أثر الـ«تيتانيك»
في العام 1995 قام المخرج الكندي «James Cameron» بإعلان اعتزامه كتابة وإخراج فيلم ملحمي يحكي قصة السفينة التاريخية «Titanic»، والتي كان لقصتها المأساوية عبر التاريخ صدى كبير عند الكثيرين. «تيتانيك – Titanic» هي سفينة ركاب إنجليزية عملاقة تم تشييدها بواسطة شركة «وايت ستار لاين»، وظهرت للعلن عام 1912، وكانت وقتها أعجوبة بحرية لضخامة حجمها وحداثة صنعها، واحتوائها على نظام متطور للنقل الحركي، بجانب احتوائها على قدر كبير من الكماليات وأدوات الترفيه، والتي جعلت منها مقصدًا للكثير من الأثرياء الراغبين في السفر البحري وقتها.
ومن فرط الإعجاز البنائي لهذه السفينة وقتها، أصاب صانعيها نشوة الكمال وظنوا أنهم شيَّدوا شيئًا منيعًا حتى على الغرق؛ لذا أطلقوا عليها جملة «السفينة التي لا تغرق». كانت رحلة الـ«Titanic» الأولى في 10 أبريل/نيسان 1912 من ساوثهامبتون إلى نيويورك عبر المحيط الأطلسي، إلا أنه وبعد عدة أيام من انطلاق السفينة التي «لا تغرق» اصطدمت بجبل جليدي في عرض المحيط، مما تسبب بأضرار بالغة ببدن السفينة، أدى إلى غرقها، ونجا تقريبًا ثُلث عدد الركاب من عدد إجمالي بلغ أكثر من 2200 راكب.
استلهم James Cameron قصة الفيلم أثناء تصويره لحطام السفينة الحقيقية، وسوف نلاحظ أن مشاهد الحطام الحقيقية هي التي ظهرت بالفيلم، وأن سفينة الباحثين الذين اكتشفوا الحطام قد ظهرت بالفيلم أيضًا. وأعلن Cameron أن القصة الملحمية لسفينة الـ«Titanic» يجب أن يتخللها قصة حب ملحمية مثلها بالضبط.
يجدر الإشارة هنا إلى أن Cameron كان قد خرج للتو من إخراج فيلم شهير آخر، ألا وهو «True Lies»، والذي حقق نجاحًا تجاريًا كبيرًا، ومن قبله بسنوات عدة كان قد كتب وأخرج فيلم «Terminator» الشهير للبطل الهوليوودي العملاق «Arnold Schwarzenegger»، وهو الفيلم الذي أحدث نجاحًا مدويًا ودخل قائمة أكثر الأفلام تحقيقًا للمبيعات في تاريخ هوليوود.
قصة الفيلم
يحكي الفيلم قصة فريق صائد للكنوز على متن سفينة بحثية، يقومون بالبحث عن ماسة عملاقة نادرة تسمى «قلب المحيط» في قلب حطام سفينة الـ«Titanic»، حتى يعثروا على رسم خاص بامرأة، مؤرَّخ بتاريخ غرق السفينة، ليقوموا بالبحث عن المرأة ويحضروها، وتبدأ المرأة في سرد قصتها وقصة الـ«Titanic» الأسطورية.
تحكي المرأة التي تُدعى «روز» والتي انتمت إلى طبقة أرستقراطية، ملابسات انتقالها مع عائلتها وخطيبها الأرستقراطي الذي فُرض عليها، لظروف إفلاس عائلتها، وكيف أنها لم تحبه قط، حتى قابلت «جاك داوسون» أثناء محاولتها الانتحار.
جاك داوسون ذلك البحّار الفنان المُفلس، الذي ربح تذكرة سفره عن طريق المقامرة قبل لحظات من إقلاع السفينة. استطاع جاك أن يقنعها بالعدول عن الانتحار وإنقاذها، لتبدأ علاقتهما بعد ذلك والتي تطورت لقصة حب ملحمية، بالرغم من المعارضة العنيفة لأهلها، ويعلم خطيبها الغني بالأمر، وتتطور الأمور، وتأخذنا الأحداث سريعة متلاحقة، حتى غرق السفينة في نهاية الأمر.
