لعبة الاقتصاد: أشياء تتحكم في كرة القدم ولا يعرفها الجمهور
في ذروة أزمة الرهن العقاري عام 2008 انهار البنك الاستثماري ليمان براذرز، الذي كان يعمل به 26000 شخص في جميع أنحاء العالم. قبل عام واحد من هذا الانهيار بلغت أرباح البنك 59 مليار دولار.
حقق مانشستر يونايتد في عام 2007 دخلًا قدره 400 مليون دولار وأرباح 120 مليون دولار وإذا افترضنا فكرة تداول أسهم النادي في سوق المال لكان من المحتمل أن تكون قيمته نحو 1.5 مليار دولار.
الفكرة هنا بسيطة، في عام 2007 كان مانشستر يونايتد قزمًا ماليًا مقارنة بليمان براذرز، لكن في عام 2008 لم يعد للبنك وجود من الأساس بينما استمر مانشستر يونايتد بالطبع.
المقارنة بين بنك طبيعة استثماراته جعلته عرضة للتأثر بشكل مباشر في أزمة الرهن العقاري ونادي كرة قدم تبدو غير منطقية بالطبع، لكن الغرض هنا هو محاولة الإجابة على سؤال يلح على البعض. هل تبدو أندية كرة القدم كيانات مستقرة للحد الذي يجعلها غير متأثرة بالأزمات الاقتصادية العالمية.
الحقيقية أن أندية كرة القدم تتأثر بالطبع لكن ليس بالشكل الذي يبدو واضحًا للجميع. هناك أندية أعلنت إفلاسها نتيجة تفكير اقتصادي خطأ وهناك أندية أصبحت أقوى مع مرور الزمن.
ربما تبدو كرة القدم في إنجلترا نموذجًا جيدًا لشرح بعض الأفكار التي لا تطرح عادة على مائدة مشجع كرة القدم رغم أنها تؤثر بشكل مباشر في وجبته المحببة: كرة القدم.
جزء من الكل
كرة القدم كنشاط اقتصادي ليست مستقلة عن الاقتصاد الكلي للدولة. على سبيل المثال هناك ربط بين التغيرات في الاستهلاك، التي تأتي نتيجة للتغيرات في الدخول بالطبع وحضور مباريات كرة القدم. سجل معامل الارتباط بين الاستهلاك وإجمالي حضور الجماهير في الدوري الإنجليزي حوالي +0.16 بين عامي 1948 و2007.
ومعامل الارتباط هو مقياس إحصائي لقوة العلاقة بين متغيرين. يمكن أن تتراوح قيمه من -1 إلى 1. يصف معامل الارتباط -1 ارتباطًا عكسيًا والعكس صحيح حيث يُظهر المعامل 1 ارتباطًا طرديًا.
مع استمرار ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار النفط والغاز بشكل كبير، يتوقع العديد من الخبراء الماليين حدوث أول ركود في المملكة المتحدة منذ عام 2008. يتعين على أندية كرة القدم الاستعداد لتأثير محتمل وفقًا للدكتور مايك رينولدز دكتور الاقتصاد بجامعة ليدز.
تحدث رينولدز بنفس منطق الاستهلاك، حيث طرح سؤالًا منطقيًا: ما الذي سيعطيه الناس الأولوية؟ هل يستوقف الناس عن الإنفاق من أجل كرة القدم؟
دعك هنا من حضور المباريات، لكن في حالة استمرت أزمة تكلفة المعيشة وقرر البعض التوقف عن الاشتراك في Sky Sports وAmazon وBT Sport لمشاهدة مباريات الدوري الإنجليزي فحتمًا سيتأثر الدوري الإنجليزي.
في حالة حدوث تلك الأزمة هل ستشعر على الفور بانهيار الدوري الإنجليزي؟ الإجابة لا.
الإنفاق النسبي
في الموسم التالي للأزمة الاقتصادية التي بدأنا الحديث بها عام 2008، انخفضت نفقات انتقالات اللاعبين في الدوري الإنجليزي من 771 مليون جنيه إسترليني إلى 534 مليون جنيه إسترليني. لم يشعر أحد بأن الدوري الإنجليزي انخفضت قيمته والسبب فكرة الإنفاق النسبي.
هناك علاقة مستقرة بين ما تنفقه الفرق وأدائها في الدوري و الإيرادات التي تحققها. لكن هذه العلاقة تعتمد على الإنفاق النسبي وليس المطلق. بمعنى أن الفرق التي تنفق أكثر نسبيًا على اللاعبين تكون أكثر نجاحًا في الدوري.
