تيك توك وأسرته: لماذا يغضون الطرف عن جرائم البيدوفيليا وغيرها؟
ضجت صفحات السوشيال ميديا والمنصات الإخبارية خلال الأسابيع الماضية، بأخبار القبض على «حنين حسام»، المعروفة بفتاة التيك توك، والتي ذاعت شهرتها كثيرًا خلال الفترة الماضية، بعد الدعوات المثيرة للجدل والغضب التي أطلقتها بشأن عمل الفتيات على الإنترنت. وما بين رافض لسجنها وآخر مؤيد، بدا أن تناول القضية قد حمل فهماً سطحياً، فيما كانت القصة تحمل أغواراً أكثر عمقاً من المطروح.
لقد جرى التعامل مع قضية تيك توك كتطبيق اجتماعي برز خلال السنوات الماضية، ومعه تطبيق Likee كمنصة مفتوحة لمقاطع البث المباشر مقابل العملات الافتراضية، باعتبارهما منصات ترفيهية في المقام الأول، ولم يتطرق أحد إلى حقيقة ما يمكن أن تقدمه تلك المنصات وما يعتمل خلفها.
الصين وبديل فيسبوك
العام الماضي.. ذات صبيحة ما، استيقظ المستخدمون حول العالم على بيان من فيسبوك، يطمئن فيه المستثمرين ويخبرهم بأنه على أعتاب إنجاز غير مسبوق، فمنصات فيسبوك كلها «فيسبوك- إنستجرام- واتساب» تشهد يومياً دخول ما لا يقل عن ملياري مستخدم حول العالم، أي أن الخوادم الفيسبوكية الأمريكية تمتلك بيانات ثلث سكان الأرض تقريباً.
في الوقت نفسه تخبرنا التقارير أن فيسبوك يمكنه معرفة كل شيء عن المستخدم، حتى لو لم يستخدم فيسبوك، عبر رقم هاتفه الذي التقطه من سجل هاتف مستخدم آخر، أو بيانات بريد إلكتروني مر عبر رسالة ماسنجر أو ما شابه.
تحول ثلث أهل الأرض إلى خادم مليء بالمعلومات في جعبة فيسبوك الأمريكي، وهو أمر لن يقبله التنين الصيني بهذه البساطة. الصين كذلك بحاجة إلى بيانات مليارين آخرين، لكن خارج الحدود الصينية فكل المتواجدين داخل الصين، بياناتهم بالكامل داخل الخوادم الصينية بالفعل، لذا كان لا بد من فكرة جديدة تغير الآمر.
كانت الصين بحاجة إلى شيء مبتكر وذكي، يعصف بالطوفان الأمريكي الأزرق الذي اجتاح العالم، لكن المشكلة أن فيسبوك لم يعد ينتظر المزيد من المستخدمين، بقدر ما يرغب في تحقيق أكبر ربح ممكن من المستخدمين الحاليين، في حين أن تيك توك يرغب في المزيد من المستخدمين بأي ثمن كان وبأي طريقة، حتى وإن لم ينطو الأمر على ربح في المستقبل القريب.
وفي الوقت نفسه الذي تسن فيه أسلحة العقاب على فيسبوك ورفاقه، لا سيما بعد كارثة كامبريدج أنالتيكا، وصار بإمكان المستخدمين التحكم في كثير مما يفعله فيسبوك، بسبب خضوعه ولو بشكل نسبي للمحاكمة والرقابة الدولية واستدعاءات البرلمانات الدولية، إلا أنه ليس هناك أي محكمة دولية يمكنها فرض سيطرتها على مؤسسة صينية، أو إلزامها بقواعد محددة، فكل ما هو داخل الصين، لا يأتمر إلا بأمر الصين، ولا يخضع إلا لشروطها وقواعدها، ومن هنا باتت هناك حاجة لفهم كيف بدأت القصة من الصين وإلى أين اتجهت.
