القصة الحقيقية وراء فيلم «Split»
منذ أن بدأ عرض فيلم «Split» في دور السينما المصرية وهو مثار حديث الجميع. بدا واضحاً أن الجميع منبهر بقصة إنسان يملك ثلاث وعشرين شخصية، اندفع الشباب بشكل ملحوظ لمشاهدة الفيلم لدرجة أنني حضرته في قاعة ممتلئة على آخرها في حفلة منتصف النهار في يوم ليس بيوم عطلة. وهو أمر غير معتاد في فيلم أجنبي بميزانية محدودة ولا تدور أحداثه حول أحد الأبطال الخارقين.
شاهدت الفيلم ولم يكن على قدر التوقعات العالية برغم الأداء الجيد والمجهود الكبير الذي قدمه «James McAvoy» بطل الفيلم الذي قدم ثماني شخصيات فقط أثناء أحداث الفيلم من أصل 24 شخصية والتي من المفترض أن كيفن كرامب (الشخصية الرئيسية بالفيلم) يملكها، كونه مصابًا بمرض متلازمة الشخصيات المتعددة (Multiple Personality Disorder). لكن الذي أثار دهشتي بحق هو أن هذه القصة حقيقية، وأن هناك بالفعل رجلاً أمريكيًا عاش حياته من خلال 24 شخصية في جسد واحد أو هكذا ادّعى. هذه الحكاية أغرب بكثير من الفيلم، وهذا الرجل هو «بيلي ميليجان».
بيلي صاحب الأربع وعشرين شخصية
في عام 1975 اتهمت حكومة ولاية «أوهايو» مواطنًا أمريكيًا يُدعى «بيلي ميليجان» بثلاث قضايا اغتصاب وقعت في حرم جامعة أوهايو. تعرفت الضحايا الثلاث على ميليجان، وتمت إدانته وحبسه. المفاجأة حدثت عقب هذا حينما شخصه أحد الأخصائيين النفسيين بمتلازمة عُرفت وقتها بخلل الشخصية المتعددة. استغل محامي ميليجان هذا التشخيص وبنى مرافعته من خلالها، مُدعيًا أن ميليجان لم يرتكب هذه الحوادث، وأن من ارتكبها هي شخصيات أخرى تحكمت في عقل وجسد ميليجان الذي كان غائبًا عن حكم نفسه لمدة تجاوزت السبع سنوات.
في عام 1977 أصبح ميليجان أول متهم ينجح في الإفلات من عقوبة جنائية بحجة خلل نفسي، وتم نقله من سجن تابع للولاية إلى مجموعة مصحات نفسية منها مصحة «أثينس» حيث تم اكتشاف 10 شخصيات من شخصياته المتعددة، وهي الشخصيات العادية التي يظهر بها أمام الناس، وتمت إضافة 14 شخصية أخرى لها، وتم تصنيفها بأنها «شخصيات غير مرغوبة».
والشخصيات العشر المسموح لها بالظهور هي:
1- بيلي ميليجان: الشخصية الأساسية.
2- أرثر: شخصية مثقفة جدًا لرجل إنجليزي صاحب مستوى تعليمي مرتفع. خبير في الطب والعلوم. هو أحد شخصيتين تتحكمان في الجسد وتحدد ما هي الشخصيات غير المرغوبة.
3- راجين: حارس الكراهية. راجين يصف نفسه بصفته يوغسلافي. يمكنه التحدث والكتابة باللغة الصربية، كما أنه قوي بدنيًا للغاية. يمكنه التحكم بالجسد في حالات الخطر، كما أنه يشارك أرثر في تصنيف الشخصيات غير المرغوبة. اعترف راجين بارتكاب جريمة سرقة لمساندة العائلة، ولكنه أنكر أي صلة بحالات الاغتصاب.
4- ألين: شخص متلاعب. أكثر من يمكنه الحديث للعالم الخارجي. يمكنه العزف بواسطة الطبل كما يمكنه رسم اللوحات. هو الوحيد الذي يستخدم يده اليمنى، كما أنه الوحيد الذي يقوم بتدخين السجائر.
5- تومي: فنان يجيد الهرب، غالبًا يتم الخلط بينه وبين ألين. يقوم بعزف الساكس، كما أنه خبير إلكترونيات.
6- داني: يخاف من البشر وخصوصًا الرجال. يقوم برسم الأحياء فقط ولا يرسم مناظر طبيعية أبداً. يقول إنه يقوم بذلك لأن شالمر أجبره على حفر قبر ودفن نفسه فيه.
7- ديفيد: حارس الألم. يتحكم في الجسد ليمتص الألم من الشخصيات الأخرى.
8-كريستين: فتاة في الثالثة من عمرها. كانت هي من تقف في زاوية الفصل حينما كان بيلي يُجبر على فعل ذلك.
