رئيس وزراء إسرائيل القادم
أظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة «معاريف» الإسرائيلية في أوائل الشهر الجاري، أكتوبر/تشرين الأول 2016، تفوق الحزب الإسرائيلي «هناك مستقبل» (ييش عتيد) بزعامة «يائير لابيد»، على حزب الليكود بفارق خمسة مقاعد، إذا ما جرت انتخابات للكنيست الإسرائيلي حاليًا. حيث حصد حزب لابيد 27 مقعدًا، في مقابل 22 مقعدًا لليكود، وهي تقريبًا ذات النتائج التي كشف عنها الاستطلاع الذي أجرته القناة الأولى الإسرائيلية في مطلع الشهر الماضي، سبتمبر/أيلول 2016.
وفي أوائل شهر سبتمبر/أيلول الماضي 2016، أقام حزب «هناك مستقبل» حفلًا في مدينة «ريشون لتسيون» بمناسبة احتفالات رأس السنة العبرية، وذلك بعد ظهور نتائج استطلاعات الرأي السابقة، حيث سادت حالة من التفاؤل أجواء الحفل، حتى إن عضو الكنيست «بوعز توبوروفسكي» حينما قدّم لابيد لإلقاء كلمته، قال: «يشرفني أن أدعو رئيس الوزراء القادم لدولة إسرائيل، عضو الكنيست يائير لابيد».
يائير لابيد ينافس
خلال السنوات الست الأخيرة، بات واضحًا أن البيئة السياسية الإسرائيلية عاجزة عن تقديم نخبة سياسية جديدة، قادرة على منافسة القادة التاريخيين لإسرائيل. فالرعيل الأول من القادة السياسيين والعسكريين الذين ساهموا في تأسيس «الدولة»، وعاصروا معظم اللحظات الفارقة في «تاريخها» غادروا المشهد السياسي.
لذا، تمكّن نتنياهو – أصغر رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل حينما تولى الحكومة عام 1996 – من إتمام عامه السابع على التوالي في الحكم، دون منافسة حقيقية، وهو ما لم يحدث منذ فترة حكم إسحاق شامير (1986 – 1992)، كما أصبح نتنياهو بذلك أطول رئيس وزراء حكم إسرائيل بعد دافيد بن جوريون، وذلك لمدة عشر سنوات.
فهل يتمكن لابيد حقًا من منافسة نتنياهو، واقتناص كرسي الحكم خلال الفترة القادمة؟
صعود سياسي كبير
حققّ المراسل الصحفي والإعلامي السابق «يائير لابيد» صعودًا سياسيًا كبيرًا ومفاجئًا، حينما تمكّن حزبه في أول انتخابات يخوضها عام 2013 من اقتناص 19 مقعدًا في الكنيست، ومشاركة نتنياهو في تشكل حكومته الائتلافية، ولكنه سرعان ما تراجع في انتخابات 2015 ليحصد 11 مقعدًا فقط.
ورغم التقدم الذي حققه لابيد مؤخرًا في استطلاعات الرأي، إلا أن هناك عدة عقبات تحول دون أن يكون منافسًا حقيقيًا لنتنياهو على مقعد رئاسة الوزراء، فهو لا يمتلك الخبرة السياسية التي قد تمنحه رصيدًا جماهيريًا ذا ثقل، وذلك في حقبة يعتمد خلالها السلوك التصويتي في إسرائيل على عنصري الخبرة والثقة، في ظل غياب مشروعات سياسية مغايرة للرؤية اليمينية حول مستقبل الدولة.
كذلك، لا يمتلك لابيد مشروعًا سياسيًا متكاملًا ومغايرًا للإستراتيجيات المطروحة لإدارة «الدولة»، إضافة إلى أن رؤاه السياسية والأمنية مشوشة وضبابية، بل بدا مؤخرًا، أنه يود استعارة «خطاب نتنياهو»، من حيث التحريض ضد اليسار الراديكالي، والحديث كثيرًا عن الهولوكوست، وانتقاض وسائل الإعلام، وكأنه يود كسب تأييد وتعاطف أنصار نتنياهو والليكود، لدرجة أن خطاباته العامة لا تكاد تخلو من الحديث عن مناحم بيجن – القائد التاريخي لليكود – وعن العلاقة الحميمة التي كانت تجمع أسرته به.
أمّا العامل الأهم في ترسيم مستقبل لابيد السياسي هو علاقته بالمتدينين، حيث أنه تبنّى مع صعوده السياسي الأول خطابًا علمانيًا بامتياز، وكشف عن أجندة لمواجهة المتدينين، وتحجيم نفوذهم ونفوذ أحزابهم السياسية.
ولم يدرك لابيد في هذه اللحظة، أن مواجهة المتدينين قد تكون الأجندة المناسبة لربح زعامة المعارضة في الكنيست، وليس رئاسة الحكومة. فعلى مدار الـ 15 عامًا الماضية التي حكم خلالها اليمين إسرائيل، كان للأحزاب اليمنية دور محوري في تشكيل معظم الحكومات الائتلافية، وكذلك إسقاطها، خاصة في فترة حكم نتنياهو؛ حيث امتلكت 14 مقعدًا من ضمن 69 في حكومة نتنياهو الأولى عام 2009، و12 مقعدًا من ضمن 68 في حكومته الثانية عام 2013، و21 مقعدًا من 61 في حكومته الأخيرة عام 2015.
