جثث منتفخة، عيون شاخصة من الإعياء، أفواه يخرج منها زبد أبيض، بقع دماء، أطفال يلفظون أنفاسهم الأخيرة، مسعفون يحاولون إنقاذ حيوات عشرات الأطفال والنساء. كان هذا وصفًا مختصرًا ومخلاً للصور ومقاطع الفيديو المفزعة الواردة إلينا من مدينة دوما المحاصرة من قِبل قوات نظام الأسد وروسيا وتوابعهما، والتي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مع ساعات الصباح الأولى ليوم الأحد الموافق 8 أبريل/ نيسان 2018.


ماذا يحدث في دوما؟

تعد مدينة دوما أحد أهم حواضر منطقة الغوطة الشرقية، وتمتلك موقعًا إستراتيجيًا بسبب قربها الشديد من العاصمة السورية دمشق، إذ تبعد عنها بنحو 14 كيلو مترًا فقط. تبلغ مساحة المدينة نحو 30 مليون متر مربع، ويعيش فيها حاليًا نحو 200 ألف شخص. نجحت قوات المعارضة السورية المسلحة في السيطرة الكاملة على دوما منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2012، ومن حينها والمدينة تخضع لحصارٍ قاسٍ من قبل نظام الأسد وحلفائه.

خريطة الصراع السوري على ضواحي دوما

يسيطر جيش الإسلام بشكل كامل على مدينة دوما. وهو فصيل سوري معارض يتبنى الفكر السلفي الدعوي، ومدعوم من المملكة العربية السعودية. أسس على يد ابن دوما وسجين صيدنايا السابق زهران علوش أواخر 2013. يعد أحد أكبر تجماعات المعارضة السورية العسكرية وأكثرها تنظيمًا، ويتراوح عدد مقاتليه بين 10 و 15 ألف مقاتل، ويمتلك تسليحًا جيدًا.

https://www.youtube.com/watch?v=cnVZllh1r3Q

المعركة على دوما تأتي في إطار المعركة على الغوطة الشرقية، التي قرر النظام السوري وحلفاؤه مطلع العام الجاري أنه قد آن الأوان لـ «تطهيرها من الإرهابيين». وتعد المدينة آخر المعاقل التي لم تنجح قوات الأسد وروسيا في السيطرة عليها بعد أن سيطرت على 90% تقريبًا من مساحة الغوطة الشرقية بالقصف الوحشي تارة وبالتهجير تارة أخرى.

اقرأ أيضًا:«الغوطة الشرقية» تلفظ أنفاسها الأخيرة

كثفت القوات الموالية والمتحالفة مع الأسد قصفها الجوي والصاروخي والمدفعي على دوما مؤخرًا، بهدف إجبار «جيش الإسلام» على الاستسلام وتسليم سلاحه والخروج من المدينة. وفي هذا الإطار قُصفت ملاجئ المدنيين بدوما، مساء السبت الماضي، بالغازات السامة ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 70 شخصًا، وإصابة مئات آخرين بالاختناق أغلبهم من النساء والأطفال، بحسب مجموعة الخوذ البيضاء للإغاثة.

رد النظام السوري على أصابع الاتهام الموجهة إليه بالقول إنه «ليس بحاجة إلى استخدام أي نوع من المواد الكيميائية»، واتهم وسائل الإعلام المعارضة بتلفيق تقارير عن هجوم كيماوي بهدف إعاقة تقدم القوات الحكومية في الغوطة الشرقية.


ليست المرة الأولى

استخدمت الأسلحة الكيماوية في سوريا أكثر من مرة منذ اندلاع الثورة عام 2011، وفي كل مرة كان نظام الأسد هو المتهم الأول، وفي أغلب المرات أدين النظام وفق تقارير دولية. شهد يوم 21 من أغسطس/ آب 2013 أول رصد لاستخدام الأسلحة الكيماوية في الحرب السورية، إذ وقع هجوم كيماوي كبير في منطقة الغوطة الشرقية، أدى إلى مقتل 1400 شخص. وصدر تقرير عن الأمم المتحدة اتهم الحكومة السورية باستخدام الغازات السامة على نطاق واسع في غوطة دمشق.

وفي العام 2015، وقعت ثلاث هجمات بالأسلحة الكيماوية شمال غرب محافظة إدلب. اتهمت الأمم المتحدة في تقارير لها نظام الأسد بإلقاء براميل تحوي غاز الكلور على المنطقة، كما اتهمت أيضًا تنظيم الدولة الإسلامية باستخدام غاز الخردل.

