محتوى مترجم
المصدر
aeon
التاريخ
2017/05/27
الكاتب
محمد أورانغزب أحمد

هل تعتقد أن الرجال غير المرئيين، السفر في الوقت، آلات الطيران والرحلات إلى الكواكب الأخرى هي نتاج الخيال الأوروبي أو الغربي؟ افتح «ألف ليلة وليلة» – مجموعة من الحكايات الشعبية التي جمعت خلال العصر الذهبي الإسلامي من القرن الثامن إلى القرن الثالث عشر الميلادي – وستجدها محشوة بهذه الحكايات، وأكثر من ذلك.

غالباً ما يغفل القراء الغربيون الخيال التأملي في العالم الإسلامي، وقد قصدت هنا استخدام هذا المصطلح بتوسع للأخذ في الاعتبار أي قصة تتخيل آثار التقدم الثقافي أو العلمي الحقيقي أو المتخيل. وكان من أوائل إنجازات استخدام هذا النوع من الخيال هي اليوتوبيا التي كانت حلما خلال الازدهار الثقافي الذي زامن العصر الإسلامي الذهبي.

يعود الفضل للعالم الإسلامي في إنتاج واحد من أوائل الأعمال في الخيال العلمي النسوي، وهي القصة القصيرة «حلم سلطانة» عام 1905 والتي كتبتها «رقية السخوات حسين»

ومع توسع الإمبراطورية الإسلامية من شبه الجزيرة العربية وضم الأراضي الممتدة من الأندلس إلى الهند، اهتم الأدب بكيفية دمج هذه المجموعات المتباينة من الثقافات والبشر، فولدت المدينة الفاضلة التي كتبها «الفارابي» في القرن التاسع، وقد كانت من أقدم النصوص العظيمة التي تنتجها الحضارة الإسلامية الوليدة، وقد كانت مدينة الفارابي الفاضلة محاكاة ليوتوبيا أفلاطون كتصور لمجتمع مثالي يحكمه الفلاسفة المسلمون، أو نموذج لما يجب أن تكون عليه الحكومة الإسلامية.

بالإضافة إلى الفلسفة السياسية، كان الاهتمام بالنقاش حول قيمة العقل سمة مميزة للكتابة الإسلامية في هذا الوقت، وقد كانت أول رواية عربية عن الفيلسوف الذي يعلم نفسه بنفسه؛ «حي بن يقظان»، من تأليف «ابن طفيل» وهو طبيب أندلسي مسلم في القرن الثاني عشر، كانت الرواية تشبه «روبنسون كروزو» في نسخته العربية.

ويمكن فهمها على أنها تجربة عن كيف بإمكان كائن عاقل أن يتعاطى مع الكون من حوله دون أي تأثير خارجي، وهي عن طفل وحيد يربيه غزال في جزيرة منعزلة لا يعرف شيئا عن الثقافة الإنسانية ولا عن الدين إلى أن يقابل إنسانا تائها. يتضمن الكتاب الكثير من التيمات كالطبيعة البشرية، التجريب، معنى الحياة، دور الفرد في المجتمع، المحاكاة، وهي الأمور التي شغلت الفلاسفة لاحقا في عصر التنوير بما فيهم «جون لوك»، و«إيمانويل كانط».

اقرأ أيضًا:مبادرات الخيال العلمي العربي

يعود الفضل أيضا للعالم الإسلامي في إنتاج واحد من أوائل الأعمال في الخيال العلمي النسوي، وهي القصة القصيرة «حلم سلطانة» عام 1905، والتي كتبتها «رقية السخوات حسين»، كاتبة وناشطة بنغالية، وتدور الرواية في مملكة أسطورية تسمى أرض النساء، تنقلب فيه الأدوار الجندرية وتقود النساء فيه العالم، نتيجة لثورة تقوم بها النساء مستخدمات براعتهن العلمية ليتفوقن على الرجال (كان الرجال بحماقة قد ألغوا تعليم النساء في قرار انفعالي)، وكنتيجة لتلك الثورة أصبح العالم أكثر سلاما وإمتاعا مما كان، وفي لقطة من القصة ترى السلطانة الزائرة لتلك الأرض الخيالية الناس يضحكون منها فتوضح لها دليلتها:

تقول النساء إنك تبدين مسترجلة جدا مسترجلة؟ ماذا يقصدون بذلك؟
يقصدون أنك خجولة ومترددة كالرجال.

