرج من عمر السابعة حتى الثامنة عشرة. نراه وهو يتنقل مع عائلته من مدينة لأخرى، نراه وهو يقع عميقًا في حب السينما بينما يتداعى زواج والديه. على غير عادة سبيلبرج لا يحتوي الفيلم على حبكة محكمة بل يتنقل من ذكرى لأخرى بدقة وحساسية. لا يسقط في فخ الحنين بل يحاول دائمًا ملامسة الحواف المظلمة لذكرياته المستعادة. يذكرنا الفيلم بأجمل ما في سينما سبيلبرج عاطفيته ومخيلته المتقدة وأمريكيته. تستطيع أن تلمس من خلال الفيلم المخاوف الخام التي ستشكل مشاغل المخرج وثيماته الأساسية. هذا فيلم عن السينما أيضًا عن سحرها الكبير. عن السينما كآلة سحرية لفهم المشاعر والتعبير عنها. يمرر سبيلبرج التحية هنا لعدد من الأفلام التي شكلت خياله السينمائي ولجون فورد طبعًا.
5. Tár
يعود تود فيلد بهذا الفيلم بعد غياب 16 عامًا عن السينما. يقدم فيلد في ثالث أفلامه كمخرج بورتريه شديد التعقيد ومليئًا بالظلال لشخصيته الرئيسية ليديا تار/ كيت بلانشيت. يدخل بنا فيلد لعالم الموسيقى الكلاسيكية في لحظة تبدو فيها تار بموهبتها الموسيقية عظيمة في ذروة مجدها قبل أن تنزلق نحو هاوية سحيقة. تراجيديا تار متأصلة في شخصيتها. شخصية نرجسية ومتسلطة، تمتلك سلطة وشهرة تمكنها من استغلال كل من حولها. أنها تخدم ليديا تار فقط. تطفو خطاياه على السطح على هيئة شبح امرأة كانت تعمل تحت إدارتها وبينهما علاقة جنسية قبل أن تطردها من حياتها وتعرقل مسيرتها المهنية. يبدأ الفيلم وتار تمتلك كل شيء وينتهي وقد فقدت كل شيء. رغم غياب فيلد الممتد فإنه يعود بفيلم يلامس اللحظة الحالية بكل أسئلتها ومخاوفها. واحد من أكثر الأعمال السينمائية أصالة وتحريضًا هذا العام. أداء إخراجي كبير من فيلد وأداء تمثيلي هائل من بلانشيت التي فيما يبدو تقترب من أوسكارها الثالث.
6. Aftersun
أول أفلام المخرجة الاسكتلندية شارلوت ويلز. عطلة صيفية في منتجع تركي لفتاة في الحادية عشرة مع أبيها الثلاثيني نهاية تسعينيات القرن الماضي في محاولة لتمضية الوقت معًا بعد انفصاله عن والدتها. هذه العطلة هي الذكرى الأخيرة بينهما. هي الآن في مثل عمر والدها في هذه العطلة وتحاول أن تستعيده من جديد، تحاول أن تفهم حزنه واضطرابه. تعيد تركيب صورته عبر المادة المصورة بكاميراه خلال العطلة. لا شيء يحدث خلال هذه العطلة، الحدث بمعناه الدرامي غائب عن الفيلم. تنحت ويلز من لحظات شديدة العادية جوهرة سينمائية. سينماتوجرافي يحاول محاكاة خامة الذكرى وطبيعتها. صور مشبعة بالألوان والدفء لكن شيء ما مقلق وحزين يوجد في القلب تبقيه ويلز غامضًا ومخفيًا. شخصية الأب دائمًا على حافة الكادر جزء من وجهة أحيانًا خارج الكادر وكأنه يحاول أن يفلت كذكرى متمنعة. أداء بول ميسكال وفرانكي كوريو مدهش في جاذبيته وطبيعيته. فيلم حميمي، رقيق وآسر.
