تحولات السياسة والاقتصاد السعودي في حوار محمد بن سلمان
في الثاني من مايو/ أيار ظهر الأمير السعودي الشاب محمد بن سلمان في حوار استثنائي مع قناة «إم بي سي» لبرنامج الثامنة الذي يقدمه الإعلامي السعودي المخضرم داوود الشريان وهذا الحوار كان على غير العادة مذاعًا على عدد من الفضائيات الخليجية والعربية وعلى كل قنوات التلفزيون السعودي، وكان الغرض من هذا الحوار رسم ملامح السعودية في السنوات المقبلة على ضوء خطة 2030م، التي أعلن عنها ولي ولي العهد السعودي في وقت سابق.
وخروج موقف رسمي واضح للسعودية في عدد من القضايا، وكذلك البدء في تدشين مراحل جديدة من خطة 2030م بعد أن قامت الدولة السعودية بإعادة البدلات والمكافآت التي كانت أوقفتها بسبب أزمة انهيار سعر النفط، ورغم أن الحوار كان في 80% منه حوارًا اقتصاديًا موجهًا للداخل السعودي فإنه لم يخلُ من إعلان الأمير الشاب لعدد من المواقف السياسية المهمة في القضية اليمنية وعاصفة الحزم والقضية السورية ومسألة الخلاف الذي كان مع مصر وأخيرًا قضية الخلاف مع إيران ومشروعها المذهبي في المنطقة.
العديد من النقاط جديرة بالوقوف عليها في هذا الحوار المهم، كان قد ذكرها الأمير الشاب وتُشكل جوهر المشروع السياسي والاقتصادي للمملكة العربية السعودية في الفترة المقبلة، وهي تشكل تغيرات ثورية كبيرة على ما عهدناه من حكومة المملكة العربية السعودية، خصوصًا في المجال الاقتصادي.
الاتجاه نحو التعدين
تحدث الأمير الشاب محمد بن سلمان عن خطته لطرح أسهم شركة أرامكو السعودية في الأسواق العالمية والاستفادة من المبلغ الذي يأتي من عملية الطرح عبر إنشاء صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وهو سيقوم بإعادة صرفها على قطاعات إنتاجية أخرى كقطاع التعدين، حيث إن المملكة العربية السعودية تتمتع بثروة تعدينية كبيرة قدّرها الأمير محمد بن سلمان بتريليون وثلاثمائة مليون دولار لكل المعادن.
وقال إن الذهب يزيد على 240 مليار دولار، ورغم أن القطاع التعديني ناشئ وواعد فإنه يواجَه بمشكلة أن رءوس الأموال لن تخاطر بالاستثمار فيه وهنا سيتدخل الصندوق السعودي للاستثمارات العامة ليضخ مليارات الدولارات على هذه الصناعة حتى تستطيع الوقوف على قدميها، ثم بعد ذلك يخصصها ويطرحها في السوق.
وربما يكون استخراج ذهب البحر الأحمر الخطوة السعودية الأولى في تشكيل الصناعة التعدينية السعودية، فقد وقّع وزير النفط والمعادن السعودي السابق النعيمي، اتفاقًا مع الحكومة السودانية من أجل استخراج المعادن الموجودة في منطقة اطلانتس 2 والتي تقع في المنتصف تمامًا ما بين الحدود البحرية السودانية والحدود البحرية السعودية، وقد قُدر الذهب المتواجد فيها بـ 97 طنًا، بالإضافة إلى أطنان أخرى من المعادن، قدرت الثروة الموجودة فيها أوساط سودانية بأنها تبلغ 9 مليارات دولار أمريكي.
ربما يكون اتجاه المملكة العربية السعودية للاستثمار في ثروتها التعدينية خطوة موفقة واستثمار جيد للثروة الطبيعية، لكن ستقع السعودية في مشكلة أنها لا تملك عمالة وطنية متدربة لتعمل في مجال التعدين، مما يعني أنها سوف تتضطر للاستعانة بالأجانب حتى تستطيع تأهيل كوادر وطنية سعودية وهذا لا يخدم (خطة تقليل البطالة في مشروع 2030).
