تيران وصنافير: عندما يدافع الجيش عن وجهة نظره كحزب سياسي
يتصرف الجيش المصري منذ ترتيبات الثالث من يوليو 2013 وربما من قبلها بقليل، باعتباره حزبًا سياسيًا يجب أن يكون لديه مرشح للرئاسة؛ لكي يضمن أن الأمور تحت السيطرة بشكل مباشر، وليضمن سيادة سردياته غير المتماسكة عن الثورة، باعتبارها مؤامرة دولية وإقليمية وربما كونية على مصر، قامت بها حماس وحزب الله والحرس الثوري الإيراني، بالتعاون مع حفنة من الإخوان المسلمين وحركة شباب 6 أبريل وبعض أحزاب المعارضة المغرر بهم ومزيفى الوعي، هذه السردية تم توثيقها من قبل عبر العديد من اللقاءات التليفزيونية والصحفية، بل والشهادات في محاكم لمعظم قيادات المجلس العسكري الذي كان حاكمًا ثم للرئيس الذي كان وزير دفاع بنكهة الثورة.
بين الحين والحين، يحاول الكثير من المحسوبين على تيار الثورة وبعض الإصلاحيين إقناعنا بأن الجيش وقياداته في معظمهم وطنيون لا يمكن التشكيك بوطنيتهم والمزايدة عليهم، وأنه بالتأكيد هناك من يعارض سياسات التفريط في أرض الوطن أو إنهاك الجيش في القيام بأنشطة الشرطة أو حتى الأنشطة المدنية التي يمكن أن تقوم بها وزارة التموين، والتي تتجلى في انتشار مجندي الجيش وعربات بيع الخضراوات واللحوم والأغذية عبر الجمهورية، ومؤخرًا انتشار مجندين يبيعون الخضروات في ميادين المحروسة، والحقيقة أن هذه المحاولات لا يمكن فهمها إلا في إطار المجاملات السياسية أومحاولات تجميل الخطاب السياسي لأصحابها ليس أكثر.
بينما في الواقع يتكشف لنا خيط آخر أشد مرارة لمظاهر تحول الجيش لحزب سياسي لديه التزام حزبي عالٍ، ولا يسمح بأدنى صوت عقل أو اختلاف حول قيادته، وما تراه فهو الصواب وعين الحقيقة، هذا الخيط بدا أكثر مع الجدل العام حول اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية والتي يمكن القول إنها تتضمن تسليم جزيرتين مصريتين لإسرائيل عمليًا عبر التنازل عنهما للسعودية.
هذا تحول خطير في عقيدة الجيش؛ إذ يصبح العدو الحقيقي للجيش هو الداخل، يمكنك أن تختار من هذا الداخل الإرهاب ويمكنك أيضًا أن تقول إنها المعارضة وأي صوت مخالف لصوت الحزب ورئيسه، ويمكنك أن تقول إن الاثنين معًا هما أعداؤه بالإضافة لرتوش أعداء مصطنعة إعلاميًا كحماس وحزب الله والحرس الثوري الإيراني والإخوان المسلمين وقطر، لا ذكر هنا لإسرائيل على الإطلاق!، بل على العكس فقيادات حزب الجيش تفخر وتعتز بأن التنسيق الأمني مع إسرائيل هو في حالة غير مسبوقة من النمو والازدهار الذي لا يحتاج إلى إخفاء أو إنكار، فنحن نحارب الإرهاب سويًا في سيناء ونحارب حماس وكل حركات المقاومة داخل الأراضي الفلسطينية، ونسعى لتشكيل حلف سني لمواجهة إيران وإسرائيل طرف أساسي في هذا الحلف.
بل إن نمط سلوك هؤلاء يقول إنهم يتصرفون أكثر من كونهم أعضاء ملتزمين في حزب، إذ أن هذا النوع من الالتزام يمكن فهمه في السياقات السياسية المختلفة ويحتمل وجود منشقين عنه أو خارجين منه، وإنما باعتبارهم أعضاء في شبكة مصالح لا يمكن الفكاك منها أو التعاون مع أحد من خارجها لإصلاح خلل فيها بسهولة، يمكن اعتبارها مركبًا واحدة مهما بلغت اختلافاتها، فدون أن تكون القيادات وتابعوها مستفيدين مباشرين لا يمكن لعاقل أبدًا أن يتصور أن لا رأي مخالف في قضية تمس شرف العسكرية المصرية كقضية تيران وصنافير، والتي أرسل الجيش ممثليه للبرلمان ليدلوا بشهاداتهم التي تؤكد سعودية تيران وصنافير بل وتطعن في تضحيات الجيش المصري عليهما، فوفقًا لأبواق النظام التي لا يجوز إطلاق لفظ «صحافة» على ما تتقيؤه علينا صباح مساء، فاللواء مجد الدين بركات، ممثل القوات المسلحة أثناء مناقشة الاتفاقية بالبرلمان صرح بأن: «مفيش نقطة دم واحدة سالت على تيران وصنافير».
