كيف بدأ الخرق؟ قصة الصراع بين التيجراي وآبي أحمد
أحد الأقاليم العشرة، وسكانه 6% من أصل 100 مليون مواطن، يعيش صراعًا يوشك أن يفتك بوحدة إثيوبيا بالكامل.
بدأ الأمر منذ عهد الإمبراطور، أو الديكتاتور، منجستو ماريام الذي أدت سياساته لانتشار هائل في المجاعات والفقر داخل القطر الإثيوبي. حصدت الأحوال المتردية أراوح قرابة 8 مليون مواطن، فبدأ المواطنون في تشكيل معارضة لماريام، كانت المعارضة مسلحة في معظم الأوقات، لكنّها لم تكن على قلب قائد واحد.
عمليات صغرى، تجرح ولا تقتل، يقوم بها أفراد ينتمون لأكثر من 14 فصيلاً معارضًا ينقسمون على أنفسهم بسبب الإثنية العرقية. من بين تلك الفصائل كان التيجراي، وجبهتهم الشعبية، هي أكبر الفصائل نظامًا وأوسعهم من حيث التحالفات الخارجية، لدرجة أنهم تحالفوا مع الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا.
عام 1988 اجتمع ممثلو تلك الفصائل وقرروا أخيرًا أن يقاتلوا مجتمعين لإسقاط منجستو، ولأنه لا بد للتحالف من قائد، فأعطوا شارة القيادة لقوات التيجراي، لإدراك الجميع تنظيم التيجراي والفرق النوعي بين مقاتليهم وباقي مقاتلي الفصائل الأخرى.
عامان والتحالف يضرب منجستو حتى كادت الإطاحة به تتم، فتدخلت الولايات المتحدة وبريطانيا بتنظيم مؤتمر للمعارضة من أجل تحقيق ما قد تحقق بالفعل، ترتيب أوراق المعارضة ووضعهم تحت لواء واحد. شاركت كافة الفصائل المعارضة في المؤتمر، واتفقت على ما اتفقت عليه مسبقًا، القيادة للتيجراي، رغم قلة عددهم، ووجود قيادات أخرى لقبائل أكثر انتشارًا وعددًا، لكن المشاركين رأوا أن التيجراي أجدر بقيادة الحرب والسياسة.
أقلية تحكم لـ 20 عامًا
عُقد المؤتمر عام 1990، وبعد عام واحد دخل تحالف جبهة شعوب إثيوبيا، اسم التحالف الذي يضم الـ 14 فصيلًا، للعاصمة واستولت على الحكم. لم يكن من المفاجئ أن تختار الجبهة شخصًا من التيجراي، تاميرات لاينه، لتنصبه رئيسًا على البلاد عام 1991.
أُجيز الدستور الإثيوبي الجديد وبناءً على قواعده وصل مليس زناوي للسلطة عام 1995، وظل زناوي في السلطة حتى عام 2012، عام وفاته. زناوي هو الآخر من قومية التيجراي، ما يعني أن أثيوبيا ظلت 20 عامًا كاملة بعد منجستو تحت حكم التيجراي.
لم تكن السنوات العشرون مليئة بترحيب باقي الفصائل بسيطرة التيجراي، لكن زناوي استطاع أن يُحكم قبضته فاضطر الساخطون لكتم سخطهم. وبعد وفاته ارتفعت الهمهمات الغاضبة من سيطرة التيجراي على السلطة، وصار للهمهمات صدى حين وصل مريام ديسالين للسلطة وهو المنتمي لمجموعة تحالف شعوب جنوب إثيوبيا.
مجموعة أقلية جديدة تسيطر على الحكم فبدأ الأورمو في التململ، كونها مجموعة عرقية تمثل 40% من البلاد ولا تصل للحكم طوال عقود. ثم لاحظ الأورمو أنه يتم تهميشهم بشكل متعمد وأن السلطة المركزية تعمل على تقليل تأثيرهم وسحب مناطق نفوذهم. وتجلى ذلك في قرار الحكومة بمنح مجموعة من أراضي الأورمو لمستثمرين، فاشتعلت احتجاجات الأورمو التي أدت في النهاية لاستقالة ديسالين.
بعد فراغ منصب ديسالين بات من الضروري اختيار رئيس وزراء جديد، فدعمت الأورمو آبي أحمد، عقيد استخباراتي سابق في الجيش الإثيوبي، ففاز الرجل بدعم الأورمو والأمهرة، ومعارضة التيجراي.
محاولات تحجيم المارد
بدأ آبي أحمد حكمه بالعديد من الإصلاحات السياسية، قدر جيد من الحرية للصحافة، مصالحات مع القبائل المعادية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وبات عام 2018 يُعرف بعام المصالحات. لكن لنقفز عامين حتى نرى النقاط الكبرى التي أدت إلى الصراع المحتدم بين آبي أحمد والتيجراي.
