هكذا تنهض الدول اقتصاديًا: صناعة الملابس في إثيوبيا
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
تحاول الصين البدء في الاعتماد على أسلوب التعهيد، وهو الاستعانة بجهة خارجية لتصنيع المنتجات لتوفير الوقت أو المال أو الجهد، لتتحول من متعهد للتصنيع إلى حلقة وسيطة، وبدأت الصين أولى تجاربها في ذلك المجال بالاستعانة بإثيوبيا، وضخت بها استثمارات تُقدر بحوالي 10 مليارات دولار أمريكي، رغم المخاوف باحتمالية نشوب حرب أهلية في البلاد قد تجهض المشروع برمته، وساعدت الصين في بناء خط سكة حديدية بطول 450 ميلًا بين العاصمة أديس أبابا وجيبوتي لنقل المصنوعات بتكلفة تبلغ 3.4 مليار دولار أمريكي، وافُتتح الخط في يناير/كانون الثاني الماضي أمام المسافرين، إلا أن قطارات نقل البضائع لن تبدأ في العمل إلا بعد هدوء التوترات السياسية.
وتعتزم الحكومة الإثيوبية تحويل مناطق زراعية إلى مجمعات صناعية ضخمة، خاصة في مجال صناعة المنسوجات والملابس الجاهزة، مثل مجمع أواسا الصناعي، الذي تعمل به الآن شركات ومصانع صينية وهندية، والذي تحول من قطعة أرض زراعية إلى مجمع صناعي في 9 أشهر، بالاستعانة بشركات إنشاءات حكومية صينية.
وتعتبر تلك الخطوة نقلة نوعية في صناعة الملابس العالمية، وتاريخ إثيوبيا أيضاً، إذ ستتحول البلاد إلى حلقة من حلقات تصنيع الملابس الجاهزة خاصة ما يُعرف بـ «الموضة السريعة»، وتحاول الحكومة استقطاب تلك الاستثمارات عن طريق تقديم محفزات ضريبية، ووعود بفرص استثمارية في البنية التحتية، والاعتماد على العمالة الرخيصة جداً، ولذلك تحولت الدول التي كانت تصنع الملابس لصالح الدول الغربية، مثل الصين وسريلانكا، إلى حلقات وسيطة تضع اللمسات الأخيرة على المنتجات.
ومنذ عام 2014، افتتحت إثيوبيا أربعة مجمعات صناعية ضخمة مملوكة للقطاع العام، وتخطط لافتتاح ثمانية مجمعات أخرى قبل عام 2020، وتعفي الحكومة أصحاب المصانع في هذه المجمعات من ضريبة الدخل لمدة خمس سنوات، كما تعفيهم من الضرائب والجمارك على استيراد السلع الرأسمالية ولوازم الإنشاءات، واستطاعت إثيوبيا تحمل تلك الإعفاءات الضخمة بفضل التمويل الصيني، إذ منحت الصين إثيوبيا قروضاً تبلغ 10.7 مليار دولار أمريكي في الفترة بين عامي 2010 و2015، وتنفق هذه الأموال حالياً على عقود مغرية للشركات الصينية التي تبني السدود والطرق وشبكات الهواتف المحمولة، مستعينة بعمالة إثيوبية، وستتيح هذه البنية التحتية للبلاد الدخول ضمن قائمة الدول ذات الدخل المتوسط، وستخلق مليوني وظيفة جديدة في قطاع التصنيع بنهاية عام 2025، وتتحول من الاعتماد على الزراعة لتصبح اقتصاداً صناعياً.
ومع ذلك، يطل شبح الحرب الأهلية على البلاد، إذ تعاني إثيوبيا من انقسامات إثنية خطيرة، فقومية الأورومو، التي تمثل أكبر جماعة إثنية في إثيوبيا، تنظم تظاهرات ضخمة منذ عام 2015 للتنديد بمظالم كثيرة، أهمها مصادرة الحكومة للأراضي الزراعية من الفلاحين لبناء المصانع عليها، وتسيطر الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية على مقاليد الحكم، وتتحكم في جميع مقاعد البرلمان، مدعية أنها تمثل جميع طوائف وقوميات الشعب الإثيوبي التي تزيد على 70 جماعة إثنية، ولكن قومية التيغراي، التي تمثل 6% فقط من السكان، تستحوذ على النصيب الأكبر من السلطة والمناصب في الجبهة.