صناعة محتوى محلي لكل الواردات
من الأمور الملفتة للنظر في كلام الأمير محمد بن سلمان حديثه عن وجوب أن يكون هناك صناعة محلية سعودية من أجل تخفيف الضغط على النقد الأجنبي، وهذا الأمر يكون عبر الاتفاق مع الشركات الكبرى التي تصدر السلاح والسيارات للمملكة بأن يكون هناك محتوى محلي سعودي بالنسبة للسلاح؛ توطين صناعة السلاح الخفيف والمتوسط والذخائر وإجبار شركات السلاح على إدخال منتجات سعودية في أي قطعة من قطع السلاح التي تصدرها للسعودية.
تطوير قطاع الخدمات اللوجيستية السعودي
تحدث الأمير عن أهمية تطوير قطاع الخدمات اللوجستية، بل وجد أنه يمثل قطاعًا مهمًا سوف يقوم الصندوق السعودي للاستثمار به، وذلك عبر الاستفادة من الموقع الحيوي الذي تقع فيه المملكة العربية السعودية، فالبحر الأحمر يمر به 13% من اقتصاد العالم يوميًا، وهذه السفن المارة لا تُقدم لها أي خدمات تُذكر وهي في الموانئ السعودية على البحر الأحمر، ومن ضمن مشاريع صندوق الاستثمارات العامة تطوير هذه الموانئ السعودية لتستطيع تقديم خدمات للسفن على غرار ما تقوم به دولة الإمارات العربية في ميناء جبل علي، على شاطئ الخليج.
تبدو فكرة الأمير طموحة جدًا لكنها سوف تكون خصمًا لمشروع تنمية قناة السويس الذي أعلنه الرئيس السيسي في وقت سابق لأن للسعودية قدرة مالية أكبر -من تلك التي تملكها الدولة المصرية- على الاستثمار والتطوير في قطاع الخدمات.
وأضاف الأمير أنه يخطط لأن تكون الخطوط الجوية السعودية على غرار شقيقاتها القطرية وطيران الإمارات و«فلاي دبي»، تعمل على نطاق العالم كله لأن المملكة أقدر منها، فهي تحظى بمكانة أكبر في العالم الإسلامي والمسألة فقط تحتاج لبعض التطوير.
صناعة الترفيه في المملكة
تحدث الأمير السعودي بكل وضوح عن أنه يرغب في توطين صناعات الترفيه في المملكة، لأن السعوديين يسافرون للخارج وينفقون 22 مليار دولار على الترفيه والسياحة، وأن المملكة العربية السعودية عبر رؤية 2030 ستعمل على هذا عن طريق بناء مكتبات ومتاحف ومسارح ودعم للمبدعين وتسجيل للآثار الموجودة في السعودية في اليونيسكو وتوقيع شراكات مع شركات الترفيه العالمية. متحدثًا أن الترفيه، هذا البند هو الأصعب في الخطة لأنه أمر راجع كليًا للمواطن السعودي والدولة لا تستطيع فرض وجهة نظرها على المواطن.
خصخصة القطاع الصحي بالكامل
تحدث الأمير محمد بن سلمان عن أن خصخصة القطاع الصحي أحد الحلول التي جاءت بها رؤية 2030، فأغلب دول العالم المتقدمة يقدم القطاع الخاص فيها الخدمات الصحية، وفي ظل تنافس هذا القطاع الخاص فإنه يقدم أفضل الخدمات الاقتصادية الممكنة.
وأما مشكلة محدودي الدخل فإنه يمكن حلها عبر التأمين الصحي. ورفع اليد عن قطاع الصحة سوف يخفف كثيرًا عن الحكومة السعودية وسيجعلها توجه الأموال التي كانت تُصرف للصحة في قطاعات إنتاجية أخرى.
