بالأرقام..روسيا تنهار..والكرملين يخشى العصيان (مترجم)
الخلاصة
مع دخول روسيا موجة الركود الثانية خلال السنوات الست الأخيرة، بدأت الصعوبات الاقتصادية والمالية في الإلقاء بثقلها على الشعب الروسي وحكومات الأقاليم.
وفي أوقات الأزمات الاقتصادية القاسية مثلما حدث عامي 1905 و1998، تعمل السلطات الشعبية والإقليمية في المعتاد ضد السلطة الفيدرالية، بما يؤدي إلى شرذمة البلاد.
ويعي هؤلاء الذين يقبعون على رأس السلطة في موسكو ذلك، ويتخذون خطوات للتيقن من مجابهة ومنع أي شكل من أشكال الاحتجاج أو ردود الفعل العنيفة.
تحليل
دخل الاقتصاد الروسي حالة من الانحدار الحاد منذ ما يزيد عن عام، وينزلق نحو ركود جديد جراء مجموعة من العوامل التي تتضمن انخفاض أسعار النفط، والعقوبات الغربية وضعف الاستثمارات الغربية على خلفية الأزمة الأوكرانية.
وأدى ذلك إلى هروب رؤوس أموال هائلة بلغت 160 مليار دولار عام 2014، وما يقدر بـ 80 مليار دولار عام 2015، وكذلك فقد الروبل 40 بالمائة من قيمته في أواخر 2014, وعجز موازنة محتمل يصل إلى 45 مليار دولار خلال العام الجاري.
وبدأ الشعب الروسي في الاكتواء بآلام الأزمة، حيث صعد معدل التضخم في مارس الماضي بشكل صاروخي من أقل من 7 بالمئة إلى ما يناهز 17 بالمئة وفقا لاستطلاع “ليفادا”. وهي المشكلة الأكبر من وجهة نظر المجتمع الروسي.
وارتفع معدل تضخم الأسعار الغذائية بشكل أسرع، جراء الحظر الروسي المتعلق بشراء الغذاء من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ووفقا لوزارة الزراعة الروسية، فإن أسعار الكرنب في روسيا ارتفعت بنسبة 66 بالمئة خلال الشهور الستة الماضية، والبصل بنسبة 40%، والبطاطس 36%، والجزر 36 %، واللحم البقري 10 %.
وفي نهاية فبراير، أعلنت معظم المتاجر الروسية تجميدا للأسعار دام شهرين على أكثر من 20 سلعة ذات أهمية اجتماعية، وتتضمن اللحوم والأسماك والسكر الملح والبطاطس والكرنب والتفاح. بل أن بعض سلاسل تجارية إقليمية شهيرة تحملت خسائر من أجل الاستمرار في الأسعار المدعمة.
الصعوبات تولد الاحتجاجات
ثمة منطقة استياء أخرى بالنسبة للشعب الروسي، ألا وهي غلق مؤسسات طبية في بعض المناطق مثل موسكو، وفلاديفوستوك.
وفي موسكو، أغلق نحو ربع المراكز الطبية منذ نوفمبر الماضي، رغم أنها كانت تضم مرضى بداخلها، بما أشعل احتجاجات ثانوية في العاصمة.
وعلاوة على ذلك، تؤثر الضغوط الاقتصادية سلبا على سوق الوظائف في روسيا، حيث تشير الإحصائيات إلى استقطاع نحو 154.800 وظيفة في 2014, ونحو 127 ألف وظيفة خلال أول شهرين من 2015.
ووفقا لسيرجي فيلمياكين نائب وزير العمل، فإن معظم حالات التسريح الوظيفي تتعلق بشركات كبيرة أمثال روزنفت، وروستيليكوم، وأفتوفاز، والتي تديرها الدولة أو الأوليغارشية (حكم الأقلية).
يأتي ذلك في ظل تقارير حول عدم دفع رواتب المعلمين منذ ثلاثة شهور في مورمانسك وزاباكالسك، بما دفع المتضررين بالمنطقة الأولى إلى التقدم بالتماس للحاكم لطلب زيادة الدعم المالي من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما نظم مدرسون بالمنطقة الثانية احتجاجات ثانوية مطالبين بحقوقهم.
رسم بياني يوضح تطور معدلات البطالة في روسيا خلال الفترة من 1992-2015
وخصصت الحكومة الفيدرالية 300 مليون دولار لإعانات البطالة في بعض الحكومات الإقليمية أمثال تاترستان وألطاي كراي، وسمارا وتفير، بهدف الحفاظ على معدل التوظيف في شركات إقليمية مثل كاماز، وأفتوفاز، وألطاي فاجون.
وشهدت روسيا شهر مارس الماضي احتجاجات ثانوية متقطعة، ودخل أعضاء تابعون للحزب الشيوعي في ستافربول في توابيت رمزية احتجاجا على مدفوعات المعاش المتدنية.
وفي نوفوسيبيرسك، ألقى فلاحون السماد أمام مصرف سبيربنك الحكومي، ورددوا هتافات منددة بالبنوك، ووصفوها بأعداء الشعب، وأضافوا : تسقط عبودية الديون”.
الكرملين يعرض المساعدة
دفع الوضع الاقتصادي المتأزم الكرملين إلى الدعوة لعقد اجتماعات اقتصادية اجتماعية بين بوتين والعديد من قيادات الإقاليم. وأثناء الشهرين الماضيين التقى بوتين حكام كل من كورسك وكريليا وأستراخان وموسكو وتولا وإركوتسك وكالينينغراد، وجمهوريتي نورث أوسيتيا وخاكاسيا.
