صراع داخل «كريم»: الأسباب الحقيقية وراء إقالة وائل الفخراني
بعد أن غادر جوجل في سبتمبر/ أيلول 2016 لينضم لشركة كريم، والجميع يتحدث عن وائل الفخراني بإعجاب وتقدير شديدين؛ عن ذلك الشاب المصري الذي ضحى بفرصة الترقي في الشركة العالمية التي يبلغ حجمها 527 مليار دولار، من أجل استثمار وقته ومجهوده ومستقبله في دفع شركة تعمل في المنطقة العربية.
وأشعل المقال الشهير لوائل الذي نشره باللغة الإنجليزية على منصة Medium بعنوان «لماذا تركت جوجل من أجل الانضمام لكريم؟» المزيد من الحماس له والأمل في أن يمثل تغييرًا حقيقيًا لمشهد التكنولوجيا العربي، هذا بجانب ظهوره بشكل متكرر في وسائل الإعلام وفي عشرات المؤتمرات والأحداث الشبابية للتأكيد على فكرة قدرة الشباب على البناء والتغيير عبر التكنولوجيا وريادة الأعمال.
ولذلك كان خبر إقالته من كريم مفاجئًا بشدة لجميع الدوائر المتابعة لوائل، وخصوصًا بالطريقة التي أعلن بها النبأ في تغريدة أطلقها صباح الإثنين 13 مارس/ آذار بلهجة غاضبة وعصبية للغاية، حملت ألفاظ «الطرد والقهر والإهانة»، والتي لم يكن لأحد أن يتوقع لوائل أن يستخدمها بعد 6 أشهر فقط قضاها في كريم:
ثم جاء رد فعل الشركة في بيانها التي أعلنت فيه تعيين «رامي كاطو» بديلاً لوائل، أيضا حاملاً نفس اللهجة المتوترة والتي لم تخفها الكلمات الدبلوماسية:
ونظرًا لقربي الشخصي من عالم ريادة الأعمال، بدا الأمر محيرًا لي بشدة – ولمئات من رواد الأعمال المصريين والعرب الآخرين الذين كانوا يتطلعون لوائل وكريم كنموذجين واعدين – وقررت القيام بتحقيق استقصائي سريع للوقوف على حقيقة الأمر.
بدأت تقصي المصادر مساء الإثنين –نفس يوم الإقالة- حينما علمت من مصادر داخل كريم أن هناك تعليمات صارمة صدرت إليهم بعدم الحديث أو تسريب أي معلومات للخارج حول الموضوع والتزام الصمت التام أمام الصحافة والإعلام وأي جهات أخرى تبدي فضولا تجاه الأمر.
لكني بعد مراجعة وسؤال العشرات من الشخصيات البارزة في مشهد ريادة الأعمال المصري، استطعت التواصل مع مصدرين موثوقين على اطلاع بما يجري داخل أعلى مستوى إداري وتنفيذي بكريم (مصر)، وقد طلب المصدران عدم نشر أسمائهما أو علاقتهما بكريم، إلا أن تطابق المعلومات التي حصلت عليها منهما – والمصدران لا تجمعهما أي علاقة أو معرفة – أكد لي دقتها، وشجعني على نشرها هنا احترام حق الآخرين في المعرفة.
سأشير هنا إلى المصدر الأول بالحرف «س» والمصدر الثاني بالحرف «ن» للتفرقة بينهما في سياق الحديث.
مبدئيًا، نفى المصدران تمامًا أي علاقة لقرار الإقالة بأي مواءمات سياسية تقوم بها «كريم» لاسترضاء السلطة في مصر عبر تعيين «رامي كاطو» مديرًا لعمليات الفرع المصري، وهو الأمر الذي أثير على وسائل التواصل الاجتماعي مع الدفع باسم اللواء «عبد الفتاح كاطو» للإيحاء بأن كريم تغازل القوات المسلحة بهذا القرار.
أيضًا نفى المصدران أن يكون سبب الإقالة هو الظهور الإعلامي المكثف لوائل، والذي اعتبره البعض مبالغًا فيه، وفيه ربط بين صورة وائل الإعلامية وصورة كريم وكأنهما أصبحا كيانًا واحدًا.
«س» أشار إلى أن وائل بدا بالفعل وكأنه المدير التنفيذي لشركة كريم، وهو الأمر الذي ليس صحيحًا فالمدير التنفيذي CEO لكريم هو الباكستاني «مدثر شيخة» –وهو أيضًا المؤسس المشارك لكريم – ووائل هو مدير عمليات الفرع المصري Managing Director.
قال لي «س»: «ابحث على جوجل عن العبارة التالية/ المدير التنفيذي لشركة كريم/ وانظر أي صور ستظهر لك؟»، وعندما فعلت ذلك كانت صور وائل هي التي ظهرت لي وليست صور شيخة!