7. Armageddon Time
فيلم سيرة ذاتية آخر يعود من خلاله المخرج الأمريكي جيمس جراي صاحب (The Lost City of Z) و(Ad Astra) إلى طفولته في منطقة كوينز/ نيويورك مطلع ثمانينيات القرن الماضي. يستعير الفيلم عنوانه من أغنية تحمل الاسم نفسه لويلي ويليامز. يدور الفيلم خلال لحظات ما قبل صعود ريجان وزمنه. في أحد مشاهد الفيلم نشاهد ريجان في لقاء تلفزيوني كمرشح رئاسي يصرح بأن هذا الجيل هو الذي سيشاهد حرب أرمجدون في إشارة لحرب نووية روسية محتملة. يقدم هنا جراي بورتريه لحقبة زمنية بكل قلقها مخاوفها. هذا الزمن هو الذي يخلق المزاج الميلانكولي لفيلم جراي حيث جيل يكبر بينما نهاية العالم تحوم حول الأفق. بول جراف الذي ينتمي للجيل الثالثة من عائلة يهودية مهاجرة هو الأنا السينمائية لجراي. تدور ذكريات جراي المستعادة حول الصداقة الناشئة بين بول وزميل له في المدرسة أسود البشرة يدعى جوني. حينما توقعهما هذه الصداقة دائماً في المشاكل ينجو بول دائماً بينما يتلقي جوني العقاب الأقسى. يتناول جراي هنا مواضيع ثقيلة كالعنصرية والطبقية بحساسية وخفة نادرتين. أفلام جراي دائماً هي رحلة داخلية لأبطاله، فمع نهاية الفيلم يبدأ بول الذي يصفه والده بأن «رأسه في السحاب» برؤية واقع العالم على حقيقته بكل قسوته وفساده. إنها رحلة نضج وفهم للذات والعالم.
8. Nostalgia
يبدأ الإيطالي ماريو مارتوني أحدث أفلامه المعنون Nostalgia والمأخوذ عن رواية للكاتب أرمانو ريا بعود بطله «فيليشه لاسكو» أو فيلي إلى مدينته نابولي غريباً كما عاد عوليس إلى إيثاكا في الأوديسة، بعد أربعين عاماً من التيه بعيداً من مدينته تنقل فيها من بلد لآخر حتى استقر في القاهرة. وفي التيه وجد لغة جديدة وإلهاً جديداً اعتنق الإسلام وتزوج من مصرية وأسس شركته الخاصة وها هو يعود أخيراً لرؤية والدته العجوز التي لم يرها طيلة زمن غيابه.
ثمة صدمة أولى تنتظره حين يعود إلى شقة طفولته ليجدها مسكونة من غرباء وحين يسأل عن والدته يعرف أنها تقيم في قبو البناية وأن أوريستي صديق صباه هو من فعل ذلك. يعود فيلي في لحظة صار فيه حيه لا سانتيتا في قبضة الكامورا، مملكة غارقة في الفقر والجريمة والعنف المجاني، وقد صار أوريستي جالساً على عرش هذه المملكة.
كل شيء قد تغير لكن عينيه الغارقتين في الحنين تنكران ذلك. يبنى مارتوني سرده عبر الجدل المتواصل بين تداعيات الماضي عبر ذاكرة الحنين وواقع اللحظة الراهنة، مستكشفاً الحنين هنا كفخ ومضيئاً الجانب المظلم لهذه العاطفة الخطرة.
حين يسأل «دون لويجي» فيلى عن أوريستي بعد أن عرف ما صار إليه يخبره أنه لا يزال يعتبره أفضل صديق. يخبره دون لويجي: أنت على خطأ، القلوب تقسو مع الزمن فيجيبه: ليس قلبينا. هذا الحوار يؤطر تراجيديا فيلي. رجل يسير بعينين مفتوحتين في غبش الحنين نحو مصيره المظلم. يرغب في رؤية صديقه رغم تحذير الجميع ويعتقد أن علاقتهما لا تزال كما كانت قبل 40 عاماً.
يختار مارتوني ابن نابولى المشغول في غالب أفلامه بمدينته وناسها وتاريخها التصوير في الأماكن الحقيقية وبناس حقيقين في الخلفية وفي الأدوار الصغيرة. المدينة لديه دائماً جزء من الحكاية، مدينته ملعونة كبطله مشدودة إلى مصير غامض كالقدر. السينماتوجرافي والموسيقى يعكسان حالة الحنين المسيطرة على شخصية الفيلم الأساسية.
لا ينشغل مارتوني بسرده بالحبكة أو النوع الفيلمي رغم عناصر نوعية من جونرات Genres مثل الجريمة والثريلر يمنح حكايته كل الوقت لتتنفس، لتتفتح على مهل ودون صخب لتغمرك في النهاية على نحو آسر.
