العالم في 2025: هكذا تنبأ ستراتفور!
يقدم مركز ستراتفور للدراسات والأبحاث توقعاته السنوية للعالم ككل وللفاعلين في السياسة الخارجية الأمريكية بشكل خاص، ومن بين أهم التنبؤات التي قدّمها ستراتفور ما نُشر على موقعه الرسمي مطلع العام الماضي عن توقعات المركز لشكل العالم في السنوات العشرة القادمة. تفتُّت روسيا الاتحادية وانحسار الدور الأمريكي وعرقلة الصين وإشراق شمس أوغندا وأثيوبيا وفيتنام ليس توقعًا سهلًا ولا ينبغي الالتفات عنه إلى سواه من التحليلات، لذا نحاول في سياق التقرير تقديم تفسيرٍ للعالم المتأرجح في العام 2025!
روسيا الاتحادية والولايات المتحدة في مواجهة حاسمة!
روسيا أدراج الرياح.
«لن تكون هناك انتفاضة أو ثورة ضد موسكو، غير أن قدرتها الكبيرة على دعم وإدارة الاتحاد الروسي\روسيا الاتحادية ستذهب أدراج الرياح، ولن يشغل هذا الفراغ سوى وحدات منفردة من روسيا الاتحادية» هكذا حذّر ستراتفور
العقوبات الاقتصادية وانخفاض أسعار النفط وهبوط الروبل في سوق الأوراق المالية وزيادة النفقات العسكرية وكذلك تصاعد الاضطرابات الداخلية، كل ذلك من شأنه إضعاف قبضة الحكومة المركزية في موسكو على الإقليم الأكبر في العالم.
«لن تنقسم روسيا بالمعنى الحرفي للكلمة لكن سلطة موسكو ستنخفض للمستوى الذي يجعل روسيا مجرد سلسلة من المقاطعات شبه المستقلة والتي لا تجد انسجامًا فيما بينها، نتوقع كذلك أن السلطة في موسكو ستضعف للدرجة التي تسمح بتفتت روسيا ومن غير المرجح أن تستمر روسيا الاتحادية على شكلها الحالي»
الولايات المتحدة في مواجهة حاسمة!
تنشر روسيا أسلحتها النووية على مساحات شاسعة من أراضيها، فإذا ما تحققت نبوءة ستراتفور بتحلل جغرافي وشيك لروسيا الاتحادية فإن ذلك سيؤدي في نهاية المطاف إلى تكشُّف حقيقة الأسلحة النووية ومخازن اليورانيوم وسيكون هناك فراغ في القوة، هو الأخطر على الصعيد الدولي والإقليمي.
وسيكون انتشار مخزون الأسلحة النووية الروسية هو الحدث الأخطر في العِقد القادم كما يتنبأ ستراتفور.
وستجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة لاتخاذ إجراءات سريعة حيال الأمر حتى لو قضت هذه الإجراءات بإيفاد قوات أمريكية برية لحماية وتأمين بقايا الأسلحة النووية الروسية.
ستجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة للتدخل في الأزمة الروسية للحفاظ على موازين القوى في العالم
«تعد واشنطن القوة الوحيدة القادرة على معالجة القضية، لكنها لن تكون قادرة على وضع يدها على هذا الكم الهائل من المواقع المسلحة نوويًا لضمان عدم إطلاق أية صواريخ أثناء العملية» تابع ستراتفور تنبؤاته بأن الولايات المتحدة ستكون أمام خيارين، فإما أن تدعو لحل عسكري للأزمة وهو أمر يصعب تصوّره حاليًا أو تسعى لخلق حكومة روسية مستقرة سياسيًا واقتصاديا بحيث تكون قادرة على ضبط الأمور في المنطقة أو على الأقل تشكل منطقة عازلة.
الاتحاد الأوروبي بين تعثُّر ألمانيا وتسلم بولندا شارة القيادة.
ألمانيا تتعثر اقتصاديًا.
