«عن طريق الخداع»: أسرار من قلب الموساد
هو شعار جهاز المخابرات الإسرائيلي المُسمى «الموساد»… ترى ما هي الأسرار التي تدور في قلب هذا الجهاز الغامض؟ وهل يستحق تلك الدعاية التي تقوم بها إسرائيل في كل أرجاء العالم؟
في كتاب «عن طريق الخداع» الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وهو ترجمة عن كتاب By Way of Deception، الذي يكشف فيه ضابط المخابرات الإسرائيلي «فيكتور أوستروفسكي»، الكثير من الأسرار والفضائح بجهاز الموساد، ليس للتشهير وإنما رغبة منه في الإصلاح، وعلينا نحن العرب ألا نفوِّت الفرصة في معرفة كيف يفكر عدونا؟ وما هي أساليبه الخافية علينا؟ إعمالًا للحكمة القديمة التي تقول: «اعرف عدوك». وجدير بالذكر أن الكتاب فيه إساءات كثيرة لنا نحن العرب ومحاولة لإظهار تفوق العنصر الصهيوني علينا.
وقد قامت الحكومة الإسرائيلية برفع دعوى أمام القضاء الكندي لمنع نشر هذا الكتاب، وكذلك أمام القضاء الأمريكي.
عملية أبي الهول
يستهل ضابط المخابرات الصهيوني كتابه بتمهيد تحت عنوان «عملية أبي الهول»، يسرد لنا فيه إحدى عمليات الموساد، والتي توضح كيف دمر الموساد مشروع المفاعل النووي العراقي، نتيجة الإيقاع بأحد العلماء العراقيين في باريس، عن طريق استدراجه من خلال المال والجنس.
ونلاحظ هنا عدة تناقضات وقع فيها أوستروفسكي أثناء سرده لهذه العملية، فمن ناحية أولى يذكر أنه أثناء قيامهم بتفجير المخزن الفرنسي الذي احتوى على الرؤوس النووية المرسلة إلى العراق، حرصوا على حياة حرَّاس المصنع الفرنسيين، ولم يسمحوا بأن يُصابوا بأي أذى، في حين أنه أثناء سرده للعمليات العشر الأخرى التي احتواها الكتاب كان يعترض على دموية ووحشية الجهاز الذي ينتمي إليه، وعدم مبالاتهم بالأرواح البشرية، بل إنه في الفصل العاشر من الكتاب انتقد هو نفسه تسبب جهاز الموساد بمقتل رجال من الشرطة الفرنسية دونما أي ذنب.
يتجلى هذا أيضًا في تخلصهم من كل من ساعدهم في هذه العملية مثل فتاة الليل «ماري كلود ماغال»، التي كانت تعمل لحسابهم طوال الوقت، وكانت إحدى الوسائل المستخدمة في الإيقاع بالعالِم العراقي.
والتناقض الثاني ادعاؤه أن الفتاة المذكورة كانت على علاقة بدكتور «يحيى المشد» العالم الجليل، في نفس الوقت الذي قاموا فيه باغتياله لفشلهم الذريع في تجنيده على الرغم من محاولاتهم المستمرة، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، حتى إنهم قد استخدموا العالِم العراقي في واحدة من محاولاتهم هذه.
والسؤال هنا: لماذا لم يقوموا بتصويرهما أثناء علاقتهما غير المشروعة؟ واستخدام هذا للضغط عليه خاصة أنه رجل متزوج ولديه أولاد، وقد قاموا بهذا بالفعل مع العالم العراقي باعتراف مؤلف الكتاب نفسه، وإن كانوا لم يجدوا حاجة إلى استخدام الفيديوهات المصورة للضغط عليه. كما أنه يحكي في الفصل السابع أنهم قاموا بتسليط إحدى الغانيات على أحد المسئولين للقيام بتجنيده في أوضاع تظهر وجهه بوضوح، أي أنها واحدة من ألاعيبهم المفضلة.
اللافت للنظر في هذه العملية أيضًا هو أن اليهود في جميع أنحاء العالم باختلاف طبقاتهم ومراكزهم يتطوعون لخدمة الموساد ويُطلق عليهم «السايعانيم»، ونعرف بعد ذلك أن هذه الميزة يُساء استعمالها من كثير من ضباط الموساد. وإن وُجدت حالة استثنائية لم يوافق فيها أحد اليهود على التعامل مع ضابط ينتمي للموساد، فإنه لا يشي به أبدًا.