لاحقا تصبح السلطانة أكثر فضولا ناحية هذا العالم غير المتوازن:

أين الرجال؟ في أماكنهم المخصصة حيث يجب أن يكونوا اسمحي لي أن أسأل ماذا تعنين بأماكنهم المخصصة؟
هذا خطئي فأنت لا يمكن أن تعرفي عاداتنا كونك لم تكوني هنا من قبل، نحن نبقي رجالنا في الداخل.

في بدايات القرن العشرين ظهر الخيال التأملي في العالم الإسلامي كشكل من أشكال المقاومة لقوى الاستعمار الغربي، فعلى سبيل المثال كتب «محمد بيلو كاجارا»، وهو مؤلف نيجيري من قبائل الهوسا، رواية «جانوكي» عام 1934، وهي رواية تدور في غرب أفريقيا البديلة، حيث يقاوم السكان الأصليون الاستعمار البريطاني ولكن في عالم يعج بالجن والمخلوقات الأسطورية الأخرى.

في العقود التالية وعندما بدأت الإمبراطوريات الغربية في الانهيار كانت تيمة اليوتوبيا السياسية غالبا ما يتم تناولها بسخرية، فمثلا رواية «إكسير الحياة» للكاتب المغربي «محمد عزيز لحبابي» كانت تحكي عن اكتشاف إكسير يمنح الخلود، ولكن بدلا من أن يكون ذلك سببا في أن يسود المجتمع الأمل والفرح فإنه تسبب في الانقسامات الطبقية وأعمال الشغب وتدمير النسيج الاجتماعي.

وقد ظهر نوع أكثر قتامة من الخيال في الوقت الحالي من العالم الإسلامي أيضا، ففي رواية «أحمد سعداوي»، «فرانكنشتاين في بغداد» التي صدرت عام 2013 ويعيد فيها تصور وحش فرانكنشتاين في العراق الحديث من بعد غزو 2001، والتي يتم فيها تجميع وحش فرانكنشتاين من أجزاء مختلفة من أجساد ناس لقوا حتفهم بسبب العنف العرقي والديني، وتناقش الرواية كيف غاب الإحساس بالحرب وأصبح عادياً موت الأبرياء.

غالبا ما يتم ربط الخيال التأملي مع الرومانسية الأوروبية وتفسيره كرد فعل للثورة الصناعية، لكن البحث في التاريخ الأدبي يؤكد أن له جذورا أوثق بالتراث الإسلامي

في الإمارات العربية المتحدة تتبعت «نورا النعمان» في روايتها «أجوان» المنشورة عام 2012 رحلة فتاة فضائية شابة تكافح لاستعادة طفلها المخطوف عبر الأكوان، وقد تم تحويل الرواية إلى مسلسل تليفزيوني، وتتماس الرواية مع مواضيع سياسية كاللاجئين والحزبية السياسية. في المملكة العربية السعودية ولأول مرة تصدر رواية خيال علمي من تأليف «إبراهيم عباس»، و«ياسر بهجت» بعنوان «هوجن» عام 2013، وفيها يناقشان العلاقات بين الجنسين والتعصب الديني والجهل، ويقدمان تفسيرا طبيعيا لوجود الجن الذين يعيشون في بعد مواز.

أما رواية الكاتب المصري «أحمد خالد توفيق» القاتمة «يوتوبيا» الصادرة عام 2008 فإنها تدور في عام 2023 بعد الانهيار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد حيث تتراجع نخبة المجتمع ويقيمون في مدينة مسورة منعزلين عن باقي الرعاع. أما الكاتبة «نسمة عبد العزيز» فإنها تقتحم العالم الكافكاوي في روايتها «الطابور» الصادرة في 2016، والتي تدور فيما بعد الربيع العربي، حيث انتفاضة فاشلة يكافح فيها المواطنون المعوزون تحت حكم غاشم لديكتاتور شرير.

غالبا ما يتم ربط الخيال التأملي مع الرومانسية الأوروبية، ويتم تفسيره كرد فعل للثورة الصناعية، ولكن إذا كانت كل هذه الخطوات والمساعي في التراث الإسلامي توضح أي شيء فإنها توضح أن التأمل والخيال والتقنيات الفانتازية والتخيلات عن اليوتوبيا المجتمعية ورسم الحدود الوهمية بين العقل والآلة والحيوان، كل هذه الأشياء لم تكن حكرا على الغرب.

Aeon counter – do not remove