9-كريستوفر: شقيق كريستين. يقوم بعزف الهارمونيكا.
10- أدالانا: فتاة لها ميول جنسية مثليلة. تقوم بأعمال المطبخ وتنظيف المنزل. تم توجيه تهم الاغتصاب الخاصة بالثلاث فتيات لها، حيث قامت بها دون علم بيلي.
بالإضافة لهذه الشخصيات تم التعرف على 14 شخصية تم تصنيفها على أنها «غير مرغوب فيها»، لن نتحدث عنهم جميعًا وسنكتفي بشخصيتين هما؛
كيفن: العقل الإجرامي. يضع الخطط الخاصة بالسرقات.
الشخصية الرابعة والعشرون «المُعلم»: أهم شخصية حصل عليها بيلي، يمكنه من خلالها دمج قدرات الشخصيات الأخرى. يمكننا اعتبارها حصيلة قدراتهم جميعًا مجتمعه.
بيلي في السينما بين «ديكابريو» و«ماكفوي»
قبل أن يقرر المخرج «نايت شايامالان» العمل علي فيلم Split بسنين طويلة، تكرر الحديث عن صنع فيلم عن شخصية بيلي حيث يقوم بدوره «ليوناردو ديكابريو» الذي – وطبقا لمجلة Hollywood Reporter – قد أبدى اهتمامًا بتجسيد الشخصية أكثر من مرة. لم يقم ديكابريو بالشخصية وفوجئ الجميع بعودة شايالامان بفيلم عن شخصية مصابة متلازمة ازدواج الهوية Dissociative Identity Disorder وهو المسمى الجديد لمتلازمة تعدد الشخصيات التي تم تشخيص بيلي ميليجان بها.
تأثر شايامالان بشدة بالقصة الأصلية لبيلي لذا نجد بطله صاحب أربع وعشرين شخصية أيضًا. ويمكن ببساطة أن تقارن بين شخصيات بيلي ميليجان التي ذكرنا بعضها وبين شخصيات الفيلم وستجد تشابهًا يصل لحد التطابق. الجدير بالذكر أيضًا أن شايامالان اختار اسم إحدى شخصيات بيلي ليصبح هو اسم الشخصية الأصلية في فيلمه Split فأصبح «كيفن» هو اسم بطله.
تدور حبكة الفيلم أيضًا حول الشخصية الرابعة والعشرين، والقادرة على جمع قدرات باقي الشخصيات والتفوق عليها جميعًا وهي نفس مواصفات شخصية «المُعلم» الخاصة ببيلي ميليجان!
هل هذا مرض حقيقي؟
يمكن أن يكون هذا هو السؤال الأهم الذي خرج به مشاهدو الفيلم على اختلاف آرائهم في مستواه الفني، خصوصًا أن الفيلم استطاع جذب جمهور ليس من عادته الاهتمام بالسينما بقدر اهتمامه بالتشويق والأفكار الغريبة. والإجابة تترواح بين جانبين.
الجانب الأول، هو رأي بعض الأطباء النفسيين ومنهم د.توماس سازس الطبيب النفسي بولاية نيويورك وذلك إبان إعفاء بيلي من حكم السجن حيث صرح د.توماس بالتالي : «تعدد الشخصيات هي مجرد طريقة للحديث إنها طريقة للخداع ليس إلا». ولكن هذه التصريحات تعتبر الآن قديمة وغير متوافقه مع ما اتفقت عليه مؤسسات الصحة النفسية في العالم.
الجانب الآخر يتمثل في تطور الطب النفسي وطريقته في التعامل مع هذه الحالة منذ ظهور حالة بيلي حيث اعترفت رابطة الطب النفسي الأمريكية بمرض تعدد الشخصيات في عام 1980 ولكنها فوجئت بزيادة مهولة في أعداد المصابين به بعد ذلك. يرجع ذلك لإمكانية زيادة التشخيص بمرض ما عن طريق الخطأ نتيجة زيادة شهرته. ويتشارك كل من الطبيب والمريض في هذا الخطأ.
استمر الأمر هكذا حتى قامت رابطة الطب النفسي الأمريكية بإعادة تسمية المرض إلى اختلال ازدواج الهوية Dissociative Identity Disorder خلال عام 1994 وحينها تم وضع شروط ومعايير واضحة للتشخيص بهذا المرض. ومنذ ذلك الحين انخفضت أعداد المرضي الذين تم تشخيصهم به.
إجمالاً فإننا لا نعرف هل قام بيلي ميليجان بادّعاء المرض حتى هرب من السجن وقضي حياته في المصحات إلي أن أتى أجله في عام 2014، أم أنه فعلا كان يمتلك 24 شخصية تسيطر على جسده وعقله. ولكننا على يقين أن هذه القصة الغريبة كانت تستحق فيلمًا أكثر تشويقًا مما شاهدناه في Split.
- Milligan’s personalities