«نتوقع تعرض ألمانيا لانتكاسات اقتصادية شديدة في العِقد القادم” هكذا أجمل ستراتفور تنبؤه بخصوص سيدة أوروبا، ويقوم الاقتصاد الألماني في مجمله على عائدات التصدير المعتمدة بالأساس على حرية التجارة في أوروبا، وهو الأمر الذي سيتأثر سلبًا بأزمات منطقة اليورو. ولن يكون الاستهلاك المحلي قادرًا على تعويض هذا الانخفاض في عوائد الصادرات للتراجع الملحوظ في عدد السكان في ألمانيا وسيشبه الوضع في ألمانيا الركود الاقتصادي الذي ضرب اليابان في العقد الماضي.
الاعتماد الألماني على بلدان أوروبا كسوق لصادراتها يجعلها أكثر الدول تأثرًا بأزمات الاتحاد وإن كانت الأقوى
وبالنظر لشرق ألمانيا فإن الأمور هناك في بولندا تسير في تحسن ملحوظ، «بتتبع مصطلحات النمو الاقتصادي والنفوذ السياسي، تجد بولندا على الطريق الصحيح”، ولن يفقد الشعب البولندي أهميته كسائر بلدن أوروبا فهي أكبر دول أوروبا وأكثرهم رفاهةً وستؤول لها زعامة المنطقة لاسيما وأنها تتمتع بعلاقات عميقة مع الولايات المتحدة.
زوال الاتحاد الأوروبي.
لم يمض وقتٌ طويل على إعلان الوحدة الأوروبية كقوة تاريخية لا يمكن التصدي لها، ولم لا وقد أعلنت دول القارة تذويب شتى الحواجز الإقليمية والقومية من سياساتها. ومع ذلك فستراتفور يتوقع له الانقسام في السنوات العشر القادمة إلى أربع مقاطعات -أوروبا الشرقية، أوروبا الغربية، اسكندنافيا، الجُزر البريطانية- مختلفة، وإن كانت تجمعهم جيرة الجغرافيا فستفرقهم أغراض السياسة والاقتصاد والعسكرية.
توالي الأزمات على الاتحاد الأوروبي وتضارب المصالح بين بلدانه يجعل بقاءه على الصورة التي نشأ عليها أمرًا بالغ الصعوبة.
«بشكل ما سيبقى الاتحاد الأوروبي، غير أن العلاقات الأوروبية الاقتصادية والسياسية والعسكرية ستُدار إبتداءً بعلاقات ثنائية أو جماعية محددة المعالم. وستُبقي بعض الدول على عضويتها بالاتحاد رغم تحولاته الكبيرة لكن هذا بالطبع لن يرسم حدود أوروبا التي نعرفها الآن».
ما السبب وراء حتمية التحالف الأمريكي-التركي؟
تعاني الكثير من دول المنطقة العربية حالة سقوط حر ولا ترى ستراتفور -في توقعاتها- نهايةً مرتقبة للفوضى الحادثة في منطقة الشرق الأوسط، لكنها ترى تركيا -الدولة المستقرة بالمنطقة والتي تمتد حدودها الشمالية حذاء البحر الأسود والجنوبية حذاء كل من العراق وسوريا- المستفيد الأكبر من تلك الفوضى.
ورغم أن تركيا ترفض أي خطوة تدخلية من قبلها في أزمات الدول المجاورة، إلا أنها بحسب تنبؤات ستراتفور ستُدفع لذلك دفعًا. لاسيما وهي تؤكد دائمًا على دورها تجاه الجيران!
«ستظل تركيا بحاجة لتدخل\تورط أمريكي لأسباب عسكرية وسياسية» يقول ستراتفور
في المقابل، تحتاج أنقرة للشريك الأمريكي أكثر من أي وقت مضى، فهي بحاجة قبل أي تدخل عسكري في دول الجوار لحمايتها من إحدى الدول على الجانب الآخر من البحر الأسود -نقصد روسيا- والتي لها قواعد عسكرية في أرمينيا على الحدود الشرقية مع تركيا.
تقع إذًا مسئولية احتواء روسيا على عاتق الأمريكان في مشاركة تضامنية مع حلفائهم الأتراك. «وستظل تركيا بحاجة لتدخل\تورط أمريكي لأسباب عسكرية وسياسية» يقول ستراتفور.
الشرق الآسيوي الجديد بعد تعثُّر التنين الصيني
الصين في مأزق كبير.