الرسم البياني التالي يؤكد ملاحظة «س»، وهو مأخوذ عن موقع Google Trends والذي يوضح فيه مدى شعبية وائل مقارنة بمدثر،لكنه أكد أن ذلك لم يكن سبب المشكلات. لكن «ن» أوضح لي كما سنرى بعد قليل أن هذا الأمر كان أحد أسباب رد فعل وائل العصبي والمستثار على قرار إقالته.
ما اتفق عليه المصدران أن سبب الإقالة جاء نتيجة شكاوى متعددة تم تصعيدها من أفراد الطاقم التنفيذي في فرع كريم بمصر إلى المركز الرئيسي في دبي نتيجة سلوك وصفه المصدران بالـ«دكتاتوري» ناجم عن الطريقة التي يتعامل بها وائل الفخراني مع الطاقم.
كشف «ن» أن المشكلات بدأت في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بعد تعيين وائل في «كريم» بشهرين فقط (رجوعًا للسيرة الذاتية لوائل الموجودة على حسابه بموقع LinkedIn فقد انضم لكريم في سبتمبر).
كان وائل قد قام بحملة تعيينات واسعة لضم خبرات شبابية عملت في شركات متعددة الجنسيات إلى فريق العمل بكريم في القاهرة والإسكندرية، ومنهم كاطو نفسه والذي شغل الرئيس التنفيذي لشركة Xceed قبل انضمامه لكريم آخر العام الماضي.
إلا أن طريقة وائل في إدارة كريم فاجأت طاقم العمل، بما تتسم – والكلام على لسان «ن» بعدم التنظيم والافتقار للخطة والتعامل دائمًا بأسلوب المفاجآت غير المخططة «يلا حالا نعمل كذا». بالإضافة لذلك كانت هناك مشكلة رئيسية أخرى، وهنا يعود «س» و«ن» للحديث عن نفس المعلومة، أن وائل كان كثيرًا ما يطلب من موظفيه فصل آخرين دون إبداء أي أسباب.
«ن» قال: «كان هناك شعور بالغ بالإحباط داخل كريم؛ أن تكون جالسًا في اجتماع اليوم مع أحد مرءوسيك، وفي اليوم التالي يطلب منك وائل أن تفصل هذا الشخص عن العمل دون إبداء أي أسباب. كان هناك شعور متنام بسلطة ودكتاتورية وائل».
هؤلاء الأشخاص بخلفياتهم المختلفة في مجالات تطوير الأعمال والتسويق والعمليات واللوجيستيات، هم من قاموا بتحسين أداء خدمة كريم بعد تعيينهم، عبر رفع كفاءة السائقين والتدقيق في جودة المركبات المنضمة لأسطول كريم في مصر والذي وصل لـ50 ألف سيارة خلال الأشهر القليلة الماضية. وبالتالي –والكلام لا يزال على لسان «ن»- كان هناك بينهم شعور بالقهر.
يتفق «س» و«ن» أن الطاقم الرئيسي في كريم مصر حاول بشتى الطرق مناقشة هذه المشكلات مع وائل مباشرة دون جدوى، مما اضطرهم لتصعيد الشكاوى لمكتب الشركة الرئيسي بدبي.
«ن» قال: «الأزمة كانت متفاقمة لدرجة أن مدثر شيخة زار القاهرة ثلاث مرات في شهر فبراير الماضي لمحاولة حل الأزمة بين الطاقم التنفيذي وبين وائل، إلى أن مساعيه باءت بالفشل».
كان وائل يعلم بشكل مبكر أن الأمر سينتهي بمغادرته، وربما كان ذلك سببًا لعدم تقديمه بصفته «مدير كريم مصر» أثناء استضافته في لجنة التحكيم بمسابقة «هنا الشباب» التي تقدمها الإعلامية «لميس الحديدي» على قناة CBC، والاكتفاء بتقديمه بصفته «المدير الإقليمي السابق لجوجل». بينما اعتادت البرامج الأخرى من قبل تقديمه كمدير لعمليات كريم في مصر، ومنها لقاؤه مع إبراهيم عيسى على القاهرة والناس على سبيل المثال.
«س» أكد: «كان هناك شعور يتسلل بعدم الأمان داخل الشركة، وأن وائل يقوم بخلق مشكلات بين الموظفين وبعضهم لفرض وجهة نظره وقراره في النهاية، ولم تكن الإدارة في دبي لتسمح لذلك بالاستمرار حتى ولو كانت النتيجة الاستغناء عن وائل».
رفض المصدران رفضًا باتًا كشف تفاصيل حول وقائع بعينها تخص شكاوى من موظفين في كريم بعينهم، موضحين أن ذلك من شأنه تعقيد علاقتهما بوائل وبالشركة.
