في نهاية المطاف سيخسر تنظيم الدولة الإسلامية الحرب، هكذا علق وزير خارجية المملكة العربية السعودية عادل الجبير على انطلاق العملية العسكرية الأكثر أهمية في عام 2016 وهي تحرير مدينة الموصل من قبضة التنظيم، فماذا نعرف عن الموصل؟، وكيف حكمها التنظيم؟، وما هو مستقبله بعد المعركة؟


هنا موصل الحضارة
كما مثل التراث البشري للمدينة أيقونة الحضارة لها، مثل الموقع الجيوسترايجي الإيقونة السياسية لها.

الموصل ليست كأي مدينة عربية أخرى، فهي جامعة للحضارات، ومعاصرة لحوادث تاريخية رسمت مستقبل الأمة العربية والإسلامية، فهي مهد الحضارة الآشورية وعاصمة إمبراطوريتها، وهي أقدم مراكز الديانة المسيحية في الشرق.

تجملت أيضا بحضارة الإسلام فكانت المدينة الثانية في الشام بعد بغداد في العصر الأموي، حتى توجت بكونها المدينة الأولى في بلاد الشام إبان العباسيين، فهي المركز التجاري الأول لتصدير الأقمشة القطنية الفاخرة.

لم تكن المدينة الحضارية مجرد مدينة للسلام والتعايش الحضاري والتواصل التجاري بين الشعوب، فقد عانت أيضا من ويلات الحروب والهجمات المغولية في عام 1262، ثم حكمها العثمانيون في القرن السادس عشر، حتى وقعت فريسة للانتداب البريطاني 1926 بعد سقوط الخلافة العثمانية وانتهاء الحرب العالمية الأولى، فكانت تحت الانتداب مركزا لتطوير آبار النفط وصناعة الأسمنت.

تعريب الموصل كان هدفا أساسيا عملت عليه حكومات ما بعد استقلال العراق، فقد سعت إلى تهجير وتوطين المدينة المنكوبة، فكانت المدينة ملتقى لطوائف عرقية عديدة من العرب والتركمان والآشوريين الذين شكلوا بنية الخريطة الديموغرافية للمدينة.

وظلت هكذا حتى عانت من ويلات سقوط بغداد 2003، فانقلب حالها وتبدد تماسكها الديموغرافي فنالت قسطا من السياسات الطائفية، وأصبحت مركزا لمقاومة الاحتلال، وموطئ قدم لأنصار تنظيم القاعدة.

كما مثلت الثقافة البشرية الأيقونة الأساسية للحضارة بالمدينة، مثل الموقع الجيوستراتيجي لها الأيقونة السياسية لها، فهي تقع في قلب الشرق الأوسط ، وتتساوى فيها المسافات بينها وبين أربعة بحار هي (الخليج العربي، قزوين، الأسود، المتوسط). وهي تجاور سوريا وإقليم كردستان.


دعشنة المدينة الحدباء

من الجامع الكبير بالموصل كان الظهور الأول لأمير تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي، الذي أعلن من منبره توليه لإمارة التنظيم، ودعا فيها إلى طاعته وهجرة المسلمين إلى المناطق التي سيطر عليها التنظيم.

قامت الدعشنة على فرضية استثمار معاناة المسلمين السنة في بعض المناطق التي عانت من مفاسد الاستبداد السياسي والطائفي، فقد استطاع التنظيم إحكام سيطرته على المدينة بسهولة في منتصف عام 2014، معتمدا بذلك على انتفاضة أهل المدينة ضد سياسات المالكي، وهو ما قوبل بترحيب شعبوي.

وسرعان من انقلب هذا الترحيب بالتنظيم، إلى سخط شعبي ضد، ذلك نتيجة استخدامه لوسائله الوحشية في التعامل مع سكان المدينة فقد قام باستعباد الإيزيدين.

فقد أجبر النساء على ارتداء زى يغطي جسمهم بالكامل في الأماكن العامة كما قام بقتل العديد من المواطنين، فلم يمر عام على احتلال الموصل إلا وقام التنظيم بنشر قائمة تضم2070 جثة قام التنظيم بقتلهم، كما عانت المدينة من نقص الخدمات العامة مثل الكهرباء والوقود.


ما بعد معركة التحرير
معركة الموصل لن تنتهي بالعمل العسكري، حيث أن مرحلة ما بعد المعركة هي الأطول والأصعب إنسانيا

بعد أكثر من عامين انطلقت عملية تحرير المدينة من قبضة التنظيم في ظل أجواء طائفية لا تستبعد المصالح الشخصية أو الإقليمية فهناك تشارك بجوار القوات العراقية قوات الحشد الشعبي الشيعي، وقوات البشمركة الكردية، ,والحشد الوطني السني. فيما تشارك قوات التحالف الدولي والقوات التركية بأدوار محددة.

