من رئيس وزراء إسرائيل إلى سجين جنائي!
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
تحوّل إيهود أولمرت، رئيس وزراء إسرائيل بين عامي 2006 و2009، إلى مجرد سجين جنائي، وذلك بعد أن حُكم عليه بالسجن لمدة 19 شهرًا؛ بسبب تورطه في قضية فساد، حيث تلقى رشى عندما كان عمدة للقدس.في التاريخ الموجز للدولة اليهودية، لم تحدث أي واقعة مشابهة من قبل لشخصية على مستوى رئاسة الوزراء. ففي عام 2011، حُكم على الرئيس الإسرائيلي الثامن (بين عامي 2000 و2007)، «موشيه كاتساف»، بالسجن لسبع سنوات بتهمة الاعتداء الجنسي، وهو حكمٌ يبقيه في السجن حتى الآن. وقبل ذلك، سُجن وزير المالية السابق «أبراهام هيروشزون» عام 2009، لارتكابه بعض جرائم ذوي الياقات البيضاء. ولكن لم يحدث من قبل أن حكم على رئيس وزراء إسرائيلي بالحبس. ففي إسرائيل، يعادل منصب رئيس الوزراء منصب الرئيس الأمريكي. أي أنه هو القائد، ويمثل النسخة الإسرائيلية من «القائد الأعلى». وهو الآن ذاهب للسجن.
وبغض النظر عن الجوانب القانونية والمأساوية للقضية – على المستوى الشخصي والعائلي والوطني – يمثل الأمر أيضًا كابوسًا لوجيستيًّا. فبصفة أولمرت رئيس وزراء سابق، تُقدم له وحدة «حراسة الشخصيات الهامة» بالشاباك التأمين على مدار الساعة، وأينما ذهب. ويسافر أولمرت في سيارة ليموزين حكومية، ويخضع منزله ومكتبه للحراسة المستمرة لأنه يعتبر أحد «رموز الحكومة» في إسرائيل؛ ما يتطلب تأمينه على نحو مستمر. والسبب في ذلك بسيط، فأولمرت يعلم أسرار الدولة، وعلى علاقة بالجميع. لقد اتخذ بعض القرارات العسكرية السرية الهامة والأكثر تعقيدًا، وبالتالي، سيمثل شخص مثله كنزًا من المعلومات للتنظيمات الإرهابية أو وكالات الاستخبارات الأجنبية.فكيف يمكن إرسال شخص مثله إلى السجن؟.أول سؤال أثاره سجن أولمرت، تعلق بمصير قوة تأمينه مع بدء تنفيذ الحكم. هل سيجلب رئيس الوزراء السابق طاقمه الأمني معه إلى داخل السجن؟. بما أن إسرائيل لم تواجه مثل هذه المعضلة من قبل، أُجبر قطاع السجون والشاباك على التفكر في المشكلة مليًّا وبعمق، قبل التوصل إلى بروتوكول خاص للتعامل مع الأمور اللوجستية. وقد نصّ القرار على أن وحدة حراسة الشخصيات الهامة ستبقى خارج جدران السجن، لتنضم لأولمرت فقط في حال خروجه من السجن. ولكن بين جدران السجن، ستتم حمايته بواسطة فريق من الحراس الأمنيين الذين تلقوْا تدريبات خاصة تحت إشراف الشاباك. لا يحدث كل يومٍ أن يُحكم على رئيس وزراء بالسجن وأن يتحول لسجين عادي، لذلك على النظام أن يعتاد التعامل مع هذا الوضع الغريب.
تمحور السؤال الثاني حول إن كان سيتم السماح لأولمرت بقضاء مدة عقوبته وسط مساجين آخرين، فتوصلت السلطات إلى حل مبتكر بذلك الصدد، حيث تم إنشاء جناح جديد، حمل الاسم «المقاطعة 10»، داخل سجن «معسياهو» مخفف الحراسة، حيث سيتم الإبقاء على أولمرت في زنزانة مصممة لإيواء ثلاثة مساجين في جناح معزول يستضيف المُدانين بجرائم ذوي الياقات البيضاء، ومُرتكبي المخالفات المرورية، والمُدانين بالرشوة فقط. كما سيتم أولاً فحص السجناء الذين سيكونون على اتصال به. وستُغطى زنزانة رئيس الوزراء بكاميرات المراقبة، ما سيجعل متابعتها مستمرةً على مدار الساعة، كما سيستقر حارس خاص أمام باب زنزانته. علاوة على ذلك، لن يكون أولمرت على صلة بأي سجناء غير مفحوصين، بسبب التخوف من أنهم قد يهاجمونه، أو سيحاولون ابتزازه.
