المشهد الذي هز إسرائيل
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
المشهد التالي منقوش في عقول العديد من الإسرائيليين، ففي الصيف الماضي، وبعد أيام قليلة من نهاية عملية الجرف الصامد، زار قائد كتيبة المظلات، الكولونيل اليعازر توليدانجو عنبر جراحة المخ والأعصاب بمركز رابين الطبي في بتاح تكفا.وهناك، كان يرقد ضابط شاب غائب عن الوعي، وأحاطت عائلته الكبيرة بسريره، بينما كانوا ينتظرون قائد الكتيبة.العائلة المذكورة للضابط المصاب، الميجور حجاي بن آري، تتألف من الوالدين والزوجة والإخوة والأخوات، والذي تلقى إصابة بالغة خلال المعركة، ودخل في غيبوبة منذ ذلك الحين.وقبل وقت قصير من اندلاع الصراع في غزة، استدعي بن آري إلى مكتب توليدانو. وفي نهاية المقابلة، تلقى جندي المظلات المميز خبرا جيدا، حيث سيعين قريبا قائدا لوحدة الاستطلاع، التي تضم الصفوة.يذكر أن قائد الاستطلاع يمثل منصبا مرموقا، ومرغوبا فيه، حيث تقلده رؤساء أركان سابقون أمثال موشيه يعلون، وشاؤول موفيز، وموشيه ليفي، وكذلك مساعد رئيس الأركان ماتان فيلناي، وآخرون.وذهب بن آري آنذاك مع عائلته في عطلة قصيرة إلى إيلات، وكان يفترض أن يبدأ تسلم منصبه الجديد كقائد وحدة الاستطلاع عقب عودته.لكن الحرب اندلعت في غزة أثناء العطلة، ودخل بن آري مع جنود الاستطلاع في وحدته غمار معارك حامية الوطيس في خان يونس، حيث لحقت به إصابة بالغة الخطورة في رأسه برصاص قناص، وهو ما أدخله في غيبوبة.ومكث بن آري، الذي لم يتقلد رسميا ترقيته، فاقد الوعي في المستشفى، وأخذ يصارع من أجل الحياة، حتى ليلة 20 سبتمبر 2014، عندما أخبر الأطباء العائلة أن حالته تتدهور بسرعته، وأن دقائقه في الحياة صارت معدودة.وفي حوالي الثانية صباحا، وصل توليدانو، ودخل غرفة المستشفى التي تواجد فيها معظم أفراد عائلة بن آري.وأمسك توليدانو يد الضابط فاقد الوعي، وأخذ يتحدث معه رغم علمه أنه لا يسمعه، وأشاد بمهاراته القتالية، وقيادته، واحترافيته كضابط وقائد، وأضاف بعد ذلك: “أطلب منك السماح بإتمام عملية الترقية، ووضع اسمك إلى قائمة قادة وحدات الاستطلاع بالمظلات”.وهكذا، نال بن آري ترقيته، رغم فقدانه الوعي.وقبل تلك الواقعة بأيام قليلة، زار المغني الإسرائيلي الشهير موكي غرفة بن آري في المستشفى، لا سيما وأن أبناء الضابط المصاب الثلاثة كانوا مغرمين بوجه خاص بأغنية Father’s Child.وجلس موكي، وعزف على آلة الجيتار، وشدا بالأغنية، وسط دموع العائلة. واجتذبت قصة الضابط المصاب عامة الإسرائيليين، ولامست قصته القلوب والعقول، وذرفوا من أجله محيطات من الدموع.لكن المدهش أن بن آري لم يمت، لكنه ما زال في الغيبوبة التي تبدو فرصة إفاقته منها واهية، حيث يقول الأطباء أنه سيبقى فاقدا للوعي بشكل مستمر، ومن المتوقع أن ينقل لاحقا إلى وحدة مستقلة ملحقة بمنزل والديه.وتحيي إسرائيل في 21 أبريل من كل عام ذكرى هؤلاء الذين قتلوا دفاعا عنها، وضحايا الإرهاب، ويمثل اليوم الأكثر حزنا خلال العام.ويأتي يوم الذكرى بعد أسبوع واحد من إحياء ذكرى الهولوكست، التي تمثل المأساة اليهودية الأكبر عبر العصور، عبر عمليات إبادة نفذتها النازية، كما يتضاءل عدد الناجين من الهولوكوست الباقين على قيد الحياة، بشكل سريع.ويتزايد عدد القتلى في صفوف القوات المسلحة الإسرائيلية عاما بعد عام، وأضافت عملية الجرف الصامد 67 اسما جديدا.