لهذا صعد منتخب الجزائر إلى الهاوية، فكيف يعود؟
في الثلاثين من يونيو/حزيران من العام 2014 وصل المُنتخب الجزائري لقمة التوهج رغم الخسارة أمام بطل العالم ألمانيا في دور الـ16. المُنتخب الجزائري تعادل في الوقت الأصلي مع ألمانيا سلبيًا، وفي الوقت الإضافي فاز الألمان بهدفين مُقابل هدف وخرج مُحاربو الصحراء مرفوعي الرأس بعد أن قدموا كُل ما لديهم وكسبوا احترام كُل المُنافسين بعد أداء شُجاع أمام أقوى مُنتخبات العالم.
بعدها فُتحت سوق كبيرة للاعبين الجزائريين في أوروبا، ومع تألق أكبر لهم توقع الجميع سيطرة أكبر على الكرة الإفريقية وزيادة الطموح على المستوى الدولي، ولكن ما حدث لم يكُن فقط أقل من الطموح، ولكنه كان العكس تمامًا، انهيار تام وفشل في كل الاختبارات، والنهاية كانت الفشل في الصعود لمونديال روسيا 2018.
رحلة البناء استمرت لأعوام طويلة قبل 2010، ولكن الهدم كان أسرع بكثير رغم كثرة الإمكانيات مُقارنة بما قبل مونديال جنوب إفريقيا، الانحدار كان مسئولية الجميع في الجزائر، ولذلك فإن الترميم سيكون أصعب بكثير.
النجم اليوغوسلافي يضيء الصحراء
يبدو أنه كان يمتلك نصيبًا من اسمه، وحيد حاليلوزيتش المدرب الصربي الرائع كان وحيدًا بالفعل على قمة من دربوا مُنتخب الجزائر، وعلى الرغم من الخروج المُبكر من بطولة الأمم الإفريقية لعام 2013، فإن بداية النجاح كانت وثوق الاتحاد الجزائري في المشروع، وبالفعل حقق حاليلوزيتش النجاح الباهر، فبعد التأهل لمونديال البرازيل 2014 كان الأداء الرائع الذي صعد من خلاله الجزائريون على حساب مُنتخبي روسيا وكوريا الجنوبية، وبكتيبة من اللاعبين الشباب استطاعوا إبهار العالم بمباريات رائعة، والتأهل لأول مرة في تاريخهم لدور ثُمن النهائي، والاصطدام بالعملاق الألماني والوصول معه لوقت إضافي.
أبرز لاعبي المُنتخب كان ياسين براهيمي:
كان ناشطًا حينها بنادي جراندا الإسباني، بالإضافة لنبيل بن طالب الناشئ الذي يلعب بنادي توتنهام الإنجليزي وسفيان فيغولي صانع ألعاب فالنسيا الإسباني، أما البقية فقد كانوا لاعبين محليين أو يلعبون في أندية الدرجة الثانية بدوريات أوروبا، مثل كابتن الفريق مجيد بوقرة ورفيقه رفيق حليش، والصاعد حينها رياض محرز الذي كان يلعب بنادٍ مغمور بدوري الدرجة الثانية الفرنسي يُدعى لوهافر.
التكتكيك وحده لم يكن لينجح تجربة مثل هذه مع لاعبين واعدين، ولكن الحماس الذي ظهر كان خرافيًا، الروح والحب من اللاعبين تجاه المدرب كان هو المحرك لهؤلاء ليحققوا ما يجب أن نصفه بالإنجاز. انتهت مرحلة كأس العالم، وتوقع الكُل استمرار حاليلوزيتش وبالفعل عرضت عليه السُلطات الجزائرية تجديد عقده، ولكنه فضل الرحيل في مُفاجأة لم يكن يتوقع أشد المُتشائمين عواقبها.
طلقة في الرأس
حاليلوزيتش عن أسباب رفضه لرجاء بوتفليقة الرئيس الجزائري نفسه للاستمرار في منصبه.
تلك هي الأسباب التي قالها حاليلوزيتش عندما ودع الجزائريين بالدموع عند رحيله، ولكنها ربما وإلى حد كبير لم تكُن الأسباب الحقيقية للرحيل، ما حدث بعد ذلك قد يؤكد تلك النظرية. الإدارة الجزائرية لكرة القدم بقيادة المُخضرم محمد روراوة بدأت في التخبط والدخول في دائرة مُفرغة من تغيير المُدربين.
