تأرجحت الحالة السلفية المصرية، في الثوابت الدينية والمواقف السياسية، خلال ما يزيد على 6 سنوات من عمر ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، بين الانعزال الديني في زوايا المساجد، والحفاظ على السمت السلفي المعروف بالجلباب القصير واللحية الكثة، وتبني المنهج الثوري، ودعم السلطة، والانقلاب على رفقاء التوجه الواحد.

واستثمرت الحركات والجماعات السلفية الموجة الثورية التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك في 11 فبراير/ شباط 2011، في ممارسة السياسة حتى احتلت الدعوة السلفية -أبرز الجماعات الدينية/ وتتمركز بمحافظة الإسكندرية شمال- وذراعها السياسية «حزب النور»، المركز الثاني في عدد مقاعد البرلمان المصري المنتخب في 2011، بـ 121 نائبًا، خلف جماعة الإخوان المسلمين، التي حصلت آنذاك على 235 مقعدًا.

وتعد الحركة السلفية في مصر، منذ الثورة، على اختلاف توجهاتها الأيديولوجية والمؤسسية والحركية من أبرز الفاعلين في المشهد السياسي والاجتماعي، فبينما اتخذ حزب النور والدعوة السلفية موقفًا داعمًا للسلطة قبل الثورة وبعدها، وأيدا الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًّا بالبلاد «محمد مرسي»، اتجهت حركات سلفية أخرى لدعم الحراك المناهض للنظام الحالي الذي أطاح بجماعة الإخوان المسلمين من الحكم في صيف 2013.

وبالعودة بعقارب الساعة نسرد تجارب الحركة السلفية المصرية، وخريطة لتفاعلاتها وتحولاتها قبيل الثورة مرورًا بتموضعها الحالي واشتباكها مع المشهد السياسي والاجتماعي والتكهنات المستقبلية لها.


الدعوة السلفية: «الذراع الدينية» للأنظمة

احتلت الدعوة السلفية وحزب النور -تم ترخيصه رسميًا يوم 8 يونيو/ حزيران 2011- خلال تلك الفترة القصيرة من عمر الثورة، موقعًا بارزًا في المشهد السياسي المصري، بدا في دعم النظام الحالي، الذي أدار البلاد منذ الإطاحة بمرسي وسخَّرا أدواتهما في إطار ذلك، وسط مناورات سياسية ودينية للمعارضين للنظام والرافضين لوجودهما السياسي، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين وأصحاب التوجهات اليسارية والليبرالية الأخرى.

ومثَّلت كتابات ياسر برهامي، أحد أبرز منظري السلفية المصرية، وهو نائب رئيس مجلس إدارة «الدعوة السلفية»، مواقف وتبنيات جماعته والحزب المنبثق عنها.

ففي كتابه «السلفية والتغيير» كشف برهامي عن الموقف العام لـ«الدعوة السلفية» من الديمقراطية وتداول السلطة بقوله: «الديمقراطية مثل صنم العجوة الذى كان يصنعه المشرك فإذا جاع أكله».

وكان التفاعل الأول لقيادات الدعوة السلفية مع ثورة يناير/ كانون الثاني بتحريم الخروج على الحاكم، ثم الارتماء في أحضان الثورة بعد نجاحها في الإطاحة بحسني مبارك، وتشكيل جبهة قوية مع جماعة الإخوان المسلمين لأجل الوصول إلى السلطة والسيطرة على مقاعد أول برلمان (2011)، ولجنة لوضع دستور 2012، وانتخاب أول رئيس بعد الثورة (محمد مرسي).

غير أنهم بعد أقل من عام كانوا من ضمن أبرز المؤيدين للإطاحة بمرشح الإخوان المسلمين من الرئاسة، والداعمين لخارطة الطريق التي أعلن عنها وزير الدفاع آنذاك الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي في 3 يوليو/ تموز 2013.

ومن أكثرية إسلامية منتخبة من نواب البرلمان المصري المنتخبين -بغرفتيه الشعب والشورى- في الجمعية التأسيسية لوضع دستور 2012، إلى ممثل وحيد للنور، وأغلبية بعيدة عن التيار الإسلامي معينة بقرار من الرئيس المؤقت عدلي منصور في لجنة الخمسين لتعديل دستور 2013، هكذا بدا دور «النور» في المشهد السياسي ممثلًا في فترة ما بعد الإطاحة بمرسي للتيار الإسلامي.

وفي مفاجأة أخرى، حول السلفيين، سقط حزب النور في الانتخابات البرلمانية التي عقدت في الربع الأخير من العام قبل الماضي، سواء على مستوى القوائم أو المقاعد الفردية، محرزًا 12 مقعدًا من أصل 596 مقعدًا، بعد أن كان يحتل ربع مقاعد البرلمان السابق.

وخلال 4 أعوام تقريبًا سعى حزب النور في تغيير الصورة النمطية له بكونه قائمًا على أساس ديني، فاستقطب مجموعة من الشخصيات المسيحية لتمثيله في البرلمان، واستخدم الصور الحقيقية لمرشحاته في مجلس النواب الأخير، بعد أن كان يضع بدلًا من ذلك صورة «وردة»، كصورة نمطية تعبر عن تحريم تصوير النساء.

