الحشد الشعبي: هل يدخل الخليج بأمر المرجعية؟
بهذه التصريحات ذهب أوس الخفاجي، الأمين العام لقوات أبي الفضل العباس التابعة للحشد الشعبي، بتهديد الإمارات ردًّا على تصريحات وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد الذي دعا إلى إدراج الحشد الشعبي ضمن الجماعات الإرهابية، وهو بذلك يضع عددًا من الجماعات الشيعية في سلة داعش أمثال منظمة بدر وكتائب أبو الفضل العباس وحزب الله، وهو ما أثار أزمة دبلوماسية بين الإمارات والعراق.وبالرغم من الدور الذي لعبه الحشد الشعبي في تحرير العديد من المناطق العراقية من يد تنظيم الدولة الإسلامية مما جعله مؤهلاً لأن يكون أهم الكتائب المشكلة للقوات العراقية في تحرير العراق، إلا أنه ارتكب العديد من الانتهاكات ضد سنة ديالي نهاية 2015، الأمر الذي دفع بالعديد من الدول العربية وخاصة دول الخليج إلى إدانة الجرائم التي يرتكبها الحشد. ولم تقتصر الإدانة فقط على الدول العربية السنية والأمم المتحدة بل إن بعض الرموز الشيعية ذهبت إلى التحذير من خطورة تلك الميليشيات مثل المرجع الشيعي علي السستاني ومقتدى الصدر، وهكذا أفتى مفتي الديار العراقية رافع طه بحل ميليشيات الحشد لارتكابها مجازر طائفية ضد السنة في ديالي.
لماذا ظهر الحشد الشعبي؟
ظهرت قوات الحشد الشعبي فى البداية لتقديم الدعم للدولة العراقية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وذلك جاء في 13 يونيو 2014 بعد أن أطلق المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني فتوى دعا فيها العراقيين إلى الجهاد الكفائي دفاعاً عن العراق من تنظيم الدولة الإسلامية، ثم تحول الحشد إلى تنظيم مؤسسي وأصبح جزءًا من المنظومة العسكرية العراقية الرسمية.تكوّن الحشد الشعبي من آلاف الشباب والمتطوعين إلى جانب عشرات الميليشيات الشيعية المعروفة، كـمنظمة بدر وسرايا السلام وعصائب أهل الحق والتيار الرسالي وحزب الله العراقي وغيرها، ويرجع البعض كثرة فصائل الحشد الشعبي إلى الرغبة في الحصول على امتيازات سلطوية وعسكرية.
الدعم الرسمي للحشد الشعبي
ذهبت بعض وسائل الإعلام إلى التأكيد على رسمية الحشد الشعبي من خلال دعم رئيس الوزراء حينذاك نوري المالكي، الذي أعلن تشكيل جيش موازٍ للجيش العراقي المنهار، فيما عقد فالح الفياض مستشار الأمني الوطني العراقي مؤتمرًا صحفيًّا لإعلان تشكيل مديرية الحشد الشعبي للتعبئة العامة وتوضيح آليات التطوع بها.
لاقى الحشد منذ الوهلة الأولى له في العراق تأييدًا كبيرًا من جانب الجهات الرسمية بالبلاد، فقد قامت حكومة المالكي بتثبيت المتطوعين على ملاك وزارتي الدفاع والداخلية وخصص لهم مخصصات مالية، كما حظي الحشد بامتيازات وإمكانات مماثلة لذوي قتلى القوات المسلحة والجيش العراقي.وبالرغم من هذا الدعم فقد تراجعت مخصصات الحشد في عام 2016 عن مخصصات 2015، فقد خصص له في ميزانية 2015 ما يقرب من 6 تريليونات عراقية أي ما يعادل 7 مليار و200 مليون دولار، بينما خصص له ميزانية تقدر بتريليون دينار عراقي أي ما يعادل مليار و 200 مليون دولار لعام 2016 بالرغم من ضغوط قيادات الحشد الشعبي لزيادة هذا المبلغ إلى الضعف، بل واعتبرها البعض هزيلة وغير مناسبة لتضحيات الحشد، وهكذا أرسل المهندس رسالة للعبادي لمطالبته بتوفير الاحتياجات اللازمة للحشد لإدامة زخم المعركة الحالية حتى ولو كانت نية الحكومة حل الحشد.
أثار تخفيض ميزانية الحشد في 2016 العديد من الخلافات بين الحكومة العراقية بقيادة العبادي والحشد، فالعبادي يخشى من تزايد نفوذ الحشد وتفوقه على الجيش العراقي ومن ثم سعى إلى تحجيم اقتصاديات الحشد وعمل على إبعاد الحشد عن الحياة السياسية، فيما يرى البعض أن نوري المالكي يستخدم الحشد وميزانيته للضغط على العبادي.
