التاريخ الشفاهي للمولودة باسم «ماري إيلي روزنتال»
كتاب «المولودة» لـ«نادية كامل»، الصادر هذا العام عن دار «الكرمة»، كتاب حكي شفاهي بالعامية المصرية، يتناول حكاية «نائلة كامل» بصوتها من الميلاد وحتى طوال حياتها. الكتاب يحمل سردًا في صيغة حكايات الجدات، أم تحكي لابنتها الكبرى حكايتها، نادرًا ما تجد صوت نادية في الحكي، وإن وجدته فلا يتعدى سطرين، وتتحير فيه لأنه يدخل في ثنايا حكي الأم.
الكتاب في رأيي كتاب تاريخ اجتماعي ذاتي، فالحكايات في الكتاب تتناول التاريخ الشفاهي في فترات زمنية متفاوتة للحركة الشيوعية في مصر، والحركة النسوية، ودور الأجانب المصريين (المصريين من أصول أجنبية) وخاصة الجالية الإيطالية في مصر من الثلاثينيات وحتى الستينيات، ويتماس مع ترحيل الأجانب واليهود في 1956 م وما بعدها، وحياة سجن النساء وسجن الأجانب.
صرحت نادية كامل، في حفل توقيع الكتاب في مكتبة «ديوان» بالزمالك، بأن الكتاب لا يمكن اعتباره توثيقًا تاريخيًا للأحداث، إلا أنه تاريخ شفاهي بلا شك، وقد أكدت نائلة كامل في أكثر من حكاية أنها لا تتذكر التواريخ بالتحديد، ولا تتذكر الرابط بين الحدث التاريخي والنتائج التابعة له تاريخيًا، وتخبر ابنتها – نادية – أن والدها يتذكر أكثر منها، أو أنه يهتم بالحدث السياسي التاريخي وتبعاته والربط بينهما بشكل أكبر.
ينطبق على حكي «المولودة» قول «بول ريكور»:
كتاب «المولودة» تاريخ ذاتي، يتعامل معه القارئ ليتناول منه الأحداث من وجهة نظر الراوية، فيكون التاريخ إنسانيًا، وموضوعية التاريخ تتعدد وتختلف حسب الأدوات المنهجية التي تنطلق منها.
المولودة هنا في حكايتها لا تميز بين ما هو مهم تاريخيًا وسياسيًا، وما هو غير مهم، ولكن تحكي ما يتعلق بذاكرتها هي، وتسأل نفسها في أثناء الحكي: لماذا فعلت ذلك؟ وتتعجب بأن السؤال لم يزرها في وقت الحدث، وإنما أتاها السؤال في أثناء الحكي، وتبحث عن تفسير وتحليل لمواقفها من الأحداث في أثناء الحكي، وتتعجب.
«المولودة» كتاب يتحرك بين الأدب والسيرة الذاتية والتاريخ الاجتماعي، ويتناول ما تعتقده الراوية حول الحقيقة والأدب، ويغلب عليه الخيال، ولكن هل الذاكرة وما تتأثر به تغير الوقائع؟ هل انطباع الراوي حول حدث ما يؤثر في روايته عنه؟ هل يتحول الواقع في الذكرى إلى خيال؟ هل الذكرى هي خيال الراوي؟
تقول نادية كامل في حفل التوقيع: «من يرد البحث عن تاريخ وتوثيق، فكتب التاريخ متوفرة، وبها دراسات يمكن الرجوع إليها عن الفترة الزمنية أو عن الموضوعات المتناولة». فنجد حكاية منسوبة لـ«بيحكوا» بطريقة السرد المصرية في حكايات الجدات وحكايا البيوت، فتستمتع بجمال الحكاية وتأثيرها، وتقتنع أنها مجرد حكاية:
الكتاب مليء بتفاصيل الحياة اليومية والصداقات والعلاقات الاجتماعية، وحكايات عن السرية في التنظيمات الشيوعية، ويستدعي من الذاكرة وجهة نظر الراوية ويطرح تساؤلاتها، ويدعو إلى المقارنة وبحث التطابق بين الأرشيف المكتوب، وبين الكتابة الشفهية في الكتاب، سواء للحركة الشيوعية المصرية، أو الحركة النسوية، أو حياة الأجانب في مصر وخروجهم منها.
تهتم الراوية بسبب الحكي، وتوضح أنها تحكي من أجل حفيدها «نبيل» وخشيتها من صدمته، عندما يعلم أن أصول عائلتها يهودية، وأنها لا تستحق الكره، فحكت بدلًا من أن يتصور أو يسمع عنها أشياء ولا يعرف ما العمل، فقررت الحكي عن كل شيء، ولخياله الحق في تكوين صورته الخاصة، ولكن الراوية تكون حكيت.
تحدثت عن سبب الهجرة إلى مصر، وأنه ليس فقط الاضطهاد أو الحرب العالمية، ولكن لأن مصر بلد الخير الكثير «Cuccagnia»، وكثير من الناس يأتي إليها لفرص العمل وحياة أفضل، «دي سمعة مصر بلد الأمن والرخاء».