9. Pearl
يقدم المخرج تاي ويست هنا ثاني أفلامه في ثلاثيته التي لم تكتمل بعد. تقع أحداث Pearl ستين عاماً قبل فيلمه الأول «X» حيث يعود لشخصية بيرل التي ظهرت كمسخ متوحش في فيلمه الأول. نشاهدها هنا في بداية المسار وكيف انزلقت شيئاً فشيئاً نحو هاوية الجنون.
ينتمي فيلم Pearl لما يسمى أفلام التقطيع أو «Slasher Movies»، وهي نوع فرعي من أفلام الرعب حيث تضمن قاتلاً مضطرباً عقلياً يستخدم أدواتٍ حادة مثل السكين أو المنشار كأداة للعنف الممارس على الأجساد. بدأ ظهور Slasher خلال فترة الستينيات وازدهرت بشكلٍ ملحوظ خلال خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات.
تعيش «بيرل» مع عائلتها بإحدي المزارع الريفية المنعزلة زمن الحرب العالمية ووباء الإنفلونزا الاسبانية. زوجها غائب في الحرب، والدها مقعد ووالدتها شديدة القسوة والصرامة. تهرب من إحباطها وواقعها البائس عبر الحلم، حيث تحلم أن تصير نجمة من نجمات السينما وبخاصة الأفلام الراقصة. يمنحنا ويست كابوسا بألوان براقة. مستلهماً مشهديات سينما الميوزيكال بكادراتها المتسعة وألوانها اللامعة يقدم لنا رحلة سيكولوجية مثيرة عن كيف تتحول فتاة حالمة إلى وحش. إنه فيلم عن الآفاق الموحشة للرغبة وعما يفعل الكبت الممتد بالنفوس. يأخذ ويست أشياء من هنا وهناك معتبراً السينما مرجعية مفتوحة وعلى نهج تارانتينو يصنع مزاجه الخاص. يلامس أفلاماً سينمائية مثل «ساحر أوز» أو «كارى» لدي بالما لكنه يصنع شئياً يخصه. تقدم ميا جوث في دور بيرل واحداً من أفضل الأداءات النسائية هذا العام. تاي ويست نجم صاعد بقوة في سماء سينما الرعب.
10. Bardo, False Chronicle of a Handful of Truths
أحدث أعمال المكسيكى «اليخاندرو جونزاليس ايناريتو» الذي يعود به للسينما بعد ما يقرب من سبعة أعوام.، كما يعود من خلاله أيضاً إلى المكسيك التي لم يصنع فيها أفلاماً منذ Amores perros.
يدور الفيلم في فلك شخصيته الرئيسية وهو صحفي مكسيكي وصانع أفلام وثائقية يدعى سيلفيرو، يعيش في الولايات المتحدة، وقد فاز مؤخراً بجائزة رفيعة في مجال صناعة الأفلام الوثائقية، تمنح لأول مرة لشخص غير أمريكي، لكنه يعود إلى وطنه المكسيك لفترة قصيرة قبل استلام الجائزة، في لحظة هي ذروة مسيرته كصانع أفلام. تفتح عودته إلى بلده كل الجراج وتفجر كل الأزمات. يتأمل عبر سرد كالأحلام ذاته، وعلاقاته بعائلته وأصدقائه وبوطنه. هذا فيلم لا يشبه أي شيء صنعه ايناريتو من قبل. كرنفال لاهث وحلم ممتد. تشكيلات بصرية مدهشة وخيال جامح. لمحات واضحة من أثر فيليني وتيرانس ماليك. لا حبكة ولا بناء تقليدي هذا فيلم بلا مركز، بلا أرض صلبه، بل تحليق حر بين الواقع والخيال. مشهديات أقرب للحلم تحرج منها للحظة لتلمس شيئاً واقعياً ثم يدفعها ايناريتو داخلها من جديد. لا حدود فاصلة بين الداخل والخارج، بين الواقع والأحلام في فيلم يمتد لما يقرب من الساعات الثلاث.
