الحرب العالمية الثالثة: لا تخافوا ولكن كونوا مرعوبين
كيف تقوم حرب عالمية؟
لنأخذ الحرب العالمية الثانية مثالاً. بحلول عام 1939، كان الديكتاتور الألماني أدولف هتلر مُصمماً على غزو بولندا وضمها إلى الرايخ الثالث. وكان لدى بولندا ضمانات بدعم عسكري فرنسي وبريطاني في حال تعرضها للهجوم من قِبل ألمانيا. لكن قبل اقتحام الجيش الألماني الحدود البولندية كان على هتلر تحييد الاتحاد السوفيتي، إذ هناك احتمال أن يقاوم الاتحاد السوفيتي غزو جارته الغربية الضعيفة. أدت المفاوضات السرية في 23-24 أغسطس/آب 1939 إلى توقيع مُعاهدة عدم الاعتداء الألمانية السوفيتية في موسكو. وفي بروتوكول سري من هذه المُعاهدة، وافق الألمان والسوفييت على تقسيم بولندا بينهم.
ذُهلت أوروبا حتى دون الكشف عن البروتوكول السري. الآن يُمكن لألمانيا أن تُهاجم بولندا، كان من المفترض أن يبدأ الغزو في 26 أغسطس/آب 1939، لكن شيئاً ما عطل الهجوم.
قبل موعد الحرب بيوم واحد، وقَّعت بريطانيا وبولندا على معاهدة رسمية لتبادل المساعدة بينهما (لتحل محل اتفاقية سابقة وإن كانت مؤقتة). وأخيراً، في ظهيرة يوم 31 أغسطس/آب 1939، أمر هتلر ببدء الأعمال العدائية ضد بولندا في الساعة 4:45 من صباح اليوم التالي، وهو ما تم بالفعل. رداً على الهجوم، أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا في 3 سبتمبر، في الساعة 11:00 صباحاً وفي الساعة 5:00 مساءً، على التوالي. وهكذا بدأت الحرب العالمية الثانية.
إذن بدأت الحرب بدولتين فقط؛ ألمانيا وبولندا، وانتهت بمشاركة أكثر من ثلاثين دولة في جدول أعمال الحرب، خلال الأعوام 1939-1945 كان المحاربون الرئيسيون هم قوى المحور، ألمانيا وإيطاليا واليابان، والحلفاء، فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، والصين بدرجة أقل.
اليوم، هل تظن أن الحرب العالمية الثالثة ستبدأ بمن: أمريكا والصين، أم إيران وأمريكا، أم إيران وإسرائيل، أم مصر وتركيا؟
وهنا نعود لتصريح قديم لمسئول حكومي صيني عام 1981، حيث ذكر أن الحرب بين القوى العظمى «أمر لا مفر منه»، وقد تبدأ الدول الأقل بالحرب وينجر إليها الجميع.
لا تتعجل، الحرب ليست كالألعاب النارية
في يوميات الحرب العالمية الثانية، قُتل بصورة عامة حوالي 27.000 شخص يوميًّا بين الأول من سبتمبر/أيلول 1939 حتى استسلام اليابان الرسمي في 2 سبتمبر/أيلول 1945.
في غارات الحلفاء الجوية على ألمانيا قُتل حوالي 410.000 مدني ألماني. وبين يوليو/تموز 1944 ويناير/كانون الثاني 1945، قُتل ما معدله 13.536 شخص شهريًّا. وخلال هجوم واحد نُفِّذ في الليل، بدأ في الأول من فبراير/شباط 1945 واستمر ثلاثة عشر يوماً، قُتل أكثر من 20.000 مدني في درسدن، وفقدت مدينة نوردهاوزن حوالي 20% من سكانها في هجوم ليلة واحدة في مايو/آيار 1945.
وفي يوليو/تموز 1943، في ليلة واحدة فقط في هامبورغ، لقي 45.000 شخص حتفهم جراء قصف الحلفاء. وفي هانوفر، فقد حوالي 250.000 شخص منازلهم في الهجوم الليلي من 8 إلى 9 أكتوبر/تشرين الأول 1943. وخلال ذلك الوقت أحصت برلين حوالي 400.000 شخص بلا مأوى، وفي مارس/آذار 1944 وصل عددهم إلى حوالي مليون ونصف.