الواقع السيبراني الصيني
قبل الدخول في شرح مفصل بشأن تيك توك ورفاقه، من الضروري فهم طبيعة الإنترنت في الصين، ومدى قدرة شركات تقديم المحتوى بمختلف أنواعها على العمل هناك. دولة الصين بكامل كيانها لا يمر الإنترنت داخلها إلا عبر مزودين اثنين للخدمة، أولهما، شركة علي بابا الشهيرة «Alibaba» وثانيهما، شركة «Tencent» وهما الشركتان اللتان حددتهما الحكومة الصينية، لفلترة المحتوى والمواقع التي يمكن للصينين التعامل معها، وبالتالي منع أي شيء آخر لا تسمح به الشركتان من الدخول إلى خوادم المستخدمين الصينين.
موقع مثل فيسبوك على سبيل المثال، لا وجود له في الصين، لأنه صار ممنوعاً من الدخول عبر خوادم مزودي الخدمة، بعد ما قررت الصين حظره عام 2009، لأن حركات الاستقلال في تركستان الشرقية -أو ما تُعرف بشينغيانغ أو سنجان- كانت تستخدم فيسبوك في التواصل، ورفضت إدارة فيسبوك أن تقدم معلومات عنها لحكومة الصين.
وبما إن مزودي الخدمة هنا هم المتحكمون في الأمر، فهم من يضعون قواعد حقوق الملكية ونشر المحتوى وغيرها، يمكننا أن نتوقف هنا عند هذا النقطة، لكننا سنحتاجها قريباً.
كان الظهور الأول لشركة بايت دانس الناشئة «Bytedance» والمالكة لتطبيق تيك توك، في عام 2012 في الصين، ولم تلق أي شهرة خارجها. كانت خدماتها تتركز حول العمل على تطبيق، يستخدم الفيديوهات الشهيرة المستقاة من العروض الترفيهية في الصين بشكل عام، ويضعها في صورة مصغرة، ويسمح للمستخدمين بعمل فيديوهات قصيرة تسمح لهم بتحريك شفاههم كأنهم هم من يتحدثون داخل المقطع.
صاحب ظهور تيك توك حالة من الاستقرار لكن واجهته بعض المشاكل أو المطالبات بشأن حقوق الملكية الخاصة بالعروض التي تستخدمها داخل التطبيق، ولم تنجح أي من الدعاوى القضائية في الصين في وقف حراك التطبيق.
في عام 2016 استطاعت الشركة المالكة للتطبيق الاستحواذ على تطبيق Musicaly بقيمة 800 مليون دولار، وذلك بعد رغبة التطبيق في تحقيق تجربة مشابهة لفيديوهات Vine واستمرت حالة الاستقرار الخاصة بالتطبيق، حتى عام 2018.
في عام 2018 حصل التطبيق على تمويل جعله «أكبر شركة ناشئة في العالم من حيث التمويل» متجاوزاً أوبر، وذلك بتمويل من SoftBank والذي قدم للشركة 3 مليارات دولار، ليبلغ حجم التمويل الإجمالي الخاص بالشركة 75 مليار دولار.
لكن اللافت وبحسب التقارير فإن مؤسس التطبيق زانج يمينج، لم يحصل على أي أموال أو حماية قانونية حتى عام 2016 وظل يعمل بشكل حر، دون الوقوع في أزمات كبرى توقف عمله أمام عمالقة تزويد المحتوى في الصين.
كان من الواضح بعد ذلك التمويل الضخم والرغبة الهائلة في تقديم الدعم لتحقيق انتشار عالمي، أن مشروع تيك توك لن يصبح مجرد منصة ترفيهية، لا سيما وبعد أن حذف تيك توك مقطع فيديو لفتاة أمريكية تحدثت فيه عن أزمة الإيغور، لكن التطبيق ورفاقه وعبر النظر نحوهم عن قرب، قدما نماذج قادرة على اتباع كافة الاستراتيجيات الممكنة للحصول على مستخدمين جدد.
