«في غرفة العنكبوت»: العالم المجهول للمثليين في مجتمع شرقي
يجلس «هاني» في غرفة العنكبوت، ويكتب حكايته، وينتقل بنا بطريقة هشة من خيط إلى آخر، ويحكي حين انقطع الصوت، وعاوده الخروج، وحين طلق زوجته، وذكرياته مع رأفت حبيبه الأول، وبحثه عن فارس الأحلام الذي ضيع عمره في حب، وفي حب من تركه وعرض عليه شريكه، والعلاقات الطائشة التي مر بها، وزنزانته في مزرعة طرة.
يوجد فوق المكتب الدفتر الجديد الذي يدون فيه حكاياته، يستقر فوق الحكايات الأخرى الهاربة في درج المكتب، حين يكتب عن كريم سعدون الحلبي، وراحة الزنزانة والبراز الجاف والعرق، وفحولة عبد العزيز، ومساعدات «البرنس» وخوفه عليه، وقصته مع شيرين، وحبه لبدرية الصغيرة، وحسنة، والفنانة بدرية.
«في غرفة العنكبوت»، للروائي المصري «محمد عبد النبي»، والمرشحة على القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، هي بمثابة سيرة واقعية لشخص شهد أحداث «الكوين بوت»، وخرج منها لا يعرف من يكون، لكنه يجلس وسط الخيوط ويمزقها لعله يعرف، ويتذكر كل العناكب في حياته.
العنكبوت
جاء ظهور العنكبوت في الرواية في مشاهد محددة وغير مترابطة، مشاهد تشبه فيما بينها بيت العنكبوت الهش، يستدعيه في بعض المواضع للمواساة، أو للبعد عن الخوف والانتحار، أو يأتي كإشارة لبداية جديدة، أو للتحذير، وكأنه الصديق الصدوق والوحيد الحقيقي في حياة هاني الهشة وفي قصته الغريبة عن المجتمع، ولعله يبرز من خلاله كيف خلقه الله بميوله للرجال.
اقرأ أيضا:موت صغير: عن حياة إمام المتصوفة «ابن عربي»
كان الظهور الأول للعنكبوت في غرفة الزنزانة، عنكبوت أسود هائل،خلفه أتى بجيش من العناكب يواسيه في محنته، في بعض الأحيان كان يستيقظ من نومه فزعًا، وهو يفكر في الانتحار ولكن العنكبوت يمنعه، كأنه يقول أنا هنا يا صديقي، أنت لست وحدك! عد إليَّ مسرعًا كلما شعرت بالوحدة خارج العش، وكلما مزقت الذكريات قلبك.
اللغة وأدواتها
جاءت اللغة في الرواية خليطا ما بين العامية والفصحى وتميل في بعض الأحيان إلى العامية الفصيحة، لغة مختلطة، ربما تعبر عن الواقع الاجتماعي للأبطال الذين لا يهتم أي منهم بأي ثقافة غير ثقافة إشباع الجسد، والجري وراء فارس الأحلام، ولكنها لغة غير معبرة عن خصوصية مجتمع الشواذ، فلا يعبر عنهم من خلال النص إلا بكلمة «الحبايب»، كأن الكاتب يريد أن يرسل لنا رسالة واضحة مفادها أن هؤلاء جميعًا مثل البقية لا اختلاف بينهم وبين مجتمعهم، فهم في نهاية المطاف بشر.
كما غلبت تقنية الراوي العليم على النص، إذ تمكن هاني محفوظ من خلال السرد في التعبير عن الوصف الخارجي للشخصيات والأحداث والتعليق على الأبطال بطريقة مكشوفة ومعبرة عن انحيازه لأصحاب الحكاية، ويظهر هذا من خلال تطور القص داخل النص.
كما استخدم الكاتب تقنية الحلم، والذي أقتصر على أحلام النوم، إذ يهرب هاني بهذه الأحلام من واقعه المرير الذي يدمره ويغوص بنا إلى داخل شخصيته العادية، فتارة يحلم بالعناكب التي تطارده، وتارة يرى نفسه طالبا متأخرا عن موعد امتحان أو جالسا في لجنة الامتحان يحدق في ورقة لا يعرف كلمة واحدة منها، وإذا عرف الأجوبة الصحيحة يجد قلمه فارغا من الحبر، وتارة يحلم بأمه جالسة في سبوعه بين النساء، وهناك من يحمل اللفة التي يزف بها، ويجري على نفسه ويفتحها ولا يجد سوى القماط الذي يحتوي على القماط.
تداخل النصوص
تعددت أشكال تداخل النصوص في الرواية، إذ نرى التناص الديني، والتناص الفني، والتناص مع الواقع اليومي والتاريخ. يظهر التناص الديني من خلال استدعاء الكاتب لآيات الذكر الحكيم، مثل ما نرى في قراءة كريم سعدون لآيات سورة يس حين على رأس هاني، حيث يستحضر الكاتب من خلال شخصية «كريم» النص القرآني بصورة مباشرة ويقتبس من القرآن كذلك قصة قوم لوط التي ذكروا بها وبما نزل عليهم من عذاب، والأثر الصوفي الذي بدا جليًا في حديث كريم إلى الله، يقول هاني:
كما ظهر التناص مع الغناء بقوة، فذكر أغاني لأم كلثوم، وفيروز، وعايدة الشاعر، ووردة، وليلى مراد، وأغاني لعمرو دياب، وغيرهم. أما الوعي الشعبي فنرى ملامحه في كلام أمه قبل أن توافيها المنية، وفي رائحة البخور الجميلة التي راحت تشمها «كأن جنينة وردة طايرة في الجو يا ولاد»، ويظهر أيضا في نداءات أم كريم على بضاعتها وهي تسير في حواري خورست: «ورور يا جرجير، أحلى من الموز يا فجل، بنزهير يا ليمون، يا خس يا مليجي يا أحلى من الشهد».
اقرأ أيضا:«السبيليات»: من سيرة المرأة والحرب
لعل حادثة «الكوين بوت» هي الحادثة الأشهر في عالم المثليين، ففي عام 2001،قامت السلطات المصرية باحتجاز العشرات من داخل الملهى الليلي العائم والمعروف بمركب «الملكة ناريمان» أو «الكوين بوت»، وقدموا إلى المحاكمة بمحكمة أم الدولة العليا بتهمة الفجور، وتحت مظلة قانون الطوارئ. أثارت المحاكمة جدلا واسعا وشهدت اهتماما من منظمات حقوق الإنسان، ووسائل الإعلام الدولية.
ويتمثل التناص التاريخي في ذكر تفاصيل واقعة الكوين بوت أو مركب الملكة ناريمان، والتي أثار ضجة هائلة في بداية الألفية الجديدة، حيث كانت حدثًا مدويًا وجارحًا في ظل مجتمع شرقي، يرفض هذه الظاهرة ويعتبر أن المثلية الجنسية دخيلة على مجتمعه.