بينما تتمثل المشكلة الأكبر في كيفية قضائه لوقته؛ بما أنه لن يتمكن من العمل كالسجناء الآخرين. فبدءًا من الآن، سيسجن لمدة 19 شهرًا، وهي مدة طويلة، ولكن بالتأكيد تلوح فرصة ازدياد هذه المدة بمجرد انتهاء إجراءات الاستئناف في الفضائح الأخرى التي أُدين فيها أولمرت. وعند ذلك قد يزداد حكم سجن أولمرت لعدة شهور أخرى.يصعب تصديق أن هذا السجين هو نفس الرجل الذي فاز في الانتخابات منذ أقل من عقد، وعمل رئيسًا لوزراء إسرائيل لمدة ثلاث سنوات تقريبًا. وقد يُمثل صعود وسقوط أولمرت أساسًا لمأساة يونانية أو مسرحية لاتينية متسلسلة، حيث بلغ قمة السلطة في تطور تاريخي للأحداث، بعد أن عانى رئيس الوزراء أرييل شارون من سكتة دماغية مُنهِكة في يناير 2006. فانتفع أولمرت، الذي كان في حينها نائبًا لرئيس الوزراء، من الغياب المفاجئ للقيادة. وبعد الفوز بالانتخابات، قاد إسرائيل خلال الحرب اللبنانية الثانية (2006)، وعملية الرصاص المصبوب في غزة (2008 – 2009). ووفق مصادر أجنبية، خلال مدة أولمرت في منصبه، قصفت إسرائيل أيضًا مفاعلًا نوويًّا زعم الموساد اكتشافه في دير الزور بسوريا، ما قضى بشكل فعال على طموحات الرئيس بشار الأسد النووية السرية للغاية في غضون دقائق عبر عملية سلسلة وسرية تمامًا في عام 2007. ثم اندلعت الحرب الأهلية السورية بعد ثلاث سنوات.إلى الحد الذي قد يهم أولمرت، سيُفضّل رئيس الوزراء السابق ألا يُسجّل التاريخ اسمه بصفته الشخص الذي شن حربًا، بل الشخص الذي تجاوز جميع الحدود في تاريخ إسرائيل المعاصر وحقق السلام مع الفلسطينيين. فخلال سنته الأخيرة في الحكم، أجرى أولمرت سلسلة طويلة من الاجتماعات الشخصية والودية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لتتمخض تلك اللقاءات عن تقديم أولمرت لعباس اقتراحًا مكتوبًا، أعرب فيه عن جاهزيته للتخلي عن 94% من أراضي الضفة الغربية حتى يمكن إقامة دولة فلسطينية عليها. تضمن الاقتراح أيضًا نقل أحياء القدس إلى ملكية الفلسطينيين وحلًا مبتكرًا لمشكلة حق العودة.
لم يسبق لأي زعيم إسرائيلي أن قدم مثل هذا العرض واسع النطاق لقائد فلسطيني. وعندما أعلم أولمرت وزيرة الخارجية الأمريكية «كوندليزا رايس» بشأن تفاصيل عرضه، تأثرت به بشكل واضح، بل في الحقيقة، بالكاد صدقت ما كانت تسمعه. وقد كرّست رايس فصلًا كاملًا لتلك المشكلة في كتابها «No Higher Honor»، حيث رأت أن أولمرت قد تمادى وأقبل على المجازفة بشكل أكبر مما فعل رئيس الوزراء الراحل إسحاق رابين.لكن في النهاية، لم يهتم عباس حتى بالرد على عرض أولمرت، مثلما لم يستجب للعرض الذي تلقاه من الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض بتاريخ 17 مارس 2014. ولم يصمد أولمرت على الصعيد السياسي، ولكن لأسباب مختلفة تمامًا. واليوم، يحمل نظرية المؤامرة الخاصة به والمثيرة للاهتمام بشأن ما حدت بالفعل لاحقًا، حيث يزعم أن جاهزيته للتمادي في تقديم مبادرات السلام أطلقت العنان لقوى كبيرة وقوية، والتي موّلت حملة طويلة للإطاحة به.استمرت جهود أولمرت القانونية لإثبات براءته لسنوات قبل أن تنتهي بسقوطه المُبرِح. وقد قُبل استئنافه الأخير جزئيًّا من جانب المحكمة العليا، التي خفضت الحكم الأصلي بالسجن لستة أعوام إلى عام ونصف فقط. ومع ذلك، وبغض النظر عن كل المذكور آنفًا، بدءًا من اليوم، سيتحول أولمرت من كونه مواطنًا حرًّا، ورئيس وزراء سابق، وشخصية عامة إسرائيلية لها احترامها، إلى سجين يقضي عقوبته.يرى البعض أن واقعة سجن رئيس وزراء إسرائيلي تشهد بصمود الديمقراطية الإسرائيلية، كما يقولون إنها تمثل دليلًا على أن إسرائيل لا تزال متمتعة بنظام قضائي ونظام لإنفاذ القانون على نحو مستقل. بينما تكمن المشكلة في أن الكثير قد تغير في إسرائيل منذ أن لاحقت السلطات أولمرت. وتعد ظروف اليوم مختلفة تمامًا عن نظيراتها التي تمكنت فيها الشرطة من التحقيق مع رئيس وزراء دون خوف أو تحيزات.