نجاح ساحق
ظهر فيلم «Titanic» للعلن في 19 ديسمبر/كانون الأول 1997، وفور ظهوره بدور العرض في أمريكا وباقي دول العالم، حصل على نجاح فني وجماهيري ساحق منقطع النظير، وتصدرت أخباره عناوين الصحف والمجلات العالمية. وعلى مستوى الجوائز فقد تم ترشيحه لنيل 14 جائزة أوسكار، حصد منها 11 جائزة، من بينها جائزتي أفضل فيلم وأفضل إخراج. وعلى المستوى التجاري فقد تربع الفيلم وقتها على عرش أعلى إيرادات الأفلام في التاريخ بقيمة اقتربت من حاجز الـ 2 مليار دولار، ولم يُقصِه عن هذا العرش إلا فيلم «Avatar» والذي صدر في عام 2010 لنفس المخرج «James Cameron».
قليل من النوستالجيا
ما زلت أذكر وقت ظهور الفيلم في دور العرض وعند نوادي الفيديو، وبحكم أنني من هذا الجيل الذي كان يرى الأفلام الحديثة عن طريق مشغل الفيديو وليس عن طريق الكمبيوتر، فإنني أتذكر أن هذا الفيلم قد صدر في شريطي فيديو، لأن مدة عرضه تخطت الـ 3 ساعات، وكان الحجز عليه تاريخيًا، لدرجة أنني ظللت لأكثر من أسبوع في قائمة الانتظار حتى أحصل على شرائط الفيديو لهذا الفيلم، ولم يكن ذلك ليحدث لولا أن صاحب نادي الفيديو صديقي!
ما زلت أذكر الأثر الكبير الذي أحدثه الفيلم بمراهقي هذا الجيل، حتى أنه يعتبر لدى الكثيرين تأريخًا لهذه المرحلة بكاملها، حقبة آخر التسعينيات ولمدة خمسة أعوام على الأقل بعدها. وعليه فقد اجتاح العالم بأسره «أثر التيتانيك» على غرار «أثر الفراشة»، فقد علقت قصة الحب الملحمية بين «جاك» و«روز» في أذهان الكثيرين، وطبعوا صور أبطالها «كيت وينسلت» و«ليوناردو دي كابريو» على الملابس والقمصان والمعاطف، وصنعوا حُليًا على أشكالهم، وأدوات طهي وأدوات مكتبية ودراسية تحمل صورهم، بوسترات وملصقات، وحافظات أوراق، باختصار: اجتياح كامل لكل عناصر وأدوات الحياة بـ«أثر التيتانيك».
لا نستطيع طبعًا أن ننسى الموسيقى التصويرية الرائعة، أو الأغنية الخالدة «My Heart Will Go On» والتي قامت بغنائها مطربتي المفضلة «Celine Dion» وصدحت بها في ختام الفيلم، وكل من الموسيقى التصويرية وأغنية الفيلم حصلا بالفعل على جائزتي الأوسكار. وقتها استغلت Celine Dion النجاح الكبير الذي تحقق عن طريق أغنية الفيلم وقامت بوضع هذه الأغنية على رأس ألبومها الأشهر «Let’s talk about love» وأصدرته في العام 1997 أيضًا، وحقق هو الآخر شهرة عالمية واسعة.
في 4 أبريل/نيسان 2012 وإحياءً للذكرى المئوية لغرق الـ«Titanic» قامت الشركة المنتجة بصناعة نسخة 3D من الفيلم وطرحتها بدور العرض، والتي لاقت هي الأخرى إقبالًا كبيرًا، وأضافت إيرادات أكثر للفيلم، وتخطت إيراداته الإجمالية أكثر من 2.2 مليار دولار.
