الدولة تستخدم الشماعات لمواجهة تسريب الامتحانات
هل فكرت يومًا في تأمل خزانة ملابسك (الدولاب)؟، هل سألت نفسك ولو لمرة واحدة ماذا تمثل «الشماعة» في حياة الدول العظمى؟، هل تعلم أن ثراء الحكومات وفقرها يتوقف على عدد «شماعاتها»؟، هل لاحظت مظهر النظام الخارجي الذي تحافظ الشماعة عليه من التجعد (الكرمشة)؟، إذا كنت لا تعلم كل هذا فقد «فاتك نصف عمرك» كما يقول المأثور الشعبي، فلا تفرط في النصف الثاني، وابدأ البحث فورًا عن الاختراع البشري الرائع؛ الشماعة، وكيف تستخدمه أجهزة الدول للخروج من الأوضاع المأزومة التي تتعرض لها.
التعليم والأمن: إيد واحدة لمواجهة التسريب
في إبريل الماضي نشرت صفحات الغش على موقع فيسبوك استعداداتها لتسريب الامتحانات، خاصة الثانوية بنوعيها: العام والأزهري. فحدّثت صفحة «شاومينج بيغشش ثانوية عامة» -أشهر صفحات الغش-، تطبيقها على الهواتف المحمولة ليشمل المراجعات النهائية؛ بهدف التسهيل على الطلاب، وكتبت صفحة «عبيلو واديلو»: «مساء الخير نسخن كدا علشان الامتحانات خلاص على الأبواب»، وعلقت صفحة «ثورة التعليم الفاسد» قائلة: «هانت فاضل شهرين».
وفي رد قوي وسريع على هذه التلميحات، أعلنت وزارة التعليم بمنتهى القوة أنه ليس هناك غش بامتحانات الثانوية العامة مثلما يُشاع، ولن يتم تسريب الأسئلة على وسائل التواصل الاجتماعي عقب بدء الامتحانات بربع ساعة، كما حدث في الأعوام الماضية، وأكد الوزير على معاقبة كل من ساهم -سواء من داخل المنظومة التعليمية أو من خارجها- بغرامة لن تقل عن 50 ألف جنيه، وحبس عام، وأعلن بقوة وثقة: «الغش في الامتحانات مسألة أمن قومي، والدولة مهتمة بكل تفاصيل العملية التعليمية».
ومن الناحية الأمنية شهد محيط المدارس، التي تُجرى بها امتحانات الثانوية العامة، استنفارًا أمنيًا، وتعيين خدمات أمنية ثابتة، فضلاً عن وجود دوريات أمنية متحركة باستمرار، وتم تأمين لجان الامتحانات بعشرات من التشكيلات الأمنية، وقوات الدفاع المدني، ورجال المرور، وشرطة النقل والمواصلات، وأكثر من 1500 غرفة عمليات، كما تفقد مديرو الأمن محيط المدارس؛ للاطمئنان على سير الامتحانات، وتم التأكيد على أن قوات الأمن بوزارة الداخلية تتولى تأمين جميع اللجان من الخارج، إلى جانب تأمين عمليات نقل الأوراق من المطبعة السرية، ومراكز توزيع الأسئلة واللجان.
فشل الوزارة في أول امتحان لها
رغم كل هذه التأمينات والتهديدات والتصريحات، تم تسريب امتحان اللغة العربية -أول امتحان للثانوية العامة- بعد مرور دقائق من بدء الامتحان، واعترف المسئولون بأن تسريب الامتحان حدث من داخل وزارة التربية والتعليم، مشددين على معاقبة كل من يتسبب فى عمليات التسريب والغش الجماعي بغرامة قدرها 50 ألف جنيه، وعقوبة حبس من سنة إلى ثلاث سنوات.