ولكن، بعد أن أدار لابيد حملتين انتخابيتين، أدرك أن عداءه للأحزاب الدينية سيحول دون وصوله لكرسي الحكم، فحاول التخفيف من حدة لهجته ضدهم، واتجه إلى تبني خطاب تصالحي معهم، حتى أنه أصبح يستخدم المصطلحات الدينية في مواضع عدة من خطاباته الأخيرة.
نتنياهو ما زال في المنطقة الدافئة
استنتج لابيد أن نتنياهو قبع لمدة سبع سنوات في منطقة دافئة، ذات رصيد انتخابي وافر، فحاول أن يزاحمه فيها ليحل محله. وعلى ذلك لم ينتقد خطاب نتنياهو أو اتجاه سياساته، فبنى حملته على مقولة: «في عام 2016، لا تحتاج إسرائيل إلى رئيس وزراء من عام 1996».
ولكن، لماذا قد تتخلى الجماهير عن رجل ذي خبرة وتاريخ سياسي، لم يرتكب أخطاء سياسية فادحة خلال فترة حكمه، بل قاد بلادهم في فترة هي الأصعب في تاريخ المنطقة الحديث، وخرج منها مُحققًا مكاسب إستراتيجية هامة، واستبداله بنسخة جديدة عمرها السياسي لم يتعدى الـ 5 سنوات؟
حتى وإن استطاع لابيد حصد الأكثرية في انتخابات الكنيست القادمة، قد لا يكون قادرًا على تشكيل حكومة ائتلافية؛ نتيجة غياب الثقة بينه وبين الأحزاب الدينية، التي شكلت تحالفًا «شبه مستقر» مع نتنياهو عبر السنوات الماضية، كفل لها حضورًا محوريًا في الحكومة، وكفل لنتنياهو مقعد رئاسة الوزراء. فلماذا تثق الأحزاب الدينية في رجل بنى أجندة صعوده السياسي على معاداتها، ثم تبنى خطابًا غامضًا ومتناقضًا حيالها؟
الخلاصة، أن يائير لابيد لا يمتلك المقومات القادرة على منافسة نتنياهو في المستقبل القريب، إلا في حالة سقوط سياسي مدوٍّ للأخير، وهو أمر مستبعد حاليًا. لذا، فإن نتنياهو قد يتمكن من الحفاظ على منصبه، في حال إجراء انتخابات مبكرة للكنيست الإسرائيلي.
مستقبل عملية السلام
بعيدًا عن تقييم أي عملية سلام قد يتم إجراؤها بين الفلسطينيين والإسرائيليين في المستقبل القريب، والحد الأقصى من الانتصارات التي قد يتم انتزاعها لصالح فلسطين، فإن استمرار نتنياهو في حكم إسرائيل يعني استمرار جمود عملية السلام، حتى إذا أظهرت القيادة الأمريكية الجديدة تطلعاتها لإتمام هذه العملية.
فنتنياهو يمتلك أجندته الخاصة في هذا الصدد، وهي أجندة مُجحِفة للفلسطينيين وسالبة لأي مكاسب قد حققوها على المستوى السياسي مؤخرًا، وهو مستعد لتحدي الإدارة الأمريكية الجديدة إذا ما حاولت فرض عملية سلام مغايرة لرؤيته الخاصة، مثلما فعل مع إدارة أوباما.
بل إن هناك عدة مؤشرات تؤكد أن السلطة الفلسطينية ذاتها قد تتفكك في حال استمرار نتنياهو؛ فهو من جهة يحرمها من السيادة على مناطق الحكم الذاتي، ويتحكم في ذراعها الاقتصادي بشكل تام، ومن جهة أخرى يحرمها من شريان الحياة بالنسبة لها وهو «المفاوضات»، والتي مثلت مصدر شرعيتها على مدار السنوات الماضية، واتخذت من الرغبة في نجاحها وإتمامها ذريعة لدحض المقاومة الفلسطينية.
على الجانب الآخر، ربما كان يحمل صعود لابيد إلى رأس الحكم في إسرائيل أملًا في إحياء عملية السلام، بل وإتمام عملية «مرحلية».
ورغم تخبط وضبابية رؤية لابيد للسلام مع الفلسطينيين، فربما كان ليسير على خطى معلمه – الذي تباهى به في خطاباته العامة – مناحم بيجن، فيعقد سلامًا تاريخيًا مع الفلسطينيين، برعاية القيادة الأمريكية الجديدة، وذلك أملاً في بدء مسيرته السياسية بإنجاز تاريخي، يكفل وضع اسمه بين كبار قادة إسرائيل، ويمنحه شرعية الحكم لفترة مناسبة من الزمن.
وعلى ذلك، وفي ظل عجز الساحة السياسية الإسرائيلية عن تقديم بديل لنتنياهو، فإن عملية السلام من المُرجّح أن تظل مُعلقة على هذا النحو دون أدنى تقدم، إلا إذا صعدت قيادة فلسطينية جديدة على رأس السلطة، مستعدة لتقديم التنازلات التي يرضاها نتنياهو.