لا وجود للفيديوهات… الأفعال المنسوبة له لا علاقة لها بقضية الصحافة والنشر، وإنما قضية حق عام.

تصريح المحامي المغربي «محمد زيدان» حول قضية الصحافي «توفيق بوعشرين».

سجالٌ تشهده الساحة المغربية فيما يخص قضية اعتقال «توفيق بوعشرين» الصحافي ومدير جريدة «أخبار اليوم» المغربية و«اليوم 24»، على خلفية اتهامه بالاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر والاغتصاب.

جدلٌ بين مدافعاتٍ وحقوقياتٍ من منظمات نسائية يرين في «بوعشرين» مُجرمًا استغل المرأة لصالح نزواته الخاصة، ولابد من معاقبته على ما ارتكبه من جرائم دون تشكيكهن للحظة في مدى صحة تلك الاتهامات. نشطاء وحقوقيون آخرون اعتبروا قرار اعتقاله محاولة «لإسكاته وإخراسًا لقلمه»، مُطلقين وسم #الصحافة_ليست_جريمة تضامنًا منهم مع «بوعشرين»وتشكيكًا في صحة الاتهامات الموجهة إليه.

«توفيق بوعشرين» البالغ من العمر 49 عامًا، عُرف بمقالاته الناقدة للنظام المغربي والمحيط المقرب من العاهل المغربي «محمد السادس». كما اشتُهر بدعمه لرئيس الحكومة المغربية السابق «عبد الإله بنكيران». لم يكن ذلك الاعتقال هو الأول في تاريخه. ففي عام 2009، حُكم بالسجن أربع سنوات على «بوعشرين» ورسّام الكاريكاتير «خالد كدار» مع إيقاف التنفيذ، إثر محاكمتين منفصلتين بتهمة «الإخلال بالاحترام الواجب لأمير»، بسبب كاريكاتير عن حفل زواج اُعتبر مُهينًا للعائلة الملكية المغربية. شمل الحكم فرض غرامات باهظة بحقهما.

فضلاً عن الدعاوى التي وجهت ضده مؤخرًا من قبل وزراء في الحكومة، اتهموه بالتشهير بحقهم، والتي أسفرت عن دفعه غرامة وصلت إلى 40 ألفًا لوزير الفلاحة «عزيز أخنوش» و«محمد بوسعيد» وزير الاقتصاد والمالية. الأمر الذي يستدعي البحث حول مفارقات القضية وتناولها في سياق الحرية المسموحة للصحافة في المغرب لفهم أبعادها.


قضية رأي عام أم تصفية حسابات؟

وضعت هيئة الدفاع عن «بوعشرين» علامات استفهام لم تُثر شكوكهم بمفردهم، بل شكوك العديد من النشطاء أيضًا. أولها كان عن أسلوب وآلية الاعتقال، إذ اعتبر المحامي «عبد الصمد الإدريسي» طريقة الاعتقال «غير مفهومة» وخاصة في التعامل مع القضايا من هذا النوع.

كان من الممكن استدعاء بوعشرين بدلاً من اقتحام مقر جريدة «أخبار اليوم» لاعتقاله. كما أن الاعتقال صحبه استدعاءات لعدد من العاملين في المؤسسة الإعلامية بمن فيهم مديرة موقع «سلطانة» المتخصص في شئون المرأة والتابع لنفس المؤسسة، بحسب ما أفادت به «حنان بكور» رئيسة تحرير موقع «اليوم 24» على صفحتها على الفيسبوك. الأمر الذي يثير تساؤلات عن أسباب تلك الاستدعاءات. فالقضايا من هذا النوع لا تتم الاستدعاءات فيها بهذه الطريقة.

https://www.facebook.com/hanane.bakour/posts/10215735581243466?pnref=story

ذُكر في بيان النيابة العامة، أن بحوذتهم «مقاطع فيديو» تثبت التهم الموجهة إلى بوعشرين. بينما أكد المحامي «محمد زيدان» أن «جلسة الاستماع في النيابة العامة لم تتضمن أي شهادة مباشرة من الضحايا،وتهمة الاغتصاب الموجهة لبوعشرين يجب أن تقترن بشهادات طبية، ولكن ملف قضيته يفتقر في الحقيقة لهذه الشهادات».

الأمر اللافت أيضًا في القضية هو توقيت الاعتقال. إذ اقتحمت فرقة أمنية، مساء يوم الجمعة 23 فبراير/شباط، مقر صحيفة «أخبار اليوم» بالدار البيضاء وألقت القبض عليه دون إبداء أي أسباب. بل وصادرت مفاتيح مقر الصحيفة، فلماذا كان الاعتقال من مقر عمله وفي يوم العطلة وفي هذا التوقيت بالتحديد؟!


تضييق الخناق

التقرير السنوي الصادر عن منظمة «مراسلون بلا حدود» لعام 2017.

لم يكن توفيق بوعشرين أول ضحايا حملات الاعتقال بحق الصحفيين بل آخرهم حتى الآن. فرئيس تحرير موقع بديل المحلي «حميد المهداوي» قد تعرض هو الآخر لمتابعات قضائية متعددة في وقت واحد.كان أبرزها الشكوى التي تقدم بها «عزيز أخنوش» وزير الفلاحة والصيد البحري ضده بتهمة «السب والقذف ونشر أخبار زائفة» في عام 2017.

كذلك المتابعة القضائية عام 2016، التي قُدمت من طرف «مصطفى الرميد» وزير الدولة لحقوق الإنسان، عندما كان وزيرًا للعدل والحريات. إذ حُكم على المهداوي حينها بالحبس لمدة أربعة أشهر مع وقف التنفيذ وغرامة قدرها 10 آلاف درهم.ذلك الحكم الذي قوبل بانتقادات لاذعة من قبل منظمتي «العفو الدولية» و«مراسلون بلا حدود».