ويبدو أن الخلافات بين الطرفين ستأخذ منحنى أكثر حدة ليس فقط حول ميزانية الحشد ولكن لرغبة العبادي في تغيير هيكلي داخل الحشد، من خلال نية العبادي إقالة أبو مهدي المهندس وتسريح عدد من مقاتلي الحشد الشعبي وعدم إشراك الحشد في تحرير الرمادي والموصل. ويرجع هذا إلى الدعم الدولي والإقليمي الذي حصل عليه العبادي مما جعله على استعداد لمواجهة خصومه في الداخل، وهو ما يفسر خلافاته مع الحشد ومقتدى الصدر.
ما هي حقيقة علاقة الحشد الشعبي بإيران؟
هكذا وضح هادي العامري رئيس منظمة بدر والقيادي في الحشد الشعبي أسباب نجاح الحشد الشعبي في تحقيق النصر لأربعة أسباب هي: دعم إيران للحشد، وإصرار أبناء المقاومة على تحقيق النصر، وفتوى السستاني الذي دعا فيها إلى الجهاد الكفائي، وكذلك تعاون الحشد مع القوات الأمنية كان من الأسباب الرئيسية لنصر الحشد. كذلك أعلن وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي في 2015 على أن إيران تقدم دعمًا كبيرًا للحشد الشعبي.
يذكر أن لإيران دورًا كبيرًا في العراق منذ قديم العصور وحتى عصرنا الحالي، ووفقًا لتحليلات وتقارير عربية وغربيَّة فإيران قدمت الدعم للحكومات المتتالية في العراق منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في 9 إبريل عام 2003، بل وتضع العراق في مربع أمنها القومي باعتبارها من دول الجوار، لذلك تحاول إيران فرض هيمنتها على الدولة العراقية، فالتنسيق المستمر بين حكومة بغداد و طهران يكشف مدى امتداد النفوذ الإيراني ومدى هيمنته على صنع القرار السياسي والعسكري في العراق، وتعتبر ميليشيات الحشد الشعبي إحدى أهم أدوات إيران التي تنفذ إستراتيجيتها في العراق.قدمت إيران دعمًا لوجستيًّا وعسكريًّا لميليشيات الحشد الشعبي تحت غطاء دعم العراق في مواجهة تنظيم داعش، وقد اشتمل الدعم على الأسلحة والخبرات العسكرية، كما كان لإيران دورٌ محوريّ في تدريب فصائل الحشد وتخطيط المعارك التي تخوضها من قِبل فيلق القدس بقيادة اللواء قاسم سليماني، كما أنه تواجد مع كل فصيل بالحشد مستشار عسكري إيراني ومستشار عسكري من حزب الله اللبناني.ولم يقتصر الدور الإيراني على التدريب والاستشارة العسكرية بل وصل الأمر إلى المشاركة الفعلية في القتال ضد داعش، و كما ظهر الدور الإيراني بشكل جلي حينما أغارت الطائرات الإيرانية على المنطقة القريبة من حدودها مع العراق بكثافة في معارك سليمان بك، وأيضًا في معارك جرف الصخر التي قادها الجنرال «قاسم سليماني»، وكذلك في حملة الدفاع عن منطقة سامراء.
موقف دول الخليج من الحشد الشعبي
منذ البداية كانت دول الخليج العربي في غاية القلق مما يحدث في العراق ومن الدور الإيراني المتغلغل داخل الدولة العراقية وتأثيره على الحكومة العراقية، وبلغ القلق شدته بعد ظهور الحشد الشعبي بميليشياته العسكرية والتدعيم الإيراني له وكذلك تدعيم الحكومة العراقية له، وهو ما دفع إلى حرب باردة بين دول الخليج والحشد الشعبي حيث ذهب ثامر السبهان سفير السعودية بالعراق إلى انتقاد الحشد الشعبي واتهامه بمحاولة إحداث تغيير ديموغرافي في ديالي لصالح إيران، وأعقبه فيما بعد تصريحات وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد باعتبار الحشد الشعبي مثله مثل داعش.إلى جانب ذلك بدأت دول الخليج العربي تقدم تهديدات بإدراج الحشد الشعبي على لائحة المنظمات الإرهابية، خاصة عقب اتهامات وزير الداخلية البحرينية الفريق الركن الشيخ راشد آل خليفة بتدريب إرهابيين وإرسالهم للبحرين، وأيضًا اتهام كتائب حزب الله العراقية بتدريب «سرايا الآشتر» (وهو تنظيم شيعي مسلح تأسس في 2012 في البحرين وهي تتبع المرجعية الشيرازية نسبة للراحل محمد حسين الشيرازي، وتشير بعض الجهات إلى تلقيها دعمًا من إيران) على أسلحة وتفجيرات لزعزعة أمن البحرين.أدت تلك التصريحات إلى حالة من الغضب الرسمي داخل العراق وإيران وانتقدت تلك التصريحات واعتبرتها بأنها محاولة للتغاضي عن مساعدة دول الخليج لجبهة النصرة وداعش.بينما صرح رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي خلال إلقائه كلمة بين مجموعة من المقاتلين من الجيش العراقي والحشد الشعبي، قائلاً «حريّ بدول الخليج والمنطقة أن تشكر العراق ومقاتليه، لا أن تسيء إليهم. لولا مقاتلونا لفُتحت أبواب الخليج أمام داعش».أثارت تصريحات العبادي أزمة دبلوماسية جديدة مع دول الخليج ومجلس التعاون، حيث قام الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي «عبد اللطيف الزياني» باستدعاء القائم بأعمال السفارة العراقية في الرياض «أحمد أنور عبد الحميد» وقدم له مذكرة احتجاج اعتبرت أن ما ورد في بيان الحكومة العراقية إساءة إلى مجمل العلاقات الرابطة بين دول مجلس التعاون ودولة العراق. فيما جاءت التصريحات الأكثر حدة على لسان قيادات الحشد الشعبي والتي هددت بدخول الخليج بعد القضاء على داعش.