لكن الواقعة الأغرب كانت عندما نشرت صفحة «شاومينج بيغشش ثانوية عامة» على موقع فيسبوك أسئلة امتحان مادة الدين، وذلك قبل انتهاء الطلاب من امتحان اللغة العربية، وكتبت الصفحة:«99% ده امتحان الدين اللي هيمتحنوه بعد ما يخلصوا العربي اللي لسه قدامه ساعة ونصف»، فقررت وزارة التربية والتعليم إلغاء الامتحان بعد تسريبه، وقبل موعده بساعة، في واقعة تحدث للمرة الأولى.
بعدها بساعات تم القبض على بعض من مؤسسي صفحات الغش على موقع فيسبوك، والتي تحمل أسماء: «يوم المعجنة» و«بالغش اتجمعنا» و«شاومينج»، وتبين أن من بينهم طلاب بمعهد نظم المعلومات، يسكنون بالوراق والفيوم، ووُجهت إليهم تهم بنشر مشاركات تتضمن تسريب امتحانات الثانوية العامة والأزهرية بإجاباتها، وذلك بمقابل مادي على هيئة «كروت شحن» يقوم الطالب بشحنها على هاتفه المحمول، ثم يبيع الرصيد، فضلاً عن القيام بالإعلان عن سماعات للهواتف المحمولة يمكن استخدامها داخل لجان الامتحانات فى عملية الغش؛ لصغر حجمها.
إلى جانب ذلك قررت النيابة حبس 12 مسئولاً بوزارة التربية والتعليم من أعضاء لجنة وضع امتحانات الثانوية العامة، ومسئولون عن مطابع الامتحانات، ووُجهت إليهم تهم الإضرار المتعمد بمصلحة جهة عملهم.
ومن ناحية العقوبات القانونية التي تنتظرهم فإن تسريب الامتحانات هي تهمة جنائية تتراوح العقوبة فيها من 3 إلى 15 عاما؛ حيث تتصل بتهم التزوير وسرقة أوراق رسمية، ويتم تصنيفها كتهمة استغلال نفوذ سواء كانت بمقابل أو بدون. فإذا كانت بمقابل مادي يتم تصنيفها كتهمة رشوة أو تضليل واستغلال نفوذ وظيفية، أما في حالة عدم وجود مقابل مادي تكون التهمة إخلال بواجبات وظيفية.
مواجهة الفشل بالتسريب
أوضحت صفحة «شاومينج بيغشش ثانوية عامة» هدفها من تسريب الامتحانات، وأعلنت أن: «امتحان الدين كان الدرس التاني للوزارة، شاومينج بدأ ورسم طريق كل طالب مصري، شاومينج بيطلع وقت ما الوزارة تبيع أحلامه وتتاجر بيها»، وأعلنت الصفحة أهدافها لتغيير المنظومة الفاشلة، وهي الاهتمام بالمدرس بما لديه من حقوق وامتيازات وعليه من واجبات، وإلغاء التصنيف الطبقي للكليات بإلغاء التنسيق وتفعيل امتحانات القدرات، وتطوير المناهج الرقمية وإلغاء الاعتماد على الورق.
وأضافت «أنه في هذه الحالة سيختفي شاومينج إلى الأبد وسيتوقف عن تسريب الامتحانات»، كما وجهت الصفحة كلامها للوزارة، قائلة: «جربوا الموضوع ولو سنة واحدة، وشوفوا بقى لو كل واحد دخل برغبته دون إجبار التنسيق أو التقيد بدرجات، وانتظروا السنة التي تليها، وطابق نسبة النجاح والسقوط في الكليات، ساعتها مش هايكون لشاومينج دور، لأن فكرته هاتكون انتهت».
وبعد القبض على مؤسس صفحة «بالغش اتجمعنا» أعلنت صفحة «شاومينج» عن صفحة بديلة، وكتبت «ندعم بكل قوة صفحة بالغش اتجمعنا البديلة، وسنظل ندعمهم حتى يعودوا أقوى وأقوى، وندعم كل من يحارب معنا الفساد».
