أن تقع في غرام المشكلة لا الحل: الفكرة ليست الأهم دائمًا!
هل تقبل تأجير جزء من منزلك لشخص غريب؟ لو كنت تجد هذا الأمر غير مناسب لا يمكنك فعله، فهذا كان الرد الذي تلقاه أصحاب شركة Airbnb عند عرض فكرتهم على العديد من المستثمرين، ولكن رغم ذلك تمكنت الفكرة من تحقيق نجاحات باهرة. Airbnb هي شركة تتيح للأشخاص استئجار وتأجير سكن، بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2008 ثم توسعت خدماتها لتشمل العديد من الدول الأخرى.
سر كبير من نجاح المشروع اعتمد على ظهوره في فترة الفتور الاقتصادي، حيث الجميع يبحث عن أموال إضافية لزيادة الدخل، وبالتالي يمكن لهذا الأمر التأثير على قرارهم بقبول أن يسكن معهم شخص من خارج العائلة، فبينما لم تكن الفكرة ذات جودةٍ عالية في عين المستثمرين، لكن توقيت ظهورها كان كافيًا ليكون سببًا في نجاحها.
كيف يكون التمسك بالفكرة هو التمسك بالفشل؟
في عام 1975 قام مهندس شركة كوداك لتصنيع الكاميرات ستيفن ساسون، باختراع أول كاميرا رقمية في العالم، وحصل على براءة اختراع في هذا المجال، عندما عرض الفكرة على إدارة الشركة أبدوا إعجابهم بها لكنّهم قالوا له: «ولكن التصوير يتم دون فيلم، هي فكرة لطيفة، لكن لا تخبر أحدًا عنها».
تأسست شركة كوداك في عام 1888 بواسطة جورج إيستمان، وتخصصت في كل ما له علاقة بالكاميرات، وظلّت لفترة طويلة المتربعة على عرش هذه الصناعة.
لكنّهم اعتقدوا أنّ فكرة الكاميرات الرقمية، وإن كانت ممتازة في تصورها، لكنّها ستحتاج إلى المزيد من الوقت، ربما قرابة العشر سنوات حتى ازدهار هذا المجال.
تمسكت الشركة بالحل الذي اعتادت على تصنيعه وهو الكاميرات التي تستخدم الأفلام، وباعت فكرة الكاميرات الرقمية إلى شركات أخرى مثل نيكون وكانون، وتباطأت في الاستعداد للمستقبل.
ارتكبت كوداك خطأً كان مؤسسها إيستمان قد تجنبه مرتين من قبل: المرة الأولى عندما ترك عملًا مربحًا في مجال الألواح الجافة واتّجه إلى صناعة الأفلام، والثانية عندما تحول للاستثمار في صناعة الأفلام الملوّنة، على الرغم من رواج أفلام الأبيض والأسود، والتي كانت كوداك هي المسيطرة عليها في هذا الوقت.
في الحالتين قرر إيستمان المخاطرة بعملٍ مضمون تحقيق الربح منه، والاتّجاه إلى تصور جديد يحتمل المكسب والخسارة، وهو طبع روّاد الأعمال في أخذ مخاطرة محسوبة نحو مزيد من النجاح.
لكن هذه المرة لم تتخذ الشركة القرار بالتغيير وظلّت مصممة على فكرتها والاعتقاد بأنّ الناس تريد نسخًا مطبوعة من صورهم، حتى أنّها استخدمت فكرة التقنيات الرقمية في صناعة كاميرات الأفلام العاديّة التي تقدمها، لكنّها ظلّت بعيدة عن الاعتماد على التصوير الرقمي.
حتى مع محاولات تصحيح الوضع في السنوات التالية، والاتّجاه إلى صناعة الكاميرات الرقمية، لم تتمكن الشركة من الحصول على مكانة قوية، نظرًا لثقة المستخدمين في الحلول التي يحصلون عليها من الشركات الأخرى، وزادت خسائر الشركة حتى أعلنت إفلاسها في عام 2012.