ومؤخرًا تم اعتقاله في 20 يوليو/تموز 2017 في مدينة «الحسيمة» عندما كان متواجدًا فيها لتغطية «حراك الريف» الذي دعا إليه نشطاء في أقصى شمال المغرب. حُكم عليه حينها بالحبس ثلاثة أشهر على إثر اتهامه بالتحريض على التظاهر عن طريق «الصياح».

وعلى خلفية نشر صحافيين لمقاطع من مناقشات لجنة تحقيق برلمانية حول العجز الهائل في صندوق التقاعد المغربي في نهاية عام 2016. قامت السلطات المغربية باعتقال أولئك الصحافيين ونائبًا عضوًا في الكونفدرالية الديمقراطية، لاتهامه بتوفير تلك المعلومات لهم. ومع بداية جلستهم، تجمع نحو 100 صحافي ونقابي وناشط أمام محكمة بالعاصمة الغربية «الرباط» يوم الخميس الموافق 22 فبراير/شباط. وهتفوا أمام المحكمة بحرية الإعلام «حرية الصحافة خط أحمر» للتضامن معهم.

وفي محاكمة لسبعة صحافيين وحقوقيين من بينهم المؤرخ «معاطي منجب»،نددت منظمات غير حكومية دولية بـ «المحاكمات السياسية» التي تهدف إلى «إسكات الصحافة المغربية». إذ يستمر تأجيل جلسات هذه المحاكمة والمماطلة في الحكم فيها بتهمة «المساس بأمن الدولة» منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

وفي شهر آيار/ مايو 2017. اعتقلت الحكومة المغربية ثمانية صحافيين ومدونين، بينما طردت صحافيين ومراسلين أجانب حاولوا تغطية أحداث «حراك الريف».وسجلت منظمة «مراسلون بلا حدود» الانتهاكات التي صدرت من الحكومة ضد حرية الإعلام منذ بداية حراك الريف في 28 أكتوبر/ تشرين الأول، والذي ظهر في تعمدها تعويق عمل الصحافيين المغاربة والأجانب الراغبين في تغطية تلك المظاهرات «ذات المطالب الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية الخالصة» في أقصى شمال المغرب.

وتأتي هذه الحملات الحكومية الشرسة في ظل أوضاع صعبة تعيشها الصحافة المغربية، بشقيها الورقي والإلكتروني، حيث أزمة التمويل والضرائب المفروضة على الصحف، إلى جانب رفع قيمة الضرائب المفروضة عليها، وأخيرًا، قانون الصحافة الجديد الذي أثار نقاشًا محتدمًا بين الحكومة والوسط الإعلامي، لما يحتويه من بنود، تحد من حرية الصحافة الإلكترونية. مما جعل أكثر من من 4000 موقع إلكتروني عاجزة عن ملاءمة وضعيتها مع مقتضيات القانون.

وأصبح الصحافيون المغاربة عُرضة إلى قاعدة واسعة من العقوبات تصل إلى المصادرة والحجز والغرامات المالية المغلظة، وإلى المنع من الكتابة وإمكانية محاكمتهم بالقانون الجنائي. وبالتالي يصبح الصحافي معرضًا للعقوبات السجنية جراء ممارسة أعماله الصحافية.


«مؤشر الصحافة العالمي»

إن المغرب يواصل ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على وسائل الإعلام المغربية المستقلة، لثنيها عن معالجة القضايا الحساسة.

في التقرير الحديث الصادر عن منظمة «مراسلون بلا حدود» لعام 2017، أدرجت المنظمة «المغرب» ضمن فئة الدول ذات «الوضع الصعب». إذ جاء المغرب في التصنيف مباشرة بعد القائمة السوداء لأسوأ البلدان في العالم لممارسة الصحافة في تصنيفها السنوي لمؤشر حرية الصحافة. وحصل على المركز 133 من أصل 180 دولة، متخلفًا بذلك عن عام 2016 الذي احتل فيه المركز 131.

ربما المغرب أحسن وضعًا من دول عربية كثيرة.فـ «مصر» احتلت في نفس التقرير المركز 161، بينما حصلت «البحرين» على المركز 164، و«السعودية» المركز 168 . في الوقت ذاته، فهي قريبة إلى حد كبير من شقيقتها «الجزائر» صاحبة المركز 134. لكن «تونس» و«لبنان» كانا الأفضل وضعًا بين الدول العربية، إذ حصلت «تونس» على المركز 97 عالميًا و«لبنان» المركز 99. بينما احتلت «الكويت» المركز 104، و«الإمارات» 119، و«قطر» 123.

بيد أن «مراسلون بلا حدود» لم تكن المنظمة الوحيدة التي تتابع ما تعايشه الصحافة المغربية من تحديات. فمنظمة «فريدم هاوس» كذلك صنفت المغرب ضمن الدول «غير الحرة». ووفق تقريرها الجديد الصادر حول حرية الصحافة، احتل المغرب المرتبة 143 عالميًا من أصل 199 دولة. في حين حصل على 65 نقطة من أصل 100 نقطة في تقييم مستوى الحرية في ممارسة الصحافة.

كل ما سبق كانت مؤشرات على تراجع حرية الصحافة في المغرب وانتهاج الحكومة لسياسات هدفها الأول والأخير إخراس الأصوات الناقدة وتكميم الأفواه وقصف الأقلام الحرة بالتضييق على الصحفيين ومحاصرتهم واعتقالهم. المهم ألا يمسها أحد بكلمة! ويبدو أن اعتقال الصحافي «توفيق بوعشرين» هو جزء من مساعي الحكومة في سبيل ذلك.