كيف نتغلب على التسريب؟
أعلنت الأجهزة الأمنية عن استحداث أساليبها، وتطوير تقنياتها لملاحقة القائمين على إدارة صفحات الغش، وطالبت المواطنين بسرعة الإبلاغ عن أي صفحات تعلن عن تسريب الامتحانات خلال الفترة المقبلة؛ وذلك حفاظًا على مجهود الطلاب.
ويؤكد الخبراء أنه بات من الضروري تفعيل قانون الجريمة الإلكترونية، ووجود ثورة تشريعية من البرلمان؛ للقضاء على صفحات الغش، وأن وزارة الداخلية يتعين عليها الاستعانة بشباب من «الهاكرز» المتخصصين؛ لملاحقة صفحات الغش، فضلاً عن مخاطبة شركات الإنترنت لحصر أسماء مسربي الامتحانات، كما اقترح البعض إعداد نسخ بديلة للامتحانات؛ ليكون هناك بديل حال تسرب الامتحان الرئيسي.
واقترح البعض نموذجًا للامتحانات يعتمد على «بنك الأسئلة» من خلال أجهزة إلكترونية؛ لمنع تسريب الامتحانات، كما أنه يوفر تكاليف الامتحانات، التي تصل إلى أكثر من 2 مليار جنيه، وهي تكلفة الامتحانات لمراحل التعليم قبل الجامعي.
وطالب الخبراء باتباع برامج إستراتيجية الوزارة لخطة التعليم (2014/ 2030)، والتي وضعت عدة برامج للقضاء على مشكلة وضع الامتحان، ومشروع الطباعة اللامركزية في كل القطاعات بالتوازي والمسمى بــ «الامتحان المشفر»؛ حيث يُطبع قبل الامتحان بساعة في كل اللجان على التوازي بالتعاون مع وزارة الاتصالات، من خلال كود مشفر يسمح لرئيس اللجنة بطباعة الامتحان بعد دخول الطلاب اللجان، وقبل موعد الامتحان، وهذا المشروع يقضي على أخطر مرحلة يمر بها الامتحان وهي مراكز التوزيع التي تتولى نقل الأسئلة، كذلك من ضمن آليات هذا المشروع طباعة رقم جلوس الطالب بعلامة مائية على ورقة الاسئلة؛ حتى يصعب تسريب الامتحان، وعند حدوث تسريب تستطيع الأجهزة تحديد من قام به، وفي هذه الحالة سيكون الطالب نفسه حريصًا على ورقه الأسئلة أكثر من غيره، فضلًا عن توفير ملايين الجنيهات في الطباعة والنقل على نفقة الوزارة.
«الشماعات»: ويوم ما أبطل أبرر هكون ميت أكيد
تؤكد هذه الواقعة أن كثيرًا من المصريين، وليس المسئولين فقط، عندما يواجهون أزمة فالحل دائمًا في البحث عن التبرير «الشماعة» وليس الأسباب، حيث حرصت الأطراف جميعها على أن تُلقي بالمسئولية على غيرها، وتعفي نفسها، فلم تبحث عن أسباب ولم تسع لنتائج؛ لأنها لا تنشد الحل.
ولنبدأ مع الوزير، الذي كانت شماعته للمشكلة قديمًا أنه قال: «لم أكن موجودًا كوزير بالامتحانات السابقة». وشماعته الحديثة تكمن في قوله: «تواصلت مع دول كثيرة بالخارج، وأكد بعضهم وجود نفس الظاهرة لديهم، واستخدموا آليات كثيرة، إلا أنه تم اختراقها فيما بعد»، وكأنه يرى أنها مشكلة بلا حل. وبالنسبة للوزارة، فبالرغم من أن تسريب امتحان اللغة العربية حدث من داخلها، وهي المسئولة عن هذه الأزمة -كما أعلنت في تصريح رسمي-، إلا أن نفس التصريح تضمن الشماعة لا الحل، فذكر أن هناك عملية اختراق وقعت من قبل جماعة الإخوان داخل الوزارة، و«أهل الشر هم المسئولون عن تسريب الامتحان».