وكلاء البث المباشر
دارت قضية فتاة التيك توك حول طلبها من مجموعة من الفتيات «ذوات المظهر الحسن» امتلاك هاتف وإضاءة جيدة وإنترنت يعمل بشكل جيد، حتى يخرجن في فيديو بث مباشر، يتحدثن فيه مع الشباب الراغبين في التحدث مع صديقة لطيفة ذات طلة بهية، للتعارف وقضاء وقت سعيد على التطبيق، وفي المقابل تحصل الفتاة التي تظهر في البث المباشر على عملات افتراضية بمقابل مالي يدفعه الراغبون في الحصول على خدمات البث السعيد.
ينتقل الأمر بعدها إلى نقطة أكثر تعمقاً، فالأمر يحمل طابعاً فنياً قابلاً للزيادة، فكلما كان تفاعل الفتاة مع المتابعين أفضل وأكثر، وكلما كانت أكثر أنوثة وابتساماً كلما زاد عدد المتابعين وبالتالي يزداد المقابل المالي، الأمر لا يحتاج إلى الكثير من الفهم أو العقل لمعرفة التسمية المناسبة له.. لكن دعونا لا نذكرها هنا.
وكما قالت «فتاة التيك توك» نفسها، فالبرنامج بطريقة الوكيل تلك، مطبق في عدة بلدان، واعتبرت نفسها الوكيل الخاص بالبرنامج في مصر، لقاء عقد بمبلغ مالي مُبرم بين الوكيل والبرنامج.
لكن الأمر لم يتوقف عند هذه النقطة، فالتدافع المحموم داخل التطبيق للحصول على كم أكبر من المشاهدات وبالتالي تحصيل كم أكبر من الأرباح يمكن أن يدفع إلى درجة جنونية من التنازلات الأخلاقية والنفسية لرفع مقدار الربح.
في الرابع والعشرين من فبراير/شباط الماضي، خرج تقرير عبر صحيفة الدايلي ميل البريطانية، يتحدث عن مجموعة كبيرة من الآباء في أستراليا اكتشفوا أن أبناءهم في سن العاشرة والثانية عشرة، قد تلقوا رسائل وصوراً ممن يُعرفون بـ«البيدوفيل» أو من يشعرون برغبة جنسية تجاه الأطفال، والغريب أن الشريحة التي أعلنت ذلك بدت واسعة لا مجرد حالات فردية.
الأهم من ذلك أن تيك توك في ذلك الوقت تجاهل تلك التحذيرات، ورفض إغلاق تلك الحسابات المشبوهة، وعلى الرغم من أن السبب لم يكن معلناً وقتها، فإنه من السهل فهم أن المنصة لا تريد أن تفقد أياً من أعضائها بل هي ترغب في توسيع الدائرة بشكل أكبر، وذلك بأي طريقة!
في عام 2014 قدمت الباحثة ميليسا فارلي ورقة بحثية في جامعة سان فرانسيسكو تحدثت فيها عن «الدعارة الإلكترونية» والمنصات الاجتماعية، وفي دراستها أوضحت ميليسا أن ذلك النوع الجديد من الدعارة، لا يحتاج إلى تواجد مادي فعلي، فهو يقوم بالأساس على التواصل الإلكتروني عبر المنصات ذات الشهرة الكبيرة، والتي تستهدف بالأساس زيادة معدلات الزيارة على المنصة، باستهداف شرائح أكبر وأوسع من راغبي ذلك النوع من المحتوى، ثم تأتي الخطوة التالية بتقديم المحتوى نفسه لكن بصورة مدفوعة، ذلك بعد أن يعتاد أولئك المستخدمون على ذلك النوع الجديد من الإدمان، فيقرر الحصول عليه مقابل المال.