في عام 2013 تأسست شركة شيب كخدمة شحن تعمل بشكل مختلف عمّا اعتاده الناس، ربما كان هذا السبب في نجاحها، فالشركة تعمل من خلال تطبيق على الهاتف، بمجرد التقاط صورة للشيء الذي يرغب المستخدم في شحنه لأي مكان، ورفع الصورة على هذا التطبيق، يتم التواصل معه بشكل سريع تمامًا لإخباره بطريقة الحصول على هذا الشيء، وكانت تكلفة هذه الخدمة 5 دولارات فقط.
كانت الفكرة تبدو واعدة تمامًا ولاقت قبولًا كبيرًا لدى المستخدمين، مما جعلها تحصل على استثمار قيمته 62.1 مليون دولار، وتمت مقارنتها وتشبيهها بشركة أوبر لكن في مجال الشحن، ومع وجود استثمار توسّعت الشركة لتشمل أماكن مختلفة في الولايات المتحدة الأمريكية.
مع زيادة العمليات الخاصة بالشركة، بدأت المشاكل في الظهور في 2015، وأنّ الأفراد المستقلين الذين تعتمد عليهم الشركة كمصدر للدخل، لا يمكنهم تغطية التكاليف التي يتم تحملها، لكن تمسّك كيفين غيبون مؤسس الشركة ورئيسها التنفيذي بالفكرة وضرورة استمرار النمو مهما كان الثمن، ولم يستمع لنصائح الاستشاريين الذين أخبروه بضرورة التوقف عن التوسع، والتوجه لتطوير في الخدمة ليكون بإمكانها أن تشمل شرائح أخرى من العملاء. وعندما استجاب للأمر كان الأوان قد فات للإصلاح، وفي 2018 أعلن كيفين عن إغلاق الشركة.
تعلّمنا ريادة الأعمال أننا يجب ألّا نتمسك بالحلول التي نخرج بها، وأنّ الفكرة ليست هي المحور الرئيسي للنجاح، بل ربما تكون طريق للفشل، وأنّ هناك العديد من العوامل الأخرى التي يجب الانتباه لها، مثل اتّجاهات وحجم السوق والتغيّرات الحادثة فيه، وأنّ المشاكل هي التي تخلق الفرص للنجاح.
هل يمكن للشركة أن تجد نصيبًا لها من التورتة؟
تشير دراسة أجراها موقع CBInsights إلى أنّ السبب الأول في قائمة الأسباب المؤدية إلى فشل المشاريع الناشئة، يتمثل في عدم وجود احتياج حقيقي في السوق للفكرة، فقد بلغت نسبة الشركات الناشئة الفاشلة بسبب هذا الأمر 42 %. توضح لنا هذه الدراسة أنّ امتلاك فكرة مشروع جيدة، يجب أن يقترن ببحث شامل للسوق، ووجود فرصة للنمو.
«تفشل الشركات الناشئة عندما لا تحل مشكلة في السوق. لقد كان لدينا تكنولوجيا مميزة، وبيانات كثيرة عن سلوك التسوق، وسمعة رائعة كروّاد في هذا المجال، مع امتلاكنا لمجموعة رائعة من الخبراء. ولكن ما لم يكن لدينا هو التكنولوجيا أو نموذج العمل الذي يحل نقطة ألم لدى الجمهور، بطريقة قابلة للتوسع والتطوير».
هذا ما قاله مؤسسو شركة Treehouse Logic عن أسباب فشلهم، حيث كانت الشركة تقدم حلولًا لمساعدة الناس على التعاون المشترك أثناء التسوق عبر الإنترنت، وبالرغم من أنّ امتلاك الشركة لبيانات كثيرة أمكنهم الاستفادة منها في تصميم حل مبتكر، لكنّهم ببساطة لم يكونوا قادرين على حل مشكلة في السوق، وبالتالي يلغي هذا إمكانية النمو.