حسم القضية اليمنية
تحدث الأمير السعودي الشاب محمد بن سلمان بكل وضوح عن قدرة المملكة العربية السعودية على حسم التمرد الحوثي بالقوة وبالجيش السعودي بمفرده، لكنه قال التكلفة البشرية سوف تكون كبيرة جدًا من اليمنيين ومن الجيش السعودي، خصوصًا أن الانقلابيين يحتمون بمناطق جبلية وعرة ولذلك فإن المملكة العربية السعودية تلعب الآن على عامل الوقت للضغط على الانقلابيين للاستسلام.
المفاجأة الحقيقية في كلام الأمير السعودي هو تحدثه لأول مرة بشكل إيجابي عن الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح والحديث على أنه لم يعد حليفًا للحوثي، وأن الميليشيات الآن يحتجزونه خوفًا من أن يخرج وينضم للشرعية بشكل واضح، وهذا الكلام الذي قاله الأمير محمد بن سلمان يخالف بشكل قطعي ما قاله الإعلام السعودي في الأيام الأولى للحرب باتهام المخلوع صالح بالعمالة لإيران والتحالف مع الحوثي، بل تحدث عن صلات تربط بين القاعدة والمخلوع صالح، مما يعني أن تغيرًا كبيراً حدث في رؤية المملكة للأزمة اليمنية وهذا عائد ربما لخذلان الحراك الجنوبي للمملكة العربية السعودية وإحراجها عبر الضغط من أجل فك الارتباط مع شمال اليمن، بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة.
العلاقات مع مصر والإمارات
أنكر الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي وجود أي خلافات مع دولة الإمارات العربية المتحدة في اليمن، وهذا التصريح مهم جدًا، خصوصًا في الفترة الحالية حيث روجت صحيفة «رأي اليوم»، التابعة للصحفي الفلسطيني الأصل البريطاني الجنسية عبدالبارئ عطوان، لوجود هذا الخلاف وخروج الأمير بنفسه لينكر وجود هذا الخلاف هو السبب الرئيسي فيما أظن لأن تقوم قنوات التلفزة الإماراتية ببث لقاء الأمير محمد بن سلمان.
وأما بالنسبة للعلاقات مع مصر فقد تحدث الأمير السعودي بكل وضوح أنه لا توجد الآن خلافات مع جمهورية مصر العربية، كما تتحدث عن بعض وسائل الإعلام التي تحمل أجندة خاصة وخص ( الإعلام المصري الإخوانجي والإعلام الإيراني) بالذكر، وأن قضية تيران وصنافير محسومة عند الحكومة المصرية وعند الحكومة السعودية.
المسألة الإيرانية والقضية السورية
تحدث الأمير السعودي بكل وضوح عن أن المملكة لم تعد مقتنعة بأي حوار مع النظام الإيراني، لأنه نظام يؤمن بالتقية ويسعى لتصدير الثورة إلى دول الجوار ويطبق بحرفية وصية الخميني التي تتحدث عن تشييع العالم الإسلامي والسيطرة على قبلة المسلمين، وبالتالي فإن الحل الوحيد نقل المعركة إلى داخل إيران وإشغال نظام طهران بنفسه.
في الحقيقة يبدو كلام الأمير صحيحًا، وهذا الأمر أصبح يدركه الجميع، لكن لم يكن من الموفق إظهاره إعلاميًا، فالإيرانيون أخذوا هذه التصريحات ليظهروا كالحمل البرئ وهم ذئاب ضارية ولغت في دماء أهل العراق وسوريا واليمن.
وأما بالنسبة للمسألة السورية فقد تكلم الأمير السعودي بوضوح أن القضية السورية أصبحت قضية دولية تخوض في أمرها دول كبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا ولم تعد قضية إقليمية أو قضية محلية ولذلك فإن هامش المناورة أصبح ضعيفًا للغاية ونحن في سوريا نسعى لنحقق أكبر مكاسب للشعب السوري وللسعودية ولدول المنطقة.