وفي مايو/ أيار 2016 ظهر نادر بكار، القيادي البارز بحزب النور، مهذبًا لحيته التي طالما بدت كثة، مثيرًا جدلًا وتهكمًا وسخرية داخل التيار الإسلامي، بين المؤيدين والمعارضين لمواقف الحزب منذ الإطاحة بمرسي.

ونشر بكار تلك الصورة عبر صفحته الرسمية بموقع فيسبوك، خلال وجوده في الولايات المتحدة الأمريكية غير أنه أزالها بعد ساعات معدودة إثر الهجمة التي طالته، لكونه محسوبًا على تيار سلفي أكثر تشددًا بعدم جواز حلق اللحية أو تخفيفها.

وخاض نواب حزب النور في البرلمان المنتخب في 2011 معارك حول تحريم دراسة اللغة الإنجليزية في المدارس المصرية، وضرورة تشميع التماثيل الأثرية وتغطيتها، وتمسكهم بالمادة الثانية في الدستور «الشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع»>

غير أن هذه المواقف تبدلت مع الإطاحة بنظام الإخوان، فمن ناحية «الشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع»، اعتبر الحزب عقب انتهاء انعقاد جلسات «لجنة الخمسين» لإعداد دستور 2014، أن «المادة الثانية ليست قرآنًا»، في إشارة إلى تنازله عن «الشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع».

كما غابت المعارك التي خاضوها سابقًا حول السياحة وتحريم الفوائد الربوية في القروض التي تتعاقد عليها الحكومة مع دول ومنظمات أممية.


التيار المناهض للنظام

فتحت الثورة الباب أمام التيار السلفي لتشكيل الأحزاب، بعد أن كان «التحزَّب» عصبية مذمومة في أدبيات السلفيين، فتغيرت الظروف بسقوط نظام مبارك، وبدأ التيار السلفي يتعاطى مع الواقع الجديد، الذي دفعهم للسيطرة على المشهد السياسي مع الإخوان المسلمين، غير أنهم سريعًا ما سقطوا بسبب «المراهقة السياسية».

وكما مثَّل حزب النور والدعوة السلفية تيارًا مؤيدًا للنظام الحالي على طول الخط، وجدَّت أحزاب وحركات إسلامية أخرى داعمة لموقف الإخوان المسلمين المعارض للنظام الحالي، واعتبار إطاحة قادة الجيش بمرسي في يوليو/ تموز 2013 «انقلابًا عسكريًا».

ومن أبرز تلك الوجوه السلفية التي تعارض النظام الحالي أحزاب الأصالة، والفضيلة، والإصلاح، وحركة الجبهة السلفية.

وشاركت جميعها بقوة في الأيام الأولى للثورة، وتعد أبرز التيارات السلفية التي أعلنت تأييدها الصريح والمطلق للمرشح الرئاسي السابق حازم صلاح أبو إسماعيل، وتعتبره زعيمًا إسلاميًّا.

وتعد من أبرز مكونات التحالف الداعم لمرسي، عقب الإطاحة به، نظرًا لنشاط قياداتها الإعلامي وحراك شبابها الثوري، كما كانت من ضمن المشاركين في اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بالقاهرة الكبرى.

غير أن الجبهة السلفية أعلنت انسحابها من التحالف بعد أيام من دعوتها التي أطلقتها للتظاهر في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 المعروفة بـ«انتفاضة الشباب المسلم».

وتُعَرِّف الجبهة السلفية نفسها باعتبارها: «رابطة تضم عدة رموز إسلامية وسلفية مستقلة؛ كما تضم عدة تكتلات دعوية من نفس الاتجاه ينتمون إلى محافظات مختلفة في جمهورية مصر العربية»، وتعد مدينة المنصورة، نقطة انطلاق الجبهة، ومن أبرز رموزها «خالد سعيد، وسعد فيَّاض، ومصطفى البدري، ومحمد جلال القصاص».


التيار المدخلي

تتلاقى مع الدعوة السلفية وحزب النور في دعم الحاكم، وتزيد عنهم في ذلك في الإيمان الكامل بطاعته ولو كان فاسقًا ظالمًا لا يطبق الشريعة، غير أنها ترفض العمل الجماعي المنظم جملة وتفصيلًا، وتعتبر الدعوة السلفية والإخوان المسلمين «خوارج».

ويمثل التيار المدخلي في مصر الشيخ محمد سعيد رسلان الداعية السلفي المعروف في محافظة المنوفية، والشيخ أسامة القوصي بالقاهرة.

وكان لشيخ التيار المدخلي محمود عامر فتوى أثارت الجدل قبل الثورة، بمبايعة الرئيس الأسبق حسني مبارك «أميرًا للمؤمنين وبضرورة قتل محمد البرادعي، كما أثار الداعية أسامة القوصي جدلًا شعبيًا وإعلاميًا حوله نظرًا لفتاواه المثيرة للجدل على غرار «إجازة الموسيقى، ومصافحة النساء».

وطال التيار المدخلي اتهامات من جانب مراقبين وإسلاميين بأن الدولة تستغله أمنيًا في محاربة المجموعات السلفية والإسلامية التي تمارس السياسة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.