كما أن شهادة العميد شريف العسال، رئيس شعبة المساحة البحرية بالقوات البحرية والذي دلل على سعودية الجزيرتين بقربهما للسعودية بمسافة 800 متر وبعدهما عن مصر مسافة 4500 متر، كما أن مواقف العديد من السادة اللواءات والعمداء السابقين من أعضاء البرلمان تدافع باستماتة عن سعودية الجزيرتين لدرجة أن أحدهم هتف «سعودية سعودية» في قلب المجلس، هؤلاء بالتأكيد لم يذهبوا ليعبروا عن آرائهم الشخصية، وإنما يعبرون عن رأي مؤسسة متماسكة وتقودها شبكة مصالح يحكمها ما يشبه توازن الرعب، وإلا لما صمت مرؤوسوهم عن سلوكهم وما صمتوا عن انتهاكات مرؤوسيهم بحق الوطن والمواطنين، فآلاف الأفدنة التي انزعج الرئيس من وضع البعض يدهم عليها هي تحت يد هؤلاء أو كانت تحت ولاية محافظين ورؤساء مدن ومراكز عسكريين في معظمهم.
هذا ليس زعمًا بغير دليل، إذ امتعض وتململ الكثير من شركات القطاع الخاص والمقاولين والمواطنين من حالة الركود، تدخلات الجيش في الاقتصاد لصالح قياداته وليس لصالح الدولة والجيش وبنيته وتقويته، وجراء السياسات الاقتصادية التي أملاها رئيس حزب الجيش الحاكم على رئيس البنك المركزى ووزراء المجموعة الاقتصادية، كما أن عسكرة المناصب المدنية من أول رؤساء الأحياء وصولاً للشركات القابضة ودواوين عموم الوزارات التي يسيطر عليها قيادات من الجيش بعضهم يقضي فترة معاشه وكأنها مكافأة نهاية الخدمة من «التكية»، وبعضهم لا زال تحت سن المعاش يمارس علينا دور المؤدب والمربي للشباب ذوي الوعي المزيف الذين خرجوا في يناير 2011 وضيعوا مستقبلهم، وفقًا لتصريحات السيد الرئيس الذي لولا يناير ومن باعوا يناير بالارتماء في أحضان شبكة المصالح سالفة الذكر ربما، كان كوفئ بأن أصبح رئيسًا لأحد الأحياء أو مستشارًا لأحد المحافظين برتبة لواء ليس أكثر.
هذا منطق لا يمكن أبدًا تفسيره إلا بمقولات رئيس الحزب التي تم تسريبها حول الرز الخليجي ووالذي يقول لنا بطريقة المعلم الملهم الذي يقول لنا: «متسمعوش كلام حد غيري أنا»، وتصريحاته حول «شنط فلوس» واضعي اليد على أراضي الدولة، استمرار منطق حزب الجيش وقياداته يعني إغلاق المجال العام وتحولنا تدريجيا لنموذج أسوأ من كوريا الشمالية التي يزعم رئيسها أنه يتبنى الأجندة الشيوعية بينما حزب الجيش هو حزب عسكري لا يرى للأيديولوجيا والأفكار أو السياسات غير الأمنية مكانًا، ويرى أنه يمكن أن يكون تابعًا طيّعًا للسياسات الإماراتية أو البحرينية أو الكويتية أو السعودية في المنطقة مقابل قليل من الرز.
هذا نظام يرتضي التبعية لأطراف الأطراف في النظام الدولي وليس لمراكزه الرئيسية أو الإقليمية، بينما تتبع كوريا الشمالية روسيا والصين وتهدد مباشرة الولايات المتحدة وحلفائه استنادًا لإنجاز نووي، بينما هؤلاء إنجازهم الوحيد تخريب الاقتصاد بالاستدانة والانبطاح لمشروطيات المؤسسات المالية الدولية وإغراق البلاد في وهم المشروعات القومية الكبرى.
حزب الجيش هذا يرى في أي صوت معارض هو دعوة لتفتيت الوطن ومؤامرة كونية من مجلس إدارة العالم أو ربما رياح شمالية غربية تطلقها المعارضة لإسقاط مصر التي عادة ما يكون مقصودًا بها في هذا السياق رئيس الحزب وكبار قادته، وأي نقد للسياسات الاقتصادية وأي تواصل مع الخارج هو بالضرورة عمالة وخيانة، إلا إذا كان هذا التواصل تحسينًا لصورة النظام، والمجتمع المدني خطر على الدولة وهيبتها، ومسائل حقوق الإنسان هي من الترف لأننا «فقرا أوي»، والمواقع التي تقول شيئًا مخالفًا علينا حجبها اقتداءً بكوريا الشمالية التجربة النموذج التي سوف تتعلم منا لاحقًا حال استمر الوضع هكذا لا قدر الله.