التجنيد
يروي لنا المؤلف قصة تجنيده في الفصل الأول من الكتاب، لنعرف الخلفية التي تم اختياره على أساسها، فهو أحد رجال الجيش الإسرائيلي الذي نشأ نشأة صهيونية، والمنتمي لعائلة يهودية خدم كل واحد من أفرادها إسرائيل بشكل أو بآخر، ونعرف أن الموساد لا يقوم بالضرورة باختيار أفضل الأشخاص للانضمام إليه، بقدر ما يقوم بضم الأشخاص المناسبين له، والذين يتمتعون بمواهب محددة للعمل فيه.
وتتم الاختبارات على عدد معين من الأشخاص الذين تم اختيارهم، وتتم تصفيتهم عبر اختبارات حية على أرض الواقع في إسرائيل، يُقاس فيها مدى حسن تصرف وسرعة بديهة المتدربين، والقدرة على مواجهة المواقف الصعبة والخطرة وكيفية التعامل معها، ومن يفشل في أي اختبار يُستبعَد على الفور.
يذكر لنا المؤلف أيضًا أن الرجال العرب هم هدف الموساد الرئيسي، ومفتاح السيطرة عليهم هو طريق الاستهواء والجنس. والحقيقة أنك لن تجد شخصية عربية واحدة في هذا الكتاب إلا وهي نهمة للجنس بشكل غريب، حتى زعماء المقاومة الفلسطينية المقاتلين الذين كبَّدوا الموساد خسائر فادحة، مما يعطيك انطباعًا عامًّا – خاصة إذا كنت تقرأ النسخة الإنجليزية – أن العرب ما هم إلا كائنات شهوانية يسيل لعابهم دومًا أمام النساء.
أنشطة خفية
في الفصول التالية نتعرف على كيفية التدرب على تجميع المعلومات وكتابة التقارير وفقًا لأسلوب معين، وكذلك أساليب التعقب والتتبع للأشخاص، مع معرفة إذا كنت أنت نفسك مُراقَبًا منْ شخص ما أم لا، كما يكشف لنا أثناء تدريبهم على استعمال الأسلحة أنه لا قيمة لحياة المواطنين الأبرياء في نظر الموساد، فالمهم هو نفسك أنت فقط.
ونكتشف نشاط إسرائيل الخفي في تجارة السلاح في أفريقيا، ونعرف أيضًا أن الموساد قد قام بإغراق أحد الأقطار العربية بأوراق مالية مزيفة، وهو ما أثَّر على اقتصادها بشكل كبير، ولم يذكر اسم البلد العربي.
يشرح لنا أيضًا قيامهم بدراسة كل ما يتعلق بالدين الإسلامي وأتباعه باعتباره عدوًّا رئيسيًّا لهم، وكيف يتلقون تدريبات شاقة عاملها الأساسي هو فن خداع الناس. وأن جميع البلاد العربية هي أهداف بالنسبة للموساد، بينما البلاد الأخرى تُدعى بلاد قواعد.
صدمات
كانت صدمته الأولى في منتصف ليلة صيف، فقد فُوجئ عن طريق الصدفة بإقامة حفلة صاخبة وماجنة في أكاديمية التدريب (المدرشة)، يتواجد بها قيادات من الموساد ومدربيه في الأكاديمية ومعهم السكرتيرات، وكان كبار الضباط يتبادلون الرفيقات فيما بينهم في مشهد صادم له، ليكتشف بعد ذلك أن هذه الحفلات تُجرى طوال الوقت في منطقة البركة المنعزلة بالأكاديمية.
أما الصدمة الثانية فكانت في مهمته الأولى الميدانية، والتي اكتشف فيها أن أحد ضباط الموساد والذي يلقبونه (كوبرا)، ويعدونه من أبطالهم هو شخص فاسد ومرتشٍ.
وصدمة جديدة تمثلت في معرفته أن بعض ضباط الموساد من زملائه يستخدمون صلتهم بالموساد للتأثير على النساء وإغوائهن، كما أن أحدهم استخدم غرفة في مبنى القيادة في تل أبيب تُدعى الحجرة الصامتة (وهي مخصصة للاتصال بالعملاء من جميع أنحاء العالم)، في إقامة علاقة مع إحدى السكرتيرات أثناء العمل. كما أن السكرتيرات دومًا يُخترن على درجة كبيرة من الجمال، ويُطلب منهن في كثير من الأحيان أن يكن «جاهزات للاستعمال»، على حسب قول المؤلف.
أضف إلى ذلك أن زوجات من يدعونهم المقاتلين (وهم أناس من مختلف الفئات في إسرائيل، يعملون بمهن مختلفة أطباء ومهندسين وأكاديميين، يُجندوا للسفر للخارج لخدمة إسرائيل، وقد يغيبون عن إسرائيل لمدة ثلاث أو أربع سنوات)، يكون الكاتسات (ضباط الحالة) هم رابطة الاتصال الوحيدة بينهم وبين عائلاتهم، فيبدأ الأمر بالاتصال بالزوجات من جانب الضباط على نحو أسبوعي، ثم ينتهي بإقامة علاقات مع هؤلاء الزوجات.
