The Witch: رعب الجدل الديني وتوحش الطبيعة
ما الذي جعلنا نذهب للبرية للبحث عنه؟، نترك بلادنا، أقرباءنا، ومنازل آبائنا، أبحرنا في محيط واسع من أجل ماذا؟ ألم يكن من أجل النشر الصادق للإنجيل؟.
«وليام»
في الحفلة المسائية بإحدى دور العرض، تجمع نحو عشرين شخصًا لدخول الفيلم، مرددين عبارات النقاد والأدباء الذين استحسنوا الفيلم، فهل هناك أفضل من فيلم رشحه أديب الرعب والغموض الأشهر «ستيفن كينج»؟، وأفزعه شخصيًا وأرقه من النوم على حد قوله؟، لا شك أنها ستكون تجربة استثنائية.هكذا كانت انطباعات وحماس الجمهور الذي ذهب لمشاهدة فيلم «The Witch». عدد قليل ربما ولكنه مناسب جدًا لعيش تجربة رعب مختلفة.بدأ عرض الفيلم، في البداية استبشر المشاهدون خيرًا؛ فأجواء الفيلم القاتمة والمظلمة من اللحظات الأولى، والأثر الذي تركته أصوات الممثلين وأشكالهم المختلفة والمريبة، واللكنة الإنكليزية العتيقة، جعلت البداية مرضية. ولكن مع مرور الفيلم بدأت الضحكات تتصاعد!. لماذا تتعالى الضحكات؟، نحن لسنا في فيلم كوميدي، ربما لا يوجد شيء مفزع أو مرعب ولكنه لايستحق الضحك أيضًا، لماذا يضحك المشاهدون؟، ولماذا بدأت أحاديثهم الجانبية تتصاعد بصوت مرتفع؟.تعالى أحد الأصوات مخاطبًا الحاضرين: «ياجماعة عاوزين نتفرج»، ولكن لم يبال به أحد. تجربة قمعية مارسها الضاحكون ممن لم يرغبوا في التركيز في الفيلم. لم يفعلوا كما يفعل كثيرون بالخروج من الأفلام السيئة موجهين السباب لصناع الفيلم الذين تسببوا في خسارة ثمن التذكرة، ولكنهم ظلوا ضاحكين، مشوّشين، قامعين لمن يريد التركيز بجدية مع الفيلم.هل هذا الحدث مجرد صدفة؟، أم أن هذه الانفعالات جزء من التجربة الشعورية التي خاضها المشاهدون؟. تجربة شعورية لم يدركوها ولكنها سيطرت عليهم، بحيث جعلت خروجهم من السينما يمثل انتصارًا للفيلم وهو ما لن يرضوا به، وتمثل انتصارهم في استمرار مشاهدة الفيلم مع التقليل من قيمته.
المحاكمة
وليام: وماهي خطيئة ولادتك؟.
كالب: خطيئة آدم انتقلت إليّ، والطبيعة الفاسدة تسكن بداخلي. طبيعتي تخلو من النعمة، عازمة على ارتكاب الإثم والخطيئة بشكل مستمر.
كالب: َهل ساموئيل ولد فاسدًا؟.
مالجرم الذي ارتكبه؟.
أخبرني، هل هو في الجحيم؟.
لمَ لم تتوقف والدتي عن الصلاة؟.
ماذا لو مت أنا، ولديّ شر في قلبي ولم يتم غفران ذنوبي؟.
وماذا لو لم يسمع الرب صلاتي؟.
«كالب»: ابن الخطيئة
اغسلني في ينابيع دمائك المتدفقة،
كل جسدي أيها المسيح،
قبلني بفمك.
كم أنت جميل،
ضمني في أحضانك.
«توماسين» المتهمة الأولى
«توماسين» هي أضعف حلقات السلسلة، فتاة بالغة في أسرة تم تهجيرها تعاني الفقر والوحدة، كانت هي أول من توجهت إليه نظرات الاتهام حين اختفى أخوها وهي تلاعبه، وهي التي حمّلها أبوها أفعاله الشخصية، بل ووافق على إبعادها عن الأسرة للعمل كخادمة عند إحدى العائلات. تشعر بالغضب والخوف مما تتعرض له، تحب أخاها «كالب» الذي حاول الدفاع عنها، وتشعر أيضًا بالذنب تجاهه، فهي تعرف بأمر نظراته لثديها وتتقبل هذه النظرات بإيجابية.كذلك لحظات تحولها على أخويها الصغيرين، ومحاولة إخافتهما بالحديث بلسان الساحرات، من دفعها لذلك؟. ثم هي في داخلها تدرك ما يفعله الصغيران، وأنهم ليسوا بهذه البراءة. ربما كانت أزمة «توماسين» إسقاط صريح على وضع البنت في تلك الأسرة المتدينة وقبول المجتمع لتحميلها الذنوب، وإن كان ابن آدم يحمل الخطيئة فحواء هي مسببتها.
الأب والخطيئة الكبرى
«وليام»، ذلك الأب الذي يحافظ على المسيحية الأصيلة وطُرد بسبب التبشير بها، لعله هو أعقد شخصيات الفيلم، فهو رغم تدينه أكبر مرتكب للخطايا طوال الفيلم. ومع الوقت وتصاعد الأحداث تنكشف خطواته تدريجيًا. عند مشاهدتك لهذه الشخصية ستحتار كثيرًا ما بين حبها أو بغضها. فأنت ترى في عينيه أب صادق ومتدين حقيقي، لايقسو على أولاده إلا في الأمور الدينية.فقد تقبل طرده وأسرته من أجل الدعوة للدين، ولعل هذا يعتبر مصدر الصورة النفسية «Psychological Portrait» في الفيلم، فخروجهم من منزلهم بالإضافة لمواجهتهم لتوحش الطبيعة، أخرج واقعًا مشوهًا ومريضًا أنتجه الأب الذي يخشي الخطيئة، ولكنه في المقابل مارس الكثير من الخطايا. لعل الأب هو مصدر الرعب النفسي في كلا الجانبين الذي اعتمد عليهما الفيلم؛ الجانب الأول وهو المتعلق بالجدل البروتستاني المتشدد، والجانب الثاني فيتعلق بمدى الضعف الإنساني أمام غرائز الحياة وتوحش الطبيعة.وفق المخرج «روبرت إيجرس» في اختياره للممثل «رالف إنسون» للقيام بدور «وليام»، فمواصفاته الجسدية وصوته الضخم المتحشرج الذي يوحي بأنه كلب صيد وحارس مخلص، كانا ملائمين للغاية لهذه الشخصية.
«The Witch»: تجربة مختلفة شابها بعض الأخطاء
تخلص مني كما شئت، لكن أنقذ أطفالي.
لايمكنهم التحكم بشرورهم الطبيعية.
إني أخضع لك كجبان وعدو لك.
«وليام»