يقول ستيف بلانك، أحد أشهر المعلمين في مجال ريادة الأعمال في وادي السيليكون في أمريكا، في تعريفه لمعنى الشركة الناشئة، أنّها «مؤسسة مؤقتة مصممة للبحث عن نموذج عمل قابل للتكرار والتطوير»، فهذا ما يمنحها التوسع داخل السوق مع الاستمرارية في الربح.
وهو الأمر الذي يوضح أهمية التفكير في احتياجات الأسواق، وأن الفكرة لا يجب أن تكون جيدة لذاتها فقط، لكن يجب تقديمها في السوق المناسب لإرضاء احتياجات العملاء، فهذا ما يسمح لها بامتلاك حصة سوقية، تضمن لها الاستمرارية والنمو.
لا جديد تحت الشمس.. ماذا عن تنفيذ مختلف؟
«بالنسبة لي الأفكار لا تساوي شيئًا إن لم يتم تنفيذها. فالأفكار تتكرر، لكن التنفيذ يساوي ملايين». – ستيف جوبز.
لم يكن ستيف جوبز مؤسس أبل هو مخترع الكومبيوتر أو مشغل الوسائط الرقمية أو الهاتف المحمول، لكنّ شهرته كمبتكر ترجع لتمكنه من عمل مزيج من هذه الأفكار سويًا. وفيسبوك لم تكن أول شركة للتواصل الاجتماعي، بل كانت هناك 3 شركات موجودة قبل ذلك، لكن التنفيذ والاستمرارية في فيسبوك هو ما جعله الأقوى في هذا المجال، وجوجل لم يكن أول محرك بحث، بل جاء في بدايته باسم BackRub بعد 6 أعوام من تاريخ إطلاق أول محرك، ثم باسم جوجل بعد عامين، لكن الميزة الأهم في جوجل هي اعتماده على ترتيب الصفحات بناءً على ارتباط الناس بها، مما جعل النتائج التي يحصل عليها الأفراد من البحث أكثر فائدة، واليوم جوجل هي المحرك البحث الأكثر استخدامًا في العالم.
عندما ظهر اليوتيوب لم يكن هو الموقع الأول الذي يقدم خدمة استضافة مجانية الفيديوهات، ولم تكن النية ليكون بهذا الشكل، حيث استهدف مؤسسوه أن يجعلوا منه منصة للمواعدة لكنّ الأمر لم يلق الرواج المتوقع، فلجؤوا للتصور الحالي، وقاموا بنشر أول فيديو على الموقع في شهر أبريل من عام 2005.
في عالم اليوم حيث توجد الكثير من الأفكار التي تم تنفيذها بالفعل، وأعداد الشركات الناشئة التي تتزايد سنويًا، حيث نشهد إطلاق قرابة المائة مليون مشروع ناشئ كل عام، فإن الوصول إلى فكرة مبتكرة كليًا يصبح أكثر تعقيدًا، هنا تظهر أهمية التنفيذ الذي يكون بمثابة مفتاح النجاح للمشروع، فحتى الأفكار غير الجديدة والتقليدية بالنسبة للمجتمع، من خلال تنفيذها بشكل مختلف يمكن أن يخلق هذا فرصة لمشروع ناجح، فالأمر يعتمد على قدرة الشركات على إكساب أفكارهم طابعًا مختلفًا يقودها للنجاح.
أن تصل في الوقت المناسب
أطلقت مجلة الأبحاث الآسيوية في علم الاقتصاد التجاري والإداري ورقة بحثية في شهر نوفمبر من عام 2014، عن نظرية لمؤلفي الورقة باسم «نظرية توقيت المشاريع الريادية (Entrepreneurial Timing Theory)»، واشتملت على ثلاثة عوامل رئيسية يتم ربطها مع عنصر الوقت، حيث يمكن للشركة من خلال تطبيقها الحصول على ميزة تنافسية في السوق:
1- الخصائص: الظروف الداخلية في الشركة، قدرتها على الاستجابة للتغييرات التي تحدث، تطوير خطوط الإنتاج أو طريقة تقديم الخدمات، وهو الجزء المتعلّق بالتنفيذ وفريق العمل.