أما وزارة الداخلية فكانت شماعتها هي مناشدة الطلاب، وأولياء الأمور بالإبلاغ عن أي صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي تعلن عن استعدادها لمساعدتهم على الغش. في حين كانت شماعة البرلمان نعت الوزير بـالفاشل ومطالبته بالاستقالة، بالإضافة إلى الشماعة الأشهر، وهي اتهام «الخلايا الإخوانية والتركية بالوزارة» بالوقوف وراء التسريب.
أما «شاومينج»، الذي يدعي البطولة، فقال إن هدفه «إظهار الخلل في المنظومة التعليمية»، وأنه يظهر «وقت ما الوزارة تبيع أحلام الطالب وتتاجر بيها»، ليقدم أيضًا التبرير الشماعة لا الحل، فالغش الأخلاقي لا يكون أبدًا حلًا.
فيما كانت شماعة الخبراء أن نظام التعليم في مصر «عقيم»، والواقعة تفضح أزمة سياسية تتمثل في اختراق الوزارة، وألقوا بالمسئولية على المطابع الأميرية؛ فهي الجهة الوحيدة في الدولة التي تتم فيها طباعة الوثائق الرسمية، وامتحانات الشهادات الدراسية، كما ألمحوا إلى أن أوراق الانتخابات الرئاسية المزورة التي فاز فيها محمد مرسي بالمقعد الرئاسي، تسربت من المطابع نفسها.
في حين أن «شماعة» الأهالي كانت أنهم حرموا أنفسهم من الأكل والشرب والتمتع بنعيم الحياة؛ من أجل الإنفاق على الدروس الخصوصية، وكأنهم قاموا بدورهم كما يجب أن يكون.
وكان لابد للطلاب أيضًا من شماعة، فاختاروا الفساد، الذي عبروا عنه بقولهم: «ناس تذاكر ومتدخلش كليات عالية وناس متذاكرش وتدخل أحسن كليات»، فضلًا عن ابتكار «سيلفي» الغش، حيث قام بعض الطلاب داخل إحدى اللجان بالتقاط سيلفي أثناء قيامهم بالغش الجماعي، وتناسى الطلاب تفننهم في استخدام وسائل تكنولوجية وأخرى تقليدية تقليدية في دخول اللجان بالهاتف المحمول، منها: القفز من أعلى السور أو وضعه في أماكن حساسة من جسدهم.
أدى ما يقرب من 560 ألف طالب وطالبة امتحان اللغة العربية، ومهما استعدت الوزارة لعدم تسريب امتحاناتها أو الغش خلال الامتحان فلن تستطيع؛ لأنها تتعامل بعقلية الستينيات، إنما الطلاب يتعاملون بفكر الإنترنت، كما أن الصفحات المتخصصة في تسريب الامتحانات تعمل منذ بداية امتحانات طلاب الثانوية الأزهرية على نشر الامتحانات، رغم أن القرار يطبق على الجميع، وواصلت نشرها للأسئلة بتسريب امتحان الجبر والهندسة للثانوية الأزهرية، في اليوم التالي لواقعة امتحاني اللغة العربية والتربية الدينية.
المذهل في الأمر أن ما تم تسريبه كان صورة ضوئية لأصل أسئلة الامتحان، التي يفترض أن تؤمّن بإجراءات شديدة لمنع تسريبها، وكذلك نموذج الإجابة الرسمي. وربما كانت الصدفة هي التي جعلت ما حدث يأتي في ذكرى نكسة يونيو 1967، أو ربما رسالة قدرية، أو ربما هو تدبير بليل. كل هذا ليس مهمًا، ليست الأسباب ولا الحل، المهم هو من الذي سرب؟، وكيف تم التسريب؟.