11. Guillermo del Toro’s Pinocchio
لسنوات كان هذا الفيلم مشروع شغف للمكسيكي جييرمو ديل تورو، وها هو يرى للنور أخيراً قرب نهاية هذا العام ليمنحنا واحدة من أجمل مفاجآته السينمائية. هذا هو أول فيلم رسومي ينجزه ديل تورو ويحمل بصمته بلا شك. تبدأ الحكاية بنجار بسيط يدعى جيبتو في قرية إيطالية، يفقد ابنه الوحيدة زمن الحرب العالمية الأولى ليقضي أيامه ولياليه في محاولة إغراق أحزانه بالكحول. في أحد هذيانات سكره يقرر أنه قادر على صنع ابن جديد، يبدأ بنحت الدمية بينوكيو إلا أنه ينام قبل أن يتمها وقبل أن تمنحها إحدى حوريات الغابة المشفقة عليه روحاً. تدور حكاية بينوكيو في زمن صعود الفاشية حيث يربط ديل تورو في سرده بين فكرة الدمى وحياة البشر في ظل أنظمة قمعية تحاول السيطرة على الناس بكل الطرق. بينوكيو يرغب أن يكون ولداً حقيقياً في زمن ترغب فيه السلطة أن تحول الجميع إلى دمى. يمنح ديل تورو الحكاية الكلاسيكية توقيعه الخاصة بتمرير تيماته ومشاغله الفكرية التي سبق وتناوله في أفلام مثل فكرة القهر المرتبطة بالسلطة الغاشمة والمواجهات الدامية بين البراءة والتوحش. بينوكيو أيضاً هو امتداد لشخصيات ديل تورو، أطفاله المنبوذين، غير المرغوبين والضائعين في فوضى العالم. مرة أخرى يصور الحرب هنا عبر العيون البريئة لأطفاله. يرغب جيبتو أن يحول بينوكيو إلى نسخة أخرى من ابنه الميت وكأن للأبوة وجهاً فاشياً. يتبدى عبر السرد صراع بينوكيو مع عالمه صراع ضد الفاشية والامتثال. ينتصر ديل تورو في فيلمه للحياة، لكل ما هو بريء وجميل فيها على ما هو وحشي وقاس. ينتهي الفيلم أيضاً بتقبل ما لا مفر منه في الحياة، محدوديتها وقسوتها.
12. R.M.N
يبني كريستيان مونجيو، الاسم الأبرز في السينما الرومانية الآن أحدث أفلامه على حادثة جرت قرية رومانية مطلع 2020 وجذبت انتباه الإعلام وقتها وأثارت اهتمامه الخاص، حكاية عن العنصرية الممارسة من سكان القرية ضد عدد من العمال القادمين من سريلانكا للعمل في مخبز. يصنع مونجيو فيلماً كل خمس أو ست سنوات وها هو يجد ضالته في هذه الحكاية التي وجدها مناسبة للحديث عن العالم في لحظته الآنية بكل مخاوفه وتعقيده. هكذا يصف مهمته في فيلمه هذا، «كأنني أحمل مرآة في مواجهة عالم اليوم».
يختار قرية صغيرة في ترانسلفانيا وهي واحدة من أكثر المناطق متعددة الأعراق واللغات في رومانيا، يسكنها رومانيون، مجريون، ألمان وغجر. مكان أشبه ببرج بابل. يخلق مونجيو عالماً يمور التوتر تحت سطحه قبل أن ينفجر خالقاً حالة من الفوضى والتشوش. يخلق ميكروكوزم ثم يدفع به بعيداً عن نقطة اتزانه، هذا ما يفعله مونجيو في أحدث أفلامه.
هناك تيمة تتكرر الآن في السينما الأوروبية بوتيرة متصاعدة وهو تيمة الفاشية الصاعدة، هناك شيء شرير كان غافياً ويستيقظ الآن. شاهدنا مطلع العام أثينا لرومان جافراس. والآن يغزل مونجيو كابوسه حول هذه التيمة. مثلما يشير عنوان الفيلم وهو الترجمة الرومانية لـ(MRI) ومعناها التصوير بالرنين المغناطيسي وهو إجراء تشخيصي يقدم صوراً عالية الدقة للأعضاء الداخلية من أجل تشخيص أعراض مرضية ظاهرة على الجسد، يذهب مونجيو نحو الأعماق المظلمة لمجتمع يعيش حالة اختلال ظاهر، ليكشف عما يكمن هناك.
13. Alcarràs
تبدو المخرجة الاسبانية كارلا سيمون في فيلمها الثاني الحائز على الدب الذهبي في مهرجان برلين متأثرة لحد بعيد بروح الواقعية الإيطالية الجديدة التي «تؤمن في قدرة تجارب الناس العاديين على خلق دراما بعيداً عن الحبكات التقليدية». لا توجد حبكة في حكاية سيمون، حتى الحدث الكبير الوحيد فيها يكون قد حدث بالفعل قبل أن نلتقي بشخصياتها.