لماذا تخشى دول الخليج من الحشد الشعبي؟
تخشى دول الخليج من وصول الحشد الشعبي إلى مناطق النفوذ والسلطة العراقية في مراحل ما بعد داعش؛ وذلك نتيجة ما سيرتبط به من اكتمال طوق خناق إيران لدول الخليج خاصة بعد تفاقم الأزمة السياسية بين إيران والسعودية بعد إعدام الشيخ النمر، وهو ما ترتب عليه قطيعة دبلوماسية خليجية وعربية لإيران. كما تسعى دول الخليج إلى قلب الخناق عن إيران بمحاربة أذرعها العسكرية في المنطقة مثل حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن، وكان قد سبقهما إخماد ثورة البحرين في 2011.يعتبر وصول فصائل بالحشد الشعبي لتقاتل في سوريا من أكثر الأسباب خطورة على مستقبل دول الخليج، حيث يرى البعض أن من أهم أهداف تشكيل إيران لميليشيات الحشد العراقية هو دعم نظام بشار الأسد في سوريا وعدم تعرضه لخطر السقوط بعد تسليح المعارضة، بل لا يستبعد البعض أن يكون المخطط يشمل أيضًا تشكيل مجموعات خاصة من ميليشيات الحشد لإرسالها إلى مناطق صراع النفوذ الإيراني مثل اليمن.وتتأكد بعض المخاوف الخليجية من الرغبة الإيرانية في السيطرة من خلال قيام ميليشيات الحشد الشعبي بالسيطرة على ناحية النخيب التابعة لمحافظة الأنبار لضمها إلى محافظة كربلاء، بحجة التصدي لتنظيم الدولة ومنعه من السيطرة عليها، وفي حالة سيطرة الحشد على النخيب ستكون السعودية أمام تهديد حقيقي؛ وذلك لأن النخيب تشكل جوارًا جغرافيًّا لها، وهو ما يعني محاصرة السعودية بمد جغرافي شيعي.
هل يتكرر نموذج عاصفة الحزم في العراق؟
دائمًا ما تربط دول الخليج الجماعات والتحركات الشيعية داخل المنطقة العربية بتمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو ما يجعلها تشرعن إستراتيجيتها العسكرية في التعامل مع تلك التحركات سواء في البحرين أو اليمن، كما أن الاتجاه إلى التدخل البري في سوريا ضمن قوات التحالف ما هو إلا تعبير عن تلك الإستراتيجية.تكلفة الحرب اليمنية سواء المادية أو البشرية كبدت دول الخليج العديد من الخسائر نتيجة طول مدة تلك الحروب الزمنية، وهو ما سيدفع بدول الخليج إلى تغيير إستراتيجيتها في التعامل مع التحرك الشيعي من خلال محاولة محاصرة تلك الجماعات اقتصاديًّا وتجاريًّا، وهو ما حدث مع حزب الله اللبناني بعد وقف السعودية برنامج مساعدات للجيش اللبناني.ومع احتمال التدخل الخليجي في سوريا ستكون التكلفة المادية والبشرية لدول الخليج في تلك الحرب أكثر مما تتوقع؛ مما يرجّح اتجاه دول الخليج إلى محاولة الاعتماد على الإستراتيجية الثانية وهي الحصار الاقتصادي والتجاري عن طريق قطع المساعدات؛ مما يضع تلك الحركات في مأزق مع شعوبها وحكوماتها.