2- البيئة المحيطة: الظروف الخارجية والأسواق التي تنافس فيها الشركة بكل ما فيها من تغيّرات وفرص وتهديدات.
3- التصور الاستراتيجي: القائمون على اتّخاذ القرارات في الشركة، ووضع الخطط الاستراتيجية لها.
في مصر ظهرت شركتا أوبر وكريم في مجال النقل الفردي في 2014، ولاقى ظهورهم إقبالًا من المستخدمين الذين يبحثون عن التخلّص من مشاكل التاكسي المعتادة، والأفعال التي يمارسها السائقون من المبالغة في قيمة التوصيلة، بجانب مشاكل الأمان، فكان التوقيت مثاليًا لنجاح الفكرة، وذلك على عكس لندن كايرو كاب التي ظهرت ففي 2012 لم يكن التوقيت ملائمًا لتحقيق النجاح بالقدر المتوقع.
السبب ذاته يفسر اتّجاه السوق في مصر إلى وسائل النقل الجماعي بدلًا من النقل الفردي، لأنّه يقدم حلولًا شبيهة من حيث الأمان والراحة، مع خيار دفع مال أقل وإمكانية توفير للنفقات، وهو الأمر الذي أدركته شركتا أوبر وكريم، فقامت كريم بـاستثمار 500 ألف دولار في سويفل في 2017، ثم عادت في نهاية 2018 وأعلنت عن إطلاق خدمة كريم باص، كذلك فعلت شركة أوبر وأطلقت أوبر باص.
في الولايات المتحدة الأمريكية، ظن أصحاب شركات الطاقة الشمسية أنّها ستظل الخيار المناسب لكل وقت كبديل نظيف للوقود الأحفوري وخاصة البترول، لكن مع تنامي ظاهرة الغاز الصخري، الذي ارتفعت نسبته من إنتاج الغاز لـ 20 % في عام 2010 بعد أن كانت 1% فقط في عام 2000، ومع انخفاض أسعار الغاز في أمريكا، أسهمت كل هذه العوامل في زيادة الاعتماد على الغاز، وتراجعت صناعة الطاقة الشمسية، فالظروف الخارجية والبيئة مع التوقيت المناسب قد يؤدي إلى تدمير بعض الصناعات ونمو صناعات غيرها من جهة أخرى، وبالتالي نجاح وفشل بعض الشركات.
يمكننا الاستنتاج من هذه الأمثلة وبعد تطبيق النظرية عليها، أنّها تخبرنا بوجود مستويين لتقييم إمكانية نجاح الشركات الناشئة، المستوى الأول يتعلٌق بالمنتج أو الخدمة في المشروع والتي يمكننا تلخيصها في الفكرة، والمستوى الثاني يتعلّق بالتوقيت المثالي للبدء، وبقدرة الشركة على الاستفادة من الأمر، فالفكرة المبتكرة في توقيت مبكر لن تجد لها مستخدمين، وفي توقيت متأخر سيكون السوق ممتلئًا بالمنافسين وفرصة نجاحك تصبح أقل، وهذا لن يحدث إلّا من خلال قدرة الشركة على اقتناص الفرص والتنفيذ المثالي للفكرة.
لا يمكن تصنيف النجاح أو الفشل تحت بند الصدفة، بالطبع هناك تأثيرات للقدر لا يمكن إنكارها، لكن المجهود المستمر لتطوير الشركات، والاهتمام بعوامل أخرى بجانب الفكرة، يمكن أن يؤدي إلى استكشاف مصادر متعددة للربح، في حين التمسك بتصور وحيد لتنفيذ الفكرة، وإهمال عوامل مهمة مثل التوقيت وطريقة التنفيذ، يمكن أن يؤدي إلى الفشل. لذلك تذكّر دائمًا أن تقع في غرام المشكلة لا الحل، وأن الفكرة وإن كانت محور الشركة، لكنّها ليست الأهم دائمًا.