المستحيلات: الغول والعنقاء والمهاجم السوبر في الأهلي
لا تخلو كرة القدم المصرية من الإثارة والتشويق عادة. النظام والتخطيط يجلبان الملل ولا أحد هنا يحب ذلك؛لذلك نفضل الارتجال والعشوائية.
لكن ثمة ثوابت لابد أن نشاهدها دومًا في كل موسم انتقالات. فرج عامر يصله عرض بـ 100 مليون جنيه لأحد لاعبيه لكنه يفضل أن يبيعه للأهلي أو الزمالك بـ40 مليون فقط، وهم يتصارعون عليه بالطبع في كل مرة.
مصر المقاصة أيضًا سيبيع للأهلي لاعبًا عظيمًا لا يمضي عليه سوى عام وحيد ثم يعود إلى المقاصة معارًا مرة أخرى.
وآخر هذه الثوابت أن الأهلي يبحث عن مهاجم سوبر لتدعيم صفوفه.
ربما تبدو هذه الكلمة الأخيرة مألوفة على أذنك للغاية، ولابد أنك سمعتها مئات المرات من قبل. منذ 10 سنوات تقريبًا بدأت رحلة الأهلي مع هذه الكلمة، رحلة طويلة أنفق خلالها ما يزيد عن 12 مليون دولار، ولم يحل مشكلته بعد.
وعلى الأغلب فإن عدة ملايين أخرى ستدفع في الميركاتو القادم لأجل نفس المشكلة، دون أن يفكر أحد في التوقف للحظة والإجابة على عدة أسئلة ضرورية.
هل هناك مشكلة أصلاً؟
الإجابة بكل سهولة هي: نعم. يمتلك الأهلي المصري حاليًا والتر بواليا ومروان محسن وصلاح محسن ومحمد شريف، والرباعي وإن اجتهد فإنه لا يصل للمستوى المطلوب، ولا يؤدي الدور المنوط به، والمتعلق بكل بساطة بتسجيل الأهداف والحسم في المباريات الكبيرة.
وبمقارنة بسيطة بينهم وبين مهاجمي الجيل السابق سترى فارق الجودة، حتى وإن تجاوزنا اللاعبين البارزين مثل متعب وفلافيو وحسام حسن، فإن المهاجمين الاحتياطيين في الأجيال الماضية مثل أحمد بلال وأحمد كشري كانوا أفضل بمسافة واضحة من المهاجمين الحاليين، والذين لا يرقى أي منهم ليكون مهاجم الأهلي.
ورغم أن الفارق الفني في صالح اللاعبين القدماء بالفعل، إلا أن هذه المقارنات لا تكون عادلة دائمًا، لأن الحديث عن اللاعبين القدماء عادةً ما يقترن بآفة تمنع أن يكون الرأي موضوعيًا: النوستالجيا.
من أفيلينو إلى أجاي
ذاكرة الإنسان انتقائية وكاذبة للغاية. لا تحتفظ بالأحداث بقدر ما تحتفظ بمشاعرنا وانطباعاتنا عن تلك الأحداث. لذلك فإنك حين تتحدث عن عماد متعب فأنت لا تذكر مسيرته وتقيمها بموضوعية، وإنما تتذكر لحظاته الأيقونية، أهدافه الحاسمة ستطرأ على رأسك مباشرةً ولن تتذكر غير ذلك.
حينها تتصور أن مسيرة عماد متعب كانت امتدادًا لهذه اللحظات الأسطورية، وأنه لم يكن يتوقف عن تسجيل الأهداف وصناعتها، متعب مهاجم أسطوري نعم، لكنه مر بفترات انقطع فيها عن التهديف، وتعرض للعديد من الإصابات وانخفض مستواه لفترات طويلة، وطبقًا للأرقام فإن متعب كان يشارك في هدف كل 122 دقيقة.
هذا معدل جيد بالطبع لكنه ليس خارقًا، ولا يبتعد كثيرًا عن بعض المهاجمين الذين لعبوا للأهلي مؤخرًا، وكذلك فلافيو كان يشارك في هدف كل 161 دقيقة، وجدو بهدف كل 224 دقيقة.
بالمقارنة مع الجيل الحالي فإن مروان محسن يشارك بهدف كل 159 دقيقة، وأجاي بهدف كل 157 دقيقة، وهذه أرقام لن تجعل مروان محسن مهاجمًا أفضل من جدو أو يقترب منه، ولن تجعل أجاي مساويًا لفلافيو، لكنها فقط تؤكد أن حكم المشجع على اللاعبين الحاليين قد يكون قاسيًا، وأن انطباعه عن اللاعبين القدماء لا يكون منطقيًا بشكل كافٍ؛ لأنه يتناسى اللحظات السيئة والفرص الضائعة ولا يبقى في ذاكرته سوى اللحظات المهمة فقط.