تحرير المدينة من قبضة التنظيم لا يعني نهاية التنظيم، بقدر ما يثير العديد من الأطروحات والإشكاليات، منها غياب رؤية محددة سلفا لإدارة مرحلة ما بعد التحرير، في ظل التعقيدات الطائفية المتشابكة خاصة وأن القوات التي تشارك في عملية التحرير قائمة على الأساس الطائفي.

كما تحمل عملية التحرير مخاوف انتهاكات حقوقية ضد السنة في المدينة، خاصة في ظل ما قام به الحشد الشعبي بسنة مدينة ديالي بعد تحريرها في نهاية العام المنصرم، هناك أيضا قصور في توفير مخارج آمنة وخطة بديلة لاحتواء أكثر من 800 ألف لاجئ عراقي هم نتاج عملية تحرير المدينة حسب تقديرات الأمم المتحدة.

تحرير الموصل يثير أيضا إشكالية عودة المقاتلين الأجانب إلى مواطنهم الأوروبية، وهو ما يحمل في طياته احتمالية تزايد العمليات الإرهابية في أوروبا مع تصاعد لهجة اليمين المتطرف ضد المسلمين.

إسقاط دولة الخلافة بالموصل سيعني خسارة التنظيم أكبر مدينة سيطر عليها منذ إعلان قيام دولتها في 2014، وهو ما قد يدفع بالتنظيم إلى النزوح على الجارة السورية.


مستقبل الداعشية
ويعلمون أن قضية المعركة التي نخوضها اليوم ليست مدنا نحكمها، ولا أرضا نكر في أرجائها، ولكنه الدين الذي نسعى لإقامته.

يبقى السؤال الأهم في معركة الموصل إذا ما افضت إلى طرد التنظيم من بقاعها، ما هو مستقبل الداعشيين؟ وأيديولوجيتهم؟.

تشير السردية التاريخية إلى أن الفكر لا يمكن استئصاله ما دام هناك ما يؤمن به، كما أن العقائد الدينية حينما تتحول إلى أيديولوجيا سياسية تكن أكثر أصولية لا يمكن استئصالها بالسلاح.

التجربة الأفغانية خير مثال على ذلك فالبرغم منإسقاط حكومة طالبان في نهايات القرن الماضي، إلا أنها ما زالت تحتفظ بأيديولوجيتها وأدواتها الفكرية والعقائدية، تمثل المظلومية السياسية وقود مقاومتها.

كما أن هزائم القاعدة المتكررة في كثير من البلدان الشرق أوسطية لم تنهي على التنظيم، بل أخرجت من أبنائه من يقودون حركات أخرى أكثر راديكالية ومن بينهم تنظيم الدولة.

لا يبدو سجال وأطروحة سقوط خلافة البغدادي تدور في أفلاك الإعلام الغربي والعربي ولكنها باتت تظهر على خطابات التنظيم ذاتها، والتي بدأ خطابها يأخذ منحنى تراجعيا، داعيا للصمود والصبر على ما مني به التنظيم من خسائر بين قادته، وتراجعه الميداني، فبدا اليوم يستجمع خطاب أهل الحق والإيمان الصابرون على الأذى، مرتكزا على أن الهدف الأسمى للتنظيم ليس حكم مدن بعينها، ولكنه إقامة الدين الإسلامي.

استحضار مفهوم جماعة المسلمين هو أحد تغيرات بنية الخطاب الداعشي فقد اختتم العدد الخمسون من مجلة التنظيم الأسبوعية النبأ، ما يدعوا إلى الحفاظ على جماعة المسلمين تحت قيادة وإمارة واحدة، محذرا من الخروج عن الجماعة، داعيا إلى الطاعة لولي الأمر وفق ما دعت إليه الشريعة الإسلامية، يأتي هذا الاستحضار في الوقت الذي بات أركان التنظيم الداخلية تعاني من أمراض التسوس الداخلية من التمرد والانشقاقات وفقدان القادة المؤسسين.

للمزيد:هل ما زالت دولة البغدادي «باقية وتتمدد»؟


الحديث عن سقوط دولة الخلافة لا يعني نهاية السلفية الجهادية، بقدر ما يعني تغيرا بنيويا في هيكل وبيئة التنظيمات الجهادية، وهو ما قد يدفع إلى مزيد من إعادة ترتيب البيت الجهادي مرة أخرى أو القبول بالعمل السياسي إذا ما توافرت عملية إدماج حقيقية للإسلامويين في الحياة السياسية العربية، وتوفير قاعدة إصلاح سياسية واجتماعية واقتصادية تعمل على وقف التطرف والعنف.

المراجع
  1. الموصل.. لماذا كل هذا الاهتمام؟
  2. ماذا حدث منذ سيطر تنظيم"الدولة الإسلامية" على الموصل؟
  3. الموصل المحاصرة: ثاني أكبر المدن العراقية