ستواجه الصين كما يتنبأ ستراتفور عِقدًا صعبًا، في ظل انخفاض معدلات النمو الاقتصادي لديها، ما سيدفع بموجة من الاستياء الشعبي تجاه الحزب الشيوعي الحاكم وبالتالي سيكون الحزب أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن يتجه إلى اللبرلة الاقتصادية وهو ما استبعده ستراتفور أو يُقدم على مزيد من القمع وهو المرجح لدى ستراتفور.
المشكلة الأخرى الأكبر التي قد تواجه الصين خلال العِقد الحالي هي غياب التوزيع الجغرافي العادل للنمو الاقتصادي، فالمدن الساحلية تتمتع بنسبة أكبر من المدنيّة والازدهار بينما الداخل الصيني مصاب بالركود والبعد عن أسواق التجارة العالمية. هذا الفارق بالطبع سيولد روحا عدائية بين أبناء البلد الواحد ما سيدفع الحكومة المركزية في بيجين لنقل الثروة إلى الداخل الصيني ويتوقع ستراتفور أن عملية النقل هذه ستشهد معارضة من قبل سكان المدن الساحلية المنتفعين من الرفاهية، ربما تصل لحد التمرد على الحكومة!
خريطة الملاحة في شرق آسيا على رقعة الشطرنج.
تعتمد اليابان في تجارتها على الطرق البحرية بشكل كبير، وفي ظل تزايد قوة الأسطول الصيني وتراجع الدور الأمريكي في تنظيم حركة الملاحة المخصصة للتجارة، ستكون الصين هي المتحكم الأول في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي وكلاهما شريان الحياة للتجارة اليابانية لذلك ستجد اليابان نفسها مضطرة لمضاعفة قوتها البحرية لمعادلة الصين.
يتنبأ ستراتفور أيضًا أن تحدث تغيرات ديناميكية في القوة في المنطقة الشرق آسيوية لكنه لا يتبأ أن تترجم هذه التغيرات في نزاع مسلح حول جزر بحر الصين الجنوبي!
سيكون لدى العالم 16 صين صغيرة!
تعطّل القدرة الإنتاجية للصين وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي لديها ليس بالتبؤ الهيّن، فزوال بريق التجربة الاقتصادية الصينية يعني ولادة نماذج اقتصادية أخرى.
التنبؤ الأكثر أهمية هنا، أن خفض معدلات التصنيع البسيط الذي تسيطر عليه الصين سيذهب إلى 16 دولة بإجمالي عدد سكان مقارب لتعداد الصين السكاني -1.15مليار نسمة-، هذه الدول هي المكسيك، نيكاراغو، جمهورية الدومينيكان، بيرو، إثيوبيا، أوغندا، كينيا، تنزانيا، بنجلادش، ميانيمار، سريلانكا، لاوس، فيتنام، كامبوديا، الفلبين، إندونيسيا.
هل تختفي أمريكا من أزمات العالم!
في عالم غير متوقّع وغير منظم ستتخذ الولايات المتحدة موقفًا أكثر حصافة تجاه قضايا العالم المختلفة وستختار الولايات المتحدة بعناية معاركها دون النظر لمشكلات العالم ككل.
ستأوي الولايات المتحدة إذًا إلى ركنٍ بعيد عن مشكلات العالم، وستعزل نفسها بنفسها رغم أن ذلك سينقص من دورها القيادي للعالم وسيجعل العالم حتى غير منظم وغير متوقع، لكنه بالنسبة للولايات المتحدة سيكون الخيار الأفضل والأكثر أمانًا وستجد دول العالم نفسها أمام خيارٍ واحد وهو أن تتعامل مع الوضع العالمي الجديد.
ستنسحب الولايات المتحدة إذًا من مشكلات العالم وعلى دول العالم أن تتهيأ لهذا الوضع الجديد
«ستظل الولايات المتحدة هي الأقوى في العالم سياسيا وإقتصاديًا وعسكريًا لكنها ستكون أقل تدخلًا في أزمات العالم من ذي قبل، وستتغير الخرائط الإقليمية للعالم بتغير الفاعل الأقوى في كل إقليم. الحقيقة الواحدة الباقية هي بقاء الولايات المتحدة كأقوى الفاعلين في هذا العالم المتغير في عشر سنوات قادمة. ومع هذه الحقيقة ستكون قوة الولايات المتحدة محدودة الإستخدام عن ذي قبل» تتنبأ ستراتفور