«ن» قام بتوضيح جانب آخر من الأمر: «صحيح أن وائل مهندس إلا أن خبرته الرئيسية في مجال المبيعات؛ كل الشركات التي عمل بها من قبل كان يعمل في جانب المبيعات، سواء IBM أو Oracle أو 3 Com أو Google نفسها. لذلك كانت مغامرة كبيرة من كريم أن تأتي به كمدير لعملياتها في فرع إقليمي كبير مثل مصر، وهو الأمر الذي ظهر في إخفاقه في إدارة الفريق التنفيذي بشكل يضمن التناغم بين أعضاء الفريق ورؤية وخطة واضحة يعملون جميعًا على تحقيقها دون منغصات إدارية أو هيكيلية ضخمة مثلما حدث. أفضل ما حققه وائل خلال الـ6 أشهر أنه عين أفضل فريق ممكن، لكنه لم يستطع إدارته، ولم يقدم أي قيمة أخرى للشركة على الإطلاق»
ويفجر «ن» مفاجأة: «ليس صحيحًا أن وائل قدم استقالته طواعية من جوجل، جوجل هي التي طلبت من وائل إنهاء عقده بطريقة لطيفة، مع تقديم تسوية Settlement مرضية بالنسبة له. ولذلك كان راتب الفخراني في كريم أقل من راتبه في جوجل، وهو أمر يأتي معاكسًا للمعتاد حيث يزيد راتب المرء مع ترقيه وتقدمه في مسيرته المهنية، وخصوصًا أن كريم التي أمنت استثمارات بقيمة 500 مليون دولار لن تجد صعوبة في دفع راتب أعلى للفخراني».
يؤكد المصدران أن تحميلات تطبيق «كريم» لم تتأثر إطلاقًا خلال الأيام الماضية ومع الحملة التي دشنها بعض النشطاء لحذف التطبيق عبر هاشتاج #DeleteCareem، بل استكملت أعداد المستخدمين المسجلين في التطبيق النمو بشكل طبيعي وكأن أحدًا لا يعنيه ما يحدث.
يفسر «ن»: «وائل كان يستخدم كريم كواجهة للدعاية وللترويج لنفسه بشكل شخصي، بقصد أو دون قصد. وائل شديد الطموح ولديه آمال سياسية عريضة للوصول لمنصب وزاري في وقت من الأوقات، وخصوصًا مع طرح اسمه أكثر من مرة مرشحًا لحقيبة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، لكنه لم يحسن تقدير حجم شعبيته جيدًا، والتي تظل محدودة في دوائر مغلقة على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك هو السبب الرئيسي في عدم تأثر أداء تطبيق كريم بقرار الإقالة، على الرغم من الشائعات التي انتشرت خلال الأيام الماضية بانهيار أعداد المستخدمين وبتعطل التطبيق عن العمل».
ويضيف «ن»: «الحالة الوحيدة التي يمكن أن يتأثر فيها تطبيق كريم سلبًا، هو إذا ما قررت الشركة تحريك تعريفة الكيلومتر ولو بزيادة طفيفة ولو 10 قروش فقط، هذا هو ما يمكن أن يهز كريم، وليس خروج وائل».
ثم يختم: «اعتقد وائل أنه بتغريدته العصبية سيحشد وراءه غضبًا شعبيًا من كريم، وهو ما لم يحدث، ويبدو وكأنه يعيش في فقاعة السوشيال ميديا منفصلاً عن الواقع، وكان الأفضل له أن يقبل التسوية التي عرضتها عليه كريم بهدوء مثلما فعل مع جوجل. الفخراني لم تتم إهانته ولم يتم فرض الأمر عليه مثلما حاول أن يوحي لمتابيعه عبر تغريدته، وإنما تم التعامل معه بمنتهى الهدوء من قبل مدثر شيخة لمحاولة الوصول لحل أكثر من مرة».
انتهت المعلومات الواردة من المصدرين، وسط شعور بالذهول من ناحيتي، هل يمكن فعلاً أن يعمي الطموح الشخصي المرء لهذه الدرجة؟ وهل قد يبلغ العناد من الشدة بحيث يطيح بقصة نجاح بدا وكأنها ستستمر في طريق مزدهر؟
من ناحيتي حاولت التواصل مع وائل بشتى الطرق لتلقي تأكيد أو نفي أو تعليق على تلك المعلومات، إلا أنني لم أتلق ردًا منه على الاتصال بهاتفه، أو على رسالة نصية SMS أرسلتها إليه، ولا على رسالة عبر واتساب (والذي أعطاني إشعارًا بمشاهدة وائل للرسالة Seen، ولكن دون رد أيضًا).