وحتى حين يعترض المشجع على اختيارات مدربي الأهلي الجدد في الصفقات، ويقارنهم بمانويل جوزيه، فهو يتناسى أن صفقات جوزيه كان من بينها أفيلينو وفابيو جونيور ورضا الويشي ورامي ربيع وأحمد سلامة ولم تكن كلها فلافيو.
أين ذهب المهاجمون العظماء؟
بعيدًا عن الأهلي، فإن المتابع للكرة العالمية سيكتشف أن هناك مشكلة عامة، وعدد المهاجمين في تناقص مستمر منذ زمن، اختفى أو كاد يختفي المهاجم الهداف الذي يحبه الجميع.
هناك صورة ذهنية يمتلكها أغلب مشجعي كرة القدم عن المهاجمين، هي التي تشكلت في التسعينيات وبداية الألفية، مهاجم يتمركز داخل منطقة الجزاء، يجيد التسديد، ومتفوق في الرأسيات، ويحرز أكبر قدر من الأهداف، لكن تدريجيًا بدا وكأن المهاجمين لم يعودوا قادرين على وضع الكرة في الشباك.
يعزى ذلك بالطبع إلى تطور كرة القدم وتزايد التعقيد التكتيكي، والذي لم يعد ممكنًا معه أن تظل مهمة التهديف معلّقة بقدم لاعب واحد، لذلك توزعت أدوار التهديف على أكثر من لاعب، وبات اللاعبون أكثر شمولية، لا يختص واحد بالتهديف وآخر بصناعة اللعب، ولكن المنظومة بالكامل تشارك في العملية، واللاعب الواحد يقوم بأكثر من دور.
لذلك لم تعد كرة القدم تتمحور حول المهاجم كالسابق، وبات دور الأجنحة ولاعبي الوسط أكثر أهمية مؤخرًا، ويكفي أن تلقي نظرة على هدافي الدوريات الخمس الكبرى لتدرك الأمر؛ صلاح وبرونو في إنجلترا، ميسي في إسبانيا، أندريه سيلفا في ألمانيا، مبابي وفولاند وديباي في فرنسا.
وبذلك فإن سطوة المهاجمين على اللعبة وعلى منصات التتويج قد خفتت تدريجيًا، وليس أدل على ذلك من أنه لم يتواجد في قائمة أفضل 10 لاعبين في العالم خلال الخمس سنوات الماضية سوى 4 مهاجمين فقط.
لا يعني ذلك بالطبع أنه لم يعد هناك مهاجمون هدافون على الساحة يؤدون هذه الأدوار مجتمعة، لكن عددهم أصبح أقل من السابق، وأندية مثل الريال وبرشلونة وتشيلسي لا تجد هذا المهاجم بين صفوفها، وهو ما يفسر اهتمام الجميع بهالاند مؤخرًا وتنافس الأندية الكبيرة للحصول على خدماته.
لأنه لا يجيد الفارسية
عمرو جمال ليس جادًا بما يكفي، أزارو ليس حاسمًا أمام المرمى، صلاح الدين سعيدو يعاني فقر الدم، بيتر إبيمويوي لا يجيد كرة القدم، إيفونا كثير الإصابات، كوليبالي يعاني مشاكل نفسية وهرب سريعًا، مروان شخصيته ضعيفة، وبواليا يضيع الفرص السهلة، وأحمد ياسر ريان ما زال يفتقد للخبرة.
كانت هذه انتقادات جمهور الأهلي على المهاجمين الذين لعبوا في الأهلي مؤخرًا، ولذلك ما زال البحث جاريًا عن مهاجم يحقق المواصفات المطلوبة لأنه لا يعقل أن تكون القارة بأكملها لا تحتوي على مهاجم يحقق هذه المواصفات رغم سهولتها الشديدة.
لا يطلب الجمهور سوى أن يكون المهاجم هدافًا، سريعًا، يجيد ضربات الرأس، يجيد التمرير والمشاركة في اللعب، ويكون حاسمًا في المباريات الكبيرة، ويكون صغير السن ولا يتقاضى راتبًا كبيرًا، وحاصلاً على الدكتوراه ويجيد 7 لغات منها الفارسية، وقرأ شعر العرب وأدبهم، هذا فقط ليس أكثر من ذلك.
لنترك السخرية، بعض هذه الطلبات مشروع بالطبع، لكن المشكلة أن من يطلب ذلك يغفل أو يتغافل عامدًا عن موقعنا على خريطة كرة القدم.
