ارتقوا إلى السماء قبل الجامعة: قصص شهداء التوجيهي في فلسطين
قيود الظلم تحاصرني وسجون القمع تطاردني وسيوف القهر تعاورني في كل مكان! علمني شعري أن أصرخ لا أخشى جور السلطان إن كان ليَ السجن المأوى أو كان ليَ القبر المثوى بيتي وسجونك سيان موتي وحياتي وجهان نبقى أو يبقى الطغيان!
من قصيدة «وقائع محاكمة قلم شاعر» للشاعرة مروة دياب
كان هذا لسان حال ستة عشرة طالبًا وطالبة من بواسل الثانوية العامة (التوجيهي) في فلسطين، الذين أبوا إلا أن يصرخوا صرخة تفت في عضد عتاة الظلم، ومدنسي الأرض، ولتكون دمائهم العطرة، وأجسادهم الطاهرة وقودًا لإبقاء جذوة نيران المقاومة مشتعلة، وليجنوا من رحم الموت ميلادًا جديدًا لوطن ما زال يتجرع مرارة الأسر.الشهادة خير من الحلم

حتى قبل تنفيذها لعملية الطعن بساعات قليلة، كانت سوسن منصور تجتهد في مذاكرتها.
محمد ولبيب رفيقا الدرب

شهداء ورثة شهداء

رغم الأجواء الماطرة والباردة في الأراضي الفلسطينية إلا أنه قد خرج المئات من الفلسطينيين للمشاركة في جنازة الشهيد محمد نبيل حلبية وإلقاء نظرة الوداع عليه، فقد كان الفتى هادئ الطباع، وتميز بعلاقته الطيبة مع الجميع.وكان ينتمي لعائلة حلبية، التي اشتهرت بتضحياتها المستمرة من أجل إعلاء هامة الوطن، فقبل نحو 14 عامًا استشهد جد محمد حلبية، الشهيد «درويش حلبية» خلال بناء جدار الفصل العنصري في قرية أبو ديس، حيث وقف حينها الجد درويش أمام جنود الاحتلال أثناء بناء عملية أجزاء من الجدار، وحدث بينهما مشادات كلامية، فقام أفراد من الجنود بالاعتداء عليه ودفعه عن تلة أدت الى استشهاده على الفور. وفي اليوم الأربعين لاستشهاد «الجد درويش» توفي نجله نبيل وهو والد الشهيد محمد حلبية.
لم يتردد محمد نبيل حليبة في تنفيذ عملية لطعن جنود الاحتلال، ليرتقي ملتحقًا بجده الشهيد، الذي سقط قبل 14 عامًا.
سعير «عاصمة الغضب الفلسطيني» يشتعل

حضرت الخليل «عاصمة الغضب الفلسطيني»، بقوتها المعتادة وقدمت عددًا كبيرًا من بواسل الثانوية العامة الذين ضحوا بأرواحهم من أجل عزة وصيانة كرامة الوطن المحتل، ففي جنازة مهيبة، يوم 6 يناير 2016، شيعت جماهير غفيرة من أهالي محافظة الخليل جثمان الشهيد أحمد يونس الكوازبة من بلدة سعير والذي استشهد بعد إطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي النار عليه بالقرب من مجمع مستوطنات «غوش عتصيون» شمال الخليل، بحجة طعن مستوطن.فبرصاصة واحدة دخلت من الجانب الأيسر العلوي تحت الإبط مرورا بالرئتين والرقبة والفك أدت إلى كسر الفك، وإحداث نزيف داخلي في الأمعاء والرئتين، أودت بحياة كوازبة الذي أراد أن ينتقم من ظلم الاحتلال لبني جلدته.أما شهيد بيت عينون هو الشاب عدنان عايد المشني من سكان قرية الشيوخ، استشهد برصاص الاحتلال على مفترق بيت عينون شرق مدينة الخليل. وقد أُطلق عليه الرصاص بشكل مباشر، مما أدى لإصابته بجروح خطيرة، وما زاد من تعقيد الأمر هو منع الاحتلال لسيارات الإسعاف الفلسطينية من الوصول إليه ما أدى لاستشهاده في ذات المكان، وحسب مصادر إعلامية إسرائيلية فإن عدنان قد حاول تنفيذ عملية طعن، فمن ثم أطلقوا عليه الرصاص الحي ليودي بحياته.أما «ملاك الشهداء» كلزار العويوي، كانت دائما ما تؤجل اختيار تخصصها في الجامعة عند سؤالها عنه، وتقول لوالدتها: «لسا يا إمي، لبعدين بفكر» ولكنها فكرت في طريق آخر، وهو طريق الشهادة.ولم يمنع كلزار جسدها الضعيف، من أن تعبر حواجز الاحتلال المنتشرة بأرجاء البلدة القديمة من الوصول إلى محيط الحرم الإبراهيمي لتحاول أن تنفذ عملية طعن هناك، دون أن تعبأ بالخطر الذي أحاط بها هناك، فأطلق عليها الاحتلال الرصاص دون رحمة، إلى أن فاضت روحها إلى بارئها.
من رحم «جنين» يولد الأبطال
حضرت الخليل بقوتها المعتادة وقدمت عددا كبيرا من بواسل الثانوية العامة الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الوطن.
تميزت بلدة جنين، على مدار تاريخ المقاومة الفلسطينية، بإنجابها للأبطال البواسل الذين دفعوا أغلى الأثمان ليشهدوا ميلادًا جديدًا لوطنهم المسلوب.نور الدين سباعنة بن بلدة قباطية في جنين، كان من المفترض أن يستعد للثانوية العامة، ولخوض فصل جديد في حياته المدرسية، لكنه فضّل خوض فصل أخير من حياته كتبته رصاصات الاحتلال الغادرة، حينما حاول مع ثلاثة شباب آخرين (اثنين منهم من عائلته) تنفيذ عملية طعن لجنود الاحتلال على مدخل نابلس.أمّا أحمد عوض محمد أبو الرب، من بلدة قباطية، فقد اختار الشهادة، دون إتمام دراسته الثانوية، فاستشهد في 2 نوفمبر 2015 حينما طعن أحد جنود الاحتلال المتركزين على حاجز الجلمة شمال جنين.وبذلك أثبت هؤلاء الشباب، أن المقاومة ما زالت حية في نفوس كل من أراد أن يتنفس من طهر الحرية بدلًا من الغرق في ذل دنس الاحتلال، وأن من تلك الدماء الذكية ستُروى أرض الوطن المتعطشة للحرية.