منذ أيام قلائل شاهدت النسخة الـ 3D من الفيلم، طبعًا الآن لم أعد ذلك الشاب المراهق الذى رأى الفيلم وقتها، وتقنية الـ 3D شأنها مثل باقي التكنولوجيا العالية، فإنها تُظهر العيوب التي تخفيها الكاميرات العادية، وعليه فقد بدأت أدقق في الفيلم وأُحلله، وظهر الفيلم فنيًا أكثر أمامي، إلا أنني لا أخفيكم سرًا، فقد تأثرت مرة أخرى بالفيلم، وأكملته حتى وصلت إلى أغنيته الملحمية «My Heart Will Go On» وعاودني نفس الأثر الذي أحدثته بي هذه الأغنية وقتها، وبدأت مرة أخرى في دندنة كلمات الأغنية الخالدة، متذكرًا وقتًا كان به جيل كامل من المراهقين والكبار أيضًا عبر العالم متأثرًا بملحمة الـ«Titanic» الرومانسية المأساوية، جيل جعل من الـ«Titanic» أسطورته الخاصة.
بعض الحقائق عن الفيلم
1. المخرج «Cameron» كان يريد «DiCaprio» لأداء الدور، بينما أرادت شركة الإنتاج «Matthew McConaughey»، وقام الممثل «Jeremy Sisto» بعمل «Screen Test» أيضًا، إلا أنه تم اختيار DiCaprio ليقوم بالدور.
2. الممثلات «Nicole Kidman» ،«Madonna» ،«Jodie Foster» ،«Cameron Diaz»، و«Sharon Stone»، كن سيقمن بدور روز، إلا أن الاختيار وقع على «Kate Winslet» في النهاية لأداء الدور.
3. كان من المفترض أن يقوم الممثل الكبير «Robert De Niro» بدور قبطان السفينة، إلا أنه أصيب قبل التصوير بعدوى في المعدة أبعدته عن الدور.
4. تيتانيك هو أول فيلم يتم طبعه على شرائط فيديو للعرض المنزلي وهو ما زال قائمًا في دور العرض، ليخالف بذلك العرف المتبع وقتها.
5. الممثلة التي قامت بدور روز العجوز، في الحقيقة هي عاصرت فعلًا حادث غرق السفينة تيتانيك، وأيضًا أصبحت أول أمرأة عجوز في مثل عمرها (87 عامًا) يتم ترشيحها لنيل جائزة أوسكار (أفضل ممثلة مساعدة).
6. الرجل المسن وزوجته اللذان ظهرا بالفيلم وهما يؤثِران الغرق معًا، عوضًا عن افتراقهما، هما بالفعل شخصيات حقيقية، وهذا الرجل كان شهيرًا ويمتلك متجرًا كبيرًا في نيويورك، وبالفعل غرقا معًا على متن تيتانيك.
7. فيلم تيتانيك كانت ميزانية إنتاجه وقتها هي الأضخم في تاريخ السينما، بتكلفة بلغت أكثر من 200 مليون دولار، لدرجة أن بعض النقاد كان لهم مقولة شهيرة ألا وهي: «أن تكلفة بناء سفينة Titanic في الحقيقة سوف تكون قطعًا أقل من تكلفة صنع الفيلم!»
8. أصيبت الممثلة «Kate Winslet» بالتهاب رئوي نتيجة فترات التصوير الطويلة بالماء. عمق الماء الذي تم التصوير به كان 3 أقدام فقط!
9. في الحقيقة لم يرد Cameron مخرج الفيلم أن يصنع أغنية رئيسية له، إلا أنه تم الترتيب سرًا بين المنتج وكاتب الأغاني وCeline ليقوموا بصياغة الأغنية، والتي أُعجب بها المخرج كثيرًا بعد ذلك واستخدمها بالفيلم.
10. القطعة الخشبية التي كانت روز تطفو عليها في نهاية الفيلم، هي في الحقيقة قطعة خشبية تم انتشالها من حطام السفينة، وما زالت تعرض بالمتحف البحري للمحيط الأطلسي في Halifax, Nova Scotia. بعد انتهاء التصوير، تم بيع ما تبقى من حطام التصوير كـ«خردة معدنية».