تبرز أهمية الإنفاق النسبي بدلاً من الإنفاق المطلق كنتيجة لطبيعة المنافسة في كرة القدم. الفوز بميدالية ذهبية لا يعتمد على السرعة المطلقة للعداء ولكن السرعة بالنسبة للمنافسين. وبالمثل، في كرة القدم لا يعتمد نجاح الفريق على الجودة المطلقة للاعبين ولكن على جودتهم بالنسبة للمنافسين.
هناك عنصر آخر يجب السؤال عنه في ما يتعلق بتأثر أندية كرة القدم بالأزمات الاقتصادية وهو: من هم مالكو تلك الأندية؟
الإسترليني في مواجهة الدولار
في سبتمبر الماضي انخفض الجنيه الاسترليني إلى أدنى مستوى تاريخي مقابل الدولار الأمريكي ( 1.04 دولار ) استجابة لقرار حكومة المملكة المتحدة باقتراض مليارات الجنيهات الإسترليني وخفض الضرائب. أدى هذا الانهيار إلى استنتاج البعض أن الوقت الحالي هو وقت رائع للمستثمرين الأمريكيين لشراء الأندية في الدوري الإنجليزي الممتاز.
في الحقيقة أن عشرة من أندية الدوري الإنجليزي العشرين مملوكة بالفعل إما كليًا أو جزئيًا للأمريكيين، ومن المرجح أن يصبح بورنموث الذي يجري مالكه ماكسيم ديمين محادثات حصرية لبيعه إلى بيل فولي هو النادي الحادي عشر.
ومع ذلك فإن مواجهة الدولار والجنيه الإسترليني لا يعنيان بالضرورة وصول المزيد من المستثمرين الأمريكيين إلى إنجلترا. فرغم أن السعر الرئيسي للأندية أصبح أرخص إذا قررت الدفع بالدولار، لكن أرباحك قد انخفضت في المقابل؛ لأن أرباحك ستكون بالجنيه الإسترليني.
هذا ليس في صلب موضوعنا ولكن فقط أردت أن اطمئنك أن الدوري الإنجليزي لن يذاع فجرًا طبقًا لقرار مالكي الأندية الأمريكيين، على الأقل لن يحدث هذا قريبًا.
ماذا لو انخفض الجنيه أكثر؟ إذا حدث ذلك فقد تكون هناك صفقات أكبر متاحة لشراء الأندية وليس من قبل الأمريكيين فقط بل وكبار أثرياء آسيا والشرق الأوسط.
غرد كيران ماجواير -وهو خبير مالي في كرة القدم- عبر تويتر أن عائلة جليزر مالكة نادي مانشستر يونايتد اقترضت 650 مليون دولار من البنوك الأمريكية، باستخدام سعر الصرف في 30 يونيو يصبح المبلغ 530 مليون جنيه إسترليني. كنتيجة مباشرة لانخفاض الجنيه مقابل الدولار الأمريكي ارتفع هذا المبلغ بقيمة 82 مليون جنيه إسترليني ليصبح 612 مليون جنيه إسترليني.
كل هذا يعني ببساطة أن كرة القدم هي اقتصاد عالمي ولذلك ربما لا يشعر المشجع العادي والمتفرج في دول العالم بكل تلك التفاصيل، ولذا فهو لا يهتم بتلك الأمور بشكل كبير.
محاولات للتطبيق
تم اختيار كرة القدم في إنجلترا كنموذج أساسي بسبب وضوح التفاصيل، وليس لاقتصار تلك الأفكار على إنجلترا فقط. لكن يمكنك بتلك الأمثلة كمشجع، محاولة فهم ما يدور حولك رغم صعوبة التطبيق بالطبع.
لكن يمكنك الآن فهم لماذا يعاني النادي الأهلي في مسألة انتداب اللاعبين بعد أن اعتمد سنوات على فكرة الإنفاق النسبي ثم طرأت على كرة القدم بعض المتغيرات التي جعلت البعض يعتمد على فكرة الإنفاق المطلق.
يمكنك وضع تصور للدوري المصري بعد سنوات حيث سيتم بيع الأندية لمستثمرين أجانب مع مراعاة قيمة الجنيه المصري للعملات العربية والأجنبية.
يمكنك محاولة فهم وجود نظام تذكرتي والجدل الدائر حول ارتفاع تذكرة حضور المباريات، بل وتحديد الأهلي قيمة التذكرة الأدنى بمائة جنيه في محاولة للتشبث بأي عائد مادي متاح.
يمكنك التعامل بشيء من التفاهم مع طرح مدير الكرة بفريق المقاولون السيد محمد عادل حول ضرورة تشفير مباريات الدوري المصري بمبلغ رمزي خمسين جنيهًا فقط حتى تحقق الأندية عوائد بث منطقية بل وعليك توقع ذلك.
يمكنك تخيل مصير الأندية الشعبية وتفهم معاناتها مقارنة بأندية الشركات التي تصرف على كرة القدم من ميزانيات لا علاقة لها بكرة القدم.