وتتجدد المفاجآت عندما أصبح (كاتسا) مكتمل التدريب، وكلف بمهمة في بنما ليكتشف أن رجل الموساد المسئول هناك يتجر في المخدرات لحسابه الشخصي.
حقائق مخيفة
يتكشف لنا بعد ذلك دور الموساد في السياسة الداخلية، وكيف يمكنه القيام بإسقاط رئيس الوزراء مثلما حدث مع إسحاق رابين، الذي لم يكن يحبه الموساد. والدور الذي لعبه الموساد في تأجيج نار الحرب بين العراق وإيران.
ومن خلال كمبيوتر الموساد نتعرف أكثر إلى عمليات قام بها الموساد بها حقائق مخيفة، من بينها الحرب الشعواء بين الموساد ومنظمة التحرير الفلسطينية، والتي يصمها المؤلف طوال الوقت بـ «الإرهاب»، في حين أنه لا يتورع عن الإفصاح بأن الموساد في هذه الحرب، قام بقتل الكثير من الأبرياء دون رحمة، وفي نفس الوقت نعرف براعة الفدائيين الفلسطينيين في خداع الموساد وتكبيده خسائر كبيرة. على سبيل المثال نجد عملية أسماها الموساد (قضية ليلهامر) للتخلص من (الأمير الأحمر) وهو لقب أعطاه الموساد أحد القيادات الفلسطينية، انقلبت هذه العملية إلى فضيحة، فقد فشل الموساد في التخلص منه، وأُرسل ثلاثة من أعضائه إلى السجن، نتيجة لقتلهم نادل بريء اعتقدوا أنه هدفهم.
ويعترف لنا المؤلف أنه ليس من مصلحة الموساد أن يعم السلام في المنطقة، ويرصد لنا جهود ياسر عرفات للتوصل إلى حل سلمي، وألاعيب الموساد وخداعهم حليفهم الأمريكي لإفساد جهود عرفات، في نفس الوقت نلاحظ أنه حاول إلصاق تهم عديدة وغير أخلاقية بعرفات مثل تجارة الحشيش لشراء السلاح، وبالتدقيق في هذا الأمر نجد أنه يورد لنا روايات يناقض بعضها بعضًا.
نعرف أيضًا أن هناك عدة دول تفرض حظرًا على أسلحتها لإسرائيل، لعلمهم أنهم يشترونها مرة ويصنعون مثلها بعد ذلك، وقيام إسرائيل بتدريب رجال الشرطة السرية لأغلب الأنظمة الديكتاتورية الموجودة في العالم، خاصة فيما يتعلق بوسائل الاستجواب والتعذيب، وذلك في العديد من البلدان مثل بعض الدول الأفريقية، وحتى جهاز «السافاك» الإيراني الرهيب.
كما يكشف لنا خداع الموساد لـ CIA وإعطاءه معلومات استخباراتية مُضلِّلة تصب في صالح الموساد وضد مصلحة العرب، ويحاول المؤلف تبرئة الموساد من التجسس على حليفها الأمريكي، ثم يعود فيقول إن هناك وحدة سرية في الموساد تُدعَى (آل) لها نشاط تجسسي كبير في نيويورك وواشنطن، وإن الهدف من التجسس هم العرب والفلسطينيون، والمثير للسخرية أنه يعترف بعد ذلك بأن وحدة (آل) هذه قامت بسرقة مواد بحثية من واحدة من كبرى مؤسسات إنتاج الطائرات الأمريكية.
خاتمة
ونصل إلى خاتمة الكتاب لنرى ما يقوم به جنود إسرائيل من قتل غير مُبرر ونسف لبيوت الأبرياء الفلسطينيين، واعتقال الكثيرين دون محاكمة أو دليل على ارتكابهم أي شيء، وكذلك قتلهم للأطفال دون أي ذنب جنوه باعتراف ضابطهم الصهيوني.
في النهاية هو كتاب يجب أن يُقرَأ بكثير من الحذر، مليء بمعلومات لا يعرفها الكثيرون منا عن طبيعة عدونا وطريقة تفكيره والصورة التي يرسمها عنا. وكذلك عما يدور في قلب واحد من أكثر أعدائنا شراسة وخسة، الموساد الإسرائيلي.
- فيكتور أوستروفسكى كليرهوى، “عن طريق الخداع”، ترجمة” هشام عبد الله وماهر الكيالي وجورج خورى، الطبعة الأولى، لبنان، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1990. ص 101-102.