ووقع هجوم كيماوي آخر قبل عام، تحديدًا في 3 أبريل/ نيسان 2017. إذ قصفت طائرات سورية مخزنًا للذخيرة في بلدة خان شيخون في محافظة إدلب، وقتل العشرات وأصيب آخرون بتسمم واختناق بسبب الغازات. ووجهت أصابع الاتهام للحكومة السورية من أكثر من طرف دولي بتنفيذ هجوم كيماوي، وهو ما نفته دمشق وموسكو، اللتان اتهمتا المعارضة المسلحة بتخزين أسلحة كيماوية في مخزن الأسلحة الذي تعرض للقصف، مما أدى إلى انفجار المواد الكيماوية وانتشار الغازات في الأجواء.

اقرأ أيضًا:أدلة جديدة تدين النظام السوري باستخدام الكيماوي [تحقيق مترجم]


ردود الفعل الدولية

لم تتجاوز ردود الفعل الدولية إلى الآن الإدانة واتهام نظام الأسد. كان من أبرز هذه الردود الكلمات التي غرد بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبر موقع تويتر، والتي وصف فيها صف الرئيس السوري بشار الأسد بأنه «حيوان»، محملًا الرئيس بوتين وروسيا وإيران مسؤولية ما يحدث بسبب دعمهم للأسد. كما طالب بفتح الغوطة الشرقية فورًا لإيصال المساعدات الطبية والتأكد مما حصل.

كما وجه ترامب لومًا إلى الرئيس السابق باراك أوباما لعدم تدخله العسكري في سوريا منذ المرة الأولى التي استُخدمت فيها الأسلحة الكيماوية، قائلًا: «لو أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما حافظ على الخطوط الحمراء التي رسمها لانتهت الكارثة السورية منذ وقت طويل، ولكان الحيوان الأسد من الماضي».

وفي إطار رد الفعل الأمريكي،لا يستبعد مستشار الأمن الداخلي في البيت الأبيض توم بوسيرت، احتمال توجيه ضربة عسكرية إلى النظام السوري، وفقًا لما ذكره لمحطة إيه بي سي التلفزيونية.

وعبرت فرنسا، على لسان وزير خارجيتها جون إيف لودريان، عن قلقها من المعلومات التي تم تداولها عن استخدام أسلحة كيماوية، وسخطها من المعلومات والصور التي تداولتها وسائل الإعلام بناء على شهود عيان. فيما ينتظر البعض أن ينفذ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تهديده ويوجه ضربة عسكرية للنظام بسبب استخدامه الأسلحة الكيميائية.

وقالت وزارة الخارجية الروسية إن تقارير هجوم كيماوي من قبل قوات الحكومة السورية على دوما خلقت من أجل إيجاد ذريعة لتدخل عسكري محتمل في سوريا. وأن «الغرض من هذه الفبركات الكاذبة التي لا أساس لها، هو حماية الإرهابيين والمعارضة المتشددة التي لا يمكن التوفيق بينها والتي ترفض تسوية سياسية بينما تحاول في الوقت نفسه تبرير احتمال الاستعانة بقوى خارجية».

ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعًا طارئًا، اليوم الإثنين، لمناقشة قضية الهجوم الكيماوي على مدينة دوما، وفقًا لما أعلنته سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي. لكن من غير المتوقع أن تسفر هذه الخطوة عن شيء بسبب «الفيتو» الروسي الحاضر دائمًا لحماية الأسد.


هل تنجح إستراتيجية الأسد في دوما؟

لا يستبعد مستشار الأمن الداخلي في البيت الأبيض توم بوسيرت، احتمال توجيه ضربة عسكرية إلى النظام السوري.

إذا كان الأسد يسعى من وراء هجماته على دوما، إلى الضغط على جيش الإسلام وسكان المدينة للاستسلام والقبول بالتهجير إلى مناطق المعارضة الأخرى، فإنه نجح في ذلك. فبعد ساعات من الهجوم الكيماوي طلب مسلحو «جيش الإسلام» من الروس والنظام التفاوض مجددًا على شروط الخروج من دوما،بحسب وكالة الأنباء السورية «سانا».

ورصد المرصد السوري لحقوق الإنسان، مساء أمس الأحد، بدء خروج الحافلات من مدينة دوما، والتي تحمل على متنها المئات من المختطفين والأسرى لدى جيش الإسلام، ومن مقاتلي الأخير وعوائلهم، في إطار تنفيذ اتفاق نهائي أبرمه الروس والنظام من جهة، وجيش الإسلام من جهة أخرى، أفضى إلى إعادة إحياء الاتفاق القديم بين الطرفين، إذ يقوم على الإفراج عن المختطفين والأسرى لدى جيش الإسلام والذي يبلغ تعدادهم الآلاف، ومغادرة كل الرافضين للاتفاق إلى الشمال السوري.