العديد من الحكومات الروسية الإقليمية فقيرة التجهيز بما لا يمكنها من التعامل مع مثل هذه الأزمة الاقتصادية، حتى أن 63 من إجمالي 83 حكومة إقليمية روسية تواجه خطر التعثر في الديون أو الإفلاس خلال السنوات القليلة المقبلة.
ومنذ الأزمة المالية عام 2008-2009، ارتفع معدل ديون الحكومة الفيدرالية والحكومات الإقليمية التابعة لها لأكثر من 100 %. وتوقعت “ستاندارد & بور” أن يبلغ إجمالي ديون الحكومات الإقليمية 103 مليار دولار في العام الحالي، أما الديون الفيدرالية والإقليمية مجتمعة فتبلغ زهاء 300 مليار دولار، أو 14 % من الناتج الإجمالي القومي.
ورغم أن مثل هذه الأرقام لا تبدو كبيرة بالنسبة لدولة في حجم روسيا، لكن المشكلة تتمثل في أن نسبة كبيرة جدا من تلك الديون تتركز في أقاليم لا تمتلك أدوات لاختزالها، مثلما تفعل الحكومة الفيدرالية.
رسم توضيحي لبيان الديون التي تجابه حكومات الأقاليم الروسية
ويخشى الكرملين أن يتسبب استمرار الوضع المتأزم في خرق بعض القيادات الإقليمية لبعض إستراتيجيات الحكومة الفيدرالية، مثل التعامل مع الاحتجاجات، ودفع الضرئب الفيدرالية.
الاستياء المتزايد للشعب الروسي وكبار رجال الأعمال وكذلك الحكومة الفيدرالية يمثل ضغوطا متزايدة على القيادات الإقليمية، لا سيما وأن الكرملين يرغب في استمرار حكومات الأقاليم في دفع ضرائب فوق العادة، بدلا من توجيهها إلى الداخل.
وتشير الأرقام إلى أن 37 % فحسب من إجمالي الضرائب والدخول التي تجمعها الأقاليم الروسية تبقى في حوذة الحكومات، بينما يذهب الباقي للحكومة الفيدرالية، التي تعيد نحو 20 % فقط في صورة دعم.
وكرد فعل على ذلك، وافقت الحكومة الفيدرالية على خطة في 20 مارس الماضي لإعادة هيكلة ديون الأقاليم لديها. وخصص الكرملين 1.6 مليار دولار من أجل إعادة الهيكلة المذكورة، بالإضافة إلى مد الحد الأقصى للأجل المستحق من 2025 إلى 2034.
وقال رئيس الوزراء دميتري مدفيديف عند الموافقة على الخطة: “لا يمكننا ترك أعضاء داخل الفيدرالية يواجهون بمفردهم هذه المشكلة” في إيماءة لمخاوف الكرملين من الانشاق وعدم الاستقرار داخل الأقاليم التابعة لها.
لكن الكرملين يواجه صعوبة كبيرة في السيطرة على 83 إقليما، حتى في حالة عدم وجود أزمات اقتصادية واضطرابات اجتماعية، كما أن النظام الروسي يعلم جيدا أن التشرذم والاضطرابات قد يؤديان إلى تغيير الحكومة، بل أن بوتين نفسه صعد إلى الحكم منتهزا ظروفا مشابهة.
في عام 1998، ومن أجل الحفاظ على استقرار أقاليمهم، بدأت القيادات الإقليمية في الانفصال عن السياسات الفيدرالية، في كيفية التعامل مع الاحتجاجات ودفع الضرائب الفيدرالية.
عين على الاحتجاجات
وبجانب برامج المساعدات المالية، يجهز الكرملين لأساليب يقمع بها قيادات الأقاليم إذا أظهروا بوادر انشقاق، أو في حالة عدم استطاعتهم السيطرة على مقاليد الأمور داخل ولاياتهم.
وفي 30 مارس الماضي، نشرت مؤسسة “تنمية المجتمع المدني”، ذات الصلة بالكرملين، تصنيفا بأفضل وأسوأ حكام الأقاليم الروسية.
واعتمد التصنيف في معظمه على مدى التحسن الطارئ في الظروف الاجتماعية والاقتصادية. ونوهت المؤسسة إلى إمكانية نشر تصنيف مماثل كل ثلاثة شهور بشكل دوري، كما لو كان الكرملين يقول إنه سيجري فحصا دوريا ربع سنوي على كفاءة قيادات الأقاليم.
ولا يشعر بوتين أبدا بالخجل من إجراء تعديلات في قائمة حكام الأقاليم. فمنذ بداية العام الجاري، قرر بوتين تعيين ستة حكام أقاليم جدد أو نواب لهم في كل من تتارستان وأمور سخالين ويامال نينيتس وخانتي مانسيسك وأوبلاست ذي الحكم الذاتي اليهودي.
ويبدو الأمر الآن كما لو أن بوتين يرغب في التيقن من أن كافة قيادات الأقاليم الروسية يستطيعون إدراك أوضاعهم. كما أنشأ الرئيس الروسي نظاما يحشد حملات مناهضة ضد هؤلاء الذين لا يذعنون لسياساته.
وقد لا يكون تشديد بوتين قبضته على السلطة مثيرا للجدل بين الشعب الروسي. ففي الأزمة المالية عام 1998، رأى 71 % من الروس أن حفظ النظام في البلاد أكثر أهمية من الديمقراطية، وفقا لاستطلاع ليفادا.
ونشرت مؤسسة ” ليفادا” استطلاع رأي مثير للجدل في 31 مارس الماضي أشار إلى أن 45 % من الروس يبررون القمع الذي مارسه القائد السوفيتي جوزيف ستالين أثناء الصعوبات الاقتصادية، بينما لم تكن النسبة تتجاوز 25 % عام 2013.
وبالتالي، يتزايد معدل قبول الروس والقبضة القوية للكرملين طالما ظلت روسيا مستقرة.