حتى سكان القرى الصغيرة لم يكن لديهم شعور بالأمان وتعرضوا للهجوم أيضاً، إما عن طريق الصدفة، كبدائل لهدف آخر، أو بسبب الصناعة المحلية، كما في حالة Deutsche Gasolin AG، وهي مصفاة لتكرير النفط في قرية Dollbergen، الواقعة على بعد حوالي 30 كم شرق هانوفر، مع عدد سكان حوالي 1400 نسمة فقط.
هل كان الحُلفاء يعاقبون الشعب الألماني؟
السبب المُعلن هو إضعاف معنويات السكان وهز أسس النظام. كانوا يطمحون أيضاً إلى حدوث تمرد واضطرابات مدنية وانتفاضة عامة ضد النظام النازي، وعلى الرغم من أن القادة الألمان كانوا يتوقعون مثل هذه الاضطرابات، فإنها لم تحدث قط.
في عام 2003 نشر «يورج فريدريش»، أحد أشهر المؤرخين الألمان، كتاباً اعتبر فيه أن حملة سلاح الجو الملكي البريطاني ضد ألمانيا خلال الأشهر الأخيرة من الحرب لم تخدم أي غرض عسكري، بل إن قرار ونستون تشرشل – رئيس وزراء بريطانيا حينئذ – بإسقاط المزيد من القنابل على ألمانيا المُدمَرة بين يناير/كانون الثاني ومايو/آيار 1945، ومعظمها في بلدات ألمانية صغيرة ذات قيمة استراتيجية ضئيلة، كان جريمة حرب.
لا توجد إحصائية دقيقة لعدد قتلى وجرحى الحرب العالمية الثانية، في الاتحاد السوفيتي وحده – صاحب الفاتورة الأعلى – قُتل حوالى 24 مليون إنسان، وفي الصين قُتل حوالى 20 مليون إنسان، أمَّا ألمانيا التي أوقدت الحرب فقد خسرت ما يُقارب ثمانية ملايين إنسان.
أما الخسائر الماديَّة، فقد دُمرت دول بأكملها، كألمانيا، واستقبلت اليابان قُنبلتين نوويتين، وظلت مدينتا هيروشيما ونجازاكى تُعانيان من آثار الإشعاع النووي لعقود.
خسائر البشرية حال قيام حرب عالمية ثالثة
ذكر كينان عام 1981: «السنوات العشر القادمة خطيرة للغاية، إنها مخيفة، يجب ألا ننسى هذه الحقيقة أبداً».
أول الهجمات الكبيرة في الحرب العالمية الثانية قامت بها طائرات ألمانية خلال سيطرتها على دول مثل الدنمارك وبولندا وهولندا. وأسقطت الطائرات الألمانية آلاف القنابل على بريطانيا لأكثر من ثلاثة أشهر متتالية خلال معركة تدمير سلاح الجو الملكي البريطاني.
في المحيط الهادئ، كان أول هجوم كبير عندما قصفت الطائرات اليابانية ميناء بيرل هاربر الأمريكي عام 1941. وفي وقت لاحق، لعبت الطائرات أدواراً رئيسية في معارك بحر المرجان، ومعركة ميدواي، ومعركة جوادالكانال. وكانت الضربة الأخيرة في الحرب عندما ألقت طائرات أمريكية قنابل ذرية على مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين.
في الحرب العالمية الثانية، استخدم المتحاربون ثلاثة أنواع من الطائرات:
1. الطائرات المقاتلة Fighter Aircraft: وصُمِّمت للقتال الجوي، فهي سريعة ورشيقة، واستخدمت لكسب التفوق الجوي على أرض المعركة.
2. الطائرات القاذفة أو القاذفات Bomber: وهي الطائرات الأكبر، وصُمِّمت لحمل وإسقاط القنابل على أهداف العدو. كانت هناك أحجام مختلفة من الطائرات القاذفة، الخفيفة والمتوسطة والثقيلة. وحيث إن القاذفات تكون طائرات ثقيلة لا تستطيع المناورة في الجو، فكانت تُقلع في حماية طائرات مُقاتلة، كما استُخدمت الطائرات المُقاتلة لإسقاط القاذفات قبل الوصول لأهدافها.
3. طائرات النقل Transport Planes: حملت الجنود والإمدادات إلى مناطق مختلفة حول العالم. العديد من هذه الطائرات كانت طائرات مدنية وطائرات ركاب كُيِّفت لتستخدمها القوات الجوية.