في يونيو/ حزيران عام2020 أجرى آبي أحمد تغييرًا لم يحدث طوال 17 عامًا، تغيير رئيس الأركان ومدير الأمن والمخابرات الوطنية، الذي يتبع التيجراي. فمنذ وصول جبهة شعوب إثيوبيا للحكم، عام 1991، ظل ذلك المنصب يُعاد تدويره بين التيجراي. فاعتبر التيجراي أن ما قام به آبي أحمد هو استهداف لهم، ومحاولة لتهذيب مخالبهم.
أجرى الرجل عددًا من المصالحات مع المعارضة المسلحة ومع الجارة إريتريا، لكن تلك الأخيرة كانت نقطة خلاف أخرى له مع التيجراي. التيجراي يخوضون نزاعًا طويلًا مع الجبهة الشعبية الحاكمة لإريتريا على المنطقة الحدودية الفاصلة بين التيجراي وإريتريا. وكان من بنود مصالحة آبي أحمد مع إريتريا أن يسلمهم المنطقة المتنازع عليها تنفيذًا لحكم محكمة العدل الدولية الصادر عام 2002.
التيجراي غاضبون، ينتظرون الانتخابات القادمة لمحاولة استرداد نفوذهم، فتأتي الجائحة الوبائية ليطلب آبي أحمد من البرلمان تأجيل الانتخابات العامة ومن ثمّ تمديد ولاية آبي أحمد. رأى التيجراي ذلك أمرًا غير دستوري، وأعلنت رئيسة البرلمان، المنتمية للتيجراي، استقالتها قائلةً إنها غير مستعدة للعمل مع مجموعة تنتهك الدستور.
وصفت ثريا إبراهيم، رئيسة البرلمان المستقيلة، حكومة آبي أحمد بأنها دكتاتورية في طور التكوين. عقب استقالتها توالت الاستقالات، وتوّج الأمر بإعلان إقليم التيجراي بأنه سوف يجري الانتخابات منفردًا في موعدها المحدد، وقدّم طلبًا للجنة المركزية أن تشرف على الانتخابات.
انتخابات من طرف واحد
مضى التيجراي في خطتهم، خاصةً بعد أن بات مغضوبًا عليهم لرفضهم الانضمام لحزب الرخاء الذي أسسه آبي أحمد. أجرى التيجراي الانتخابات من طرف واحد، نظّموها وشارك فيها أكثر من 2.7 مليون ناخب. لكن رفضت الحكومة المركزية الاعتراف بها بحجة عدم قانونيتها. فردت حكومة التيجراي أنها هي الأخرى لا تعترف بالحكومة المركزية واعتبرتها غير دستورية.
فقررت الحكومة المركزية في سبتمبر/ أيلول عام 2020 وقف التحويلات المالية لإقليم التيجراي، فاعتبر التيجراي ذلك القرار بمثابة إعلان حرب. وجه إقليم التيجراي نداءً دوليًا للمساعدة، واصفًا ما يتعرض له بالقمع العسكري، خاصةً بعد أن وصفت الحكومة المركزية ما يحدث في الإقليم بالتمرد.
وفي لحظة غامضة، في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 200، بدأت اشتباكات مسلحة بين الطرفين لا يعرف أحد من بدأها حقيقةً فكل طرف يتهم الآخر بذلك. لتكون بذلك سابقة تاريخية تقوم بها الحكومة المركزية بقتال إقليم محدد من أقاليم الدولة، ولا يزال الجيش الإثيوبي متورطًا في ذلك القتال طوال شهور، وسط انتقادات دولية عديدة.
وبعد ثمانية أشهر من القتال أعلنت الحكومة الإثيوبية وقفًا لإطلاق النار من طرف واحد، يتزامن ذلك الإعلان مع حديث متواتر عن سيطرة القوات المعارضة، قوات التيجراي، على ميكلي، عاصمة تيجراي. وأسفر القتال عن وضع 350 ألف شخص في خطر المجاعة، وجعل 5 مليون فرد بحاجة ماسة للمعونات الغذائية. لكن ذلك لم يمنع سكان الإقليم من الاحتفال بخروج قوات الجيش الفيدرالي من إقليمهم، في يونيو/ حزيران عام 2021.
وقف إطلاق النار وخروج الجيش الفيدرالي لا يعني أن الصراع قد انتهى، فأفريقيا وتاريخها المليء بالصراعات يقول إن الأمر ما زال أمامه شهور طويلة، قد تصل إلى أعوام، حتى يصل إلى حل يرضي الجميع. وقد يكون ذلك الحل هو لجوء التيجراي إلى مواد الدستور الإثيوبي الجديد التي تنص على أن لكل شعب من شعوب إثيوبيا الحق في تقرير مصيره، ما يعني أن الحل قد يكون هو انفصال تيجراي.