وخلال العقود الأخيرة، مر المجتمع الإسرائيلي بعملية غريبة، حيث أظهر تسامحا مفاجئا تجاه سقوط ضحايا مدنيين بسبب الإرهاب، أو في ساحات القتال، كالهجمات الصاروخية، لكنه يعتبر فقدان الجنود أمرا كئيبا، وكارثة قومية، تصيبه بالشلل.وكانت الأمور تتخذ اتجاها مختلفا خلال العقود الأولى من دولة إسرائيل، حيث كان دور الجيش الإسرائيلي يتركز أساسا على حماية مدنيي الدولة الشابة، لكن بمرور السنوات، تحرك البندول إلى الاتجاه الآخر. وفي حرب لبنان الثانية، تسببت وفاة خمسة ضباط جيش في معركة مارون الراس في إحداث شلل للمجتمع الإسرائيلي، وحالة اكتئاب عميق، استمرت خلال بقية الحرب.وفي عملية الجرف الصامد، قتل سبعة من مقاتلي كتيبة جولاني، في ليلة قتال عنيف بحي الشجاعية بغزة، وبات ذلك بمثابة مأسأة قومية.وربما يعزي ذلك الشعور إلى تلك الحالة الخاصة بين الإسرائيليين والجيش، حيث يعتبرونه جيشا للوطن، والدرع الوحيد الذي يقي الدولة اليهودية من النزيف والانفجار والقتل والمخاطر المميتة بالشرق الأوسط.وبشكل أو بآخر، سنشهد قريبا مرحلة يدافع فيها المدنيون عن الجيش، وليس العكس. وبالمناسبة، فإن المتوقع أن تشهد المواجهة القادمة على الجبهة الشمالية خسائر بالجبهة الداخلية تتجاوز عدد الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا على الصفوف الأمامية، بسبب قوة ترسانة حزب الله الصاروخية. العالم ينقلب رأسا على عقب بالفعل.ويبلغ عدم تسامح المجتمع الإسرائيلي تجاه الخسائر في أرواح الجنود ذروته عند اختطاف عناصر من الجيش، مثل قضية جلعاد شاليط، التي استمرت تشغل الرأي العام لمدة خمس سنوات ونصف العام.ورغم مبدأ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعدم التفاوض مع الإرهاب، لكنه اضطر لإطلاق سراح المئات من القتلة مقابل جندي إسرائيلي واحد.وفي عملية الجرف الصامد، كانت هناك واقعتان لسرقة جثث جنود إسرائيليين، أولهما الرقيب أورون شاؤول، الذي لم يتم العثور على جثته بعد مقتله في حي الشجاعية، أما الثاني، فهو الليفتنانت هدار جولدن ابن عم يعلون، والذي سحب مقاتلو حماس جثته إلى أحد الأنفاق في اليوم الأخير للقتال، بعد أن بدأ بالفعل تفعيل هدنة وقف إطلاق النار.وبعكس السابق، يتبنى الجيش الإسرائيلي تكتيكات وقائية تفاديا لعدم تكرار ملحمة شاليط، من خلال إضعاف مسبق لهذا النوع من الصدمة.ووفقا لتعليمات من كبير حاخامات جيش الدفاع الإسرائيلي، العميد رافي بيريتس، وكبير الأطباء، الدكتور تشن كوجل، أعلن موت المقاتلين، مع إبلاغ عائلتيهما، مع إعلان الحداد.وفي حالة شاؤول، لم تكن هنالك جثة لدفنها، لكن بالنسبة لجولدن، فقد تمكن الجنود من العثور على بعض بقايا جثته، وتم التعرف عليه من خلال ال”دي إن إيه”.الخطوات المذكورة أعلنت بعد أن أثبتت نتائج المعركة مقتل كلا الجنديين، واستهدفت قطع الطريق أمام سنوات طويلة من المعاناة وعدم التيقن من جانب عائلتيهما، وكذلك توفير نفقات على الدولة، وتجنيبها عمليات المبادلة. وبالفعل، قبلت العائلتان بالقرار، لكن عائلة شاؤول غيرت رأيها مؤخرا، بعد صدور تقارير جديدة عن معارك حي الشجاعية.وطالبت العائلة الدولة بإجابات، وكذلك عودة الجندي المختفي، حيا أو ميتا، وسط توقعات بأن تعود للشارع الإسرائيلي، وشاشات التلفاز، مشاعر مماثلة لفترات أسر جلعاد شاليط.