وخلال سنوات من الاضطراب، قُتل المئات من الأورومو، وحُرقت المصانع، وسُجن الآلاف من المعارضين. وفي منتصف فبراير/شباط الماضي، أعلنت الحكومة الإثيوبية بشكل مفاجئ إطلاق سراح المئات من السجناء السياسيين، في مسعى منها للحد من ثورة الأورومو، وتهدئة مخاوف المستثمرين الذين تعتمد عليهم عملية التحول الاقتصادي، كما أعلن رئيس الوزراء «هايله مريم ديساليغنه» استقالته، مُصرحاً بأنها كانت ضرورية للقيام بالإصلاحات التي ستؤدي إلى استدامة السلام والديمقراطية في البلاد.
لم تؤثر هذه المظاهرات الحاشدة على المجمع الصناعي في أواسا، إذ تتركز تلك الفعاليات بالقرب من العاصمة أديس أبابا، كما أن أغلب المزارعين الذين صودرت أراضيهم لإقامة هذا المجمع الصناعي ينتمون إلى أقلية السيداما، وهي أقلية ليست ذات وزن سياسي كبير، إلا أن ادعاءاتهم باستيلاء الحكومة على أراضيهم تطابق ادعاءات الأورومو.
ومن ناحية أخرى، فإن العديد من المستثمرين في المجمع الصناعي يشتكون من كفاءة العاملين الإثيوبيين المنخفضة مقارنة بنظرائهم في دول الشرق، خاصة في سريلانكا والهند، ويحاول المستثمرون تعويض ذلك بإدخال العمال في برامج تأهيلية لا تشمل فقط الجانب الحرفي، وإنما تركز أيضاً على النظافة والهندام والسلوكيات الشخصية، إلا أن العمال يقاومون هذه التغيرات بشدة، كما أن المستثمرين يطالبون العاملين بالوصول إلى مستويات نظرائهم الشرقيين في معدلات الإنتاج، دون الحصول على التدريب المطلوب، مما يؤدي إلى تراجع معدلات الإنتاج بشدة، كما يعاني المستثمرون من صعوبات في النقل إلى الموانئ، وبطء الجمارك ونقاط التفتيش واعتمادها على المعاملات الورقية، وعدم وجود صناعات تكميلية محلية، مما يضطر المستثمرين إلى استيراد كل لوازم التصنيع من الخارج.
وعلى الجانب الإنساني، يقبع المستثمرون تحت ضغوط حملة الملابس النظيفة Clean Clothes Campaign التي أطلقتها مؤسسة هيومان رايتس ووتش بالتعاون مع مؤسسات حقوقية أخرى، وذلك لمطالبة 72 شركة ملابس كبرى بتوقيع «تعهد بالشفافية» للإفصاح عن الجهات التي تعهد إليها تلك الشركات الكبرى بتصنيع منتجاتها للتأكد من مطابقتها لمعايير السلامة وحقوق الإنسان، خاصة بعد حادثة انهيار مصنع رنا بلازا في بنجلاديش، والذي أدى إلى مصرع 1100 عامل، ولم يوافق على الامتثال الكامل للتعهد سوى 17 شركة فقط، بينما وافق آخرون بالامتثال جزئياً بالإفصاح. ولكن هيومان رايتس ووتش لا تملك مقراً في إثيوبيا، كما حظر قانون صدر عام 2009 جماعات الضغط غير الحكومية بالعمل في البلاد، إلا إذا كانت مصادر تمويلها تأتي من داخل البلاد بنسبة 90% على الأقل.
وعلى الجانب الآخر، ترى الحكومة أن التحول إلى التصنيع سيفيد البلاد، وسينتشل الشعب الإثيوبي من الفقر، وسيتيح الفرصة للجيل القادم لتحسين أوضاعه، ويُشبّه أحد المستثمرين التحديات التي تواجهها إثيوبيا الآن بالتحديات التي واجهتها الصين في أواخر الثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضي، خاصة العمالة غير المدربة والحاجة إلى رفع معدلات الإنتاج، وتهدف الحكومة من خلال بناء مجمعات صناعية بعيدة عن العاصمة، مثل مجمع أواسا الصناعي، إلى توزيع عائدات التحول الاقتصادي وفرص العمل على قطاعات مختلفة من الشعب، كما تسعى الحكومة، بمساعدة البنك الدولي إلى تحسين التنافسية الإثيوبية، من خلال ربط المناطق الصناعية بالاقتصاد المحلي، ودعم الصناعات التكميلية الداخلية، وتحسين المبيعات ورفع معدلات التوظيف.