المهاجم الذي يمتلك هذه المواصفات لن يلعب في الأهلي أبدًا، أزارو الذي كان الجميع يعترف بأفضليته لولا أنه يضيع الفرص السهلة، لم يكن يلعب هنا من الأصل لو كان يسجلها، هكذا بكل بساطة، ولعل مصطفى محمد كان مثالاً واضحًا على ذلك، وموسم واحد فقط مع الزمالك كان كافيًا لتلتقطه أعين أندية أوروبا.
بين هذا وهذا
يرفض الجمهور هذه الحجج بالطبع لأن هناك مثالين بالجوار يقدمان نماذج أفضل من الأهلي على مستوى المهاجمين، أندية الخليج وأندية شمال أفريقيا، وإذا كانت حجة الأهلي الواهية في الأولى هي المال فإنها حجة لا تغني مع الثانية.
قد نتفق، لكن حيلة المال ليست واهية بالمرة، هذه النوعية من المهاجمين في الخليج لا تتقاضى أرقامًا مقبولة، راتب لاعب مثل عمرو السومة يزيد على 3 مليون دولار سنويًا وهو رقم يفوق ما يتقاضاه العديد من اللاعبين في أوروبا، فكيف بالأهلي؟
أما النموذج الثاني، فإن فرق شمال أفريقيا تمتلك مزية لا يمتلكها الأهلي وهي مزية الوقت والصبر، هذه أمور مهملة في كرة القدم هذه الأيام، ذلك أن اللاعب الذي تتعاقد معه هذه الأندية من أدغال أفريقيا عادة لا يكون بنفس المستوى الذي تراه به حين يصل اسمه إليك، بل يمر بمرحلة طويلة من التخبط والتكيف والتطور حتى يصل إلى هذا المستوى، وهو ما لا يمكن لجمهور الأهلي أن يتحمله بأي حال.
لذلك فإن الأهلي أمام خيارين؛ إما الصبر على لاعب ليكتسب الخبرات ويتألق تدريجيًا، وإما استقدام لاعب جاهز إن وُجد وحينها سيتكبد النادي مبلغًا ضخمًا، وهذا هو السؤال الأخير.
هل يستحق الأمر هذا العناء؟
حين نسمع الأرقام التي تُدفع في اللاعبين هذه الأيام فإن سؤالًا مهمًا يطفو على السطح وهو: من أين تأتي هذه الأموال في ظل المنظومة الحالية؟ وإن كان هذا سؤالاً لا يجد إجابة، فإن سؤالاً آخر يمكننا الإجابة عليه وهو: كم سيجني الأهلي من وراء هؤلاء اللاعبين؟
الأرقام المعلنة أن الأهلي يحصل على 2.5 مليون دولار من دوري أبطال أفريقيا، ومثلهم من الحصول على ثالث كأس العالم للأندية، ونفترض مليونًا آخر من البطولات المحلية، أي إجمالي 6 مليون دولار، فحين نتحدث أن الأهلي كان يفاوض لاعبًا كسيرينو يُطلب فيه 5 مليون يورو أو رمضان صبحي الذي كان سيكلف نفس الرقم، فما هو المتوقع من هذا اللاعب بالضبط ليكون صفقة رابحة؟
لو افترضنا أن اللاعب بمفرده سيجلب كل البطولات المتاحة، فلن يكون قادرًا على الوفاء بقيمة صفقته، والفريق بالفعل يحقق بطولتين كل موسم بالمهاجمين المتاحين، فلماذا يدفع هذه الأرقام إذن؟
الفرصة الوحيدة أن تجلبه للاستثمار وهو ما يبدو أنه ليس اتجاهًا لإدارة الخطيب، حيث يظهر ذلك من قرارات الإدارة في التعامل مع ملفات مثل بادجي وجيرالدو وأزارو، ولذلك فإذا لم يكن اللاعب سيباع مرة أخرى فليس هناك معنى أبدًا لدفع هذه الأرقام.
في النهاية فإن الأهلي لابد أن يتوقف عن البحث عن هذا المهاجم السوبر المزعوم، وربما لو وجّه هذه الجهود والأموال واستثمر بعض الوقت مع أحد إنتاجات قطاع الناشئين لعثر على ضالته هناك، لأن 10 سنوات من الحديث عن مهاجم سوبر مزعوم لم ينتج عنها سوى ملايين مهدرة في كل مرة دون جدوى.
وليقنع الأهلي من شعر العرب بقول الشاعر:
فقد حان الوقت ليضيف إليهم الرابعة، أن يمتلك الأهلي مهاجمًا سوبر.