تتلقى عائلة مزارعين من قرية صغيرة تسمى «الكاراس» إخطاراً رسمياً بإخلاء المزرعة التي تسكنها وتقتات منها نهاية هذا الصيف. عليهم أن يحصدوا أشجارهم للمرة الأخيرة قبل أن يرحلوا عن هذه الأرض التي عاشوا عليها منذ الحرب الأهلية الإسبانية.
كل خيارات سيمون الأسلوبية هنا بداية من اختيارها لسرد غير مقود بحبكة أو سرد خطي وصولاً لخياراتها التقنية تعزز الحس الواقعي لفيلمها وتخبرنا عن مدى افتتانها بالواقع. إنه فيلم أصيل ومؤثر عن العائلة، وعن الفقد والتعايش معه.
ما تراهن عليه سيمون خلال فيلمها وعبر أسلوبها هو أن يدرك المشاهدون عبر المعايشة جمال هذه الحياة التي ستصبح ذكرى عما قليل. تريد أن تجعلهم شركاء هذا الصيف الأخير. إنهم يعيشون ونحن معهم زمن مستعاراً قبل الرحيل عن ذلك الفردوس الصغير بمسيراته الصغيرة.
14. EO
واحد من أكثر الأفلام العام تجريباً على صعيد الشكل يأتي من مخرج في الـ84 من عمره. يمنحنا البولندي الكبير جيرزي سكوليموفسكي الرحلة البصرية الأكثر إثارة هذا العام. يخرج الفنان من عزلته ليصنع فيلماً يلامس اللحظة الحالية. هناك حرب دائرة في أوروبا الآن. هناك قسوة وتوحش هنا وهناك ماذا يقول هذا عن الإنسان والعالم؟ ما الذي يمكنك أن تفعله سوى أن تتطلع في صمت بينما ينكسر قلبك. سكوليموفسكي يجعل حماره ايو / شخصيته الرئيسية يحدق في عالمنا وفينا في رحلة موسومة بالغربة والألم. نشاهده يحلم ويتذكر ويبحث سدى عن لمسة كاسندرا صديقته التي عملت معه في السيرك قبل أن يبدأ رحلته. جودار قال مرة عن فيلم بريسون (Au Hasard Balthazar) الملهم الأول لسكوليموفسكي في هذا الفيلم «يمنحنا العالم في ساعة ونصف» أظن أن هذا ما كان يطمح إليه سكوليموفسكي ونجح فيه إلى حد بعيد.
15. The Northman
الفيلم الثالث لصاحب (The Witch) و(The Lighthouse). يبدو The Northman كامتداد لولع ايجرز بالماضي والفلكلور، لميله الدائم نحو السرديات المظلمة، تيمات العزلة والجنون والخلاص العنيف.
الحكاية التي يسردها ايجرز في فيلمه حكاية قديمة جدا، تم اقتباسها مرات ومرات فهي نفس حكاية هاملت لشكسبير أو فيلم ديزني The Lion King، لكن ايجرز يذهب في النص الذي كتبه رفقة الشاعر والروائي الأيسلندي «شون» بعيداً في الزمن نحو المنابع الأولى للحكاية، للأساطير النوردية التي ألهمت شكسبير مسرحيته الخالدة. يتتبع النص في سرد خطي شخصية أمير اسكندنافي من سلالة ملكية يدعى أمليث/ ألكسندر سكارسجارد بداية من اللحظة الصادمة التي يشهد فيها قتل والده الملك أورفانديل على يد عمه فيولنير، ثم هربه وعودته من أجل الانتقام.
يمتلك ايجرز بصمة بخاصة يمكن إدراكها عبر غرابة سيناريوهاته ومدى الجنون الذي يلقي بنا وبشخصياته داخله. أفلامه مميزة جداً بصرياً وتحمل لمسة شكلانية واضحة. يمكن للمشاهدين أن ينقسموا بحده حول أفلام ايجرز، بين محب وكاره، لكنني أجد من الصعب التشكيك في أصالة عوالمه وغناها.
تنويه خاص
Bones and All
Triangle of Sadness
Crimes of the Future