أما عن التسويق لذلك النوع من المحتوى على فيسبوك على سبيل المثال، فالأمر لا يحتاج لأكثر من مقطع فيديو لفتاة جميلة تتحدث بطريقة معينة أمام كاميرا الفيديو، مما يوحي أنها في حديث مع شخص ما، ثم وضع الفيديو في إعلان ممول متبوع بالحديث التطبيق الذي يمكنك من الحصول على علاقات جديدة والاستمتاع بميزة التعارف.
أرباح النوم.. حرفياً
بالتوازي فيما بينهم، أطلقت منصة Twitch الأمريكية التابعة لأمازون، ترينداً جديداً عبر منصتها، يقوم على تشغيل كاميرا البث المباشر أمام صاحب الحساب وهو نائم، ويتابع المستخدمون البث المباشر طوال فترة نوم صاحب الحساب، وفي المقابل يدفع المشاهدون عملات افتراضية يحولها صاحب الحساب إلى أرباح بالدولار.
لم يتأخر تيك توك كثيراً، فما هي إلا عشية أو ضحاها حتى بدأ مستخدمو تيك توك في تفعيل الفكرة، وتعاون التطبيق في تفعيل العملات الافتراضية مقابل المشاركة في البرنامج، حتى صار بإمكان أحدهم أن ينام ليلته أمام الكاميرا ويستيقظ في الصباح ليجد حسابه البنكي قد امتلأ بالأموال، فقط لأن الآخرين شاهدوه وهو نائم.
والملاحظ أن ذلك النوع من الرغبات الغريبة لم ولن يتوقف في المستقبل القريب، لكن الشاهد أن تلك الأمور صارت مطروحة بسهولة على الإنترنت المفتوح وأمام التطبيقات المنتشرة حول العالم، والتي يستخدمها الكثيرون من مختلف الأعمار وعلى رأسهم الأطفال، حيث إن فكرة التطبيقات المشبوهة لم تعد على الإنترنت المظلم وحسب، بل صارت في متناول الأيدي.
ففي ولاية تكساس الأمريكية، قُبض على رجل خدع طفلة عبر تطبيق Likee وأوهمها أن ستعمل كعارضة أزياء، في مقابل أن تتسع دائرة التعارف بينهم عبر التطبيق، وهو ما حدث بالفعل حتى قبض عليه قبل إيذائها. في الوقت نفسه الذي أبلغ فيه البعض في بريطانيا عن تعرض أطفالهم في سن الخامسة والثامنة إلى صور مرسلة من قبل راغبي الأطفال، عبر تطبيقات تيك توك وlikee.
بعد أن انفجرت تلك القضية، أعلنت جهات التحقيق أن التطبيق لم يغلق حسابات «البيدوفيل» الذين تعرضوا للأطفال، وأعلنت جهات التحقيق حينها أن الشركة أعطت الولايات المتحدة القدرة على الدخول إلى بيانات المستخدمين في حال مخالفة القانون، لكنها لم تفعل المثل في بريطانيا.
أما عن تطبيق Likee على سبيل المثال، فبعد انفجار قضية التعرض للأطفال عبر الحساب، أصدر ميزة على التطبيق تسمح للأبوين بمتابعة حسابات الأطفال على التطبيق، لكنه لم يقدم ما يدل على نيته إغلاق الحسابات التي تخرج منها تلك الإيحاءات، كما أنه لم يقدم طرحاً لحماية الأطفال وصغار السن في حال لم يكن الأبوان على علم باستخدام أبنائهما للتطبيق.
ومن هنا بإمكاننا القول إن تلك التطبيقات، وبكونها تستورد في الوقت الحالي كافة أنواع «التريند» المنتشر حول العالم، لزيادة أعداد المستخدمين وزيادة الأرباح، فلن يكون من البعيد الحديث عن كوارث بحق الفتيات والأطفال وغيرهم من الفئات التي تستخدم التطبيقات للترفيه والمرح.
حتى يأتي وقت السؤال.. إلى أين يتجه عالم الإنترنت المفتوح؟