الفرنسي جوركوف بديلًا لحاليلوزيتش، والبداية كانت التأهل للدور الثاني من كأس الأمم الإفريقية 2015، ولكن سُرعان ما أُقيل بسبب الانتقادات الموجهة لأسلوب اللعب الذي يجعل المُنتخب عُرضة لتلقي الأهداف، كذلك لإعطائه قوة كُبرى اللاعبين في الملعب وخارجه. بعد رحيل الفرنسي قرر روراوة العودة لشرق أوروبا مرة أُخرى وتعاقد مع المُدرب الأكثر نجاحًا في كأس العالم بالنسبة لمُنتخبات إفريقيا، الصربي ميلوفان رافيياتش الذي كان على وشك لعب نصف النهائي مع الغانيين في كأس العالم 2010 لولا تدخل يد سواريز. الهدف من هذا التعاقد كان الصعود لكأس العالم 2018، واستمرار المشروع الذي بدأه حاليلوزيتش، ولكن البداية كانت غير موفقة تمامًا في تصفيات كأس العالم بالتعادل مع الكاميرون في الجزائر 1-1 وفقدان نقطتين في بداية المشوار.
سُرعان ما أُقيل ميلوفان وسط كثير من التقارير تُنذر بقنبلة في غرف ملابس المنتخب الجزائري قد يُفجرها فيغولي تحديدًا في أي وقت. على جانب آخر كان روراوة يواجه مشاكل عديدة، حيث خسر مركزه في الاتحاد الإفريقي بسبب ولائه لعيسى حياتو، كذلك اتهامه في عديد من قضايا الفساد، الأمر الذي جعله مُشتتًا وغير قادر على التحكم بمقدرات منتخب وصل إلى العالمية على يديه أيضًا. هنا لم يُصبح شيء على ما يُرام في الكرة الجزائرية، لا الإدارة ولا المُدربون، حتى الجماهير ساخطة على الكل، ولكن ماذا حول اللاعبين؟
الفيلم العربي حصريًا
تصريحات حاليلوزيتش بعد فقدان مُنتخب الجزائرة بطاقة التأهل لموسكو 2018.
بعد رافيياتش تعاقد الاتحاد الجزائري مع البلجيكي ليكينز الذي خرج بفضيحة من كأس الأمم الإفريقية 2017 من الدور الأول، ثم الإسباني لوكاس ألكاراز الذي عيُن من قِبل الرئيس الجديد للاتحاد الجزائري خير الدين زطشي الذي نجح دون مُنافسة على المنصب، حيث أعلن روراوة في وقت سابق أنه لن يترشح مرة أُخرى بسبب كثرة الضغوط.
ألكاراز الذي صرح وبعد خسارتين مُتتاليتين أمام زامبيا أنه كان غير مُطالب بالوصول لنهائيات كأس العالم، وهنا تدخل زطشي بأنه غير موافق على تغيير المُدربين باستمرار، وأنه يجب الصبر على المدربين، وعلى الرغم من ذلك أقال ألكاراز ووضع الأسطورة الجزائرية ماجر مدربًا للخُضر.
لم يكُن فيغولي حريصًا على المُنتخب الجزائري بقدر حرصه على مكانه الأساسي الذي فقده في مُباراة الكاميرون الأولى بتصفيات كأس العالم، وعندها وجهت الصحافة الجزائرية كُلها أصابع الاتهام نحو فيغولي بأنه من قاد لاعبي الجزائر للتمرد على المدير الفني، وربما هذا ما قصده حاليلوزيتش بتصريحه المُثير.
فيغولي الذي استبعده ليكينز من كأس الأمم الإفريقية 2017 بتعليمات من روراوة كان بداية القصة التي نعيشها دومًا في الكرة العربية، ومع ذلك وبغيابه وبحضور نجوم لمعوا مثل بن طالب ومحرز وسليماني وهم في قمة مستوياتهم بأوروبا لم يحققوا حتى فوزًا واحدًا بالمونديال الإفريقي، وهذا لا ينفي اتهامات الجزائريين لسفيان، ولكن يضع آخرين معه في القفص.
الفيلم المُتكرر هو شعور اللاعب العربي بالاكتفاء من أقل إنجاز وانعدام طموحه، ورغبته في التمرد سريعًا نظرًا لشعوره بالغرور، فأين مستوى محرز وبراهيمي الآن؟ وأين ذهب مستوى بن طالب الذي كان يراه الجميع متوسط ميدان بمواصفات عالمية؟ وأين يلعب الآن فيغولي نفسه وماذا حقق مع ويستهام؟ رُبما كان ذلك السبب الحقيقي أيضًا لرحيل حاليلوزيتش، وربما كان هذا سبب تعيين ماجر مدربًا للمُنتخب لأنه يعرف كيف يتعامل مع هؤلاء اللاعبين بحكم نجوميته كلاعب وجزائريته، فهل سيُعيد صاحب أشهر كعب في نهائيات دوري أبطال أوروبا المُحاربين لأرض المعركة؟