أثناء الحرب العالمية الثانية حملت الطائرات المقاتلة مدافع رشاشة ومدافع مثبتة في الأجنحة. وأثناء الحرب خرج البريطانيون والألمان والأمريكيون جميعاً بنماذج أولية للطائرات النفاثة. طُوِّرت جميعاً بعد الحرب.
أمَّا الطائرات المقاتلة الحديثة فمُسلَّحة بمدافع رشاشة ومدافع وصواريخ وقذائف موجهة، ويمكن للعديد من الطيارين المقاتلين مهاجمة الأعداء من مسافة بعيدة، حتى قبل رؤيتهم. وتملك الطائرات الحديثة أجهزة كمبيوتر وتكنولوجيا التخفي. وتستطيع الطيران بسرعات تفوق سرعة الصوت، ولديها قدرات مناورة مُدهشة. وبعض الطائرات المقاتلة الحديثة قادرة على حمل الأسلحة النووية وراء خطوط العدو. أما مهام المقاتلات فما زالت كما هي، حراسة القاذفات أو الطائرات الأخرى، والقتال الجوي، ودعم القوات البرية.
حسناً بعد هذه المقارنة البسيطة بين إمكانيات الطائرات أثناء الحرب العالمية الثانية وإمكانيات الطائرات الآن. لنفترض أنك دخلت آلة زمن وعدت إلى يوليو/تموز 1943، لتكون شاهداً على تلك الليلة المأساوية في هامبورغ حيث الجُثث في كل ناحية، 45.000 إنسان قتلتهم طائرات الحُلفاء الليلة فقط. عد إلى آلة الزمن واضغط على زر السفر إلى المُستقبل، اذهب مُباشرةً إلى الحرب العالمية الثالثة، لتكون شاهداً على غارة ليلية على مدينة، إن مُجرد تخيل الصواريخ والقنابل الحديثة وهي ترش المدينة من السماء والحرائق تُحوِّل الليل إلى نهار، إنه حقاً مُرعب، حسناً أنت محظوظ لأن القصف لم يكن بالقنابل النووية، حتى وإن كنت بعيداً أنت محظوظ أنك لم تستنشق الغبار النووي.
الجحيم النووي
هل شاهدت مُسلسل تشرنوبل؟ تسرب نووي صغير أثار كل هذا الذعر، فما بالنا إذا أُلقيت قنبلة نووية، أو إذا تبادلت دولتان نوويتان تراشق مئات القنابل النووية، إن الأمر يتجاوز الرعب، وكأن شخصاً ما فتح أبواب الجحيم فجأة.
اليوم تمتلك تسع دول في العالم ما مجموعه 13.860 سلاحاً نووياً وفى تقارير أخرى 16.300. الولايات المتحدة وروسيا تمثل 92% منهم. وصل الأمر إلى الذروة في منتصف الثمانينيات ثم بدأ في التراجع، والآن تقلصت الترسانات العالمية بأكثر من ثلاثة أرباع.
في عام 1954 اختبرت الولايات المتحدة قنبلة هيدروجينية في «جزيرة بكيني» المرجانية ضمن جزر مارشال، وكانت قوتها أكثر بألف مرة من قوة القنبلة الذرية التي أُطلقت على هيروشيما في العام 1945، كما أنتجت بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين قنابل هيدروجينية.
القنبلة النووية تعتمد في قوة انفجارها على شطر ذرات كبيرة الحجم مثل ذرة البلوتونيوم وتحويلها إلى ذرات أصغر حجماً، أما القنبلة الهيدروجينية فتعمل بآلية معاكسة، حيث تقوم على دمج الذرات الصغيرة.
ويكفي القول إنه في 3 سبتمبر/أيلول 2017 أعلنت كوريا الشمالية عن تجربتها لقنبلة هيدروجينية شمال البلاد، وهو ما رصدته الوكالة الجيولوجية الأمريكية قائلة: إن ذلك تسبب في هزة أرضية قوتها 6.3 درجة على مقياس ريختر، وقد شعر بها سكان المنطقة الحدودية في الصين.
يقول البروفيسور «سو هون يول» من جامعة سول: «إن الدمار الذي تسببه القنبلة الهيدروجينية يفوق خيالنا».
ماذا لو استعملت كوريا الشمالية قنبلة هيدروجينية؟
بكل هذه الأسلحة المرعبة إن حرباً عالمية ثالثة تعني ببساطة نهاية العالم والبشرية.